الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالظَّاهِرُ أَنَّ إِنْكَارَهُمْ هَذَا إِنَّمَا هُوَ جُحود وَعِنَادٌ وَتَعَنُّتٌ فِي كُفْرِهِمْ؛ فَإِنَّهُ قَدْ وُجِدَ فِي أَشْعَارِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ (1) تَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى بِالرَّحْمَنِ، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقَدْ أُنْشِدَ لِبَعْضِ الْجَاهِلِيَّةِ الجُهَّال
(2)
أَلَا ضَرَبَتْ تِلْكَ الفتاةُ هَجِينَها
…
أَلَا قَضَبَ الرحمنُ رَبى يَمِينَهَا (3)
وَقَالَ سَلَامَةُ بن جندب الطُّهَوِيُّ:
عَجِلتم عَلَيْنَا عَجْلَتينَا عليكُمُ
…
وَمَا يَشَأ الرّحْمَن يَعْقِد ويُطْلِقِ (4)
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عِمَارَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الرَّحْمَنُ: الْفِعْلَانِ مِنَ الرَّحْمَةِ، وَهُوَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَقَالَ:{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الْفَاتِحَةِ: 3] الرَّقِيقُ الرَّفِيقُ بِمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْحَمَهُ، وَالْبَعِيدُ الشَّدِيدُ عَلَى مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُعَنِّفَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ أَسْمَاؤُهُ كُلُّهَا.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدة، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: الرَّحْمَنُ اسْمٌ مَمْنُوعٌ (5) .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ [بْنُ](6) يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، حَدَّثَنِي أَبُو الْأَشْهَبِ، عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ: الرَّحْمَنُ: اسْمٌ لَا يَسْتَطِيعُ النَّاسُ أَنْ يَنْتَحِلُوهُ، تَسَمَّى بِهِ تبارك وتعالى (7) .
وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَطِّعُ قُرْآنَهُ حَرْفًا حَرْفًا {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (8)، فَقَرَأَ بَعْضُهُمْ كَذَلِكَ وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنَ الْكُوفِيِّينَ وَمِنْهُمْ مَنْ وَصَلَهَا بِقَوْلِهِ:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وَكُسِرَتِ الْمِيمُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَهُمُ الْجُمْهُورُ. وَحَكَى الْكِسَائِيُّ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ أَنَّهَا تُقْرَأُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَصِلَةِ الْهَمْزَةِ فَيَقُولُونَ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فَنَقَلُوا حَرَكَةَ الْهَمْزَةِ إِلَى الْمِيمِ بَعْدَ تَسْكِينِهَا كَمَا قُرِئَ (9) قَوْلُهُ تَعَالَى: {الم اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ} قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَلَمْ تَرِدْ بِهَذِهِ قِرَاءَةٌ عَنْ أَحَدٍ فِيمَا عَلِمْتُ (10) .
{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) } .
الْقُرَّاءُ السَّبْعَةُ عَلَى ضَمِّ الدَّالِ مِنْ قَوْلِهِ: {الحمدُ لِله} وَهُوَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ. وَرُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَرُؤْبَةَ بْنِ الْعَجَّاجِ أَنَّهُمَا قَالَا "الحمدَ لِله" بِالنَّصْبِ وَهُوَ عَلَى إِضْمَارِ فِعْلٍ، وَقَرَأَ ابْنُ أبي
(1) في جـ، ط، ب:"في أشعار الجاهلية".
(2)
في جـ، ط:"الجهلاء".
(3)
البيت في تفسير الطبري (1/131) غير منسوب.
(4)
البيت في تفسير الطبري (1/131) .
(5)
تفسير الطبري (1/134) .
(6)
زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
(7)
تفسير ابن أبي حاتم (1/13) .
(8)
رواه أحمد في المسند (6/302) وأبو داود في السنن برقم (4001) من طريق ابن جريج عن ابن أبي مليكة، عن أم سلمة، رضي الله عنها، وصححه ابن خزيمة والدارقطني.
(9)
في أ: "فسر".
(10)
المحرر الوجيز (1/59، 60) .
