الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحِبِهِ وَسَلَّمَ]
(1)
تَفْسِيرُ سُورَةِ
الْإِسْرَاءِ
(2)
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ
قَالَ الْإِمَامُ [الْحَافِظُ الْمُتْقِنُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ](3) الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ، سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ، رضي الله عنه، قَالَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْكَهْفِ وَمَرْيَمَ: إِنَّهُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي (4) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ مَرْوَانَ، عَنْ أَبِي لُبَابَةَ، سَمِعَتْ عَائِشَةَ تَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: مَا يُرِيدُ أَنْ يُفْطِرَ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: مَا يُرِيدُ أَنْ يَصُومَ، وَكَانَ يَقْرَأُ كل ليلة " بني إسرائيل "، و " الزمر "(5) .
بسم الله الرحمن الرحيم
يُمَجِّدُ تَعَالَى نَفْسَهُ، وَيُعَظِّمُ شَأْنَهُ، لِقُدْرَتِهِ عَلَى مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ سِوَاهُ، فَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ {الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} يَعْنِي مُحَمَّدًا، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ (6){لَيْلا} أَيْ فِي جُنْحِ اللَّيْلِ {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} وَهُوَ مَسْجِدُ مَكَّةَ {إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى} وَهُوَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ الَّذِي هُوَ إِيلِيَاءُ (7) ، مَعْدِنُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ لَدُنْ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ؛ وَلِهَذَا جُمِعُوا لَهُ هُنَالِكَ كُلُّهُمْ، فَأمّهم فِي مَحِلّتهم (8) ، وَدَارِهِمْ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ، وَالرَّئِيسُ الْمُقَدَّمُ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.
وَقَوْلُهُ: {الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} أَيْ: فِي الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ {لِنُرِيَهُ} أَيْ: مُحَمَّدًا {مِنْ آيَاتِنَا} أَيْ: الْعِظَامُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النَّجْمِ: 18] .
وَسَنَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنَ الْأَحَادِيثِ عَنْهُ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ.
وَقَوْلُهُ: {إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} أَيْ: السميع لأقوال عباده، مؤمنهم وكافرهم، مصدقهم
(1) زيادة من ت.
(2)
في ت، ف، أ:"سورة سبحان".
(3)
زيادة من ت، ف، أ.
(4)
صحيح البخاري برقم (4708) .
(5)
المسند (6/189) ورواه ابن خزيمة في صحيحه برقم (1163) وقال: "إن كان أبو لبابة هذا يجوز الاحتجاج بخبره وفإني لا أعرفه بعدالة ولا حرج". وقد وثقه ابن معين.
(6)
في ف: "صلى الله عليه وسلم".
(7)
في ت، ف، أ:"بإيلياء"
(8)
في ت: "محلهم".
وَمُكَذِّبِهِمْ، الْبَصِيرُ بِهِمْ فَيُعْطِي كُلًّا مَا يَسْتَحِقُّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الْإِسْرَاءِ
رِوَايَةُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:
قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ -هُوَ ابْنُ بِلَالٍ-عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللِّهِ (1) قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ: إِنَّهُ جَاءَهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ أَوَّلُهُمْ: أَيَهُمُّ هُوَ؟ فَقَالَ أَوْسَطُهُمْ: هُوَ خَيْرُهُمْ، فَقَالَ آخِرُهُمْ: خُذُوا خَيْرَهُمْ. فَكَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَلَمْ يَرَهُمْ حَتَّى أَتَوْهُ لَيْلَةً أُخْرَى فِيمَا يَرَى قَلْبُهُ، وَتَنَامُ عَيْنَاهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ -وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ-فَلَمْ يُكَلِّمُوهُ حَتَّى احْتَمَلُوهُ فَوَضَعُوهُ عِنْدَ بِئْرِ زَمْزَمَ، فَتَوَلَّاهُ مِنْهُمْ جِبْرِيلُ، فَشَقَّ جِبْرِيلُ مَا بَيْنَ نَحْرِهِ إِلَى لَبَّتِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَدْرِهِ وَجَوْفِهِ، فَغَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، بِيَدِهِ حَتَّى أَنْقَى جَوْفَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ تَوْرٌ مَنْ ذَهَبٍ مَحْشُوًّا إِيمَانًا وَحِكْمَةً، فَحَشَا بِهِ صَدْرَهُ وَلَغَادِيدَهُ -يَعْنِي عُرُوقَ حَلْقِهِ-ثُمَّ أَطْبَقَهُ. ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَضَرَبَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِهَا، فَنَادَاهُ أَهْلُ السَّمَاءِ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: جِبْرِيلُ. قَالُوا: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مَعِي مُحَمَّدٌ. قَالُوا: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: مَرْحَبًا بِهِ وَأَهْلًا بِهِ، يَسْتَبْشِرُ بِهِ أَهْلُ السَّمَاءِ لَا يَعْلَمُ أَهْلُ السَّمَاءِ بِمَا يُرِيدُ اللَّهُ بِهِ فِي الْأَرْضِ حَتَّى يُعْلِمهم.
وَوَجَدَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا آدَمَ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ فسلِّم عَلَيْهِ، فسلَّم عَلَيْهِ، وَرَدَّ عَلَيْهِ آدَمُ فَقَالَ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا بِابْنِي، نِعْمَ (2) الِابْنُ أَنْتَ، فَإِذَا هُوَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا بِنَهْرَيْنِ يَطَّرِدَانِ فَقَالَ:"مَا هَذَانِ النَّهْرَانِ يَا جِبْرِيلُ؟ " قَالَ: هَذَا النِّيلُ وَالْفُرَاتُ عُنْصُرُهُمَا، ثُمَّ مَضَى بِهِ فِي (3) السَّمَاءِ، فَإِذَا هُوَ بِنَهْرٍ آخَرَ عَلَيْهِ قَصْرٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدٍ، فَضَرَبَ يَدَهُ فَإِذَا هُوَ مِسْكٌ أذْفر فَقَالَ:"مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ " قَالَ: هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي خَبَّأَ لَكَ رَبُّكَ.
ثُمَّ عُرِجَ إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَتْ لَهُ الْأُولَى: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قَالُوا: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قَالُوا: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: مَرْحَبًا (4) وَأَهْلًا وَسَهْلًا.
ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ مَا قَالَتِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ. ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ، فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. كُلُّ سَمَاءٍ فِيهَا أَنْبِيَاءُ قَدْ سَمَّاهُمْ، قَدْ وَعَيْتُ (5) مِنْهُمْ إِدْرِيسَ فِي الثَّانِيَةِ وَهَارُونَ فِي الرَّابِعَةِ، وَآخَرَ فِي الْخَامِسَةِ لَمْ أَحْفَظِ اسْمَهُ، وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّادِسَةِ، وَمُوسَى فِي السَّابِعَةِ بِتَفْضِيلِ كَلَامِ اللَّهِ. فَقَالَ مُوسَى:"رَبِّ لَمْ أَظُنَّ أَنْ يُرْفَعَ عَلَيَّ أَحَدٌ"(6) ثُمَّ عَلَا بِهِ فَوْقَ ذَلِكَ، بِمَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، عز وجل، حَتَّى جَاءَ سِدْرَة الْمُنْتَهَى، وَدَنَا الْجَبَّارُ رَبُّ الْعِزَّةِ فَتَدَلَّى، حَتَّى كَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أو أدنى، فأوحى الله إليه فيما
(1) في ف: "عبد الله يعني ابن أبي نمر أنه".
(2)
في ف: "فنعم".
(3)
في ت، ف:"إلى".
(4)
في ف: "مرحبا به".
(5)
في أ: "عينهم".
(6)
في ت: "أنه عليَّ أحد".
يُوحِي: خَمْسِينَ صَلَاةً عَلَى أُمَّتِكَ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. ثُمَّ هُبِطَ بِهِ حَتَّى بَلَغَ مُوسَى فَاحْتَبَسَهُ مُوسَى فَقَالَ: "يَا مُحَمَّدُ، مَاذَا عَهِدَ إِلَيْكَ رَبُّكَ؟ " قَالَ: "عَهِدَ إِلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ" قَالَ:" إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ رَبُّكَ وَعَنْهُمْ". فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى جِبْرِيلَ كَأَنَّهُ يَسْتَشِيرُهُ فِي ذَلِكَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ: أَنْ نَعَمْ، إِنْ شِئْتَ. فَعَلَا (1) بِهِ إِلَى الْجَبَّارِ تَعَالَى، فَقَالَ وَهُوَ فِي مَكَانِهِ:"يَا رَبِّ، خَفِّفْ عَنَّا، فَإِنَّ أُمَّتِي لَا تَسْتَطِيعُ هَذَا" فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مُوسَى فَاحْتَبَسَهُ، فَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُهُ مُوسَى إِلَى رَبِّهِ حَتَّى صَارَتْ إِلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ. ثُمَّ احْتَبَسَهُ مُوسَى عِنْدَ الْخَمْسِ فَقَالَ:"يَا مُحَمَّدُ، وَاللَّهِ لَقَدْ رَاوَدْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَوْمِي عَلَى أَدْنَى مِنْ هَذَا، فَضَعُفُوا فَتَرَكُوهُ، فَأُمَّتُكَ أَضْعَفُ أَجْسَادًا وَقُلُوبًا وَأَبْدَانًا وَأَبْصَارًا وَأَسْمَاعًا، فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ رَبُّكَ" كُلَّ ذَلِكَ يَلْتَفِتُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى جِبْرِيلَ لِيُشِيرَ عَلَيْهِ، وَلَا يَكْرَهُ ذَلِكَ جِبْرِيلُ، فَرَفَعَهُ عِنْدَ الْخَامِسَةِ فَقَالَ:"يَا رَبِّ، إِنَّ أُمَّتِي ضُعَفَاءُ أَجْسَادُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ وَأَسْمَاعُهُمْ (2) وَأَبْدَانُهُمْ فَخَفِّفْ عَنَّا" فَقَالَ: الْجَبَّارُ: "يَا مُحَمَّدُ، قَالَ: "لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ" قَالَ: إِنَّهُ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، كَمَا فَرَضْتُ عَلَيْكَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ: "كُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، فَهِيَ خَمْسُونَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ وَهِيَ خُمْسٌ عَلَيْكَ"، فَرَجَعَ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: "كَيْفَ فَعَلْتَ؟ " فَقَالَ: "خَفَّفَ عَنَّا، أَعْطَانَا بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا" قَالَ: مُوسَى: "قَدْ وَاللَّهِ رَاوَدْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ فَتَرَكُوهُ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ أَيْضًا". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا مُوسَى قَدْ -وَاللَّهِ-اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي مِمَّا أَخْتَلِفُ إِلَيْهِ"(3) قَالَ: "فَاهْبِطْ بِاسْمِ اللَّهِ"، فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.
هَكَذَا سَاقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي "كِتَابِ التَّوْحِيدِ"(4) ، وَرَوَاهُ فِي "صِفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم"،عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْس عَنْ أَخِيهِ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ (5) .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ وَهْب، عَنْ سُلَيْمَانَ (6) قَالَ:"فَزَادَ وَنَقَصَ، وَقَدَّمَ وَأَخَّرَ"(7) .
وَهُوَ كَمَا قَالَهُ (8) مُسْلِمٌ، رحمه الله، فَإِنَّ شَرِيكَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِر اضْطَرَبَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَسَاءَ حِفْظُهُ وَلَمْ يَضْبُطْهُ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْأَحَادِيثِ الْأُخَرِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ هَذَا مَنَامًا تَوْطِئَةً لِمَا وَقَعَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[وَقَالَ](9) الْبَيْهَقِيُّ: فِي (10) حَدِيثِ "شَرِيكٍ" زِيَادَةٌ تَفَرَّدَ بِهَا، عَلَى مَذْهَبِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَبَّهُ، يَعْنِي قَوْلَهُ:"ثُمَّ دَنَا الْجَبَّارُ رَبُّ الْعِزَّةِ فَتَدَلَّى، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى" قَالَ: وَقَوْلُ عَائِشَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَمْلِهِمْ هَذِهِ الْآيَاتِ على رؤيته جبريل -أصح (11) .
(1) في ف: "ثم علا".
(2)
في ف، أ:"وأسماعهم وأبصارهم وأبدانهم".
(3)
في ف: "عليه".
(4)
صحيح البخاري برقم (7517) .
(5)
صحيح البخاري برقم (3570) .
(6)
في ف، أ:"سليمان به".
(7)
صحيح مسلم برقم (162) .
(8)
في أ: "قال".
(9)
زيادة من ت.
(10)
في ف، أ:"وفي".
(11)
دلائل النبوة للبيهقي (2/385) .
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ الْحَقُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ أَبَا ذَرٍّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ:"نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ". وَفِي رِوَايَةٍ "رَأَيْتُ نُورًا". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، رحمه الله (1) .
وَقَوْلُهُ: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} [النَّجْمِ: 8] ، إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ، عليه السلام، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنهم، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ بِهَذَا (2) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ البُناني، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، فَرَكِبْتُهُ فَسَارَ بِي حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَرَبَطْتُ الدَّابَّةَ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ (3) فِيهَا الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ دَخَلْتُ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ. فَأَتَانِي (4) جِبْرِيلُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ. قَالَ جِبْرِيلُ: أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ" قَالَ: "ثُمَّ عُرِجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. فَقِيلَ: (5) وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ [قَالَ: قَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ](6) . فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ.
ثُمَّ عَرَج بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. فَقِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. فَقِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِابْنَيِ الْخَالَةِ يَحْيَى وَعِيسَى، فَرَحَّبَا بِي وَدَعَوَا لِي بِخَيْرٍ.
ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: جِبْرِيلُ. فَقِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ فَقَالَ: مُحَمَّدٌ. فَقِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ أرسل إليه. ففتح لنا، فإذا أنا بيوسف، وَإِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ.
ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: جِبْرِيلُ. فَقِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. فَقِيلَ: قَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إليه. ففتح الباب، فإذا أنا بإدريس، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ. ثُمَّ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} [مَرْيَمَ: 57] .
ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: جِبْرِيلُ. فَقِيلَ: [وَ](7) مَنْ مَعَكَ؟ فَقَالَ: مُحَمَّدٌ. فَقِيلَ: قَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أنا بهارون، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ.
ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ (8) وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. فَقِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بعث إليه. ففتح لنا، فإذا أنا بموسى فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ.
ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ أنت؟ قال: جبريل. قيل: (9) ومن
(1) صحيح مسلم برقم (178) .
(2)
حديث عائشة: رواه البخاري في صحيحه برقم (3235) ومسلم في صحيحه برقم (177) وحديث ابن مسعود: رواه البخاري في صحيحه برقم (4856) ومسلم في صحيحه برقم (174) وحديث أبي هريرة: رواه مسلم في صحيحه برقم (175) .
(3)
في ت، ف، أ:"تربط".
(4)
في ف، أ:"فجاءني".
(5)
في ت، ف، أ:"قيل".
(6)
زيادة من ت، ف، أ، هـ المسند.
(7)
زيادة من ت، ف، أ.
(8)
في ف، أ:"فقيل".
(9)
في ف: "فقيل".
مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. فَقِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ. فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أنا بإبراهيم (1) ، وَإِذَا هُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ ثُمَّ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ.
ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، فَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ، وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلَالِ. فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا غَشِيَهَا تَغَيَّرَتْ، فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى يَسْتَطِيعُ أَنْ يَصِفَهَا مِنْ حُسْنِهَا. قَالَ:"فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى، وَفَرَضَ عَلَيَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَمْسِينَ صَلَاةً، فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى". قَالَ: "مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ (2) قَالَ: "قُلْتُ: خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ". قَالَ: ارْجِعْ (3) إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ؛ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، وَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ". قَالَ (4) :" فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي، فَقُلْتُ: أَيْ رَبِّ، خَفِّفْ عَنْ أُمَّتِي، فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا. فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: مَا فَعَلْتَ؟ قُلْتُ: (5) قَدْ حَطَّ عَنِّي خَمْسًا". قَالَ: "إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ" قَالَ: "فَلَمْ (6) أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي وَبَيْنَ مُوسَى، وَيَحُطُّ عَنِّي خَمْسًا خَمْسًا حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، هِيَ خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، بِكُلِّ صَلَاةٍ عَشْرٌ، فَتِلْكَ خَمْسُونَ صَلَاةً، وَمَنْ هُمْ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ [لَهُ] (7) حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ عَشْرًا. وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ وَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ، فَإِنَّ عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً. فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ". فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ".
