الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي سَبِيلِ اللَّهِ" (1) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: "أمرْتُ أنْ أقاتلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ" (2) وَقَوْلُهُ:{فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلا عَلَى الظَّالِمِينَ} يَقُولُ: فَإِنِ انْتَهَوْا عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الشِّرْكِ، وَقِتَالِ الْمُؤْمِنِينَ، فكُفُّوا عَنْهُمْ، فَإِنَّ مَنْ قَاتَلَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ ظَالِمٌ، وَلَا عُدوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ: لَا يُقَاتَلُ إِلَّا مَنْ قَاتَلَ. أَوْ يَكُونُ تَقْدِيرُهُ؛ فَإِنِ انْتَهَوْا فَقَدْ تَخَلَّصُوا مِنَ الظُّلْمِ، وَهُوَ الشِّرْكُ. فَلَا عُدْوَانَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ بالعُدْوان هَاهُنَا الْمُعَاقَبَةُ وَالْمُقَاتَلَةُ، كَقَوْلِهِ:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} وَقَوْلِهِ: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشُّورَى: 40]، {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النَّحْلِ: 126] . وَلِهَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ: الظَّالِمُ: الذِي أَبَى أَنْ يَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: قَوْلُهُ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ [وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ] (3) } الْآيَةَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا عُبَيد اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَتَاهُ رَجُلَانِ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَا (4) : إِنَّ النَّاسَ صَنَعُوا (5) وَأَنْتَ ابْنُ عُمَرَ وَصَاحِبُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَخْرُجَ؟ قَالَ: يَمْنَعُنِي أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ دَمَ أَخِي. قَالَا أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} ؟ قَالَ: قَاتَلْنَا حَتَّى لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ وَكَانَ الدِّينُ لِلَّهِ، وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لغير الله. زاد عثمان ابن صَالِحٍ (6) عَنِ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي فُلَانٌ وَحَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو الْمُعَافِرِيِّ (7) أَنَّ بُكَير بْنَ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَهُ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ [لَهُ](8) يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تَحُجَّ عَامًا وَتَعْتَمِرَ (9) عَامًا، وَتَتْرُكَ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَقَدْ عَلِمْتَ مَا رَغَّبَ اللَّهُ فِيهِ؟ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، بُني الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: الْإِيمَانُ بِالْلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ، وَأَدَاءُ الزَّكَاةِ، وَحَجُّ الْبَيْتِ. قَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَلَا تَسْمَعُ مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الْحُجُرَاتِ: 9]، {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} قَالَ: فَعَلْنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ (10) صلى الله عليه وسلم وَكَانَ الْإِسْلَامُ قَلِيلًا وَكَانَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ فِي دِينِهِ: إِمَّا قَتَلُوهُ أَوْ عَذَّبُوهُ (11) حَتَّى كَثُرَ الْإِسْلَامُ فَلَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ، قَالَ: فَمَا قَوْلُكَ فِي عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ؟ قَالَ: أَمَّا عُثْمَانُ فَكَانَ اللَّهُ عَفَا عَنْهُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَكَرِهْتُمْ أَنْ تَعْفُوا (12) عَنْهُ، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَخَتَنَهُ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ فَقَالَ: هَذَا بَيْتُهُ حَيْثُ تَرَوْنَ (13) .
{الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ
(194) }
(1) صحيح البخاري برقم (2810، 3126) وصحيح مسلم برقم (1904) .
(2)
صحيح البخاري برقم (25) وصحيح مسلم برقم (22) من حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما.
(3)
زيادة من جـ، ط.
(4)
في ط: "فقالوا".
(5)
في و: "ضيعوا".
(6)
في جـ: "عثمان بن أبي صالح".
(7)
في أ: "المغافري".
(8)
زيادة من جـ، ط، أ.
(9)
في و: "وتقيم".
(10)
في جـ: "رسول الله".
(11)
في أ، و:"أو يعذبوه".
(12)
في جـ: "يعفو".
(13)
صحيح البخاري برقم (4513-4515) .