عَبْلَةَ: "الحمدُ لُله" بِضَمِّ الدَّالِ وَاللَّامِ إِتْبَاعًا لِلثَّانِي الْأَوَّلَ وَلَهُ شَوَاهِدُ لَكِنَّهُ شَاذٌّ، وَعَنِ الْحَسَنِ وَزَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ:"الحمدِ لِله" بِكَسْرِ الدَّالِّ إِتْبَاعًا لِلْأَوَّلِ الثَّانِيَ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ: مَعْنَى {الْحَمْدُ لِلَّهِ} الشُّكْرُ لِلَّهِ خَالِصًا دُونَ سَائِرِ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِهِ، وَدُونَ كُلِّ مَا بَرَأَ مِنْ خَلْقِهِ، بِمَا أَنْعَمَ عَلَى عِبَادِهِ مِنَ النِّعَمِ الَّتِي لَا يُحْصِيهَا الْعَدَدُ، وَلَا يُحِيطُ بِعَدَدِهَا غَيْرُهُ أَحَدٌ، فِي تَصْحِيحِ الْآلَاتِ لِطَاعَتِهِ، وَتَمْكِينِ جَوَارِحِ أَجْسَامِ الْمُكَلَّفِينَ لِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ، مَعَ مَا بَسَطَ لَهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ مِنَ الرِّزْقِ، وغذَّاهم بِهِ مِنْ نَعِيمِ الْعَيْشِ، مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ مِنْهُمْ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَمَعَ مَا نَبَّهَهُمْ عَلَيْهِ وَدَعَاهُمْ إِلَيْهِ، مِنَ الْأَسْبَابِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى دَوَامِ الْخُلُودِ فِي دَارِ الْمُقَامِ فِي النَّعِيمِ الْمُقِيمِ، فَلِرَبِّنَا الْحَمْدُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ أَوَّلًا وَآخِرًا.
[وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} ثَنَاءٌ أَثْنَى بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَفِي ضِمْنِهِ أَمَرَ عِبَادَهُ أَنْ يُثْنُوا عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: قُولُوا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} ](1) .
قَالَ: وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، "ثَنَاءٌ عَلَيْهِ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ الْحُسْنَى (2)، وَقَوْلُهُ: الشُّكْرُ لِلَّهِ ثَنَاءٌ عَلَيْهِ بِنِعَمِهِ وَأَيَادِيهِ، ثُمَّ شَرَعَ فِي رَدِّ ذَلِكَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ جَمِيعَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِلِسَانِ الْعَرَبِ يُوقِعُونَ كُلًّا مِنَ الْحَمْدِ وَالشُّكْرِ مَكَانَ (3) الْآخَرِ.
[وَقَدْ نَقَلَ السُّلَمِيُّ هَذَا الْمَذْهَبَ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ وَابْنِ عَطَاءٍ مِنَ الصُّوفِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} كَلِمَةُ كُلِّ شَاكِرٍ، وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْقُرْطُبِيُّ لِابْنِ جَرِيرٍ بِصِحَّةِ قَوْلِ الْقَائِلِ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} شُكْرًا (4) ](5) .
وَهَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ اشْتُهِرَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْحَمْدَ هُوَ الثَّنَاءُ بِالْقَوْلِ عَلَى الْمَحْمُودِ بِصِفَاتِهِ اللَّازِمَةِ وَالْمُتَعَدِّيَةِ، وَالشُّكْرُ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى الْمُتَعَدِّيَةِ، وَيَكُونُ بِالْجَنَانِ وَاللِّسَانِ وَالْأَرْكَانِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
أَفَادَتْكُمُ النَّعْمَاءُ مِنِّي ثَلَاثَةً
…
يَدِي وَلِسَانِي وَالضَّمِيرُ الْمُحَجَّبَا
وَلَكِنَّهُمُ (6) اخْتَلَفُوا: أَيُّهُمَا أَعَمُّ، الْحَمْدُ أَوِ الشُّكْرُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ بَيْنَهُمَا عُمُومًا وَخُصُوصًا، فَالْحَمْدُ أَعَمُّ مِنَ الشُّكْرِ مِنْ حَيْثُ مَا يَقَعَانِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ عَلَى الصِّفَاتِ اللَّازِمَةِ وَالْمُتَعَدِّيَةِ، تَقُولُ: حَمدته لِفُرُوسِيَّتِهِ وَحَمِدْتُهُ لِكَرَمِهِ. وَهُوَ أَخَصُّ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْقَوْلِ، وَالشُّكْرُ أَعَمُّ مِنْ حَيْثُ مَا يَقَعَانِ عَلَيْهِ (7) ، لِأَنَّهُ يَكُونُ بِالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ (8) وَالنِّيَّةِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ أَخَصُّ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى الصِّفَاتِ الْمُتَعَدِّيَةِ، لَا يُقَالُ: شَكَرْتُهُ لِفُرُوسِيَّتِهِ، وَتَقُولُ: شَكَرْتُهُ عَلَى كَرَمِهِ وَإِحْسَانِهِ إِلَيَّ. هَذَا حَاصِلُ مَا حَرَّرَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّاد الْجَوْهَرِيُّ: الْحَمْدُ نَقِيضُ الذَّمِّ، تقول: حَمِدت الرجل أحمده حمدًا
(1) زيادة من جـ، ط، أ، و.
(2)
في جـ، ط، أ، و:"بأسمائه الحسنى وصفاته العلى".
(3)
في جـ: "موضع".
(4)
تفسير القرطبي (1/134) .
(5)
زيادة من جـ، ط، أ، و.
(6)
في جـ، ط، ب، أ، و:"لكن".
(7)
في جـ، ط، ب، أ، و:"به".
(8)
في طـ، ب:"والفعل".
وَمَحْمَدَةً (1) ، فَهُوَ حَمِيدٌ وَمَحْمُودٌ، وَالتَّحْمِيدُ أَبْلَغُ مِنَ الْحَمْدِ، وَالْحَمْدُ أَعَمُّ مِنَ الشُّكْرِ. وَقَالَ فِي الشُّكْرِ: هُوَ الثَّنَاءُ عَلَى الْمُحْسِنِ بِمَا أَوْلَاكَهُ مِنَ الْمَعْرُوفِ، يُقَالُ: شَكَرْتُهُ، وَشَكَرْتُ لَهُ. وَبِاللَّامِ أَفْصَحُ (2) .
[وَأَمَّا الْمَدْحُ فَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الْحَمْدِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ لِلْحَيِّ وَلِلْمَيِّتِ وَلِلْجَمَادِ -أَيْضًا-كَمَا يُمْدَحُ الطَّعَامُ وَالْمَالُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَيَكُونُ قَبْلَ الْإِحْسَانِ وَبَعْدَهُ، وَعَلَى الصِّفَاتِ الْمُتَعَدِّيَةِ وَاللَّازِمَةِ أَيْضًا فَهُوَ أَعَمُّ](3) .
ذِكْرُ أَقْوَالِ السَّلَفِ فِي الْحَمْدِ
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ الْقَطِيعِيُّ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: قَدْ عَلِمْنا سُبْحَانَ اللَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَمَا الْحَمْدُ لِلَّهِ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: كَلِمَةٌ رَضِيَهَا اللَّهُ لِنَفْسِهِ (4) .
وَرَوَاهُ غَيْرُ أَبِي مَعْمَر، عَنْ حَفْصٍ، فَقَالَ: قال عمر لعلي، وأصحابه عنده: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، قَدْ عَرَفْنَاهَا، فَمَا الْحَمْدُ لِلَّهِ؟ قَالَ (5) عَلِيٌّ: كَلِمَةٌ أَحَبَّهَا [اللَّهُ](6) لِنَفْسِهِ، وَرَضِيَهَا لِنَفْسِهِ، وَأَحَبَّ أَنْ تُقَالَ (7) .