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ شَيْبَان بْنِ فَرُّوخ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهَذَا السِّيَاقِ (8) ، وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ سِيَاقِ شَريك.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَفِي هَذَا السِّيَاقِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمِعْرَاجَ كَانَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ، عليه الصلاة والسلام، مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ (9) . وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا مِرْيَةَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِالْبُرَاقِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ مُسْرَجًا مُلْجَمًا لِيَرْكَبَهُ، فَاسْتَصْعَبَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: مَا يَحْمِلُكَ عَلَى هَذَا؟ فَوَاللَّهِ مَا رَكِبَكَ قَطُّ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْهُ. قَالَ: فارفضَّ عَرَقًا.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَقَالَ: غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِهِ (10) .
وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، حَدَّثَنِي رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَمَّا عَرَجَ بِي رَبِّي، عز وجل، مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ، يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الذين يأكلون
(1) في ت: "بإبراهيم عليه وسلم" وفي ف: "بإبراهيم عليه السلام".
(2)
في ت: "ما فرض عليك على أمتك".
(3)
في ت: "فارجع".
(4)
في أ: "ثم قال".
(5)
في ف، أ:"فقلت".
(6)
في ف: "فقال: لم".
(7)
في ف، أ:"كتبت له".
(8)
المسند (3/148) ، وصحيح مسلم برقم (162) .
(9)
دلائل النبوة للبيهقي (2/385) .
(10)
المسند (3/164) وسنن الترمذي برقم (3131) .
لُحُومَ النَّاسِ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ".
وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، مِنْ حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، بِهِ (1) . وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ لَيْسَ فِيهِ أَنَسٌ (2) ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُلَيْمَانَ التّيْمِي، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى مُوسَى، عليه السلام، قَائِمًا يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ"(3) .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ طَرْخَانَ التَّيْمِيِّ وَثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ أَنَسٍ (4) .
قَالَ النَّسَائِيُّ: وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ قَالَ: سُلَيْمَانَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ.
وَقَالَ [الْحَافِظُ](5) أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بقيَّة، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ مَرَّ عَلَى مُوسَى وَهُوَ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ (6) .
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرة، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا: أَنَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ مَرَّ بِمُوسَى (7) وَهُوَ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ -قَالَ أَنَسٌ: ذُكِرَ أَنَّهُ حُمِلَ عَلَى الْبُرَاقِ-فَأَوْثَقَ الدَّابَّةَ -أَوْ قَالَ: الْفَرَسَ-قَالَ أَبُو بَكْرٍ: صِفْهَا لِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَذَكَرَ كَلِمَةً (8) فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ، رضي الله عنه، قَدْ رَآهَا (9) .
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنَيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَا أَنَا قَاعِدٌ (10) إِذْ جَاءَ جِبْرِيلُ عليه السلام، فَوَكَزَ بَيْنَ كَتِفِي، فَقُمْتُ إِلَى شَجَرَةٍ فِيهَا كَوَكْرَيِ الطَّيْرِ، فَقَعَدَ فِي أَحَدِهِمَا وَقَعَدْتُ فِي الْآخَرِ فَسَمَتْ (11) وَارْتَفَعَتْ حَتَّى سَدَّتِ الْخَافِقَيْنِ وَأَنَا أُقَلِّبُ طَرْفِي، وَلَوْ شِئْتُ أَنَّ أَمَسَّ السَّمَاءَ لَمَسِسْتُ، فَالْتَفَتُّ إِلَى جِبْرِيلَ، عليه السلام، كَأَنَّهُ حِلْس (12) لَاطَ فَعَرَفْتُ فَضْلَ عِلْمِهِ بِاللَّهِ عَلَيَّ، وَفُتِحَ لِي بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ السَّمَاءِ فَرَأَيْتُ النُّورَ الأعظمَ، وَإِذَا دُونَ الْحِجَابِ رَفْرَفُ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ، وَأُوحِيَ إليَّ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُوحِي" ثُمَّ قَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ إِلَّا أَنَسٌ، وَلَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ إِلَّا الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَكَانَ رَجُلًا مَشْهُورًا من أهل البصرة (13) .
(1) المسند (3/224) وسنن أبي داود برقم (4878) .
(2)
سنن أبي داود برقم (4878) .
(3)
المسند (3/120) .
(4)
صحيح مسلم برقم (2375) .
(5)
زيادة من أ.
(6)
مسند أبي يعلى (7/117) .
(7)
في ف: "مر على موسى".
(8)
في هـ: "هي كذه وذه" والتصويب من مسند البزار و "ت".
(9)
مسند أبي يعلى (7/126) .
(10)
في هـ: "نائم" والتصويب من مسند البزار.
(11)
في أ: "فسميت".
(12)
في ت، أ:"جلس".
(13)
مسند البزار برقم (58) ورواه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (59) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الصَّائِغِ عَنْ سَعِيدِ بن منصور به. وقال الهيثمي في المجمع (1/75) : "رجاله رجال الصحيح". وقال الحافظ ابن حجر في زوائد البزار (1/95) : "الحارث أخرج له الشيخان، وهو مع ذاك له مناكير هذا منها".
وَرَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الدَّلَائِلِ"، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْقَاضِي، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْم، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الحُنَيْن، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، فَذَكَرَ بِسَنَدِهِ مِثْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ غَيْرُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي آخِرِهِ: "ولُطّ دُونِي -أَوْ قَالَ: دُونَ الْحِجَابِ-رَفْرَفُ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ". ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا (1) رَوَاهُ الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ. وَرَوَاهُ حَمَّادُ (2) بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الجَوْني، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ عُطَارِدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي مَلَإٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَجَاءَهُ (3) جِبْرِيلُ، فَنَكَتَ فِي ظَهْرِهِ فَذَهَبَ بِهِ إِلَى الشَّجَرَةِ وَفِيهَا مِثْلُ وَكْري الطَّيْرِ، فَقَعَدَ فِي أَحَدِهِمَا وَقَعَدَ جِبْرِيلُ فِي الْآخَرِ، فَنَشَأَتْ بِنَا حَتَّى بَلَغَتِ (4) الْأُفُقَ، فَلَوْ بَسَطْتُ يَدِي إِلَى السَّمَاءِ لَنِلْتُهَا، فَدُلِّيَ بِسَبَبٍ وَهَبَطَ النُّورُ، فَوَقَعَ جِبْرِيلُ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ كَأَنَّهُ حِلْس، فَعَرَفْتُ فَضْلَ خَشْيَتِهِ عَلَى خَشْيَتِي. فَأَوْحَى إِلَيَّ: نَبِيًّا مَلِكًا أَوْ نَبِيًّا عَبْدًا؟ وَإِلَى الْجَنَّةِ مَا أَنْتَ؟ فأومَأ (5) إِلَيَّ جِبْرِيلُ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ: أَنْ تَوَاضَعْ. قَالَ: قُلْتُ: لَا. بَلْ نَبِيًّا عَبْدًا (6) .
قُلْتُ: وَهَذَا إِنْ صَحَّ يَقْتَضِي أَنَّهَا وَاقِعَةٌ غَيْرُ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَلَا الصُّعُودَ إِلَى السَّمَاءِ، فَهِيَ كَائِنَةٌ غَيْرَ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْبَزَّارُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا أَبُو بَحْرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، رضي الله عنه، أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم رَأَى رَبَّهُ، عز وجل، هَذَا غَرِيبٌ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَاصٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْبُرَاقِ فَكَأَنَّهَا أَمَرَّت ذَنَبَهَا، فَقَالَ لَهَا جِبْرِيلُ: مَهْ يَا بُرَاقُ، فَوَاللَّهِ إِنْ رَكِبَكَ (7) مِثْلُهُ. وَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا هُوَ بِعَجُوزٍ عَلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ، فَقَالَ:"مَا هَذِهِ يَا جِبْرِيلُ؟ " قَالَ: سِرْ يَا مُحَمَّدُ. قَالَ: فَسَارَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسِيرَ، فَإِذَا شَيْءٌ يَدْعُوهُ مُتَنَحِّيًا عَنِ الطَّرِيقِ يَقُولُ: هَلُمَّ يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: سِرْ يَا مُحَمَّدُ فَسَارَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسِيرَ، قَالَ: فَلَقِيَهُ خَلْقٌ مِنَ الْخَلْقِ فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَوَّلُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا آخِرُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا حَاشِرُ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: ارْدُدِ السَّلَامَ يَا مُحَمَّدُ. فَرَدَّ السَّلَامَ، ثُمَّ لَقِيَهُ الثَّانِيَةَ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَقَالَتِهِ الْأُولَى، ثُمَّ الثَّالِثَةَ كَذَلِكَ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ. فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ وَالْخَمْرَ وَاللَّبَنَ، فَتَنَاوَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اللَّبَنَ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ، وَلَوْ شَرِبْتَ الْمَاءَ لَغَرِقْتَ وَغَرِقَتْ أُمَّتُكَ، وَلَوْ شَرِبْتَ الْخَمْرَ لَغَوَيْتَ وَلَغَوَتْ (8) أُمَّتُكَ. ثُمَّ بُعِثَ لَهُ آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، عليهم السلام، فأمَّهم رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تِلْكَ اللَّيْلَةَ. ثُمَّ قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: أَمَّا الْعَجُوزُ الَّتِي (9) رَأَيْتَ عَلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ، فَلَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا بَقِيَ مِنْ عُمْرِ تِلْكَ الْعَجُوزِ، وَأَمَّا الَّذِي أَرَادَ أَنْ تَمِيلَ إِلَيْهِ، فَذَاكَ عَدُوُّ اللَّهِ إِبْلِيسُ أَرَادَ أَنْ تَمِيلَ إِلَيْهِ، وَأَمَّا الَّذِينَ سَلَّمُوا عَلَيْكَ فَإِبْرَاهِيمُ وَمُوسَى وَعِيسَى، عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ" مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ (10) ، وفي بعض ألفاظه نكارة
(1) في ت: "هذا".
(2)
في ت: "ابن حماد" وهو خطأ.
(3)
في ف، أ:"فجاء".
(4)
في ت: "بلغنا".
(5)
في أ: "فأوحى".
(6)
دلائل النبوة للبيهقي (2/369) .
(7)
في ت، أ:"فواللله ما ركبك".
(8)
في ف: "وغويت".
(9)
في ت، أ:"الذي".
(10)
تفسير الطبري (15/5) ، ودلائل النبوة للبيهقي (2/362) .
وَغَرَابَةٌ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:
وَفِيهَا غَرَابَةٌ وَنَكَارَةٌ جَدًّا، وَهِيَ فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ الْمُجْتَبَى، وَلَمْ أَرَهَا فِي الْكَبِيرِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو (1) بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا مَخْلَد -هُوَ ابْنُ الْحُسَيْنِ-عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ، حَدَّثَنَا أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أُتِيتُ بِدَابَّةٍ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ، خَطْوُهَا عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهَا، فَرَكِبْتُ وَمَعِيَ جِبْرِيلُ عليه السلام فَسِرْتُ فَقَالَ: انْزِلْ فَصَلِّ. فَصَلَّيْتُ، فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ [صَلَّيْتَ بِطَيْبَةَ وَإِلَيْهَا الْمُهَاجَرُ، ثُمَّ قَالَ: انْزِلْ فَصَلِّ. فَصَلَّيْتُ، فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟] (2) صَلَّيْتَ بِطُورِ سَيْنَاءَ، حَيْثُ كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى، ثُمَّ قَالَ: انْزِلْ فَصَلِّ. فَصَلَّيْتُ، فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ. صَلَّيْتَ بِبَيْتِ لَحْمٍ، حَيْثُ وُلِدَ عِيسَى، عليه السلام، ثُمَّ دَخَلْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَجُمِعَ لِيَ الْأَنْبِيَاءُ عليهم السلام، فَقَدَّمَنِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَمَمْتُهُمْ [ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَإِذَا فِيهَا آدَمُ، عليه السلام] (3) ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَإِذَا فِيهَا ابْنَا الْخَالَةِ: عِيسَى وَيَحْيَى، عليهما السلام، ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَإِذَا فِيهَا يُوسُفُ عليه السلام. ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، فَإِذَا فِيهَا هَارُونُ، عليه السلام. ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ، فَإِذَا فِيهَا إِدْرِيسُ عليه السلام. ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَإِذَا فِيهَا مُوسَى، عليه السلام. ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَإِذَا فِيهَا إِبْرَاهِيمُ عليه السلام، ثُمَّ صَعِدَ بِي فَوْقَ سَبْعِ سَمَوَاتٍ وَأَتَيْتُ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى، فَغَشِيَتْنِي ضَبَابَةٌ فَخَرَرْتُ (4) سَاجِدًا فَقِيلَ لِي: إِنِّي يَوْمَ خَلَقْتُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَرَضْتُ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَّتِكَ خَمْسِينَ صَلَاةً، فَقُمْ بِهَا أَنْتَ وَأُمَّتُكَ [فَرَجَعْتُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ فَلَمْ يَسْأَلْنِي، عَنْ شَيْءٍ. ثُمَّ أَتَيْتُ مُوسَى فَقَالَ: كَمْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَّتِكَ؟] (5) قُلْتُ: خَمْسِينَ صَلَاةً. قَالَ: فَإِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَقُومَ بِهَا، لَا أَنْتَ وَلَا أُمَّتُكَ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ (6) فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي فَخَفَّفَ عَنِّي عَشْرًا. ثُمَّ أَتَيْتُ مُوسَى فَأَمَرَنِي بِالرُّجُوعِ، فَرَجَعْتُ فَخَفَّفَ عَنِّي عَشْرًا، ثُمَّ رُدَّتْ إِلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ، قَالَ: فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّهُ فَرَضَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ صَلَاتَيْنِ، فَمَا قَامُوا بِهِمَا. فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي، عز وجل، فَسَأَلْتُهُ التَّخْفِيفَ، فَقَالَ: إِنِّي يَوْمَ خَلَقْتُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فَرَضْتُ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَّتِكَ خَمْسِينَ صَلَاةً، فَخَمْسٌ بِخَمْسِينَ، فَقُمْ بِهَا أَنْتَ وَأُمَّتُكَ. فَعَرَفْتُ أَنَّهَا مِنَ اللَّهِ عز وجل (7) صِرَّى فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، عليه السلام (8) فَقَالَ: ارْجِعْ، فَعَرَفْتُ أَنَّهَا مِنَ اللَّهِ صِرَّى -يَقُولُ: أَيْ حَتْمٌ-فَلَمْ أَرْجِعْ"(9) .
طَرِيقٌ أُخْرَى:
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رضي الله عنه، قَالَ: لَمَّا كَانَ لَيْلَةُ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، أَتَاهُ جِبْرِيلُ بِدَابَّةٍ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ، حَمَلَهُ جبريل عليها، ينتهي خفها حيث ينتهي
(1) في ت: "عمر".
(2)
زيادة من ت، ف، أوالنسائي.
(3)
زيادة من ت، ف، أوالنسائي.
(4)
في ت: "خررت".
(5)
زيادة من ت، ف، أ، والنسائي.
(6)
في ف: "تخفيفها".
(7)
في ف، أ:"من الله تعالى".
(8)
في ت: "فرجعت إليه عليه السلام".
(9)
سنن النسائي (1/221) .
