الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خَلْقِهِ {إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أَيْ: وَلَهُ الْحُكْمُ (1) وَالْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يُصَلِّي يَقُولُ: "اللَّهُمَّ، رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السموات وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ (2) بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اختلفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ"(3) . وَفِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ: اللَّهُمَّ، أَرِنَا الْحَقَّ حَقّا وَارْزُقْنَا اتِّبَاعَهُ، وَأَرِنَا الْبَاطِلَ بَاطِلًا وَوَفِّقْنَا لِاجْتِنَابِهِ، وَلَا تَجْعَلْه مُلْتَبِسًا عَلَيْنَا فَنَضِلَّ، وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا.
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ
(214) }
يَقُولُ تَعَالَى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ} قَبْلَ أَنْ تُبتَلُوا وَتُخْتَبَرُوا وَتُمْتَحَنُوا، كَمَا فُعِلِ بِالَّذِينِ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْأُمَمِ؛ وَلِهَذَا قَالَ:{وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ} وَهِيَ: الْأَمْرَاضُ؛ وَالْأَسْقَامُ، وَالْآلَامُ، وَالْمَصَائِبُ وَالنَّوَائِبُ.
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَمُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، ومُرّة الهَمْداني، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَالرَّبِيعُ، وَالسُّدِّيُّ، وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيّان:{الْبَأْسَاءُ} الْفَقْرُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَالضَّرَّاءُ} السَّقَمُ.
{وَزُلْزِلُوا} خَوْفًا مِنَ الْأَعْدَاءِ زلْزالا شَدِيدًا، وَامْتُحِنُوا امْتِحَانًا عَظِيمًا، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ خَبَّاب بْنِ الأرَتّ قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ فَقَالَ:"إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانَ أَحَدُهُمْ يُوضَعُ الْمِنْشَارُ عَلَى مفْرَق رَأْسِهِ فَيَخْلُصُ إِلَى قَدَمَيْهِ، لَا يَصْرفه (4) ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، ويُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا بَيْنَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، لَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ". ثُمَّ قَالَ: "وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ قَوْمٌ تَسْتَعْجِلُونَ".
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [الْعَنْكَبُوتِ: 1 -3] .
وَقَدْ حَصَلَ مِنْ هَذَا (5) جَانِبٌ عَظِيمٌ لِلصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، فِي يَوْمِ الْأَحْزَابِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا* هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا* وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا}
(1) في و: "وله الحكمة".
(2)
في أ: "أنت الحكيم".
(3)
صحيح مسلم برقم (770) .
(4)
في ط: "لا يفتنه".
(5)
في أ: "من ذلك".