الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ مَالُ الْيَتِيمِ عِنْدِي عُرّة (1) حَتَّى أَخْلِطَ طَعَامَهُ بِطَعَامِي وَشَرَابَهُ بِشَرَابِي.
فَقَوْلُهُ: {قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} أَيْ: عَلَى حدَة {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} أَيْ: وَإِنْ خَلَطْتُمْ طَعَامَكُمْ بِطَعَامِهِمْ وَشَرَابَكُمْ بِشَرَابِهِمْ، فَلَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ؛ لِأَنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ؛ وَلِهَذَا قَالَ:{وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} أَيْ: يَعْلَمُ مَنْ قَصْدُه وَنِيَّتُهُ الإفسادَ أَوِ الْإِصْلَاحَ.
وَقَوْلُهُ: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} أَيْ: وَلَوْ شَاءَ لَضَيَّقَ عَلَيْكُمْ وأحرجَكم (2) وَلَكِنَّهُ وَسَّع عَلَيْكُمْ، وخفَّف عَنْكُمْ، وَأَبَاحَ لَكُمْ مُخَالَطَتَهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، كَمَا قَالَ:{وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الْأَنْعَامِ: 152] ،، بَلْ قَدْ جَوَّزَ الْأَكْلَ مِنْهُ لِلْفَقِيرِ بِالْمَعْرُوفِ، إِمَّا بِشَرْطِ ضَمَانِ الْبَدَلِ لِمَنْ أَيْسَرَ، أَوْ مَجَّانًا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَبِهِ الثِّقَةُ.
{وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
(221) }
هَذَا تَحْرِيمٌ مِنَ اللَّهِ عز وجل عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَزَوَّجُوا الْمُشْرِكَاتِ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ. ثُمَّ إِنْ كَانَ عمومُها مُرَادًا، وأنَّه يَدْخُلُ فِيهَا كُلُّ مُشْرِكَةٍ مِنْ كِتَابِيَّةٍ وَوَثَنِيَّةٍ، فَقَدْ خَص مِنْ ذَلِكَ نِسَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ [وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ] (3) } [الْمَائِدَةِ: 5] .
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:{وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} اسْتَثْنَى اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ نِسَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَهَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمَكْحُولٌ، وَالْحَسَنُ، وَالضَّحَّاكُ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَغَيْرُهُمْ.
وَقِيلَ: بَلِ الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ (4) مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، وَلَمْ يُردْ أَهْلَ الْكِتَابِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَالْمَعْنَى قَرِيبٌ مِنَ الْأَوَّلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَأَمَّا مَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ آدَمَ بْنِ أَبِي إِيَاسٍ الْعَسْقَلَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَهْرَام الْفَزَارِيُّ، حَدَّثَنَا شَهْر بْنُ حَوْشَب قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: نَهَى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَصْنَافِ النِّسَاءِ، إِلَّا مَا كَانَ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ الْمُهَاجِرَاتِ، وَحَرَّمَ كُلَّ ذَاتِ دِينٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ، قَالَ اللَّهُ عز وجل:{وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [الْمَائِدَةِ: 5] . وَقَدْ نَكَحَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيد اللَّهِ يَهُودِيَّةً، وَنَكَحَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ نَصْرَانِيَّةً، فَغَضِبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ غَضَبًا شَدِيدًا، حَتَّى هَمَّ أَنْ يَسْطُوَ عَلَيْهِمَا. فَقَالَا نَحْنُ نطَلق يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا تَغْضَبُ! فَقَالَ: لَئِنْ حَلّ طَلَاقُهُنَّ لَقَدْ حَلَّ نِكَاحُهُنَّ، وَلَكِنِّي أَنْتَزِعُهُنَّ مِنْكُمْ صَغَرَة قَمأة (5) -فَهُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا. وَهَذَا الْأَثَرُ عَنْ عُمَرَ غريب أيضًا.
(1) في جـ: "عندي حدة".
(2)
في أ، و:"وأخرجكم".
(3)
زيادة من جـ.
(4)
في أ، و:"المشركين".
(5)
تفسير الطبري (4/364) .
قَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ، رحمه الله، بَعْدَ حِكَايَتِهِ الْإِجْمَاعَ عَلَى إِبَاحَةِ تَزْوِيجِ الْكِتَابِيَّاتِ: وَإِنَّمَا كَرِهَ عُمَرُ ذَلِكَ، لِئَلَّا يَزْهَدَ النَّاسُ فِي الْمُسَلَّمَاتِ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَانِي، كَمَا حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ بَهْرَامَ، عَنْ شَقِيقٍ قَالَ: تَزَوَّجَ حُذَيْفَةُ يَهُودِيَّةً، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: خَل سَبِيلَهَا، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَتَزْعُمُ أَنَّهَا حَرَامٌ فأخَلي سَبِيلَهَا؟ فَقَالَ: لَا أَزْعُمُ أَنَّهَا حَرَامٌ، وَلَكِنِّي أَخَافُ أَنْ تَعَاطَوُا الْمُومِسَاتِ مِنْهُنَّ (1) .
وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَرَوَى الْخَلَّالُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ وَكِيع، عَنِ الصَّلْتِ (2) نَحْوَهُ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ (3) بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ [لِي](4) عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: الْمُسْلِمُ يَتَزَوَّجُ النَّصْرَانِيَّةَ، وَلَا يَتَزَوَّجُ النَّصْرَانِيَّ الْمُسْلِمَةَ.
قَالَ: وَهَذَا أَصَحُّ إِسْنَادًا مِنَ الْأَوَّلِ (5)(6) .
ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ (7) عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "نَتَزَوَّجُ نِسَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا يَتَزَوَّجُونَ نِسَاءَنَا".
ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْخَبَرُ -وَإِنْ كَانَ فِي إِسْنَادِهِ مَا فِيهِ -فَالْقَوْلُ بِهِ لِإِجْمَاعِ الْجَمِيعِ مِنَ الْأُمَّةِ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ (8) بِهِ (9) .
كَذَا قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ، رحمه الله.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيُّ، حَدَّثَنَا وَكِيع، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقان، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْران، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَرِهَ نِكَاحَ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَتَأَوَّلَ (10){وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ}
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَا أَعْلَمَ شِرْكًا أَعْظَمَ مِنْ أَنْ تَقُولَ: رَبُّهَا (11) عِيسَى (12) .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ الْحَنْبَلِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ (13) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (ح) وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ: أَنَّهُمَا سَأَلَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أحمد بن حنبل، عن قول
(1) تفسير الطبري (4/366) .
(2)
في جـ: "عن الفضل".
(3)
في أ: "شقيق".
(4)
زيادة من جـ.
(5)
في جـ: "وهذا إسناد أصح من الأول".
(6)
تفسير الطبري (4/367) .
(7)
في أ: "وقد حدثنا تميم بن المنتصر، أخبرنا عثمان بن المنتصر، أخبرنا إسحاق الأزرق".
(8)
في جـ، أ، و:"الجميع من الأمة عليه".
(9)
تفسير الطبري (4/367) .
(10)
في جـ: "ولا يتأول".
(11)
في أ: "ربنا".
(12)
صحيح البخاري برقم (5285) وهو هنا موصولا عن ابن عمر.
(13)
في أ، و:"محمد بن أبي هارون".