طَرْفُهَا. فَلَمَّا بَلَغَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَبَلَغَ (1) الْمَكَانَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: "بَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم" أَتَى إِلَى الْحَجَرِ الَّذِي ثَمَّةَ، فَغَمَزَهُ جِبْرِيلُ بِأُصْبُعِهِ فَثَقَبَهُ، ثُمَّ رَبَطَهَا. ثُمَّ صَعِدَ فَلَمَّا اسْتَوَيَا فِي صَرْحَة الْمَسْجِدِ، قَالَ جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ، هَلْ سَأَلْتَ رَبَّكَ أَنْ يُرِيَكَ الْحُورَ الْعِينَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: فَانْطَلِقْ إِلَى أُولَئِكَ النِّسْوَةِ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِنَّ وَهُنَّ جُلُوسٌ عَنْ يَسَارِ الصَّخْرَةِ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُنَّ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِنَّ، فَرَدَدْنَ عَلَيَّ السَّلَامَ، فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَنَّ؟ فَقُلْنَ: نَحْنُ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ، نِسَاءُ قَوْمٍ أَبْرَارٍ، نُقُّوا فَلَمْ يَدْرَنُوا، وَأَقَامُوا فَلَمْ يَظْعَنُوا، وَخُلِّدُوا فَلَمْ يَمُوتُوا". قَالَ:"ثُمَّ انْصَرَفْتُ (2) ، فَلَمْ أَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى اجْتَمَعَ نَاسٌ كَثِيرٌ، ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ". قَالَ: "فَقُمْنَا صُفُوفًا نَنْتَظِرُ مَنْ يَؤُمُّنَا، فَأَخَذَ بِيَدِي جِبْرِيلُ عليه السلام، فَقَدَّمَنِي فَصَلَّيْتُ بِهِمْ. فَلَمَّا انْصَرَفْتُ قَالَ جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ، أَتَدْرِي مَنْ صَلَّى خَلْفَكَ؟ " قَالَ: "قُلْتُ: لَا. قَالَ: صَلَّى خَلْفَكَ كُلُّ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ عز وجل".
قَالَ: "ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي جِبْرِيلُ فَصَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى الْبَابِ اسْتَفْتَحَ فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا جِبْرِيلُ، قَالُوا: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قَالُوا: وَقَدْ بُعِثَ؟ قَالَ: نَعَمْ". قَالَ: "فَفَتَحُوا لَهُ وَقَالُوا: مَرْحَبًا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ". قَالَ: "فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِهَا إِذَا فِيهَا آدَمُ، فَقَالَ لِي جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ، أَلَا تُسَلِّمُ عَلَى أَبِيكَ آدَمَ؟ " قَالَ: "قُلْتُ: بَلَى. فَأَتَيْتُهُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيَّ وَقَالَ: مَرْحَبًا بِابْنِي وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ". قَالَ: "ثُمَّ عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَاسْتَفْتَحَ، قَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قَالُوا: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قَالُوا: وَقَدْ بُعِثَ؟ قَالَ: نَعَمْ": "فَفَتَحُوا (3) لَهُ وَقَالُوا: مَرْحَبًا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ، فَإِذَا فِيهَا عِيسَى وَابْنُ خَالَتِهِ يَحْيَى عليهما السلام (4) . قَالَ: "ثُمَّ عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ فَاسْتَفْتَحَ، قَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قَالُوا: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قَالُوا: وَقَدْ بُعِثَ؟ قَالَ: نَعَمْ" (5) . فَفَتَحُوا (6) وَقَالُوا: مَرْحَبًا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ، فَإِذَا فِيهَا يُوسُفُ، عليه السلام، ثُمَّ عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ، قَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ؟ قَالُوا: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قَالُوا: وَقَدْ بُعِثَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَفَتَحُوا وَقَالُوا: مَرْحَبًا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ. فَإِذَا فِيهَا إِدْرِيسُ عليه السلام". قَالَ: "فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ، قَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قَالُوا: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قَالُوا: وَقَدْ بُعِثَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَفَتَحُوا وَقَالُوا: مَرْحَبًا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ فَإِذَا فِيهَا هَارُونُ، عليه السلام". قَالَ: "ثُمَّ عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ فَاسْتَفْتَحَ، قَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قَالُوا: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قَالُوا: وَقَدْ بُعِثَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَفَتَحُوا وَقَالُوا: مَرْحَبًا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ، فَإِذَا فِيهَا مُوسَى، عليه السلام. ثُمَّ عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقَالُوا (7) مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قَالُوا: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قَالُوا: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَفَتَحُوا لَهُ وَقَالُوا: مَرْحَبًا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ، فَإِذَا فِيهَا إِبْرَاهِيمُ، عليه السلام. فَقَالَ جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ، أَلَا تُسَلِّمُ عَلَى أَبِيكَ إِبْرَاهِيمَ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى. فَأَتَيْتُهُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ وَقَالَ: مرحبًا بك يا بني (8) وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ.
ثُمَّ انْطَلَقَ بِي عَلَى ظَهْرِ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، حَتَّى انْتَهَى بِي إِلَى نَهْرٍ عَلَيْهِ خِيَامُ الْيَاقُوتِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالزَّبَرْجَدِ وَعَلَيْهِ طَيْرٌ خُضْرٌ أَنْعَمُ طَيْرٍ رَأَيْتُ. فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، إِنَّ هَذَا الطَّيْرَ لَنَاعِمٌ قَالَ (9) : يَا مُحَمَّدُ، آكِلُهُ أَنْعَمُ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَتَدْرِي أَيُّ نَهْرٍ هَذَا؟ قَالَ: "قُلْتُ: لَا. قال: هذا الكوثر الذي أعطاك
(1) في ت: "فبلغ".
(2)
في ف: "قال: وانصرفت".
(3)
في ف: "قال: ففتحوا".
(4)
في ت: "عليهما الصلاة والسلام".
(5)
في ف، أ:"قال: ففتحوا".
(6)
في ت، ف، أ:"ففتحوا له".
(7)
في ف: "قالوا".
(8)
في ف: "مرحبا بابني".
(9)
في ف: "فقال".
اللَّهُ إِيَّاهُ. فَإِذَا فِيهِ آنِيَةُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، يَجْرِي (1) عَلَى رَصْرَاض مِنَ الْيَاقُوتِ وَالزُّمُرُّدِ، مَاؤُهُ، (2) أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ" قَالَ:"فَأَخَذْتُ مِنْهُ آنِيَةً (3) مِنَ الذَّهَبِ، فَاغْتَرَفْتُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ فَشَرِبْتُ، فَإِذَا هُوَ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَأَشَدُّ (4) رَائِحَةً مِنَ الْمِسْكِ. ثُمَّ انْطُلِقَ بِي حَتَّى انْتَهَيْتُ (5) إِلَى الشَّجَرَةِ، فَغَشِيَتْنِي سَحَابَةٌ فِيهَا مِنْ كُلِّ لَوْنٍ، فَرَفَضَنِي جِبْرِيلُ، وَخَرَرْتُ سَاجِدًا لِلَّهِ، عز وجل، فَقَالَ اللَّهُ لِي: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي يَوْمَ خَلَقْتُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فَرَضْتُ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَّتِكَ خَمْسِينَ صَلَاةً، فَقُمْ بِهَا أَنْتَ وَأُمَّتُكَ". قَالَ: "ثُمَّ انْجَلَتْ عَنِّي السَّحَابَةُ وَأَخَذَ بِيَدِي جِبْرِيلُ، فَانْصَرَفْتُ سَرِيعًا فَأَتَيْتُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ فَلَمْ يَقُلْ لِي شَيْئًا، ثُمَّ أَتَيْتُ عَلَى مُوسَى فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ يَا مُحَمَّدُ؟ فَقُلْتُ: فَرَضَ رَبِّي عَلَيَّ وَعَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلَاةً. قَالَ: فَلَنْ تَسْتَطِيعَهَا أَنْتَ وَلَا أُمَّتُكَ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكَ. فَرَجَعْتُ سَرِيعًا حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى الشَّجَرَةِ، فَغَشِيَتْنِي السَّحَابَةُ، وَرَفَضَنِي جِبْرِيلُ وَخَرَرْتُ سَاجِدًا وَقُلْتُ: رَبِّ، إِنَّكَ فَرَضْتَ عَلَيَّ وَعَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلَاةً، وَلَنْ أَسْتَطِيعَهَا أَنَا وَلَا أُمَّتِي، فَخَفِّفْ عَنَّا. قَالَ: قَدْ وَضَعْتُ عَنْكُمْ عَشْرًا. قَالَ: ثُمَّ انْجَلَتْ عَنِّي السَّحَابَةُ، وَأَخَذَ (6) بِيَدِي جِبْرِيلُ وَانْصَرَفْتُ (7) سَرِيعًا حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ فَلَمْ يَقُلْ لِي شَيْئًا، ثُمَّ أَتَيْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ لِي: مَا صَنَعْتَ يَا مُحَمَّدُ؟ فَقُلْتُ: وَضَعَ رَبِّي عَنِّي عَشْرًا فَقَالَ: أَرْبَعُونَ صَلَاةً! لَنْ تَسْتَطِيعَهَا أَنْتَ وَلَا أُمَّتُكَ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ -فَذَكَرَ الْحَدِيثَ كَذَلِكَ إِلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ، وَخَمْسٍ بِخَمْسِينَ ثُمَّ أَمَرَهُ (8) مُوسَى أَنْ يَرْجِعَ فَيَسْأَلَ التَّخْفِيفَ، فَقُلْتُ: "إِنِّي قَدِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ تَعَالَى".
قَالَ: ثُمَّ انْحَدَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِجِبْرِيلَ:"مَا لِي لَمْ آتِ عَلَى (9) سَمَاءٍ إِلَّا رَحَّبُوا بِي وَضَحِكُوا إِلَيَّ، غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ فَرَحَّبَ بِي وَلَمْ يَضْحَكْ إِلَيَّ. قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، ذَاكَ مَالِكٌ خَازِنُ جَهَنَّمَ لَمْ يَضْحَكْ مُنْذُ خُلِقَ (10) وَلَوْ ضَحِكَ إِلَى أَحَدٍ لَضَحِكِ إِلَيْكَ".
قَالَ: ثُمَّ رَكِبَ مُنْصَرِفًا، فَبَيْنَا هُوَ فِي بَعْضِ طَرِيقِهِ مَرَّ بِعِيرٍ لِقُرَيْشٍ تَحْمِلُ طَعَامًا، مِنْهَا جَمَلٌ عَلَيْهِ غِرَارَتَانِ: غِرَارَةٌ سَوْدَاءُ، وَغِرَارَةٌ بَيْضَاءُ، فَلَمَّا حَاذَى بِالْعِيرِ نَفَرَتْ مِنْهُ وَاسْتَدَارَتْ، وَصُرِعَ ذَلِكَ الْبَعِيرُ وَانْكَسَرَ.
ثُمَّ إِنَّهُ مَضَى فَأَصْبَحَ، فَأَخْبَرَ عَمَّا كَانَ، فَلَمَّا سَمِعَ الْمُشْرِكُونَ قَوْلَهُ أَتَوْا أَبَا بَكْرٍ فَقَالُوا: يَا أَبَا بَكْرٍ، هَلْ لَكَ فِي صَاحِبِكَ؟ يُخْبِرُ (11) أَنَّهُ أَتَى فِي لَيْلَتِهِ هَذِهِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، ثُمَّ رَجَعَ فِي لَيْلَتِهِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، رضي الله عنه: إِنْ كَانَ قَالَهُ فَقَدْ صَدَقَ، وَإِنَّا لِنُصَدِّقُهُ فِيمَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ هَذَا، نُصَدِّقُهُ عَلَى خَبَرِ السَّمَاءِ.
فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا عَلَامَةُ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: "مَرَرْتُ بِعِيرٍ لِقُرَيْشٍ، وَهِيَ فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا، فَنَفَرَتِ الْعِيرُ (12) مِنَّا وَاسْتَدَارَتْ، [وَفِيهَا بَعِيرٌ عَلَيْهِ] (13) غِرَارَتَانِ: غِرَارَةٌ سَوْدَاءُ، وَغِرَارَةٌ بَيْضَاءُ، فَصُرِعَ فَانْكَسَرَ".
فَلَمَّا قَدِمَتِ الْعِيرُ سَأَلُوهُمْ، فَأَخْبَرُوهُمُ الْخَبَرَ عَلَى مِثْلِ مَا حَدَّثَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (14) وَمِنْ (15) ذَلِكَ سُمِّيَ أبو (16) بكر الصديق.
(1) في ف، أ:"تجري".
(2)
قي ف، أ:"وماؤه".
(3)
في ف، أ:"من آنيته".
(4)
في ت: "وألد".
(5)
في ت، ف، أ:"انتهى".
(6)
في ت: "فأخذ".
(7)
في ت، ف، أ:"فانصرفت".
(8)
في ت: "أمر".
(9)
في أ: "أهل".
(10)
في ت: "خلقت".
(11)
في ت: "يزعم".
(12)
في ف: "الإبل".
(13)
زيادة من ف، أ، وفي ت:"جمل عليه".
(14)
في ف: "رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(15)
في ف، أ:"وفي".
(16)
في ف: "أبا".
وَسَأَلُوهُ وَقَالُوا (1) : هَلْ كَانَ مَعَكَ فِيمَنْ حَضَرَ مُوسَى وَعِيسَى؟ قَالَ: "نَعَمْ". قَالُوا: فَصِفْهُمْ. قَالَ: "نَعَمْ"، أَمَّا مُوسَى فَرَجُلٌ آدَمُ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ أزْدِ عَمَّانَ، وَأَمَّا عِيسَى فَرَجَلٌ رَبْعَةٌ، سَبْط، تَعْلُوهُ (2) حُمْرَةٌ كَأَنَّمَا يَتَحَادَرُ مِنْ شَعْرِهِ الجُمَان" (3) .
هَذَا سِيَاقٌ فِيهِ غَرَائِبُ عَجِيبَةٌ.
رِوَايَةُ أَنَسٍ، رضي الله عنه، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَة:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّام، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ مَالِكَ بْنَ صَعْصَعَةَ حَدَّثَهُ: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ، قَالَ:"بَيْنَمَا أَنَا فِي الْحَطِيمِ (4) -وَرُبَّمَا قَالَ قَتَادَةُ: فِي الْحِجْرِ-مُضْطَجِعًا إِذْ أَتَانِي آتٍ" فَجَعَلَ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ الْأَوْسَطِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، قَالَ:"فَأَتَانِي فَقَدَّ -وَسَمِعْتُ قَتَادَةَ يَقُولُ: فَشَقَّ-مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ". وَقَالَ قَتَادَةُ: فَقُلْتُ لِلْجَارُودِ وَهُوَ إِلَى جَنْبِي: مَا يَعْنِي؟ قَالَ: مِنْ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ إِلَى شِعْرته، وَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مِنْ قَصَّته إِلَى شِعْرَته قَالَ: "فَاسْتَخْرَجَ قَلْبِي" قَالَ: "فَأُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءٍ إِيمَانًا وَحِكْمَةٍ فَغُسِلَ قَلْبِي ثُمَّ حُشِيَ، ثُمَّ أُعِيدَ. ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ دُونَ الْبَغْلِ وَفَوْقَ الْحِمَارِ أَبْيَضَ" قَالَ: فَقَالَ الْجَارُودُ: وَهُوَ الْبُرَاقُ يَا أَبَا حَمْزَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، يَقَعُ خَطْوُهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ. قَالَ:"فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ، فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ، عليه السلام، حَتَّى أَتَى بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَاسْتَفْتَحَ فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: أوقد أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ" قَالَ: "فَفُتِحَ (5) فَلَمَّا خَلَصْتُ، فَإِذَا فِيهَا آدَمُ، عليه السلام، فَقَالَ: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلَامَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ.
ثُمَّ صَعِدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ، فَاسْتَفْتَحَ فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ (6) : جِبْرِيلُ. قِيلَ: ومن معك؟ قال: محمد قيل (7) : أوقد (8) أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ"، قَالَ: "فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ، فَإِذَا يَحْيَى (9) وَعِيسَى وَهُمَا ابْنَا الْخَالَةِ. قَالَ: هَذَا (10) يَحْيَى وَعِيسَى، فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا. قَالَ: فَسَلَّمْتُ فَرَدَّا السَّلَامَ ثُمَّ قَالَا (11) مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ.