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَان، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَان، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْحَمْدُ لِلَّهِ كَلِمَةُ الشُّكْرِ، وَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ: شَكَرَنِي عَبْدِي. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَرَوَى -أَيْضًا-هُوَ وَابْنُ جَرِيرٍ، مِنْ حَدِيثِ بِشْرِ بْنِ عِمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ هُوَ الشُّكْرُ لِلَّهِ وَالِاسْتِخْذَاءُ لَهُ، وَالْإِقْرَارُ لَهُ بِنِعَمِهِ وَهِدَايَتِهِ وَابْتِدَائِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ ثَنَاءُ اللَّهِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رِدَاءُ الرَّحْمَنِ. وَقَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ بِنَحْوِ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو السَّكوني، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا
(1) في جـ، "حمدا ومجدته" وفي ط:"حمدا فهو حميد".
(2)
انظر: لسان العرب لابن منظور، مادة "حمد".
(3)
زيادة من جـ، ط، أ، و.
(4)
تفسير ابن أبي حاتم (1/14) .
(5)
في ط، ب:"فقال".
(6)
زيادة من جـ، ط.
(7)
رواه الأشج عن حفص، لكنه خالفه فيه، وصنيع الحافظ هنا يفيد أنه لا مخالفة قال ابن أبي حاتم في تفسيره (1/15) :"كذا رواه أبو معمر القطيعي عن حفص، وحدثنا به الأشج فقال: ثنا حفص –وخالفه فيه- فقال فيه: قال عمر لعلي، رضي الله عنهما، وأصحابه عنده: لا إله إلا الله، والحمد لله، والله أكبر قد عرفناها، فما سبحان الله؟ فقال علي: كلمة أحبها لنفسه، ورضيها لنفسه، وأحب أن تقال". وكلام الحافظ يفيد أنه لا مخالفة، فلعله اطلع عليه من رواية أخرى أو أنه سقط نظر، والله أعلم.
قُلْتَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَقَدْ شَكَرْتَ اللَّهَ، فَزَادَكَ" (1) .
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا رُوحٌ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا أُنْشِدُكَ مَحَامِدَ حَمِدْتُ بِهَا رَبِّي، تبارك وتعالى؟ فَقَالَ:"أَمَا إِنَّ رَبَّكَ يُحِبُّ الْحَمْدَ"(2) .
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ، بِهِ (3) .
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ خِرَاشٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الْحَمْدُ لِلَّهِ"(4) . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ إِلَّا كَانَ الَّذِي أَعْطَى أَفْضَلَ مِمَّا أَخَذَ"(5) . وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَفِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"لَوْ أَنَّ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا فِي يَدِ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، لَكَانَ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ"(6) . قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ: أَيْ لَكَانَ إِلْهَامُهُ الْحَمْدَ لِلَّهِ أَكْبَرَ نِعْمَةً عَلَيْهِ مِنْ نِعَمِ الدُّنْيَا؛ لِأَنَّ ثَوَابَ الْحَمْدِ لَا يَفْنَى وَنَعِيمُ الدُّنْيَا لَا يَبْقَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا} [الْكَهْفِ: 46] . وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَهُمْ: "أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللَّهِ قَالَ: يَا رَبِّ، لَكَ الْحَمْدُ كما ينبغي
(1) تفسير الطبري (1/136) وفي إسناده عيسى بن إبراهيم، قال البخاري: منكر الحديث، وشيخه موسى ضعفه أبو حاتم وغيره، والحكم بن عمير قال فيه أبو حاتم:"روى عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لا يذكر السماع ولا لقاء، أحاديث منكرة، من رواية ابن أخيه موسى بن أبي حبيب وهو شيخ ضعيف الحديث، ويروي عن موسى بن أبي حبيب عيسى بن إبراهيم وهو ذاهب الحديث سمعت أبي يقول ذلك" أ. هـ. مستفادا من حاشية العلامة أحمد شاكر على تفسير الطبري.
(2)
المسند (3/435) وقال الهيثمي في المجمع (10/95) : "رجاله رجال الصحيح" وهو منقطع، فالحسن لم يسمع من الأسود، رضي الله عنه.
(3)
سنن النسائي الكبرى برقم (7745) .
(4)
سنن الترمذي برقم (3380) وسنن النسائي الكبرى برقم (10667) وسنن ابن ماجة برقم (3800) .
(5)
سنن ابن ماجه برقم (3805) من طريق أبي عاصم، عن شبيب بن بشر عن أنس به، وقال البوصيري في الزوائد (3/192) :"هذا إسناد حسن، شبيب بن بشر مختلف فيه".
