المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بِالْلَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحد عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إِلَّا - تفسير ابن كثير - ت السلامة - جـ ١

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌ترجمة الحافظ ابن كثير

- ‌كتاب تفسير القرآن العظيم

- ‌مُقَدِّمَةُ ابْنِ كَثِيرٍ

- ‌ الْفَاتِحَةُ

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌5]

- ‌(6)

- ‌(7) }

- ‌(1)

- ‌ الْبَقَرَةِ

- ‌(2) }

- ‌(3) }

- ‌(4) }

- ‌5]

- ‌(6) }

- ‌(7) }

- ‌(8)

- ‌(10) }

- ‌(11)

- ‌(13) }

- ‌(14)

- ‌(16) }

- ‌(17)

- ‌(19)

- ‌(21)

- ‌(23)

- ‌(25) }

- ‌(26)

- ‌(28) }

- ‌(29) }

- ‌(30) }

- ‌(31)

- ‌(34) }

- ‌(35) }

- ‌(36) }

- ‌(37) }

- ‌(38)

- ‌(40)

- ‌(42)

- ‌(44) }

- ‌(45)

- ‌(47) }

- ‌(48) }

- ‌(49)

- ‌(51)

- ‌(57) }

- ‌(58)

- ‌(60) }

- ‌(62) }

- ‌(63)

- ‌(65)

- ‌(67) }

- ‌(68)

- ‌(70) }

- ‌(72)

- ‌(74) }

- ‌(75)

- ‌(77) }

- ‌(78)

- ‌(80) }

- ‌(81)

- ‌(83) }

- ‌(84)

- ‌(87) }

- ‌(88) }

- ‌(89) }

- ‌(90) }

- ‌(91)

- ‌(93) }

- ‌(94)

- ‌(97)

- ‌(99)

- ‌(102)

- ‌(104)

- ‌(106)

- ‌(108) }

- ‌(109)

- ‌(111)

- ‌(113) }

- ‌(114) }

- ‌(115) }

- ‌(116)

- ‌(118) }

- ‌(119) }

- ‌(120)

- ‌(122)

- ‌(124) }

- ‌(125) }

- ‌(127)

- ‌(129) }

- ‌(130)

- ‌(133)

- ‌(135) }

- ‌(137)

- ‌(139)

- ‌(142)

- ‌(144) }

- ‌(145) }

- ‌(146)

- ‌(149)

- ‌(151)

- ‌(153) }

- ‌(154) }

- ‌(155)

- ‌(158) }

- ‌(159)

- ‌(163) }

- ‌(164) }

- ‌(165)

- ‌(168)

- ‌(170)

- ‌(174)

- ‌(177) }

- ‌(178)

- ‌(180)

- ‌(182) }

- ‌(183)

- ‌(185) }

- ‌(186) }

- ‌(187) }

- ‌(188) }

- ‌(190)

- ‌(194) }

- ‌(195) }

- ‌(196) }

- ‌(197) }

- ‌(198) }

- ‌(199) }

- ‌(200)

- ‌(203) }

- ‌(204)

- ‌(208)

- ‌(210) }

- ‌(211)

- ‌(213) }

- ‌(214) }

- ‌(215) }

- ‌(216) }

- ‌(217)

- ‌(219) }

- ‌(220) }

- ‌(221) }

- ‌(222)

- ‌(224) }

- ‌(225) }

- ‌(226)

- ‌(228) }

- ‌(229)

- ‌(231) }

- ‌(232) }

- ‌(233) }

- ‌(234) }

- ‌(235) }

- ‌(236) }

- ‌(237) }

- ‌(238)

- ‌(240)

- ‌(243)

- ‌(246) }

- ‌(247) }

- ‌(249) }

- ‌(250)

- ‌(253) }

- ‌(254) }

- ‌(255) }

- ‌(256) }

- ‌(257) }

- ‌(258) }

- ‌(259) }

- ‌(260) }

- ‌(261) }

- ‌(262)

- ‌(265) }

- ‌(266) }

- ‌(267)

- ‌(270)

- ‌(272)