ثُمَّ صَعِدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّالِثَةَ فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: أوقد أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ". قَالَ: فَفُتِحَ (12) فَلَمَّا خَلَصْتُ، فَإِذَا يُوسُفُ (13) ، عليه السلام، قَالَ: هَذَا يُوسُفُ (14) قَالَ: "فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلَامَ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ.
ثُمَّ صَعِدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ: مَنْ هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟
(1) في ت، ف:"فقالوا".
(2)
في ت: "يعلوه".
(3)
وفي إسناده خالد بن يزيد بن أبي مالك ضعفه أحمد وابن معين والنسائي والدارقطني ولم يوثقه إلا أبو زرعة الدمشقي.
(4)
في ف: "بالحطيم".
(5)
في ت، أ:"ففتح لنا".
(6)
في ت، ف:"فقال".
(7)
في ت: "قال".
(8)
في ت: "وقد".
(9)
في ف، أ:"بيحيى".
(10)
في ف، أ:"وهذان".
(11)
في ف، أ:"وقالا".
(12)
في ف، أ:"ففتح الباب".
(13)
في ت: "فإدريس"، وفي ف، أ:"إذا بيوسف".
(14)
في ت: "إدريس".
قال: محمد. قيل: أوقد أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ" قَالَ:"فَفُتِحَ فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا إِدْرِيسُ، قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ". قَالَ: "فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ. فَرَدَّ السَّلَامَ (1) ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ".
قَالَ: "ثُمَّ صَعِدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قال: محمد. قيل: أوقد أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ". قَالَ: "فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ، فَإِذَا هَارُونُ، عليه السلام، قَالَ: هَذَا هَارُونُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. قَالَ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلَامَ (2) ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ".
قَالَ: "ثُمَّ صَعِدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّادِسَةَ فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ معك؟ قال: محمد. قيل: أوقد أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى، قَالَ: هَذَا مُوسَى، عليه السلام، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلَامَ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ". قَالَ: "فَلَمَّا تَجَاوَزْتُهُ بَكَى. قِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: أَبْكِي لِأَنَّ غُلَامًا بُعِثَ بَعْدِي، يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مِمَّا يَدْخُلُهَا مِنْ أُمَّتِي".
قَالَ: "ثُمَّ صَعِدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّابِعَةَ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: أوقد أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ". قَالَ: "فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ، فَإِذَا إِبْرَاهِيمُ، عليه السلام. فَقَالَ: هَذَا إِبْرَاهِيمُ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ". قَالَ: "فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلَامَ (3) ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ".
قَالَ: ثُمَّ رُفِعْتُ إِلَيَّ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى فَإِذَا نَبْقُهَا مِثْلُ قِلال هَجر، وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ، فَقَالَ: هَذِهِ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى". قَالَ: "وَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: نَهْرَانِ بَاطِنَانِ وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ".
قَالَ: ثُمَّ رُفِعَ إِلَيَّ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ.
قَالَ قَتَادَةُ: وَحَدَّثَنِي الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ رَأَى الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ.
ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ [قَالَ: "ثُمَّ](4) أُتِيتُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ وَإِنَاءٍ مِنْ عَسَلٍ". قَالَ: "فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ، قَالَ: هَذِهِ الْفِطْرَةُ وَأَنْتَ (5) عَلَيْهَا وَأُمَّتُكَ".
قَالَ: "ثُمَّ فُرِضَتِ الصَّلَاةُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ". قَالَ: "فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى (6) مُوسَى، قَالَ (7) مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ " قَالَ: "قُلْتُ (8) خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلَاةً، وَإِنِّي قَدْ خَبَرْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى
(1) في ف، أ:"فرد علي السلام".
(2)
في ف، أ:"فرد علي السلام".
(3)
في ف، أ:"فرد علي السلام".
(4)
زيادة من ت، ف، أ، والمسند.
(5)
في ت، ف، أ:"أنت".
(6)
في أ: "أتيت".
(7)
في أ: "فقال".
(8)
في ف، أ:"فقلت".
رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، عَنْ أُمَّتِكَ (1) ". قَالَ:"فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: بِأَرْبَعِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ أَرْبَعِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ خَبَرْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ. قَالَ: فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا أُخَرَ. فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ فَقُلْتُ: أُمِرْتُ بِثَلَاثِينَ صَلَاةً. قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ ثَلَاثِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ خَبَرْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ". قَالَ: "فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا أُخَرَ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: بِعِشْرِينَ (2) صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ. فَقَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ لِعِشْرِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ خَبَرْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ". قَالَ: "فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا أُخَرَ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ فَقُلْتُ: أُمِرْتُ بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ فِي كل يوم. فقال: إن أمتك (3) لا تستطيع لِعَشْرِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ خَبَرْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ". قَالَ: "فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ فَقُلْتُ: أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ. فَقَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ (4) لَا تَسْتَطِيعُ لِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَإِنِّي قَدْ خَبَرْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ". قَالَ: "قُلْتُ: لَقَدْ (5) سَأَلْتُ رَبِّي [عز وجل] (6) حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ، وَلَكِنْ أَرْضَى وَأُسَلِّمُ. فَنَفَذْتُ، فَنَادَانِي مُنَادٍ: قَدْ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي".
وَأَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، بِنَحْوِهِ (7) .
"رِوَايَةُ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ:
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْر، حَدَّثَنَا اللَّيْثِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ، رضي الله عنه، يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي وأنا بمكة، فنزل جبريل ففرج [صدري ثم غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَأَفْرَغَهُ](8) فِي صَدْرِي، ثُمَّ أَطْبَقَهُ. ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ، فَلَمَّا جِئْتُ إِلَى السَّمَاءِ [الدُّنْيَا] (9) قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ: افْتَحْ. قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قَالَ: هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَعِي مُحَمَّدٌ. قَالَ: أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَلَمَّا فَتَحَ عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا وَإِذَا رَجُلٌ قَاعِدٌ عَلَى يَمِينِهِ أَسْوِدَة وَعَلَى يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ، فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى. فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالِابْنِ الصَّالِحِ. قُلْتُ: لِجِبْرِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا آدَمُ. وَهَذِهِ الْأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ نَسَم (10) بَنِيهِ فَأَهْلُ الْيَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَالْأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ. فَإِذَا نَظَرَ، عَنْ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ، عَنْ شِمَالِهِ بَكَى.
"ثُمَّ عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَقَالَ لِخَازِنِهَا: افْتَحْ. فَقَالَ لَهُ خَازِنُهَا مِثْلَ مَا قَالَ لَهُ الأول،
(1) في ف، أ:"لأمتك".
(2)
في ف: "فقلت أمرت بعشرين".
(3)
في ف: "قال: أمتك".
(4)
في ف: "قال: أمتك".
(5)
في ف، أ:"قد".
(6)
زيادة من "أ".
(7)
المسند (4/208) وصحيح البخاري برقم (3393) ومعلقا برقم (3207) وصحيح مسلم برقم (164) .
(8)
زيادة من ت، ف، أ، والبخاري.
(9)
زيادة من ت، ف، أ، والبخاري.
(10)
في ت: "نطف".
فَفَتَحَ". قَالَ أَنَسٌ: فَذُكِرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي السَّمَوَاتِ آدَمَ، وَإِدْرِيسَ، وَمُوسَى، وَعِيسَى، وَإِبْرَاهِيمَ، وَلَمْ يُثْبِتْ كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ، غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ آدَمَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ. قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِإِدْرِيسَ قَالَ: "مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالْأَخِ الصَّالِحِ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ. ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسَى فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالْأَخِ الصَّالِحِ. قُلْتُ: (1) مَنْ هَذَا؟ قَالَ: مُوسَى (2) ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالْأَخِ الصَّالِحِ. قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: عِيسَى (3) ابْنُ مَرْيَمَ. ثُمَّ مَرَرْتُ بِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالِابْنِ الصَّالِحِ. قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِبْرَاهِيمُ". قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَأَخْبَرَنِي ابْنُ حَزْمٍ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا حَبَّة (4) الْأَنْصَارِيَّ كَانَا يَقُولَانِ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "ثُمَّ عُرِجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوًى أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الْأَقْلَامِ". قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَفَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلَاةً، فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ: مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: فَرَضَ خَمْسِينَ صَلَاةً. قَالَ: فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَجَعْتُ [فَوَضَعَ شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، قُلْتُ: وَضَعَ شَطْرَهَا. فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ. فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ شَطْرَهَا. فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ. فَرَاجَعْتُهُ](5) فَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ وَهِيَ خَمْسُونَ، لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ. فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ. قُلْتُ: قَدِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي. ثُمَّ انْطَلَقَ بِي حَتَّى انْتَهَى إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى فَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ (6) لَا أَدْرِي مَا هِيَ، ثُمَّ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا فِيهَا جَنَابذ (7) اللُّؤْلُؤِ وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ".
هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِي "كِتَابِ الصَّلَاةِ"(8) وَرَوَاهُ فِي ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَفِي الْحَجِّ وَفِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ، عَنْ يُونُسَ، بِهِ (9) وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فِي "كِتَابِ الْإِيمَانِ" مِنْهُ، عَنْ حَرْملة، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ بِهِ نَحْوَهُ. (10) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هُمَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيق قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي ذَرٍّ: لَوْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَسَأَلْتُهُ. قَالَ: وَمَا كُنْتَ تَسْأَلُهُ؟ قَالَ: كُنْتُ أَسْأَلُهُ: هَلْ رَأَى رَبَّهُ؟ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ سَأَلْتُهُ فَقَالَ: "إِنِّي قَدْ رَأَيْتُهُ (11) نُورًا أَنَّى أَرَاهُ"(12) .
هَكَذَا قَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، [عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: سَأَلَتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَلْ رأيت ربك؟ قال: "إني نُورٌ أَنِّي أَرَاهُ".
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّار، عَنْ مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ] (13) قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي ذَرٍّ: لَوْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَسَأَلْتُهُ. فَقَالَ (14) عَنْ أَيِّ شيء كنت تسأله؟ قال:
(1) في ف: "فقلت".
(2)
في ف، أ:"هذا موسى".
(3)
في ف، أ:"هذا عيسى".
(4)
في ت: "حية".
(5)
زيادة من ت، ف، أ، والبخاري.
(6)
في ف: "الألوان".
(7)
في ف: "جبال"، وفي أ:"حبائل".
(8)
صحيح البخاري برقم (349) .
(9)
صحيح البخاري برقم (1636، 3342) .
(10)
صحيح مسلم برقم (163) .
(11)
في ت، ف، أ:"رأيت".
(12)
المسند (5/147) .
(13)
زيادة من ت، ف، أ، ومسلم.
(14)
في ف: "قال".
كُنْتُ أَسْأَلُهُ: هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ أَبُو ذَرٍّ: قَدْ سَأَلْتُ فَقَالَ: "رَأَيْتُ نُورًا"(1) .
رِوَايَةُ أَنَسٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ الْأَنْصَارِيِّ، رضي الله عنه:
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسَيَّبِيِّ (2) حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: كَانَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ يُحَدِّثُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي وَأَنَا بمكة، فنزل جبريل ففرج صدري، ثم غسله مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مَنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَأَفْرَغَهَا (3) فِي صَدْرِي ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ. فَلَمَّا جَاءَ السَّمَاءَ [فَافْتَتَحَ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قَالَ: هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَعِي مُحَمَّدٌ. قَالَ: أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَافْتَحْ. فَلَمَّا عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا] (4) إِذَا رَجُلٌ عَنْ يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ وَعَنْ يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ، فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى قَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالِابْنِ الصَّالِحِ". قَالَ: "قُلْتُ لِجِبْرِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا آدَمُ وَهَذِهِ الْأَسْوِدَةُ (5) عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ، فَأَهْلُ الْيَمِينِ هُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَالْأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ هُمْ أَهْلُ النَّارِ. فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى" قَالَ: "ثُمَّ عَرَجَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السماء الثانية، فقال لخازنها: افتح. فقال له خَازِنُهَا مِثْلَ مَا قَالَ خَازِنُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَفُتِحَ لَهُ". قَالَ أَنَسٌ: فَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي السَّمَوَاتِ: آدَمَ، وَإِدْرِيسَ، وَمُوسَى، وَعِيسَى، وَإِبْرَاهِيمَ، وَلَمْ يَثْبُتْ لِي كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ؟ غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ آدَمَ، عليه السلام، فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ. قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ عليه السلام، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِإِدْرِيسَ قَالَ:"مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالْأَخِ الصَّالِحِ". قَالَ: "قُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ"، قال:"ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسَى، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالْأَخِ الصَّالِحِ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا مُوسَى، ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالْأَخِ الصَّالِحِ. قُلْتُ: مَنْ هَذَا. قَالَ: هَذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ" قَالَ: "ثُمَّ مَرَرْتُ بِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالِابْنِ الصَّالِحِ. قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِبْرَاهِيمُ". قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ حَزْمٍ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا حَبَّةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَا يَقُولَانِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "ثم عُرِجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوًى أَسْمَعُ صَرِيفَ الْأَقْلَامِ" قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلَاةً" قَالَ: "فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى أَمُرَّ (6) عَلَى مُوسَى، فَقَالَ مُوسَى: مَاذَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ صَلَاةً. فَقَالَ لِي مُوسَى: رَاجِعْ رَبَّكَ؛ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ" قَالَ: "فَرَاجَعْتُ رَبِّي فَوَضَعَ شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ (7) فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَجَعْتُ (8) فَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ وَهِيَ خَمْسُونَ، لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ". قَالَ: "فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ. فَقُلْتُ (9) قَدِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي" قَالَ: "ثُمَّ انْطَلَقَ بِي حَتَّى أَتَى سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى. قَالَ: "فَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ مَا أَدْرِي (10) مَا هِيَ؟ " قَالَ: "ثُمَّ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ، فَإِذَا فِيهَا جَنَابِذُ اللُّؤْلُؤِ، وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ".
هَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ [الْإِمَامِ](11) أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِ أَبِيهِ (12) . وَلَيْسَ هو في شيء من الكتب
(1) صحيح مسلم برقم (178) .
(2)
في ف، أ:"بن محمد بن المثنى".
(3)
في ت: "ففرغهما".
(4)
زيادة من ف، أ، والمسند.
(5)
في ت، ف:"الأسودة التي".
(6)
في ت، ف، أ:"حتى أتى".
(7)
في ف: "راجع ربك".
(8)
في ف، أ:"فرجعت ربي".
(9)
في ت: "قلت".
(10)
في ف: "لا أدري".
(11)
زيادة من: ف، أ.
(12)
زوائد المسند (5/143) وقال الهيثمي في المجمع (1/66) : "رجاله رجال الصحيح".
السِّتَّةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ (1) ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، مِثْلَ هَذَا السِّيَاقِ سَوَاءٌ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ (2) .
رِوَايَةُ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ الْأَسْلَمِيِّ:
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ -وَاللَّفْظُ لَهُ-قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو نُميلَة، أَخْبَرَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ جُنَادَةَ، عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدة، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لما كَانَ لَيْلَةُ أُسْرِيَ بِهِ (3) قَالَ: فَأَتَى جِبْرِيلُ الصخرة التي ببيت الْمَقْدِسِ، فَوَضَعَ إِصْبَعَهُ فِيهَا فَخَرَقَهَا فَشَدَّ بِهَا الْبُرَاقَ".
ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ جُنَادَةَ إِلَّا أَبُو نُميلَة، وَلَا نَعْلَمُ (4) هَذَا الْحَدِيثَ [يُرْوَى](5) إِلَّا عَنْ بُرَيْدَةَ. وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ جَامِعِهِ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِي بِهِ (6) وَقَالَ: غَرِيبٌ.
رِوَايَةُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، رضي الله عنه (7) :
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (8) : " لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ حِينَ أُسْرِيَ بِي إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، قُمْتُ فِي الْحِجْرِ فَجَلَّى اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ".
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طُرُقٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ، (9) .
