الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قُلُوبُهُمْ مَلْعُونَةٌ مَطْبُوعٌ عَلَيْهَا، كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ:{وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلا} [النِّسَاءِ: 155] . وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: {فَقَلِيلا مَّا يُؤْمِنُونَ} وَقَوْلُهُ: {فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلا} ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَقَلِيلٌ مِنْ يُؤْمَنُ مِنْهُمْ [وَاخْتَارَهُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ وَحَكَاهُ عَنْ قَتَادَةَ وَالْأَصَمِّ وَأَبِي مُسْلِمٍ الْأَصْبَهَانِي] وَقِيلَ: فَقَلِيلٌ إِيمَانُهُمْ. بِمَعْنَى أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مُوسَى مِنْ أَمْرِ الْمَعَادِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَلَكِنَّهُ إِيمَانٌ لَا يَنْفَعُهُمْ، لِأَنَّهُ مَغْمُورٌ بِمَا كَفَرُوا بِهِ مِنَ الذِي جَاءَهُمْ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُمْ كَانُوا غَيْرُ مُؤْمِنِينَ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا قَالَ:{فَقَلِيلا مَا يُؤْمِنُونَ} وَهُمْ بِالْجَمِيعِ كَافِرُونَ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: قَلَّمَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَذَا قَطُّ. تُرِيدُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَذَا قَطُّ. [وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: تَقُولُ الْعَرَبُ: مَنْ زَنَى بِأَرْضٍ قَلَّمَا تُنْبِتُ، أَيْ: لَا تُنْبِتُ شَيْئًا] . (1) .
حَكَاهُ (2) ابْنُ جَرِيرٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(1) زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
(2)
في جـ، ط، ب:"حكاها".
{وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ
(89) }
يَقُولُ تَعَالَى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ} يَعْنِي الْيَهُودَ {كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} وَهُوَ: الْقُرْآنُ الذِي أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم {مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ} يَعْنِي: مِنَ التَّوْرَاةِ، وَقَوْلُهُ:{وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} أَيْ: وَقَدْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ مَجِيءِ هَذَا الرَّسُولِ بِهَذَا الْكِتَابِ يَسْتَنْصِرُونَ بِمَجِيئِهِ عَلَى أَعْدَائِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِذَا قَاتَلُوهُمْ، يَقُولُونَ: إِنَّهُ سَيُبْعَثُ نَبِيٌّ فِي آخِرِ الزَّمَانِ نَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمَ، كَمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَر عَنْ قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْهُمْ قَالَ: قَالُوا: فِينَا وَاللَّهِ وَفِيهِمْ -يَعْنِي فِي الْأَنْصَارِ-وَفِي الْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا جِيرَانَهُمْ، نَزَلَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ يَعْنِي:{وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} قَالُوا (1) كُنَّا قَدْ عَلُوْنَاهُمْ دَهْرًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَنَحْنُ أَهْلُ شِرْكٍ وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ، فَكَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ نَبِيًّا مِنْ [الْأَنْبِيَاءِ](2) يُبْعَثُ الْآنَ نَتْبَعُهُ، قَدْ أَظَلَّ زَمَانُهُ، نَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمَ. فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ مِنْ قُرَيْشٍ [وَاتَّبَعْنَاهُ] (3) كَفَرُوا بِهِ. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى:{فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [النِّسَاءِ: 155] .
وَقَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ:{وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} قَالَ: يَسْتَظْهِرُونَ يَقُولُونَ: نَحْنُ نُعِينُ مُحَمَّدًا عليهم، وليسوا كذلك، يكذبون.
(1) في جـ، ط، ب:"قال".
(2)
زيادة من جـ.