- ‌(275) }

- ‌(276)

- ‌(278)

- ‌(282) }

- ‌(283) }

- ‌(284) }

- ‌(285)

الفصل: بِالْلَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحد عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إِلَّا

بِالْلَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحد عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا" (1) . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنَتِي تُوفي عَنْهَا زَوْجُهَا، وَقَدِ اشْتَكَتْ عينُها، أفنكْحُلُها؟ فَقَالَ: "لَا ". كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: "لَا" مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا. ثُمَّ قَالَ: "إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ (2) وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَمْكُثُ سَنَةً". قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا دَخَلَتْ حفْشًا، وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا، وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا وَلَا شَيْئًا، حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ، ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى بَعْرة فَتَرْمِي بِهَا، ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ -حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ طَيْرٍ -فَتَفْتَضَّ بِهِ فَقَلَّمَا تَفْتَضُّ بِشَيْءٍ إِلَّا مَاتَ (3) .

وَمِنْ هَاهُنَا ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَاسِخَةٌ لِلْآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا، وَهِيَ قَوْلُهُ:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [الْبَقَرَةِ: 240] ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ.

وَالْغَرَضُ أَنَّ الْإِحْدَادَ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَرْكِ الزِّينَةِ مِنَ الطِّيبِ، وَلُبْسِ مَا يَدْعُوهَا إِلَى الْأَزْوَاجِ مِنْ ثِيَابٍ وحُلِيٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ وَاجِبٌ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَلَا يَجِبُ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيَّةِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَهَلْ يَجِبُ فِي عِدَّةِ الْبَائِنِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ.

وَيَجِبُ الْإِحْدَادُ عَلَى جَمِيعِ الزَّوْجَاتِ الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الصَّغِيرَةُ وَالْآيِسَةُ (4) وَالْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ، وَالْمُسَلَمَةَ وَالْكَافِرَةُ، لِعُمُومِ الْآيَةِ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: لَا إِحْدَادَ عَلَى الْكَافِرَةِ. وَبِهِ يَقُولُ أشهبُ، وابنُ نَافِعٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ. وَحَجَّةُ قَائِلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ قولهُ صلى الله عليه وسلم (5) :"لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِالْلَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا": قَالُوا: فَجَعَلَهُ تَعَبُّدًا (6) . وَأَلْحَقَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ الصَّغِيرَةَ بِهَا، لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ. وَأَلْحَقَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ الْأَمَةَ الْمُسَلَمَةَ لِنَقْصِهَا (7) . وَمَحَلُّ تَقْرِيرِ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي كُتُبِ الْأَحْكَامِ وَالْفُرُوعِ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.

وَقَوْلُهُ: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} أَيِ: انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ (8) . قَالَهُ الضَّحَّاكُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، {فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَيْ: عَلَى أَوْلِيَائِهَا {فِيمَا فَعَلْنَ} يَعْنِي: النِّسَاءُ اللَّاتِي انْقَضَّتْ عِدَّتُهُنَّ. قَالَ الْعَوْفِيُّ (9) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِذَا طُلِّقَتِ الْمَرْأَةُ أَوْ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا، فَإِذَا انْقَضَّتْ عِدَّتُهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهَا أَنْ تَتَزَيَّنَ وتتصنَّع وَتَتَعَرَّضَ لِلتَّزْوِيجِ، فَذَلِكَ الْمَعْرُوفُ. رُوِيَ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ نَحْوَهُ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ:{فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} قَالَ: هُوَ النِّكَاحُ الْحَلَالُ الطَّيِّبُ. وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالسُّدِّيِّ نَحْوُ ذَلِكَ.

{وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ‌

(235) }

(1) صحيح البخاري برقم (5337) وصحيح مسلم برقم (1486) من حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها، وصحيح البخاري برقم (5334) وصحيح مسلم برقم (1486) من حديث أم حبيبة رضي الله عنها.

(2)

في جـ: "وعشرا".

(3)

صحيح البخاري برقم (5336) وصحيح مسلم برقم (1488) .