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ (10) الْقَاضِي، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَان، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ انْتَهَى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، لَقِيَ فِيهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى، وَإِنَّهُ أُتِيَ بِقَدَحَيْنِ: قَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ وَقَدَحِ خَمْرٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا، ثُمَّ أَخَذَ قَدَحَ اللَّبَنِ. فَقَالَ جِبْرِيلُ (11) : أَصَبْتَ، هُدِيتَ لِلْفِطْرَةِ (12) ، لَوِ اخْتَرْتَ الْخَمْرَ لَغَوَتْ أُمَّتُكَ. ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَكَّةَ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ، فَافْتُتِنَ نَاسٌ كَثِيرٌ كَانُوا قَدْ صَلَّوْا مَعَهُ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: فَتَجَهَّزَ -أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا-نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالُوا: هَلْ لَكَ فِي صَاحِبِكَ؟ يَزْعُمُ أَنَّهُ جَاءَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ! فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أوقال ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَأَشْهَدُ لَئِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ لَقَدْ صَدَقَ. قَالُوا: فَتُصَدِّقُهُ بِأَنْ يَأْتِيَ الشَّامَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنِّي أُصَدِّقُهُ بِأَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ (13) أُصَدِّقُهُ بِخَبَرِ السَّمَاءِ. قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَبِهَا سُمِّيَ أَبُو بكر: الصديق.
(1) في ت، ف، أ:"عن الزهري، عن أنس".
(2)
في ت: "والله أعلم".
(3)
في ف: "أسري بي".
(4)
في ت: "يعلم".
(5)
زيادة من أ.
(6)
سنن الترمذي برقم (3132) .
(7)
في ف، أ:"عنهما".
(8)
في ت، ف، أ:"قال".
(9)
المسند (3/377) ، وصحيح البخاري برقم (4710) وصحيح مسلم برقم (170) .
(10)
في ت، ف:"الحسين".
(11)
في ف، أ:"فقال له جبريل عليه السلام".
(12)
في ف: "الفطرة".
(13)
في ت: "من هذا".
قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَسَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ حِينَ أُسْرِيَ بِي إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، قُمْتُ فِي الْحِجْرِ، فَجَلَّى اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ"(1) .
رِوَايَةُ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، رضي الله عنه:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا أَبُو النَّضْرِ، ثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرَّ بْنِ حُبَيْش، قَالَ: أَتَيْتُ عَلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَهُوَ يحدث، عن لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ يَقُولُ:"فَانْطَلَقْنَا (2) حَتَّى أَتَيْنَا (3) بَيْتَ الْمَقْدِسِ". فَلَمْ يَدْخُلَاهُ. قَالَ: قُلْتُ: بَلْ دَخَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَتَئِذٍ وَصَلَّى فِيهِ. قَالَ: مَا اسْمُكَ يَا أَصْلَعُ؟ فَإِنِّي أَعْرِفُ وَجْهَكَ وَلَا أَدْرِي مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَنَا زِرُّ بْنُ حُبَيْش. قَالَ: فَمَا عِلْمُكَ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِيهِ لَيْلَتَئِذٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: الْقُرْآنُ يُخْبِرُنِي بِذَلِكَ. قَالَ: مَنْ تَكَلَّمَ بِالْقُرْآنِ فَلَجَ (4)، اقْرَأْ. قَالَ: فَقُلْتُ: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى} قَالَ: يَا أَصْلَعُ، هَلْ تَجِدُ "صَلَّى فِيهِ"؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: وَاللَّهِ مَا صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَتَئِذٍ، وَلَوْ صَلَّى فِيهِ لَكُتِبَ عَلَيْكُمْ صَلَاةٌ فِيهِ، كَمَا كُتِبَ عَلَيْكُمْ صَلَاةٌ فِي الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، وَاللَّهِ مَا زَايَلَا الْبُرَاقَ حَتَّى فُتِحَتْ لَهُمَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، فَرَأَيَا الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَوَعْدَ الْآخِرَةِ أَجْمَعَ، ثُمَّ عَادَا عَوْدَهُمَا عَلَى بَدْئِهِمَا. قَالَ: ثُمَّ ضَحِكَ حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ. قَالَ: وَتَحَدَّثُوا (5) أَنَّهُ رَبَطَهُ لَا يَفِرُّ مِنْهُ، وَإِنَّمَا سَخَّرَهُ لَهُ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ. قُلْتُ: أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (6) أَيُّ دَابَّةٍ الْبُرَاقُ؟ قَالَ: دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ هَكَذَا، خَطْوُهُ مَدَّ الْبَصَرِ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، بِهِ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ حَدِيثِ عَاصِمٍ -وَهُوَ ابْنُ أَبِي النَّجُودِ-بِهِ (7)، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ حُذَيْفَةُ، رضي الله عنه، نَفْيٌ، وَمَا أَثْبَتَهُ غَيْرُهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ رَبْطِ الدَّابَّةِ بِالْحَلْقَةِ وَمِنَ الصلاة بالبيت الْمَقْدِسِ، مِمَّا سَبَقَ وَمَا سَيَأْتِي مُقَدَّمٌ عَلَى قَوْلِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
رِوَايَةُ أَبِي سَعِيدٍ -سَعْدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ الْخُدْرِيُّ:
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ":
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ رَاشِدٌ الْحِمَّانِيُّ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنَا عَنْ لَيْلَةٍ أُسْرِيَ بِكَ فِيهَا، قَالَ: قَالَ اللَّهُ عز وجل: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}
(1) دلائل النبوة (2/359) .
(2)
في ف: "فانطلقا".
(3)
في ف: "أتيا".
(4)
في ت، ف، أ:"فلح".
(5)
في ت: "ويحدثون" وفي ف، أ:"وتحدثون".
(6)
في ت: "يا عبد الله".
(7)
المسند (5/387) ومسند الطيالسي برقم (411) ، وسنن الترمذي برقم (3147) وسنن النسائي الكبرى برقم (11280) .
قَالَ: فَأَخْبَرَهُمْ فَقَالَ: "فَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ عِشَاءً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، إِذْ أَتَانِي آتٍ فَأَيْقَظَنِي، فَاسْتَيْقَظْتُ فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَإِذَا أَنَا بِكَهَيْئَةِ خَيَالٍ، فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي حَتَّى خَرَجْتُ مِنَ الْمَسْجِدِ (1) فَإِذَا أَنَا بِدَابَّةٍ أَدْنَى فِي شَبَهِهِ بِدَوَابِّكُمْ هَذِهِ، بِغَالِكُمْ هَذِهِ، مُضْطَرِبِ (2) الْأُذُنَيْنِ يُقَالُ لَهُ: الْبُرَاقُ. وَكَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ تَرْكَبُهُ قَبْلِي، يَقَعُ حَافِرُهُ عِنْدَ مَدِّ بَصَرِهِ، فَرَكِبْتُهُ، فَبَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ عَلَيْهِ، إِذْ دَعَانِي دَاعٍ، عَنْ يَمِينِي: يَا مُحَمَّدُ، انْظُرْنِي أَسْأَلْكَ، يَا مُحَمَّدُ، انْظُرْنِي أَسْأَلْكَ، فَلَمْ أُجِبْهُ وَلَمْ أَقُمْ عَلَيْهِ، [فَبَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ عَلَيْهِ، إِذْ دَعَانِي دَاعٍ، عَنْ يَسَارِي: يَا مُحَمَّدُ، انْظُرْنِي أَسْأَلْكَ، فَلَمْ أُجِبْهُ وَلَمْ أَقُمْ عَلَيْهِ] (3) ، فَبَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ، إِذْ أَنَا بِامْرَأَةٍ حَاسِرَةٍ عَنْ ذِرَاعَيْهَا، وَعَلَيْهَا مِنْ كُلِّ زِينَةٍ خَلَقَهَا اللَّهُ، فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ، انْظُرْنِي أَسْأَلْكَ. فَلَمْ أَلْتَفِتْ إِلَيْهَا وَلَمْ أَقُمْ عَلَيْهَا. حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَأَوْثَقْتُ دَابَّتِي بِالْحَلْقَةِ الَّتِي كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ تُوثِقُهَا بِهَا. فَأَتَانِي (4) جِبْرِيلُ، عليه السلام بِإِنَاءَيْنِ: أَحَدُهُمَا خَمْرٌ، وَالْآخَرُ لَبَنٌ، فَشَرِبْتُ اللَّبَنَ، وَتَرَكْتُ الْخَمْرَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ (5) فَقُلْتُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ. فَقَالَ: جِبْرِيلُ: مَا رَأَيْتَ فِي وَجْهِكَ هَذَا؟ " قَالَ: "فَقُلْتُ: بَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ، إِذْ دَعَانِي دَاعٍ، عَنْ يَمِينِي: يَا مُحَمَّدُ، انْظُرْنِي أَسْأَلْكَ. فَلَمْ أُجِبْهُ وَلَمْ أَقُمْ عَلَيْهِ. قَالَ: ذَاكَ دَاعِي الْيَهُودِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَجَبْتَهُ -أَوْ: وَقَفْتَ عَلَيْهِ-لَتَهَوَّدَتْ أُمَّتُكَ". قَالَ: (6) : فَبَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ، إِذْ دَعَانِي دَاعٍ عَنْ يَسَارِي قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، انْظُرْنِي أَسْأَلْكَ. فَلَمْ أَلْتَفِتْ إِلَيْهِ وَلَمْ أَقُمْ عَلَيْهِ. قَالَ: ذَاكَ دَاعِي النَّصَارَى، أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَجَبْتَهُ لَتَنَصَّرَتْ أُمَّتُكَ". قَالَ:"فَبَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ إِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ حَاسِرَةٍ عَنْ ذِرَاعَيْهَا عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ زِينَةٍ خَلَقَهَا اللَّهُ تَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، انْظُرْنِي أَسْأَلْكَ. فَلَمْ أُجِبْهَا وَلَمْ أَقُمْ عَلَيْهَا". قَالَ: تِلْكَ الدُّنْيَا، أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَجَبْتَهَا أَوْ أَقَمْتَ عَلَيْهَا، لَاخْتَارَتْ أُمَّتُكَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ".
قَالَ: "ثُمَّ دَخَلْتُ أَنَا وَجِبْرِيلُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَصَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا رَكْعَتَيْنِ.
ثُمَّ أُتِيتُ بِالْمِعْرَاجِ الَّذِي تَعْرُجُ (7) عَلَيْهِ أَرْوَاحُ بَنِي آدَمَ (8) ، فَلَمْ يَرَ الْخَلَائِقُ أَحْسَنَ مِنَ الْمِعْرَاجِ، أَمَا رَأَيْتَ الْمَيِّتَ حِينَ يَشُقُّ بَصَرَهُ طَامِحًا إِلَى السَّمَاءِ، فَإِنَّمَا يَشُقُّ بَصَرَهُ طَامِحًا إِلَى السَّمَاءِ عَجَبُهُ بِالْمِعْرَاجِ". قَالَ:"فَصَعِدْتُ أَنَا وَجِبْرِيلُ، فَإِذَا أَنَا بِمَلَكٍ يُقَالُ: لَهُ: إِسْمَاعِيلُ. وَهُوَ صَاحِبُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَبَيْنَ يَدَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، مَعَ كُلِّ مَلَكٍ جُنْده مِائَةُ أَلْفِ مَلَكٍ". قَالَ: "وَقَالَ: اللَّهُ [عز وجل](9){وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ} [الْمُدَّثِّرِ: 31] فَاسْتَفْتَحَ (10) جِبْرِيلُ بَابَ السَّمَاءِ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قال: محمد. قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم. فإذا أنا بآدم كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَهُ اللَّهُ، عز وجل عَلَى صُورَتِهِ (11) ، هُوَ تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ ذُرِّيَّتِهِ الْمُؤْمِنِينَ، فَيَقُولُ: رُوحٌ طَيِّبَةٌ، وَنَفْسٌ طَيِّبَةٌ، اجْعَلُوهَا فِي عِلِّيِّينَ ثُمَّ تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ ذُرِّيَّتِهِ الْفُجَّارِ فَيَقُولُ: رُوحٌ خَبِيثَةٌ، وَنَفْسٌ خَبِيثَةٌ، اجْعَلُوهَا فِي سجين.
(1) في ت، ف، أ:"المسجد الحرام".
(2)
في ف، أ:"غير أنه مضطرب".
(3)
زيادة من ف، أوالدلائل.
(4)
في ت: "أتاني" وفي ف: "ثم أتاني"
(5)
في ف، أ:"أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غوت أمتك".
(6)
في ف: "قلت".
(7)
في ت: "يعرج".
(8)
في أ: "الأنبياء".
(9)
زيادة من: ف، أ.
(10)
في ف، أ:"قال: فاستفتح".
(11)
في أ: "على صورته لم يتغير منه شيء".
ثُمَّ مَضَيْتُ هُنَيَّةً (1) ، فَإِذَا أَنَا بِأَخْوِنَةٍ عَلَيْهَا لَحْمٌ مُشَرَّحٌ لَيْسَ يَقْرَبُهَا أَحَدٌ، وَإِذَا أَنَا بأخْوِنَة أُخْرَى عَلَيْهَا لَحْمٌ قَدْ أَرْوَحَ وَأَنْتَنَ، عِنْدَهَا أُنَاسٌ يَأْكُلُونَ مِنْهَا، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ مِنْ أَمَّتِكَ يَتْرُكُونَ الْحَلَالَ وَيَأْتُونَ (2) الْحَرَامَ."
قَالَ: "ثُمَّ مَضَيْتُ هُنَيَّةً (3) ، فَإِذَا أَنَا بِأَقْوَامٍ بُطُونُهُمْ أَمْثَالُ الْبُيُوتِ، كُلَّمَا نَهَضَ أَحَدُهُمْ خَرَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ، لَا تُقِمِ السَّاعَةَ"، قَالَ:"وَهُمْ عَلَى سَابِلَةِ آلِ فِرْعَوْنَ". قَالَ: "فَتَجِيءُ السَّابِلَةُ فَتَطَؤُهُمْ". قَالَ: "فَسَمِعْتُهُمْ يَضِجُّونَ إِلَى اللَّهِ عز وجل". قَالَ: "قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ من أمتك {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [الْبَقَرَةِ: 275] .
قَالَ: "ثُمَّ مَضَيْتُ هُنَيَّةً (4) ، فَإِذَا أَنَا بِأَقْوَامٍ مَشَافِرُهُمْ كَمَشَافِرَ الْإِبِلِ". قَالَ: "فَتُفْتَحُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَيُلْقَمُونَ مِنْ ذَلِكَ الْجَمْرِ، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ أَسَافِلِهِمْ. فَسَمِعْتُهُمْ يَضِجُّونَ إِلَى اللَّهِ،عز وجل، فَقُلْتُ (5) : مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ مِنْ أُمَّتِكَ {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النِّسَاءِ: 10] .
قَالَ: "ثُمَّ مَضَيْتُ هُنَيَّةً، فَإِذَا أَنَا بِنِسَاءٍ يُعَلَّقْنَ بِثَدْيِهِنَّ (6) فَسَمِعَتْهُنَّ يَضْجِجْنَ إِلَى اللَّهِ عز وجل قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلَاءِ النِّسَاءُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الزُّنَاةُ مِنْ أُمَّتِكَ".
قَالَ: "ثُمَّ مَضَيْتُ هُنَيَّةً (7) فَإِذَا أَنَا بِأَقْوَامٍ يُقْطَعُ مِنْ جُنُوبِهِمُ اللَّحْمُ، فَيُلْقِمُونَهُ، فَيُقَالُ لَهُ: كُلْ كَمَا كُنْتَ تَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ أَخِيكَ. قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الْهَمَّازُونَ مِنْ أُمَّتِكَ اللَّمَّازُونَ".
قَالَ: "ثُمَّ صَعِدْنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَإِذَا أَنَا بَرَجُلٍ أَحْسَنِ مَا خَلَقَ اللَّهُ، عز وجل، قَدْ فَضَلَ النَّاسَ فِي الْحُسْنِ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا أَخُوكَ يُوسُفُ وَمَعَهُ نَفَرٌ مَنْ قَوْمِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ.
ثُمَّ صَعِدْتُ (8) إِلَى السماء الثالثة، فإذا أنا بيحيى وَعِيسَى، عليهما السلام، وَمَعَهُمَا نَفَرٌ مِنْ قَوْمِهِمَا، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَا عَلَيَّ.
