الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابْنُ آدَمَ: مَالِي، مَالِي! وَهَلْ لَكَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، وَمَا لَبسْتَ فأبليتَ، وَمَا تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ (1) ؟ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ".
وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "الدُّنْيَا دَارُ مَنْ لَا دَارَ لَهُ، وَمَالُ مَنْ لَا مَالَ لَهُ، وَلَهَا يَجمَعُ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ"(2) .
{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنزلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
(213) }
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، أَخْبَرَنَا هَمَّام، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ بَيْنَ نُوحٍ وَآدَمَ (3) عَشَرَةُ قُرُونٍ، كُلُّهُمْ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْحَقِّ. فَاخْتَلَفُوا، فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ. قَالَ: وَكَذَلِكَ هِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: "كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا".
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، مِنْ حَدِيثِ بُنْدَار عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ. ثُمَّ قَالَ: صَحِيحٌ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ (4) .
وَكَذَا رَوَى أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا: "كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّيِّنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ".
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ:{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} قَالَ: كَانُوا عَلَى الْهُدَى جَمِيعًا، "فَاخْتَلَفُوا فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ مُنْذِرِينَ" فَكَانَ أَوَّلُ نَبي بُعِثَ نُوحًا. وَهَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَوَّلًا.
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} يَقُولُ: كَانُوا كُفَّارًا، {فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ}
وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَصَحُّ سَنَدًا وَمَعْنًى؛ لِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا عَلَى مِلَّةِ آدَمَ، عليه السلام، حَتَّى عَبَدُوا الْأَصْنَامَ، فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ نُوحًا، عليه السلام، فَكَانَ أَوَّلَ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ.
(1) في أ: "فأبقيت".
(2)
المسند (6/71) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(3)
في ط: "كان بين آدم ونوح".
(4)
تفسير الطبري (4/275) والمستدرك (2/546) .
أَيْ: مِنْ بَعْدِ مَا قَامَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَجُ وَمَا حَمَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا الْبَغْيُ مِنْ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا مَعْمَر، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قَوْلِهِ:{فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ} قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "نَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ (1) يَوْمَ الْقِيَامَةِ، نَحْنُ أوّلُ النَّاسِ دُخُولًا الْجَنَّةَ، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه مِنْ بَعْدِهِمْ، فَهَدَانَا اللَّهُ لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ من الحق، فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه، فَهَدَانَا لَهُ (2) فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ، فَغَدًا لِلْيَهُودِ، وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى".
ثُمَّ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (3) .
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ فِي قَوْلِهِ:{فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ} فَاخْتَلَفُوا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَاتَّخَذَ الْيَهُودُ يَوْمَ السَّبْتِ، وَالنَّصَارَى يَوْمَ الْأَحَدِ. فَهَدَى اللَّهُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْقِبْلَةِ؛ فَاسْتَقْبَلَتِ النَّصَارَى الْمَشْرِقَ، وَالْيَهُودُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَهَدَى اللَّهُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ لِلْقِبْلَةِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الصَّلَاةِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يَرْكَعُ وَلَا يَسْجُدُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْجُدُ وَلَا يَرْكَعُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي وَهُوَ يَتَكَلَّمُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي وَهُوَ يَمْشِي، فَهَدَى اللَّهُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ لِلْحَقِّ مِنْ ذَلِكَ. وَاخْتَلَفُوا فِي الصِّيَامِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَصُومُ بَعْضَ النَّهَارِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَصُومُ عَنْ بَعْضِ الطَّعَامِ، فَهَدَى اللَّهُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ لِلْحَقِّ مِنْ ذَلِكَ. وَاخْتَلَفُوا فِي إِبْرَاهِيمَ، عليه السلام، فَقَالَتِ الْيَهُودُ: كَانَ يَهُودِيًّا، وَقَالَتِ النَّصَارَى: كَانَ نَصْرَانِيًّا، وَجَعَلَهُ اللَّهُ حَنِيفًا مُسْلِمًا، فَهَدَى اللَّهُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ لِلْحَقِّ مِنْ ذَلِكَ. وَاخْتَلَفُوا فِي عِيسَى، عليه السلام، فَكَذَّبَتْ بِهِ الْيَهُودُ، وَقَالُوا لِأُمِّهِ بُهْتَانًا عَظِيمًا، وَجَعَلَتْهُ النَّصَارَى إِلَهًا وَوَلَدًا، وَجَعَلَهُ اللَّهُ رُوحَهُ، وَكَلِمَتُهُ، فَهَدَى اللَّهُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لِلْحَقِّ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ فِي قَوْلِهِ: {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ} أَيْ: عِنْدَ الِاخْتِلَافِ أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ قَبْلَ الِاخْتِلَافِ، أَقَامُوا عَلَى الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ عز وجل وَحْدَهُ، وَعِبَادَتِهِ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، فَأَقَامُوا عَلَى الْأَمْرِ الْأَوَّلِ الذِي كَانَ قَبْلَ الِاخْتِلَافِ، وَاعْتَزَلُوا الِاخْتِلَافَ، وَكَانُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُهُودًا (4) عَلَى قَوْمِ نُوحٍ، وَقَوْمِ هُودٍ، وَقَوْمِ صَالِحٍ، وَقَوْمِ شُعَيْبٍ، وَآلِ فِرْعَوْنَ، أَنَّ رُسُلَهُمْ قَدْ بَلَّغُوهُمْ، وَأَنَّهُمْ قَدْ كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ.
وَفِي (5) قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: "وَلِيَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ"، وَكَانَ أَبُو الْعَالِيَةِ يَقُولُ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْمَخْرَجُ مِنَ الشُّبَهَاتِ وَالضَّلَالَاتِ وَالْفِتَنِ.
وَقَوْلُهُ: {بِإِذْنِهِ} أَيْ: بِعِلْمِهِ، بِمَا هَدَاهُمْ لَهُ. قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ:{وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} أي: منْ
(1) في أ: "السابقون".
(2)
في أ: "فهدانا الله له".
(3)
تفسير عبد الرزاق (1/99) والحديث مخرج في الصحيحين.
(4)
في أ: "شهدوا".
(5)
في أ، و:"وهي في".