(3)
زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنِي عِكْرِمَةُ أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ يَهود (1) كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ مَبْعَثِهِ. فَلَمَّا بَعَثَهُ اللَّهُ مِنَ الْعَرَبِ كَفَرُوا بِهِ، وَجَحَدُوا مَا كَانُوا يَقُولُونَ فِيهِ. فَقَالَ لَهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَبِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُور، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ (2) يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، اتَّقَوُا اللَّهَ وَأَسْلِمُوا، فَقَدْ كُنْتُمْ تَسْتَفْتِحُونَ عَلَيْنَا بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ أَهْلُ شِرْكٍ، وَتُخْبِرُونَنَا بِأَنَّهُ مَبْعُوثٌ، وتصفُونه لَنَا بِصِفَتِهِ. فَقَالَ سَلام بْنُ مِشْكم أَخُو بَنِي النَّضِيرِ: مَا جَاءَنَا بِشَيْءٍ نَعْرِفُهُ، وَمَا هُوَ بِالذِي كُنَّا نَذْكُرُ لَكُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ:{وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} (3)
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:{وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} يَقُولُ: يَسْتَنْصِرُونَ بِخُرُوجِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ -يَعْنِي بِذَلِكَ أَهْلَ الْكِتَابِ-فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم وَرَأَوْهُ مِنْ غَيْرِهِمْ كَفَرُوا بِهِ وَحَسَدُوهُ.
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: كَانَتِ الْيَهُودُ تَسْتَنْصِرُ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ، يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ ابْعَثْ هَذَا النَّبِيَّ الذِي نَجِدُهُ مَكْتُوبًا عِنْدَنَا حَتَّى نُعَذِّبَ الْمُشْرِكِينَ وَنَقْتُلُهُمْ. فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم، وَرَأَوْا أَنَّهُ (4) مِنْ غَيْرِهِمْ، كَفَرُوا بِهِ حَسَدًا لِلْعَرَبِ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اللَّهُ:{فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ}
وَقَالَ قَتَادَةُ: {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّهُ سَيَأْتِي نَبِيٌّ. {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ}
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} قَالَ: هُمُ الْيَهُودُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، أَخِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ قَالَ: كَانَ لَنَا جَارٌ يَهُودِيٌّ فِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ قَالَ: فَخَرَجَ عَلَيْنَا يَوْمًا مِنْ بَيْتِهِ قَبْلَ مَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَسِيرٍ، حَتَّى وَقَفَ عَلَى مَجْلِسِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ. قَالَ سَلَمَةَ: وَأَنَا يَوْمَئِذٍ أَحْدَثُ مَنْ فِيهِمْ سِنًّا عَلَى بُرْدَةٍ مُضْطَجِعًا فيها بفناءٍ أصلي. فَذَكَرَ الْبَعْثَ وَالْقِيَامَةَ وَالْحَسَنَاتِ وَالْمِيزَانَ وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ. قَالَ ذَلِكَ لِأَهْلِ شِرْكٍ أَصْحَابِ أَوْثَانٍ لَا يَرَوْنَ بَعْثًا كَائِنًا بَعْدَ الْمَوْتِ، فَقَالُوا لَهُ: وَيْحَكَ يَا فُلَانُ، تَرَى هَذَا كَائِنًا أَنَّ النَّاسَ يُبْعَثُونَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ إِلَى دَارٍ فِيهَا جَنَّةٌ وَنَارٌ، يُجْزُونَ فِيهَا بِأَعْمَالِهِمْ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَالذِي يُحْلَفُ بِهِ، لَوَدَّ أَنَّ لَهُ بِحَظِّهِ مِنْ تِلْكَ النَّارِ أَعْظَمَ تَنُّورٍ فِي الدُّنْيَا يَحْمُونَهُ ثُمَّ يُدْخِلُونَهُ إِيَّاهُ فَيُطْبِقُ بِهِ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَنْجُوَ مِنْ تِلْكَ النَّارِ غَدًا. قَالُوا لَهُ: وَيْحَكَ وَمَا آيَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَبِيٌّ
(1) في جـ، ط، ب، أ، و:"أن يهودًا".
(2)
في جـ، ط، ب، أ، و:"وداود بن سلمة".
(3)
انظر: السيرة النبوية لابن هشام (1/547) وتفسير الطبري (2/233) .
(4)
في جـ: "ورأوه".