(4)

في جـ: "الصغير والكبير".

(5)

في جـ: "عليه السلام".

(6)

في جـ: "مقيدا".

(7)

في جـ: "لبعضها".

(8)

في جـ، أ، و:"عدتها".

(9)

في جـ: "قال الوالبي".

ص: 638

يَقُولُ تَعَالَى: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} أَنْ تُعَرّضوا بِخِطْبَةِ النِّسَاءِ فِي عِدَّتِهِنَّ مِنْ وَفَاةِ أَزْوَاجِهِنَّ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ. قَالَ الثَّوْرِيُّ وَشُعْبَةُ وَجَرِيرٌ وَغَيْرُهُمْ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:{وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} قَالَ: التَّعْرِيضُ أَنْ تَقُول: إِنِّي أُرِيدُ التَّزْوِيجَ، وَإِنِّي أُحِبُّ امْرَأَةً مِنْ أَمْرِهَا وَمِنْ أَمْرِهَا -يُعَرِّضُ لَهَا بِالْقَوْلِ بِالْمَعْرُوفِ -وَفِي رِوَايَةٍ: وَدِدْتُ أَنَّ اللَّهَ رَزَقَنِي امْرَأَةً وَنَحْوَ هَذَا. وَلَا يَنْصِبُ للخِطْبة. وَفِي رِوَايَةٍ: إِنِّي لَا أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ غيرَك إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً صَالِحٍةً، وَلَا يَنْصِبُ لَهَا مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا، فَقَالَ: قَالَ لِي طَلْقُ بْنُ غَنَّام، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:{وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} هُوَ أَنْ يَقُولَ: إِنِّي أُرِيدُ التَّزْوِيجَ، وَإِنَّ النِّسَاءَ لَمِنْ حَاجَتِي، وَلَوَدِدْتُ أَنَّهُ تَيَسَّر لِي امْرَأَةٌ صَالِحٍةٌ (1) .

وَهَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَطَاوُسٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبير، وَإِبْرَاهِيمُ النخَعي، وَالشَّعْبِيُّ، والحسنُ، وَقَتَادَةُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَيَزِيدُ بْنُ قُسَيط، وَمُقَاتِلُ بْنُ حيَّان، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ فِي التَّعْرِيضِ: أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ لَهَا بِالْخِطْبَةِ. وَهَكَذَا حُكْمُ الْمُطْلِقَةِ الْمَبْتُوتَةِ يَجُوزُ التَّعْرِيضُ لَهَا، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، حِينَ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا أَبُو عَمْرو بْنُ حَفْص: آخَرُ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ. فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَقَالَ لَهَا:"فَإِذَا حَلَلْت فَآذِنِينِي". فَلَمَّا حلَّتْ خَطَبَ عَلَيْهَا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ مَوْلَاهُ، فزَوّجها إِيَّاهُ (2) .

فَأَمَّا الْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ: فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ زَوْجِهَا التَّصْرِيحُ بِخِطْبَتِهَا وَلَا التَّعْرِيضُ لَهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَوْلُهُ: {أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ} أَيْ: أَضْمَرْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ خطْبَتَهُنّ (3) وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَبُّكَ (4) يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ} [الْقِصَصِ:69] وَكَقَوْلِهِ: {وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ} [المتحنة:1] وَلِهَذَا قَالَ: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ} أَيْ: فِي أَنْفُسِكُمْ، فَرَفَعَ الْحَرَجَ عَنْكُمْ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ:{وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} قَالَ أَبُو مِجْلَز، وَأَبُو الشَّعْثَاءِ -جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ -وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ، وَالسُّدِّيُّ: يَعْنِي الزِّنَا. وَهُوَ مَعْنَى رِوَايَةِ العَوفي عن ابن عباس، واختاره ابن جرير.

(1) صحيح البخاري برقم (5124) .

(2)

رواه مسلم في صحيحه برقم (1480) .

(3)

في جـ، أ، و:"من خطبتهن".

(4)

في جـ: "والله" وهو خطأ.