(6)
قال الألباني في السلسلة الضعيفة (2/267) : "موضوع"، ورواه ابن عساكر (15/276/2) عن أبي المفضل –محمد بن عبد الله بن محمد بن همام بن المطلب الشيباني: حدثني محمد بن عبد الحي بن سويد الحربي الحافظ، نا زريق، نا عمران بن موسى الجنديسابوري –نزيل بردعة- نا سورة بن زهير الغامري –من أهل البصرة- حدثني هشيم عن الزبير بن عدي عن أنس بن مالك مرفوعا. وهذا موضوع آفته أبو المفضل هذا، قال الخطيب (5/466، 467) : "كان يروي غرائب الحديث وسؤالات الشيوخ، فكتب الناس عنه، بانتخاب الدارقطني، ثم بان كذبه، فمزقوا حديثه، وأبطلوا روايته، وكان بعد يضع الأحاديث للرافضة. قال حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق: كان يضع الحديث، وكان له سمت ووقار. وقال لي الأزهري: كان أبو المفضل دجالا كاذبا". ورواه ابن عساكر عنه في ترجمة أبي المفضل هذا. ومن بينه وبين هشيم لم أعرفهم غير زريق، والظاهر أنه ابن محمد الكوفي، روى عن حماد بن زيد، قال الذهبي:"ضعفه الأمير ابن ماكولا".
لِجَلَالِ وَجْهِكَ وَعَظِيمِ سُلْطَانِكَ، فَعَضَلَتْ بِالْمَلَكَيْنِ فَلَمْ يَدْرِيَا كَيْفَ يَكْتُبَانِهَا، فَصَعَدَا إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَا يَا رَبِّ، إِنَّ عَبْدًا قَدْ قَالَ مَقَالَةً لَا نَدْرِي كَيْفَ نَكْتُبُهَا، قَالَ اللَّهُ -وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا قَالَ عَبْدُهُ-: مَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ قَالَا يَا رَبِّ إِنَّهُ قَدْ قَالَ: يَا رَبِّ لَكَ الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِكَ وَعَظِيمِ سُلْطَانِكَ. فَقَالَ اللَّهُ لَهُمَا: اكْتُبَاهَا كَمَا قَالَ عَبْدِي حَتَّى يَلْقَانِي فَأَجْزِيَهُ بِهَا" (1) . وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنْ طَائِفَةٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: قَوْلُ الْعَبْدِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَفْضَلُ مِنْ قَوْلِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؛ لِاشْتِمَالِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى التَّوْحِيدِ مَعَ الْحَمْدِ، وَقَالَ آخَرُونَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَفْضَلُ لِأَنَّهَا الْفَصْلُ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ، وَعَلَيْهَا يُقَاتَلُ النَّاسُ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي السُّنَنِ: "أَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ"(2) . وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: "أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الْحَمْدُ لِلَّهِ". وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْحَمْدِ لِاسْتِغْرَاقِ جَمِيعِ أَجْنَاسِ الْحَمْدِ، وَصُنُوفِهِ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ:"اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، وَلَكَ الْمُلْكُ كُلُّهُ، وَبِيَدِكَ الْخَيْرُ كُلُّهُ، وَإِلَيْكَ يَرْجِعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ" الْحَدِيثَ (3) .
{رَبِّ الْعَالَمِينَ} وَالرَّبُّ هُوَ: الْمَالِكُ الْمُتَصَرِّفُ، وَيُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ عَلَى السَّيِّدِ، وَعَلَى الْمُتَصَرِّفِ لِلْإِصْلَاحِ، وَكُلُّ ذَلِكَ صَحِيحٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى.