قَالَ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالضَّحَّاكِ، وَالسُّدِّيِّ، ومِقْسَم، وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، وَعَطَاءٍ وَغَيْرِهِمْ: لَمَّا سَارَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُعْتَمِرًا فِي سَنَةِ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ، وحَبَسَه الْمُشْرِكُونَ عَنِ الدُّخُولِ وَالْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ، وَصَدُّوهُ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي ذِي القعْدة، وَهُوَ شَهْرٌ حَرَامٌ، حَتَّى قَاضَاهُمْ عَلَى الدُّخُولِ مِنْ قَابِلٍ، فَدَخَلَهَا فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ، هُوَ وَمَنْ كَانَ [مَعَهُ](1) مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وأقَصه اللَّهُ مِنْهُمْ، فَنَزَلَتْ فِي ذَلِكَ هَذِهِ الْآيَةُ:{الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ}
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَغْزُو فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ إِلَّا أَنْ يُغْزى ويُغْزَوا (2) فَإِذَا حَضَرَهُ أَقَامَ حَتَّى يَنْسَلِخَ (3) .
هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ؛ وَلِهَذَا لَمَّا بَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم -وَهُوَ مُخَيِّم بِالْحُدَيْبِيَةِ -أَنَّ عُثْمَانَ قَدْ قُتِلَ -وَكَانَ قَدْ بَعَثَهُ فِي رِسَالَةٍ إِلَى الْمُشْرِكِينَ -بَايَعَ أَصْحَابَهُ، وَكَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ تحتَ الشَّجَرَةِ عَلَى قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ، فَلَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ عُثْمَانَ لَمْ يقْتل كَفَّ عَنْ ذَلِكَ، وَجَنَحَ إِلَى الْمُسَالِمَةِ وَالْمُصَالِحٍةِ، فَكَانَ مَا كَانَ.
وَكَذَلِكَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ قِتَالِ هَوازِن يَوْمَ حُنَيْنٍ وتَحَصَّن فَلُّهم بِالطَّائِفِ، عَدَل إِلَيْهَا، فحاصَرَها وَدَخَلَ ذُو القَعْدة وَهُوَ مُحَاصِرُهَا بِالْمَنْجَنِيقِ، وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهَا إِلَى كَمَالِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ (4) . فَلَمَّا كَثُرَ الْقَتْلُ فِي أَصْحَابِهِ انْصَرَفَ عَنْهَا وَلَمْ تُفْتَحْ، ثُمَّ كَرَّ رَاجِعًا إِلَى مَكَّةَ وَاعْتَمَرَ مِنَ الْجِعْرَانَةِ، حَيْثُ قَسَّمَ غَنَائِمَ حُنين. وَكَانَتْ عُمْرته هَذِهِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ أَيْضًا عَامَ ثَمَانٍ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} أمْر بِالْعَدْلِ حَتَّى فِي الْمُشْرِكِينَ: كَمَا قَالَ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النَّحْلِ: 126] . وَقَالَ: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشُّورَى: 40] .
وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إن قَوْلَهُ: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} نَزَلَتْ بِمَكَّةَ حَيْثُ لَا شَوْكَةَ وَلَا جهَاد، ثُمَّ نُسِخَ بِآيَةِ الْجِهَادِ (5) بِالْمَدِينَةِ. وَقَدْ رَدّ هَذَا الْقَوْلَ ابنُ جَرِيرٍ، وَقَالَ: بَلْ [هَذِهِ](6) الْآيَةُ مَدَنِيَّةٌ بَعْدَ عُمْرة القَضيَّة، وَعَزَا ذَلِكَ إِلَى مُجَاهِدٍ، رحمه الله.
وَقَدْ أُطْلِقَ هَاهُنَا الِاعْتِدَاءُ عَلَى الِاقْتِصَاصِ، مِنْ بَابِ الْمُقَابَلَةِ، كَمَا قَالَ عَمْرُو بْنُ أُمِّ كُلْثُومَ:
أَلَا لَا يَجْهَلَنْ أحدٌ عَلَيْنَا
…
فَنَجَهَلْ فوق جهل الجاهلينا
…
وقال ابن دريد:
(1) زيادة من جـ، ط، أ، و.
(2)
في جـ: "إلا يغزوا الغزو"، وفي أ:"إلا أن يقر ويقروا".
(3)
المسند (3/345) .
(4)
الحديث بهذا المعنى في صحيح مسلم برقم (1059) .
(5)
في جـ، ط، أ، و:"بآية القتال".
(6)
زيادة من جـ، ط، أ.