ثُمَّ صَعِدْتُ (9) إِلَى السماء الرابعة، فإذا أنا بإدريس قَدْ رَفَعَهُ اللَّهُ مَكَانًا عَلِيًّا، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ".
قَالَ: "ثُمَّ صَعِدْتُ (10) إِلَى السَّمَاءِ الخامسة، فإذا [أنا](11) بهارون وَنِصْفُ لِحْيَتِهِ بَيْضَاءُ وَنِصْفُهَا سَوْدَاءُ، تَكَادُ لِحْيَتُهُ تُصِيبُ سُرَّتَهُ مِنْ طُولِهَا، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا الْمُحَبَّبُ فِي قَوْمِهِ، هَذَا هَارُونُ بْنُ عِمْرَانَ، وَمَعَهُ نَفَرٌ مَنْ قَوْمِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ.
ثُمَّ صَعِدْتُ (12) إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، رَجُلٌ آدَمُ كَثِيرُ الشَّعْرِ، لَوْ كَانَ
(1) في ف، أ:"هنيهة".
(2)
في أ: "ويأكلون".
(3)
في ف، أ:"هنيهة".
(4)
في ف، أ:"هنيهة".
(5)
في ف: "قلت".
(6)
في ت، أ:"بأيديهن".
(7)
في ف، أ:"هنيهة".
(8)
في ف، أ:"صعدنا".
(9)
في ف، أ:"صعدنا".
(10)
في ف، أ:"صعدنا".
(11)
زيادة من ت، ف، أ.
(12)
في ت: "صعد بي".
عَلَيْهِ قَمِيصَانِ لَنَفَذَ شَعْرُهُ دُونَ الْقَمِيصِ، فَإِذَا (1) هُوَ يَقُولُ: يَزْعُمُ النَّاسُ أَنِّي أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا، بَلْ هَذَا أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنِّي". قَالَ: "قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا أَخُوكَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ، عليه السلام، وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ.
ثُمَّ صَعِدْتُ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَإِذَا أَنَا بِأَبِينَا إِبْرَاهِيمَ (2) خَلِيلِ الرَّحْمَنِ سَانِدٍ ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ كَأَحْسَنِ الرِّجَالِ، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا أَبُوكَ (3) خَلِيلُ الرَّحْمَنِ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، وَإِذَا [أَنَا] (4) بِأُمَّتِي شَطْرَيْنِ: شَطْرٌ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ بِيضٌ كَأَنَّهَا الْقَرَاطِيسُ. وَشَطْرٌ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ رُمْد". قَالَ: "فَدَخَلْتُ الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ وَدَخَلَ مَعِي الَّذِينَ عَلَيْهِمُ الثِّيَابُ الْبِيضُ، وَحُجِبَ الْآخَرُونَ الَّذِينَ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ رُمْدٌ، وَهُمْ عَلَى خَيْرٍ. فَصَلَّيْتُ أَنَا وَمَنْ مَعِي فِي الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، ثُمَّ خَرَجْتُ أَنَا وَمَنْ معي". قال:"والبيت الْمَعْمُورُ يُصَلَّى فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، لَا (5) يَعُودُونَ فِيهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
قَالَ: "ثُمَّ دُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، فَإِذَا كَلُّ وَرَقَةٍ مِنْهَا تَكَادُ أَنْ تُغَطِّيَ هَذِهِ الْأُمَّةَ، وَإِذَا فِيهَا عَيْنٌ تَجْرِي يُقَالُ لَهَا: سَلْسَبِيلٌ، فَيَنْشَقُّ مِنْهَا نَهْرَانِ، أَحَدُهُمَا: الْكَوْثَرُ، وَالْآخَرُ: يُقَالُ لَهُ: نَهْرُ الرَّحْمَةِ. فَاغْتَسَلْتُ فِيهِ، فَغُفِرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي وَمَا تَأَخَّرَ.
ثُمَّ إِنِّي دُفِعْتُ إِلَيَّ الْجَنَّةِ، فَاسْتَقْبَلَتْنِي جَارِيَةٌ، فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتِ يَا جَارِيَةُ؟ فَقَالَتْ (6) لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَإِذَا [أَنَا](7) بِأَنْهَارٍ مِنْ [مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ، وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ، وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ للشاربين وأنهار مِنْ](8) عَسَلٍ مُصَفًّى، وَإِذَا رُمَّانُهَا كَأَنَّهُ الدِّلَاءُ عِظَمًا، وَإِذَا أَنَا بِطَيْرِهَا كَأَنَّهَا بُخْتِيُّكُمْ هَذِهِ". فَقَالَ عِنْدَهَا صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَعَدَّ لِعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ".
قَالَ: "ثُمَّ عُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ، فَإِذَا فِيهَا غَضَبُ اللَّهِ وَزَجْرُهُ وَنِقْمَتُهُ، لَوْ طُرِحَ فِيهَا الْحِجَارَةُ وَالْحَدِيدُ لَأَكَلَتْهَا، ثُمَّ أُغْلِقَتْ (9) دُونِي.
ثُمَّ إِنِّي دُفِعْتُ (10) إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، فَتَغَشَّانِي فَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ قَابُ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى". قَالَ:"وَنَزَلَ عَلَى كُلِّ وَرَقَةٍ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ". قَالَ: "وَفُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ (11) وَقَالَ: لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرٌ، إِذَا هَمَمْتَ بِالْحَسَنَةِ فَلَمْ تَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَكَ حَسَنَةً، فَإِذَا عَمِلَتْهَا كُتِبَتْ لَكَ عَشْرًا، وَإِذَا هَمَمْتَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَمْ تَعْمَلْهَا لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكَ شَيْءٌ، فَإِنْ (12) عَمِلْتَهَا كُتِبَتْ عَلَيْكَ سَيِّئَةً وَاحِدَةً.
ثُمَّ دُفِعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: بِمَا أَمَرَكَ رَبُّكَ؟ قُلْتُ: بِخَمْسِينَ صَلَاةً. قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، وَمَتَى لَا [تُطِيقُهُ] (13) تَكْفُرُ (14) فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي [عَزَّ. وَجَلَّ] (15) فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، خَفِّفْ عَنْ أُمَّتِي، فَإِنَّهَا أَضْعَفُ الْأُمَمِ. فَوَضَعَ عَنِّي عشرًا، وجعلها
(1) في ت، ف:"وإذا".
(2)
في ت: "فإذا أنا بإبراهيم".
(3)
في ف، أ:"أبوك إبراهيم".
(4)
زيادة من ف، أ، والدلائل.
(5)
في ت، ف، أ:"ثم لا".
(6)
في ف: "قالت".
(7)
زيادة من ف، أ، والدلائل.
(8)
زيادة من ف، أ، والدلائل.
(9)
في ف: "غلقت".
(10)
في ف: "رفعت".
(11)
في أ: "خمسون صلاة".
(12)
في ف: "فإذا".
(13)
زيادة من ف، أ، والدلائل.
(14)
في ت: "يكفر".
(15)
زيادة من ف، أ.
أَرْبَعِينَ. فَمَا زِلْتُ أَخْتَلِفُ بَيْنَ مُوسَى وَرَبِّي (1) كُلَّمَا أَتَيْتُ عَلَيْهِ قَالَ لِي مِثْلَ مَقَالَتِهِ، حَتَّى رَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ لِي: بِمَ أُمِرْتَ؟ فَقُلْتُ: أُمِرْتُ بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ. قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ [عز وجل](2) فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ. فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي [سبحانه وتعالى](3) فَقُلْتُ: أَيْ رَبِّ، خَفِّفْ عَنْ أُمَّتِي، فَإِنَّهَا أَضْعَفُ الْأُمَمِ. فَوَضَعَ عَنِّي خَمْسًا، وَجَعَلَهَا خَمْسًا. فَنَادَانِي مَلَكٌ عِنْدَهَا: تَمَّمْتُ فَرِيضَتِي، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي، وَأَعْطَيْتُهُمْ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا.
ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ فَقُلْتُ: بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ. قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّهُ لَا يؤوده شَيْءٌ، فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ". "فَقُلْتُ (4) : رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُهُ" ثُمَّ أَصْبَحَ بِمَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِالْأَعَاجِيبِ: "إِنِّي أَتَيْتُ الْبَارِحَةَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَعُرِجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ، وَرَأَيْتُ كَذَا وَكَذَا (5) ". فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ -يَعْنِي ابْنَ هِشَامٍ-: أَلَا تَعْجَبُونَ مِمَّا يَقُولُ مُحَمَّدٌ؟ يَزْعُمُ أَنَّهُ أَتَى الْبَارِحَةَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ أَصْبَحَ فِينَا. وَأَحَدُنَا يَضْرِبُ مَطِيَّتَهُ مُصْعَدَةً شَهْرًا، وَمُقْفَلَةً شَهْرًا، فَهَذَا مَسِيرَةُ شَهْرَيْنِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ! قَالَ: فَأَخْبَرَهُمْ بِعِيرٍ لِقُرَيْشٍ: "لَمَّا كُنْتُ (6) فِي مَصْعَدِي رَأَيْتُهَا فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا، وَأَنَّهَا نَفَرَتْ، فَلَمَّا رَجَعْتُ رَأَيْتُهَا عِنْدَ الْعَقَبَةِ". وَأَخْبَرَهُمْ بِكُلِّ رَجُلٍ وَبَعِيرِهِ كَذَا وَكَذَا، وَمَتَاعِهِ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: يُخْبِرُنَا (7) بِأَشْيَاءَ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَكَيْفَ بِنَاؤُهُ؟ وَكَيْفَ هَيْئَتُهُ؟ وَكَيْفَ قُرْبُهُ مِنَ الْجَبَلِ؟ [فَإِنْ يَكُ مُحَمَّدٌ صَادِقًا فَسَأُخْبِرُكُمْ، وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَسَأُخْبِرُكُمْ. فَجَاءَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أنا أعلم الناس ببيت الْمَقْدِسِ، فَأَخْبِرْنِي كَيْفَ بِنَاؤُهُ؟ وَكَيْفَ هَيْئَتُهُ؟ وَكَيْفَ قُرْبُهُ مِنَ الْجَبَلِ](8) . قَالَ: فَرُفِعَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْتُ الْمَقْدِسِ مِنْ مَقْعَدِهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ كَنَظَرِ أَحَدِنَا إِلَى بَيْتِهِ: بِنَاؤُهُ كَذَا وَكَذَا، وَهَيْئَتُهُ كَذَا وَكَذَا، وَقُرْبُهُ مِنَ الْجَبَلِ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ الْآخَرُ: صَدَقْتَ. فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: صَدَقَ مُحَمَّدٌ فِيمَا قَالَ أَوْ نَحْوَ هَذَا (9) الْكَلَامِ (10) .
وَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ بِطُولِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، وَعَنِ الْحَسَنِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، بِهِ. وَرَوَاهُ، أَيْضًا، مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي هَارُونَ، بِهِ نَحْوَ سِيَاقِهِ الْمُتَقَدِّمِ (11) .
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الصَّمَدِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، فَذَكَرَهُ (12) بِسِيَاقٍ طَوِيلٍ حَسَنٍ أَنِيقٍ، أَجْوَدَ مِمَّا سَاقَهُ غَيْرُهُ، عَلَى غَرَابَتِهِ وما فيه من النكارة.
(1) في ف، أ:"بين موسى وبين ربي عز وجل".
(2)
زيادة من ف، أ.
(3)
زيادة من: ت.
(4)
في ف، أ:"قال: فقلت".
(5)
في ف، أ:"ورأيت كذا ورأيت كذا".
(6)
في ت، ف، أ:"كانت".
(7)
من ف، أ:"تخبرنا".
(8)
زيادة من ف، أ، والدلائل.
(9)
في ت: "أو نحوه من هذا".
(10)
دلائل النبوة (2/390) .
(11)
تفسير الطبري (15/10) .
(12)
في ف، أ:"فذكر".
ثُمَّ ذَكَرَهُ (1) الْبَيْهَقِيُّ، أَيْضًا، مِنْ رِوَايَةِ نُوحِ بْنِ قَيْسٍ الحُدَّاني وهُشَيم وَمَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ -وَاسْمُهُ عُمَارَةُ بْنُ جُوَيْنٍ (2) وَهُوَ مُضَعَّفٌ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ (3) .
وَإِنَّمَا سُقْنَا حَدِيثَهُ هَاهُنَا لِمَا فِي حَدِيثِهِ (4) مِنَ الشَّوَاهِدِ لِغَيْرِهِ، وَلِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ:
أَخْبَرَنَا [الْإِمَامُ](5) أَبُو عُثْمَانَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (6) ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَزَّازُ، حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدِ (7) بْنُ بِلَالٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ قَالَ: رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِكَ يُقَالُ لَهُ:"سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ" لَا بَأْسَ بِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا بَأْسَ بِهِ"، حَدَّثَنَا عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْكَ (8) لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِكَ، قُلْتَ (9) "رَأَيْتَ فِي السَّمَاءِ" فَحَدَّثَهُ بِالْحَدِيثِ؟ فَقَالَ لِي:"نَعَمْ". فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ نَاسًا مَنْ أُمَّتِكَ يُحَدِّثُونَ عَنْكَ فِي السُّرَى بِعَجَائِبَ؟ فَقَالَ لِي:"ذَلِكَ (10) حَدِيثُ الْقُصَّاصِ"(11) .
رِوَايَةُ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ:
قَالَ الْإِمَامُ أَبُو إِسْمَاعِيلَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَلَاءِ بْنِ الضَّحَّاكِ الزَّبيدي، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ (12) الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَامِرٍ الزُّبَيْدِيِّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ (13) بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جُبَيْرِ (14) بْنِ نُفَيْرٍ: حَدَّثَنَا (15) شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ أُسْرِيَ بِكَ؟ قَالَ:"صَلَّيْتُ لِأَصْحَابِي صَلَاةَ الْعَتَمَةِ بِمَكَّةَ مُعْتِمًا". قَالَ: "فَأَتَانِي جِبْرِيلُ، عليه السلام، بِدَابَّةٍ أَبْيَضَ -أَوْ قَالَ: بَيْضَاءَ-فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ، فَقَالَ: ارْكَبْ. فَاسْتُصْعِبَتْ عَلَيَّ، فَرَازَهَا (16) بِأُذُنِهَا، ثُمَّ حَمَلَنِي عَلَيْهَا. فَانْطَلَقَتْ تَهْوِي بِنَا يَقَعُ حَافِرُهَا حَيْثُ أَدْرَكَ طَرْفُهَا، حَتَّى بَلَغْنَا أَرْضًا ذَاتَ نَخْلٍ (17) فَأَنْزَلَنِي فَقَالَ: صَلِّ. فَصَلَّيْتُ، ثُمَّ رَكِبْنَا (18) فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ قُلْتُ: اللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: صَلَّيْتَ بِيَثْرِبَ صَلَّيْتَ بِطِيبَةَ. فَانْطَلَقَتْ تَهْوِي بِنَا يَقَعُ حَافِرُهَا حَيْثُ أَدْرَكَ طَرْفُهَا. ثُمَّ بَلَغْنَا أَرْضًا فَقَالَ: انْزِلْ. [فَنَزَلْتُ](19) ثُمَّ قَالَ: صَلِّ. فَصَلَّيْتُ ثُمَّ رَكِبْنَا، فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ قُلْتُ: اللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: صَلَّيْتَ بِمَدْيَنَ، صَلَّيْتَ عِنْدَ شَجَرَةِ مُوسَى. ثُمَّ انْطَلَقَتْ تَهْوِي بِنَا يَقَعُ حَافِرُهَا حَيْثُ أَدْرَكَ طَرْفُهَا، ثُمَّ بَلَغْنَا أَرْضًا، بَدَتْ لَنَا قُصُورٌ، فَقَالَ: انْزِلْ. فَنَزَلْتُ، فَقَالَ (20) صَلِّ فَصَلَّيْتُ ثُمَّ رَكِبْنَا فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ قُلْتُ: اللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: صَلَّيْتَ بِبَيْتِ لَحْمٍ حَيْثُ وُلِدَ عِيسَى الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ. ثُمَّ انْطَلَقَ بِي حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ مِنْ بَابِهَا الْيَمَانِي، فَأَتَى قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ، فَرَبَطَ فِيهِ دَابَّتَهُ وَدَخْلَنَا الْمَسْجِدَ مِنْ بَابٍ فِيهِ تَمِيلُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، فَصَلَّيْتُ مِنَ الْمَسْجِدِ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ، وَأَخَذَنِي مِنَ الْعَطَشِ أَشَدُّ مَا أَخَذَنِي، فَأُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ (21) ، فِي أَحَدِهِمَا لَبَنٌ وَفِي الْآخَرِ
(1) في ت، ف، أ:"ذكر".