ص: 639

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:{وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} لَا تَقُلْ لَهَا: إِنِّي عَاشِقٌ، وَعَاهِدِينِي أَلَّا تَتَزَوَّجِي غَيْرِي، وَنَحْوَ هَذَا. وَكَذَا رُوي عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبير، وَالشَّعْبِيِّ، وَعِكْرِمَةَ، وَأَبِي الضُّحَى، وَالضَّحَّاكِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَالثَّوْرِيِّ: هُوَ أَنْ يَأْخُذَ مِيثَاقَهَا أَلَّا تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ: هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ: لَا تَفُوتِينِي بِنَفْسِكِ، فَإِنِّي نَاكِحُكِ.

وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ أَنْ يَأْخُذَ عَهْدَ الْمَرْأَةِ، وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا أَلَّا تَنْكِحَ غَيْرَهُ، فَنَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ وَقَدَّمَ فِيهِ، وَأَحَلَّ الْخِطْبَةَ وَالْقَوْلَ بِالْمَعْرُوفِ.

وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: {وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} هُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ سِرًّا، فَإِذَا حَلَّتْ أَظْهَرَ ذَلِكَ.

وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ عَامَّةً فِي جَمِيعِ ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا} قَالَ (1) ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالسُّدِّيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ زَيْدٍ: يَعْنِي بِهِ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ إِبَاحَةِ التَّعْرِيضِ. كَقَوْلِهِ: إِنِّي فِيكِ لِرَاغِبٌ. وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: قُلْتُ لعَبِيدة: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ: {إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا} ؟ قَالَ: يَقُولُ لِوَلِيِّهَا: لَا تسبِقْني بِهَا، يَعْنِي: لَا تُزَوِّجْهَا حَتَّى تُعلمني. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.

وَقَوْلُهُ: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} يَعْنِي: وَلَا تَعْقِدُوا الْعَقْدَ بِالنِّكَاحِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَأَبُو مَالِكٍ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ، وَالسُّدِّيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالضَّحَّاكُ:{حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} يَعْنِي: حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ.

وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي عِدَّتِهَا فَدَخَلَ بِهَا، فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَهَلْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ أَبَدًا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ، بَلْ لَهُ أَنْ يَخْطُبَهَا إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا. وَذَهَبَ الْإِمَامُ مَالِكٌ إِلَى أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ. وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ عُمَرَ، رضي الله عنه، قَالَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ فِي عِدَّتِهَا، فَإِنَّ زَوْجَهَا الَّذِي تَزَوَّجَهَا (2) لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنْ زَوْجِهَا الْأَوَّلِ، ثُمَّ كَانَ الْآخَرُ خَاطِبًا مِنَ الْخُطَّابِ، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ اعْتَدَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنَ الْأَوَّلِ (3) ثُمَّ اعْتَدَّتْ مِنَ الْآخَرِ، ثُمَّ لَمْ يَنْكِحْهَا أَبَدًا (4) .

قَالُوا: وَمَأْخَذُ هَذَا: أَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا اسْتَعْجَلَ مَا أَجَّلَ اللَّهُ، عُوقِبَ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، فَحَرُمَتْ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ، كَالْقَاتِلِ يُحْرَمُ (5) الميراثَ. وَقَدْ رَوَى الشَّافِعِيُّ هَذَا الْأَثَرَ عَنْ مَالِكٍ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَذَهَبَ إِلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ وَرَجَعَ عَنْهُ فِي الْجَدِيدِ، لِقَوْلِ عَلِيٍّ: إِنَّهَا تَحِلُّ لَهُ.

قُلْتُ: ثُمَّ هُوَ (6) مُنْقَطِعٌ عَنْ عُمَرَ. وَقَدْ رَوَى الثَّوْرِيُّ، عَنْ أشعث، عن الشعبي، عن مسروق:

(1) في جـ: "وقال".

(2)

في جـ، أ، و:"زوجها التي تزوج بها".

(3)

في جـ: "من زوجها الأول".

(4)

الموطأ (2/535) .

(5)

في جـ: "يحرم عليه".

(6)

في جـ: "قلت وهو".

ص: 640