[وَلَا يُسْتَعْمَلُ الرَّبُّ لِغَيْرِ اللَّهِ، بَلْ بِالْإِضَافَةِ تَقُولُ: رَبُّ الدَّارِ رَبُّ كَذَا، وَأَمَّا الرَّبُّ فَلَا يُقَالُ إِلَّا لِلَّهِ عز وجل، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ](4) . وَالْعَالَمِينَ: جَمْعُ عَالَمٍ، [وَهُوَ كُلُّ مَوْجُودٍ سِوَى اللَّهِ عز وجل](5) ، وَالْعَالَمُ جَمْعٌ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، وَالْعَوَالِمُ أَصْنَافُ الْمَخْلُوقَاتِ [فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ](6) فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَكُلُّ قَرْنٍ مِنْهَا وَجِيلٍ يُسَمَّى عَالَمًا أَيْضًا.
قَالَ بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنْ الضحاك، عن ابْنِ عَبَّاسٍ:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الْفَاتِحَةِ: 2] الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ الْخَلْقُ كُلُّهُ، السَّمَاوَاتُ وَالْأَرَضُونَ، وَمَنْ فِيهِنَّ وَمَا بَيْنَهُنَّ، مِمَّا نَعْلَمُ، وَمَا لَا نَعْلَمُ.
وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَبُّ الْجِنِّ والإنس. وكذلك قال سعيد بن
(1) سنن ابن ماجة برقم (3801) من طريق صدقة بن بشير عن قدامة بن إبراهيم، عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقال البوصيري في الزائد (3/191) :"هذا إسناد فيه مقال، قدامة بن إبراهيم ذكره ابن حبان في الثقات، وصدقة بن بشير لم أر من جرحه ولا من وثقه، وباقي رجال الإسناد ثقات".
(2)
رواه الترمذي في السنن برقم (3585) من طريق حماد بن أبي حميد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده به، وقال الترمذي:"هذا حديث غريب من هذا الوجه، وحماد بن أبي حميد هو محمد بن أبي حميد، وهو أبو إبراهيم الأنصاري المديني وليس بالقوي عند أهل الحديث".
(3)
جاء من حديث أبي سعيد، وسعد بن أبي وقاص، رضي الله عنهما، أما حديث أبي سعيد، فرواه البيهقي في شعب الإيمان برقم (4400) من طريق خالد بن يزيد عن ابن أبي ذئب، عن زيد بن أسلم، عن عطاء، عن أبي سعيد الخدري. وأما حديث سعد، فرواه البيهقي في شعب الإيمان برقم (4399) من طريق أبي بلج، عن مصعب بن سعد عن أبيه سعد بن أبي وقاص.
(4)
زيادة من جـ، ط، أ، و.
(5)
زيادة من جـ، ط، أ، و.
(6)
زيادة من جـ، ط.
جَبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ [نَحْوَهُ] (1) . وَقَالَ (2) ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: بِإِسْنَادٍ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ.
وَاسْتَدَلَّ الْقُرْطُبِيُّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِهِ: {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الْفُرْقَانِ: 1] وَهُمُ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: الْعَالَمُ عِبَارَةٌ عَمَّا يَعْقِلُ وَهُمُ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ وَالْمَلَائِكَةُ وَالشَّيَاطِينُ وَلَا يُقَالُ لِلْبَهَائِمِ: عَالَمٌ، وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَأَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ (3) كُلُّ مَا لَهُ رُوحٌ يَرْتَزِقُ. وَذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ -وَهُوَ آخِرُ خُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ وَيُعْرَفُ بِالْجَعْدِ وَيُلَقَّبُ بِالْحِمَارِ -أَنَّهُ قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ عَالَمٍ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَأَهْلُ الْأَرْضِ عَالَمٌ وَاحِدٌ وَسَائِرُ ذَلِكَ لَا يَعْلَمُهُ (4) إِلَّا اللَّهُ، عز وجل.