(2)
في ت، أ:"جرين"، وفي ف:"جرير".
(3)
دلائل النبوة (2/396) .
(4)
في أ: "سياقه".
(5)
زيادة من ت، ف، أ.
(6)
في ف، أ:"أبو عثمان علي بن عبد الرحمن".
(7)
في ف: "حدثنا أحمد".
(8)
في ف، أ:"عنك يا رسول الله".
(9)
في أ: "أنك قلت".
(10)
في ت، ف، أ:"ذاك".
(11)
دلائل النبوة (2/405) .
(12)
في ت: "سلام".
(13)
في ت، ف:"أبو الوليد".
(14)
في ت، ف:"أن جبير".
(15)
في ت، ف، أ:"قال: حدثنا".
(16)
في أ: "مزارها".
(17)
في ت: "نخيل".
(18)
في ف، أ:"ركبت".
(19)
زيادة من الدلائل.
(20)
في ت: "قال".
(21)
في ت: "بإناءات".
عَسَلٌ، أُرْسِلَ إِلَيَّ بِهِمَا جَمِيعًا، فَعَدَلْتُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ هَدَانِي اللَّهُ عز وجل (1) ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ فَشَرِبْتُ (2) حَتَّى قَرَعت بِهِ جَبِينِي، وَبَيْنَ يَدَيَّ شَيْخٌ مُتَّكِئٌ عَلَى مَثْوَاةٍ لَهُ، فَقَالَ: أَخَذَ صَاحِبُكَ الْفِطْرَةَ، إِنَّهُ لَيُهْدَى. ثُمَّ انْطَلَقَ بِي حَتَّى أَتَيْنَا الْوَادِيَ الَّذِي فِيهِ الْمَدِينَةُ، فَإِذَا جَهَنَّمُ [تَنْكَشِفُ](3) عَنْ مِثْلِ الزَّرَابِيِّ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ وَجَدْتَهَا؟ قَالَ: مِثْلَ الْحُمَةِ السُّخْنَةِ. ثُمَّ انْصَرَفَ بِي (4) فَمَرَرْنَا بِعِيرٍ لِقُرَيْشٍ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا، قَدْ أَضَلُّوا بَعِيرًا لَهُمْ، قَدْ جَمَعَهُ فُلَانٌ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا صَوْتُ مُحَمَّدٍ. ثُمَّ أَتَيْتُ أَصْحَابِي قَبْلَ الصُّبْحِ بِمَكَّةَ"، فَأَتَانِي أَبُو بَكْرٍ، رضي الله عنه، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ كُنْتَ اللَّيْلَةَ؟ فَقَدِ الْتَمَسْتُكَ فِي مَظَانِّكَ (5) . فَقَالَ: "عَلِمْتُ أَنِّي أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ اللَّيْلَةَ؟ ". فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ مَسِيرَةُ شَهْرٍ، فَصِفْهُ لِي. قَالَ: "فَفُتِحَ لِي صِرَاطٌ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ لَا يَسْأَلُنِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْبَأْتُهُ عَنْهُ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: انْظُرُوا إِلَى ابْنِ أَبِي كَبْشَة يَزْعُمُ أَنَّهُ أَتَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ اللَّيْلَةَ!. قَالَ: فَقَالَ: "إِنَّ مِنْ آيَةِ مَا أَقُولُ لَكُمْ أَنِّي مَرَرْتُ بِعِيرٍ لَكُمْ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا، قَدْ أَضَلُّوا بَعِيرًا لَهُمْ، فَجَمَعَهُ فُلَانٌ، وَإِنَّ مَسِيرَهُمْ يَنْزِلُونَ بِكَذَا ثُمَّ بِكَذَا، وَيَأْتُونَكُمْ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، يَقْدُمُهُمْ جَمَلٌ آدَمُ، عَلَيْهِ مَسْحٌ أَسْوَدُ وَغِرَارَتَانِ سَوْدَاوَانِ". فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ أَشْرَفَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ (6) حَتَّى كَانَ قَرِيبَ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ حَتَّى أَقْبَلَتِ الْعِيرُ يَقْدُمُهُمْ ذَلِكَ الْجَمَلُ الَّذِي وَصَفَهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
هَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيِّ، بِهِ (7) . ثُمَّ قَالَ بَعْدَ تَمَامِهِ:"هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَرَوَى ذَلِكَ مُفَرَّقًا فِي أَحَادِيثَ غَيْرِهِ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَا حَضَرَنَا". ثُمَّ سَاقَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً فِي الْإِسْرَاءِ كَالشَّاهِدِ لِهَذَا الْحَدِيثِ. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ بِطُولِهِ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَلَاءِ الزُّبَيْدِيِّ، بِهِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ -أَعْنِي الْحَدِيثَ الْمَرْوِيَّ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ-مُشْتَمِلٌ (8) عَلَى أَشْيَاءَ مِنْهَا مَا هُوَ صَحِيحٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُنْكَرٌ، كَالصَّلَاةِ فِي بَيْتِ لَحْمٍ، وَسُؤَالِ الصِّدِّيقِ عَنْ نَعْتِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ قَابُوسَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِنَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْجَنَّةَ، فَسَمِعَ فِي جَانِبِهَا وَجْسًا (9) فَقَالَ:"يَا جِبْرِيلُ، مَا هَذَا؟ " قَالَ: "هَذَا بِلَالٌ الْمُؤَذِّنُ". فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ جَاءَ إِلَى النَّاسِ: "قَدْ أَفْلَحَ بِلَالٌ، قَدْ رَأَيْتُ لَهُ كَذَا وَكَذَا". قَالَ: فَلَقِيَهُ مُوسَى، عليه السلام، فَرَحَّبَ بِهِ، وَقَالَ:"مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الْأُمِّيِّ"، قَالَ:"وَهُوَ رَجُلٌ آدَمُ طَوِيلٌ، سَبْطٌ شَعْرُهُ مَعَ أُذُنَيْهِ أَوْ فَوْقَهُمَا"، فَقَالَ:"مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ " قَالَ: "هَذَا مُوسَى. [قَالَ: فَمَضَى، فَلَقِيَهُ عِيسَى فَرَحَّبَ بِهِ، وَقَالَ: "مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ " قَالَ: "هَذَا عِيسَى". قَالَ] (10) فَمَضَى فَلَقِيَهُ شَيْخٌ جَلِيلٌ مُتَهَيِّبٌ فَرَحَّبَ بِهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَكُلُّهُمْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، قَالَ: "مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ " قَالَ: "هَذَا أَبُوكَ إِبْرَاهِيمُ"، قَالَ: وَنَظَرَ فِي النَّارِ، فَإِذَا قَوْمٌ يَأْكُلُونَ الْجِيَفَ، قَالَ: "مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ " قَالَ: "هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لَحْمَ (11) النَّاسِ"، وَرَأَى رَجُلًا أَحْمَرَ أَزْرَقَ جِدًّا، قَالَ: "مَنْ هَذَا يا جبريل؟ "
(1) في أ: "تعالى".
(2)
في ت: "فشربت اللبن".
(3)
زيادة من ف، أ، والدلائل.
(4)
في أ: "بنا".
(5)
في ف، أ:"منامك".
(6)
في ت: "ينتظرون".
(7)
دلائل النبوة (2/355) .
(8)
في ف، أ:"يشتمل".
(9)
في ت، ف، أ:"وخشا".
(10)
زيادة من ت، ف، أ، والمسند.
(11)
في أ: "لحوم".
قَالَ: "هَذَا عَاقِرُ النَّاقَةِ"، قَالَ: فَلَمَّا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى قَامَ يُصَلِّي، [فَالْتَفَتَ ثُمَّ الْتَفَتَ](1) فَإِذَا النَّبِيُّونَ أَجْمَعُونَ يُصَلُّونَ مَعَهُ. فَلَمَّا انْصَرَفَ جِيءَ بِقَدَحَيْنِ، أَحَدِهِمَا عَنِ الْيَمِينِ وَالْآخَرِ عَنِ الشِّمَالِ، فِي أَحَدِهِمَا لَبَنٌ وَفِي الْآخَرِ عَسَلٌ، فَأَخَذَ اللَّبَنَ فَشَرِبَ مِنْهُ، فَقَالَ الَّذِي كَانَ مَعَهُ الْقَدَحُ: أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ. إِسْنَادٌ صَحِيحٌ وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ (2) .
طَرِيقٌ أُخْرَى:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ أَبُو زَيْدٍ، حَدَّثَنَا هِلَالٌ، حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ جَاءَ مِنْ لَيْلَتِهِ فَحَدَّثَهُمْ بِمَسِيرِهِ وَبِعَلَامَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَبَعِيرِهِمْ، فَقَالَ نَاسٌ: نَحْنُ لَا نُصَدِّقُ مُحَمَّدًا بِمَا يَقُولُ! فَارْتَدُّوا كُفَّارًا، فَضَرَبَ اللَّهُ رِقَابَهُمْ مَعَ أَبِي جَهْلٍ (3) وَقَالَ أَبُو جَهْلٍ (4) يُخَوِّفُنَا مُحَمَّدٌ بِشَجَرَةِ الزَّقُّومِ، هَاتُوا تَمْرًا وَزُبْدًا فَتَزَقَّمُوا، وَرَأَى الدَّجَّالَ فِي صُورَتِهِ رُؤْيَا عَيْنٍ لَيْسَ بِرُؤْيَا مَنَامٍ، وَعِيسَى وَمُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ. فَسُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الدَّجَّالِ فَقَالَ:"رَأَيْتُهُ فَيْلَمَانِيًّا أَقْمَرَ هِجَانًا، إِحْدَى عَيْنَيْهِ قَائِمَةٌ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ، كَأَنَّ شَعْرَ رَأْسِهِ أَغْصَانُ شَجَرَةٍ. وَرَأَيْتُ عِيسَى أَبْيَضَ، جَعْدَ الرَّأْسِ، حَدِيدَ الْبَصَرِ، مُبَطَّنَ الْخَلْقِ. وَرَأَيْتُ مُوسَى أَسْحَمَ آدَمَ، كَثِيرَ الشَّعْرِ، شَدِيدَ الْخَلْقِ. وَنَظَرْتُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ فَلَمْ أَنْظُرْ إِلَى إِرْبٍ مِنْهُ إِلَّا نَظَرْتُ إِلَيْهِ مِنِّي، حَتَّى كَأَنَّهُ صَاحِبُكُمْ. قَالَ جِبْرِيلُ: سَلِّمْ عَلَى مَالِكٍ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ".
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي زَيْدٍ ثَابِتِ بْنِ يَزِيدَ (5) عَنْ هِلَالٍ -وَهُوَ ابْنُ خَبَّابٍ-بِهِ، وَهُوَ (6) إِسْنَادٌ صَحِيحٌ.
طَرِيقٌ أُخْرَى:
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، أَنْبَأَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَمِّ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "رَأَيْتُ لَيْلَةَ أَسْرِيَ بِي مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ، رَجُلًا طُوَالًا جَعْدًا، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَرَأَيْتُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ مَرْبُوعَ الْخَلْقِ، إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ، سَبْطَ الرَّأْسِ". وَأَرَى مَالِكًا خَازِنَ جَهَنَّمَ وَالدَّجَّالَ، فِي آيَاتٍ أَرَاهُنَّ اللَّهُ إِيَّاهُ، قَالَ:{فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} [السَّجْدَةِ: 23] فَكَانَ قَتَادَةُ يُفَسِّرُهَا: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ [صلى الله عليه وسلم](7) قَدْ لَقِيَ مُوسَى [عليه السلام](8){وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} قَالَ: جَعَلَ اللَّهُ مُوسَى هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (9) .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ شَيْبَانَ (10) . وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ مختصرًا (11) .
(1) زيادة من المسند مستفاد من هامش ط. الشعب.
(2)
المسند (1/257) وفيه قابوس بن أبي ظبيان وقد تكلم فيه خاصة روايته عن أبيه، وقال ابن عدي:"أحاديثه متقاربة، وأرجو أنه لا بأس" فمثل حديثه أقرب درجاته التحسين.
(3)
في ف، أ:"أبي جهل قبحهم الله".
(4)
في ف، أ:"أبو جهل قبحه الله".
(5)
في ت، ف:"أبي يزيد ثابت بن زيد".
(6)
المسند (1/374) وسنن النسائي الكبرى برقم (11484) .
(7)
زيادة من ت، أ.
(8)
زيادة من أ.
(9)
دلائل النبوة (2/386) .
(10)
صحيح مسلم برقم (165) .
(11)
صحيح البخاري برقم (3239) وصحيح مسلم برقم (165) .
طَرِيقٌ أُخْرَى:
قَالَ [الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصفَّار، حَدَّثَنَا دُبَيْس المُعدَّل، حَدَّثَنَا عَفَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا](1) حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَمَّا أُسْرِيَ بِي، مَرَّتْ بِي رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ؟ قَالُوا: مَاشِطَةُ بِنْتُ فِرْعَوْنَ وَأَوْلَادُهَا، سَقَطَ مُشْطُهَا مِنْ يَدِهَا فَقَالَتْ: بِاسْمِ اللَّهِ: فَقَالَتِ ابْنَةُ فِرْعَوْنَ: أَبِي؟ قَالَتْ: رَبِّي وَرَبُّكِ وَرَبُّ أَبِيكِ. قَالَتْ: أَوَلَكِ رَبٌّ غَيْرُ أَبِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ، رَبِّي وَرَبُّكِ وَرَبُّ أَبِيكِ اللَّهُ". قَالَ: "فَدَعَاهَا فَقَالَ: أَلَكِ رَبٌّ غَيْرِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ، رَبِّي وَرَبُّكِ اللَّهُ، عز وجل". قَالَ: "فَأَمَرَ بِنَقْرَةٍ (2) مِنْ نُحَاسٍ فَأُحْمِيَتْ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا لِتُلْقَى فِيهَا، قَالَتْ: إِنَّ لِي [إِلَيْكَ] (3) حَاجَةً. قَالَ: مَا هِيَ؟ قَالَتْ: تَجْمَعُ عِظَامِي وَعِظَامَ وَلَدِي فِي مَوْضِعٍ، قَالَ (4) ذَاكَ لَكِ، لِمَا لَكِ عَلَيْنَا مِنَ الْحَقِّ"، قَالَ:"فَأَمَرَ بِهِمْ فَأُلْقُوا وَاحِدًا وَاحِدًا، حَتَّى بَلَغَ رَضِيعًا فِيهِمْ، فَقَالَ: يَا أُمَّهْ، قِعِي وَلَا تَقَاعَسِي، فَإِنَّكِ (5) عَلَى الْحَقِّ". قَالَ: "وَتَكَلَّمَ أَرْبَعَةٌ وَهُمْ صِغَارٌ: هَذَا، وَشَاهِدُ يُوسُفَ، وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ، وَعِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، عليه السلام"(6) .
