الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَوْلُهُ هَاهُنَا: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} أَيْ: بِحَسْبِ إِخْلَاصِهِ فِي عَمَلِهِ {وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} أَيْ: فَضْلُهُ وَاسِعٌ كَثِيرٌ أَكْثَرُ مِنْ خَلْقِهِ، عَلِيمٌ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ وَمَنْ لَا يَسْتَحِقُّ.
{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ
(262)
قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264) }
يَمْدَحُ تَعَالَى الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مِنَ الْخَيْرَاتِ وَالصَّدَقَاتِ مَنًّا عَلَى مَنْ (1) أَعْطَوْهُ، فَلَا يَمُنُّونَ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَمُنُّونَ بِهِ لَا بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ.
وَقَوْلُهُ: {وَلا أَذًى} أَيْ: لَا يَفْعَلُونَ مَعَ مَنْ أَحْسَنُوا إِلَيْهِ مَكْرُوهًا يُحْبِطُونَ بِهِ مَا سَلَفَ مِنَ الْإِحْسَانِ. ثُمَّ وَعَدَهُمْ تَعَالَى الْجَزَاءَ الْجَزِيلَ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ:{لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِم} أَيْ: ثَوَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ، لَا عَلَى أَحَدٍ سِوَاهُ {وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِم} أَيْ: فِيمَا يَسْتَقْبِلُونَهُ مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ {وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} أَيْ: [عَلَى](2) مَا خَلَّفُوهُ مِنَ الْأَوْلَادِ وَمَا فَاتَهُمْ مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزَهْرَتِهَا (3) لَا يَأْسَفُونَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ صَارُوا إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ} أَيْ: مِنْ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ وَدُعَاءٍ لِمُسْلِمٍ {وَمَغْفِرَة} أَيْ: غَفَرَ (4) عَنْ ظُلْمٍ قَوْلِيٍّ أَوْ فِعْلِيٍّ {خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى}
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا ابْنُ نُفَيْلٍ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَعْقِلِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا مِنْ صَدَقَةٍ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ قَوْلٍ مَعْرُوفٍ، أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَهُ: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى} "{وَاللَّهُ غَنِيٌّ} [أَيْ](5) : عَنْ خَلْقِهِ.
{حَلِيمٌ} أَيْ: يَحْلُمُ وَيَغْفِرُ وَيَصْفَحُ وَيَتَجَاوَزُ عَنْهُمْ.
وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ بِالنَّهْيِ عَنْ الْمَنِّ فِي الصَّدَقَةِ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُسْهِر، عَنْ خَرَشَةَ بن الحر، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: الْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى، وَالْمُسْبِلُ إِزَارَهُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ"(6) .
وَقَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمُ (7) بْنُ خَارِجَةَ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَاقٌّ، وَلَا مَنَّانٌ، وَلَا مُدْمِنُ خَمْرٍ، ولا مكذب بقدر"
(1) في ج، أ:"على ما".
(2)
زيادة من جـ، أ، و.
(3)
في و: "وزينتها".
(4)
في جـ، أ، و:"أي عفو".
(5)
زيادة من ج.
(6)
صحيح مسلم برقم (106) .
(7)
في و: "الهيثم".