وَقَالَ قَتَادَةُ: رَبُّ الْعَالَمِينَ، كُلُّ صِنْفٍ عَالَمٌ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {رَبِّ الْعَالَمِينَ} قَالَ: الْإِنْسُ عَالَمٌ، وَالْجِنُّ عَالَمٌ، وَمَا سِوَى (5) ذَلِكَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفِ عَالَمٍ، أَوْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفِ عَالَمٍ، هُوَ يَشُكُّ، مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْأَرْضِ، وَلِلْأَرْضِ أَرْبَعُ زَوَايَا، فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ ثَلَاثَةُ آلَافِ عَالَمٍ، وَخَمْسِمِائَةِ عَالَمٍ، خَلْقَهُمُ [اللَّهُ](6) لِعِبَادَتِهِ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
[وَهَذَا كَلَامٌ غَرِيبٌ يَحْتَاجُ مِثْلُهُ إِلَى دَلِيلٍ صَحِيحٍ](7) .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الْفُرَاتُ، يَعْنِي ابْنَ الْوَلِيدِ، عَنْ مُعَتِّبِ (8) بْنِ سُمَيٍّ، عَنْ تُبَيع، يَعْنِي الْحِمْيَرِيَّ، فِي قَوْلِهِ:{رَبِّ الْعَالَمِينَ} قَالَ: الْعَالَمِينَ أَلْفُ أُمَّةٍ فَسِتُّمِائَةٍ فِي الْبَحْرِ، وَأَرْبَعُمِائَةٍ فِي الْبَرِّ.
[وَحُكِيَ مِثْلُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ](9) .
وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا مَرْفُوعًا كَمَا قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى فِي مُسْنَدِهِ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ وَاقِدٍ الْقَيْسِيُّ، أَبُو عَبَّادٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ كَيْسَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المنْكَدِر، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَلَّ الْجَرَادُ فِي سَنَةٍ مِنْ سِنِي عُمَرَ الَّتِي وَلِيَ فِيهَا فَسَأَلَ عَنْهُ، فَلَمْ يُخْبَرْ بِشَيْءٍ، فَاغْتَمَّ لِذَلِكَ، فَأَرْسَلَ رَاكِبًا يَضْرِبُ إِلَى الْيَمَنِ، وَآخَرَ إِلَى الشَّامِ، وَآخَرَ إِلَى الْعِرَاقِ، يَسْأَلُ: هَلْ رُئِيَ مِنَ الْجَرَادِ شَيْءٌ أَمْ لَا؟ قَالَ: فَأَتَاهُ الرَّاكِبُ الَّذِي مِنْ قِبَلِ الْيَمَنِ بِقَبْضَةٍ مِنْ جَرَادٍ، فَأَلْقَاهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا رَآهَا كَبَّرَ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول:
(1) زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
(2)
في ط، ب:"قاله".
(3)
في و: "أبي محيصن العالم".
(4)
في و: "يعلمهم".
(5)
في جـ: "وما عدا".
(6)
زيادة من جـ.
(7)
زيادة من جـ، ط.
(8)
كذا وقع في النسخ وأصل تفسير ابن أبي حاتم، ووقع في كتب الرجال "مغيث".
(9)
زيادة من جـ، ط.
"خَلَقَ اللَّهُ أَلْفَ أُمَّةٍ، سِتُّمِائَةٍ فِي الْبَحْرِ وَأَرْبَعُمِائَةٍ فِي الْبَرِّ، فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَهْلِكُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَمِ الْجَرَادُ، فَإِذَا هَلَكَ (1) تَتَابَعَتْ مِثْلَ النِّظَامِ إِذَا قُطِعَ سِلْكُهُ"(2) . مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى هَذَا -وَهُوَ الْهِلَالِيُّ-ضَعِيفٌ.
وَحَكَى الْبَغَوِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: لِلَّهِ أَلْفُ عالَم؛ سِتُّمِائَةٍ فِي الْبَحْرِ وَأَرْبَعُمِائَةٍ فِي الْبَرِّ، وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: لِلَّهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ عالَم؛ الدُّنْيَا عَالَمٌ مِنْهَا. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: الْعَوَالِمُ ثَمَانُونَ أَلْفًا. وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: لَا يَعْلَمُ عَدَدَ الْعَوَالِمِ إِلَّا اللَّهُ عز وجل. نَقَلَهُ كُلَّهُ الْبَغَوِيُّ، وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ أَرْبَعِينَ أَلْفَ عَالَمٍ؛ الدُّنْيَا مِنْ شَرْقِهَا إِلَى مَغْرِبِهَا عَالَمٌ وَاحِدٌ مِنْهَا، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْعَالَمُ كُلُّ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ شَامِلٌ لِكُلِّ الْعَالَمِينَ؛ كَقَوْلِهِ: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ} وَالْعَالَمُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْعَلَامَةِ (قُلْتُ) : لِأَنَّهُ عِلْمٌ دَالٌّ عَلَى وُجُودِ خَالِقِهِ وَصَانِعِهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُعْتَزِّ:
فَيَا عَجَبًا كَيْفَ يُعْصَى الْإِلَهُ
…
أَمْ كَيْفَ يَجْحَدُهُ الْجَاحِدُ
وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةً
…
تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدُ
{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) } .
وَقَوْلُهُ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْبَسْمَلَةِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ.
{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) }
قَرَأَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ: {مَلِك يَوْمِ الدِّينِ} وَقَرَأَ آخَرُونَ: {مَالِكِ} (3) . وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ مُتَوَاتِرٌ فِي السَّبْعِ.
[وَيُقَالُ: مَلِيكٌ أَيْضًا، وَأَشْبَعَ نَافِعٌ كَسْرَةَ الْكَافِ فَقَرَأَ: "مَلَكِي يَوْمِ الدِّينِ" وَقَدْ رَجَّحَ كُلًّا مِنَ الْقِرَاءَتَيْنِ مُرَجِّحُونَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَكِلَاهُمَا صَحِيحَةٌ حَسَنَةٌ، وَرَجَّحَ الزَّمَخْشَرِيُّ مَلِكِ؛ لِأَنَّهَا قِرَاءَةُ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ وَلِقَوْلِهِ: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} وَقَوْلُهُ: {قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ} وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَرَأَ "مَلَكَ يومَ الدِّينِ" عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ وَفَاعِلٌ وَمَفْعُولٌ، وَهَذَا شَاذٌّ غَرِيبٌ جِدًّا](4) . وَقَدْ رَوَى أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي دَاوُدَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا غَرِيبًا حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأذْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ عَدِيِّ (5) بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ أَبِي الْمُطَرِّفِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَمُعَاوِيَةَ وَابْنَهُ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ كَانُوا يَقْرَءُونَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ "مَلِكِ" مَرْوَانُ (6) . قُلْتُ: مَرْوَانُ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِصِحَّةِ مَا قَرَأَهُ، لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ ابْنُ شِهَابٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ أَوْرَدَهَا ابْنُ مَرْدُويه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَؤُهَا: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (7) وَمَالِكُ مَأْخُوذٌ مِنَ الملْك، كَمَا قَالَ:{إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مَرْيَمَ: 40] وَقَالَ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ} [النَّاسِ: 1، 2] وَمَلِكٌ: مَأْخُوذٌ مِنَ الْمُلْكِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غَافِرٍ: 16] وَقَالَ: {قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ} [الْأَنْعَامِ: 73] وَقَالَ: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا} [الفرقان: 26] .
(1) في جـ، ط، ب:"هلكت".
(2)
ورواه ابن عدي في الكامل (5/352)، (6/245) والخطيب في تاريخه (11/218) من طريق عبيد بن واقد به نحوه. وقال ابن عدي:"قال عمرو بن علي: محمد بن عيسى بصري صاحب محمد بن المنكدر، ضعيف منكر الحديث، روى عن محمد بن المنكدر، عن جابر، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم في "الجراد". وقال ابن عدي أيضا: "عبيد بن واقد لا يتابع عليه".
(3)
في جـ، ط، ب: قرأ بعض القراء: "مالك" وقرأ آخرون: "ملك".
(4)
زيادة من جـ، ط، أ، و.
(5)
في هـ: "عبد الوهاب بن عدي بن الفضل".
(6)
المصاحف لابن أبي داود (ص 104) .
(7)
ورواه أبو بكر بن أبي داود في المصاحف (ص 105) والحاكم في المستدرك (2/232) من طريق ابن فضيل عن الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ:"ملك يوم الدين" زاد ابن أبي حاتم: "أو قال: "مالك". ورواه أبو بكر بن أبي داود في المصاحف (ص 105) والحاكم في المستدرك (2/232) من طريق ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ: "ملك يوم الدين".