إِسْنَادٌ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى:
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ [أَيْضًا](7) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَرَوْحٌ الْمَعْنِيُّ (8) قَالَا حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ زُرَارة بْنِ أَوْفَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَمَّا كَانَ لَيْلَةُ أُسْرِيَ بِي وَأَصْبَحْتُ بِمَكَّةَ، فَظِعْتُ [بِأَمْرِي] (9) وَعَرَفْتُ أَنَّ النَّاسَ مُكَذِّبِي" فَقَعَدَ (10) مُعْتَزِلًا حَزِينًا، فَمَرَّ بِهِ عَدُوُّ اللَّهِ أَبُو جَهْلٍ (11) فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ كَالْمُسْتَهْزِئِ: هَلْ كَانَ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ" قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ "إِنِّي أُسْرِيَ بِيَ اللَّيْلَةَ": قَالَ إِلَى أَيْنَ؟ قَالَ: "إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ" قَالَ: ثُمَّ أَصْبَحْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا؟! قَالَ: "نَعَمْ". قَالَ: فَلَمْ يُرِهِ أَنَّهُ يُكَذِّبُهُ مَخَافَةَ أَنْ يَجْحَدَهُ الْحَدِيثَ إِنْ دَعَا قَوْمَهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ دَعَوْتُ قَوْمَكَ أَتُحَدِّثُهُمْ بِمَا حَدَّثْتَنِي؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ". قَالَ: هَيَّا (12) مَعْشَرَ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، قَالَ: فَانْتَفَضَتْ (13) إِلَيْهِ الْمَجَالِسُ وَجَاءُوا حَتَّى جَلَسُوا إِلَيْهِمَا. قَالَ: حَدِّثْ قَوْمَكَ بِمَا حَدَّثْتَنِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي أُسْرِيَ بِيَ اللَّيْلَةَ". فَقَالُوا: إِلَى أَيْنَ؟ قَالَ: "إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ" قَالُوا: ثُمَّ أَصْبَحْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا؟ قَالَ: "نَعَمْ". قَالَ: فَمِنْ بَيْنِ مُصَفِّقٍ، وَمِنْ بَيْنِ وَاضِعٍ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مُتَعَجِّبًا لِلْكَذِبِ -زَعَمَ-قَالُوا: وَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْعَتَ [لَنَا](14) الْمَسْجِدَ -وَفِي الْقَوْمِ مَنْ قَدْ سَافَرَ إِلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ وَرَأَى الْمَسْجِدَ-قَالَ (15) رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَذَهَبْتُ أَنْعَتُ، فَمَا زِلْتُ أَنْعَتُ حَتَّى الْتَبَسَ عَلَيَّ بَعْضُ النَّعْتِ" قَالَ: "فَجِيءَ بِالْمَسْجِدِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ، حَتَّى وُضِعَ دُونَ دَارِ عقيل -أو عقال-فَنَعتُّه
(1) زيادة من ف، أ، والدلائل.
(2)
في ت، ف، أ:"ببقرة".
(3)
زيادة من أ، والدلائل.
(4)
في ف: "فقال".
(5)
في ف: "فأنا".
(6)
دلائل النبوة (2/389) ورواه البزار في مسنده برقم (54)"كشف الأستار" من طريق عفان به وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط.
(7)
زيادة من ف، أ.
(8)
في ف، أ:"وروح بن المعين".
(9)
زيادة من ت، ف، أ، والمسند.
(10)
في ت، ف:"فقعدت"، وفي أ:"فعدت".
(11)
في ف، أ:"أبو جهل قبحه الله".
(12)
في ف، أ:"فيا".
(13)
في ت، ف:"فانقضت".
(14)
زيادة من ت، ف، أ، والمسند.
(15)
في ف: "فقال".
وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ". قَالَ: وَكَانَ مَعَ هَذَا نَعْتٌ لَمْ أَحْفَظْهُ -يَقُولُ عَوْفٌ-: قَالَ: فَقَالَ الْقَوْمُ: أَمَّا النَّعْتُ فَوَاللَّهِ لَقَدْ أَصَابَ.
وَأَخْرَجَهُ (1) النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيْلَةَ -وَهُوَ الْأَعْرَابِيُّ، بِهِ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ وَهَوْذَةَ، عَنْ عَوْفٍ وَهُوَ ابْنُ أَبِي جَمِيلَةَ الْأَعْرَابِيُّ، أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الثِّقَاتِ، بِهِ (2) .
رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، رضي الله عنه:
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا السُّرِّيُّ بْنُ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ بُهلول، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ مَالِكُ بْنُ مِغْوَل، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّف، عَنْ مُرَّةَ الهَمْدَاني، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَانْتَهَى إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُصْعَدُ بِهِ حَتَّى يُقْبَضَ مِنْهَا، وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُهْبَطُ [بِهِ] (3) مِنْ فَوْقِهَا حَتَّى يُقْبَضَ [مِنْهَا] (4) {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [النَّجْمِ: 16] قَالَ: غَشِيَهَا فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَأُعْطِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (5) الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَخَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَغُفِرَ لِمَنْ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ (6) الْمُقْحِمَاتُ، يَعْنِي الْكَبَائِرَ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَزُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، بِهِ (7) . ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ:"وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ، وَقَدْ رَوَاهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَة، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ رَوَاهُ مُرَّةُ مُرْسَلًا دُونَ ذِكْرِهِمَا"(8) ثُمَّ إِنَّ الْبَيْهَقِيَّ سَاقَ الْأَحَادِيثَ الثَّلَاثَةَ كَمَا تَقَدَّمَ.
قُلْتُ: وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا، وَفِيهِ غَرَابَةٌ، وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ "الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ" فِي جُزْئِهِ الْمَشْهُورِ. حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ قَنَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّهْمِيِّ (9)، حَدَّثَنَا أَبُو ظَبْيَانَ الْجَنْبِيُّ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ-ومحمد بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَهُمَا جَالِسَانِ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ لِأَبِي عُبَيْدَةَ: حَدِّثْنَا عَنْ أَبِيكَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: لَا بَلْ حَدِّثْنَا أَنْتَ عَنْ أَبِيكَ. فَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَوْ سَأَلْتَنِي قَبْلَ أَنْ أَسْأَلَكَ لَفَعَلْتُ! قَالَ: فَأَنْشَأَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُحَدِّثُ يَعْنِي عَنْ أَبِيهِ كَمَا سُئِلَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَتَانِي جِبْرِيلُ بِدَابَّةٍ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ، فَحَمَلَنِي عَلَيْهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ يَهْوِي بِنَا كُلَّمَا صَعِدَ عَقَبَةً اسْتَوَتْ رِجْلَاهُ كَذَلِكَ مَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا هَبَطَ اسْتَوَتْ يَدَاهُ مَعَ رِجْلَيْهِ، حَتَّى مَرَرْنَا بِرَجُلٍ طُوَالٍ سَبْطٍ آدَمَ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ أَزِدْ شَنُوءَةَ، وَهُوَ يَقُولُ -فَيَرْفَعُ (10) صَوْتَهُ يَقُولُ-أَكْرَمْتَهُ وَفَضَّلْتَهُ". قَالَ: "فَدُفِعْنَا إِلَيْهِ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلَامَ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا مَعَكَ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا أَحْمَدُ (11) ، قَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الْعَرَبِيِّ، الَّذِي بَلَّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ، وَنَصَحَ لِأُمَّتِهِ". قَالَ: "ثُمَّ انْدَفَعْنَا فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا موسى بن عمران". قال:
(1) في ت: "أخرجه".
(2)
المسند (1/309) وسنن النسائي الكبرى برقم (11285) ودلائل النبوة للبيهقي (2/363) .
(3)
زيادة من ف، أ، والدلائل.
(4)
زيادة من ف، أ، والدلائل.
(5)
في ت: "صلى الله عليه وسلم تسليما".
(6)
في ت: "بالله من أمتي"، وفي ف:"بالله شيئا".
(7)
دلائل النبوة (2/372) وصحيح مسلم برقم (173) .
(8)
دلائل النبوة (2/373) .
(9)
في ت، ف، أ:"التيمي".
(10)
في ف: "فرفع".
(11)
في ت: "محمد".
قُلْتُ: وَمَنْ يُعَاتِبُ؟ قَالَ: يُعَاتِبُ رَبَّهُ فِيكَ! قُلْتُ: فَيَرْفَعُ صَوْتَهُ عَلَى رَبِّهِ؟! قَالَ: إِنَّ اللَّهَ [عز وجل](1) قَدْ عَرَفَ لَهُ حِدَّتَهُ". قَالَ: "ثُمَّ انْدَفَعْنَا حَتَّى مَرَرْنَا بِشَجَرَةٍ كَأَنَّ ثَمَرَهَا السُّرُج تَحْتَهَا شَيْخٌ وَعِيَالُهُ". قَالَ: "فَقَالَ لِي جِبْرِيلُ: اعْمَدْ إِلَى أَبِيكَ إِبْرَاهِيمَ. فَدُفِعْنَا إِلَيْهِ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلَامَ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: مَنْ هَذَا مَعَكَ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا ابْنُكَ أَحْمَدُ". قَالَ: "فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي بَلَّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ وَنَصَحَ لِأُمَّتِهِ، يَا بُنَيَّ، إِنَّكَ لَاقٍ رَبَّكَ اللَّيْلَةَ، وَإِنَّ أُمَّتَكَ آخِرُ الْأُمَمِ وَأَضْعَفُهَا، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ حَاجَتُكَ أَوْ جُلُّهَا فِي أُمَّتِكَ فَافْعَلْ". قَالَ:"ثُمَّ انْدَفَعْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، فَنَزَلْتُ فَرَبَطْتُ الدَّابَّةَ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي فِي بَابِ الْمَسْجِدِ الَّتِي كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ تَرْبِطُ بِهَا. ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَعَرَفْتُ النَّبِيِّينَ مِنْ بَيْنِ رَاكِعٍ وَقَائِمٍ وَسَاجِدٍ". قَالَ: "ثُمَّ أُتِيتُ بِكَأْسَيْنِ مِنْ عَسَلٍ وَلَبَنٍ فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ فَشَرِبْتُ فَضَرَبَ جِبْرِيلُ عليه السلام مَنْكَبِي وَقَالَ: أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ وَرَبِّ مُحَمَّدٍ". قَالَ: "ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَأَمَمْتُهُمْ، ثُمَّ انْصَرَفْنَا فَأَقْبَلْنَا"(2) .
إِسْنَادٌ غَرِيبٌ وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ، فِيهِ مِنَ الْغَرَائِبِ (3) سُؤَالُ الْأَنْبِيَاءِ عَنْهُ عليه السلام ابْتِدَاءً، ثُمَّ سُؤَالُهُ عَنْهُمْ (4) بَعْدَ انْصِرَافِهِ. وَالْمَشْهُورُ فِي الصِّحَاحِ كَمَا تَقَدَّمَ: أَنَّ جِبْرِيلَ [عليه السلام](5) كَانَ يُعْلِمُهُ بِهِمْ أَوَّلًا لِيُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ سَلَامَ مَعْرِفَةٍ. وَفِيهِ (6) أَنَّهُ اجْتَمَعَ بِالْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ (7) السَّلَامُ قَبْلَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ (8) ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إِنَّمَا اجْتَمَعَ بِهِمْ فِي السَّمَوَاتِ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثَانِيًا وَهُمْ مَعَهُ، وَصَلَّى بِهِمْ فِيهِ، ثُمَّ إِنَّهُ رَكِبَ الْبُرَاقَ وَكَرَّ رَاجِعًا إِلَى مَكَّةَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
طَرِيقٌ أُخْرَى:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هُشَيم، أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ، عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْم، عَنْ مُوثَر (9) بْنِ عفارة، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَقِيتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى، فَتَذَاكَرُوا أَمْرَ السَّاعَةِ" قَالَ: "فَرَدُّوا أَمْرَهُمْ إِلَى إِبْرَاهِيمَ عليه السلام (10) فَقَالَ: لَا عِلْمَ لِي بِهَا. فَرَدُّوا أَمْرَهُمْ إِلَى مُوسَى. فَقَالَ: لَا عِلْمَ لِي بِهَا فَرَدُّوا أَمْرَهُمْ إِلَى عِيسَى فَقَالَ: أَمَّا وَجْبَتُهَا فَلَا يَعْلَمُ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ، عز وجل، وَفِيمَا عَهِدَ إِلَيَّ رَبِّي أَنَّ الدَّجَّالَ خَارِجٌ". قَالَ: "وَمَعِي قَضِيبَانِ، فَإِذَا رَآنِي ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الرَّصَاصُ". قَالَ: "فَيُهْلِكُهُ اللَّهُ إِذَا رَآنِي، حَتَّى إِنَّ الْحَجَرَ وَالشَّجَرَ يَقُولُ: يَا مُسْلِمُ إِنَّ تَحْتِي كَافِرًا، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ". قَالَ: "فَيُهْلِكُهُمُ اللَّهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ النَّاسُ إِلَى بِلَادِهِمْ وَأَوْطَانِهِمْ (11) ". قَالَ: "فَعِنْدَ (12) ذَلِكَ يَخْرُجُ يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فَيَطَؤُونَ بِلَادَهُمْ، فَلَا يَأْتُونَ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا أَهْلَكُوهُ، وَلَا يَمُرُّونَ عَلَى مَاءٍ إِلَّا شَرِبُوهُ" قَالَ: "ثُمَّ يَرْجِعُ النَّاسُ إِلَيَّ فَيَشْكُونَهُمْ. فَأَدْعُو اللَّهَ عَلَيْهِمْ، فَيُهْلِكُهُمْ وَيُمِيتُهُمْ حَتَّى تَجْوَى الْأَرْضُ مِنْ نَتَنِ رِيحِهِمْ -أَيْ: تُنْتِنُ" قَالَ: "فَيُنْزِلُ اللَّهُ الْمَطَرَ فَيَجْتَرِفُ أَجْسَادَهُمْ حَتَّى يَقْذِفَهُمْ فِي الْبَحْرِ. فَفِيمَا عَهِدَ إِلَيَّ رَبِّي: أَنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَنَّ السَّاعَةَ كَالْحَامِلِ الْمُتِمِّ، لَا يَدْرِي أَهْلُهَا مَتَى تَفْجَؤُهُمْ بِوِلَادِهَا، لَيْلًا أَوْ نَهَارًا".
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ بُنْدار، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ (13) .
(1) زيادة من ف، أ.
(2)
جزء الحسن بن عرفة برقم (69) .
(3)
في ت، ف:"من الغرابة".
(4)
في ت: "ثم سؤالهم له".
(5)
زيادة من ف، أ.
(6)
في ف: "وقيل".
(7)
في ت: "عليه".
(8)
في ف، أ:"المسجد الأقصى".
(9)
في ت، ف:"مرثد".
(10)
في ت: "عليه الصلاة والسلام".
(11)
في ت: "وأقطانهم".
(12)
في ت: "فبعد".
(13)
المسند (1/375)، وسنن ابن ماجه برقم (4081) وقال البوصري في الزوائد (3/261) :"هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، مؤثر ابن عفارة ذكره ابن حبان في الثقات، وباقي رجال الإسناد ثقات".
رِوَايَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قُرْطٍ، أَخِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطٍ الثُّمَالِيِّ:
قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا مِسْكِينُ بْنُ مَيْمُونٍ -مُؤَذِّنُ (1) مَسْجِدِ الرَّمْلَةِ-حَدَّثَنِي عُروة بْنُ رُوَيْم، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قُرط، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى كَانَ بَيْنَ زمزم (2) والمقام، جِبْرِيلُ عَنْ يَمِينِهِ وَمِيكَائِيلُ عَنْ يَسَارِهِ، فَطَارَا بِهِ حَتَّى بَلَغَ السَّمَوَاتِ الْعُلَى، فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ:"سَمِعْتُ تَسْبِيحًا فِي السَّمَوَاتِ الْعُلَى مَعَ تَسْبِيحٍ كَثِيرٍ (3) ، سَبَّحَتِ السَّمَوَاتُ الْعُلَى مِنْ ذِي الْمَهَابَةِ مُشْفِقَاتٍ مِنْ ذِي الْعُلُوِّ بِمَا عَلَا سُبْحَانَ الْعَلِيِّ الْأَعْلَى، سبحانه وتعالى"(4) .
وَيُذْكَرُ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ} الْآيَةَ [الْإِسْرَاءِ: 44] .
رِوَايَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رضي الله عنه:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ آدَمَ وَأَبِي مَرْيَمَ وَأَبِي شُعَيْبٍ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، رضي الله عنه، كَانَ بِالْجَابِيَةِ، فَذَكَرَ فَتْحَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَالَ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَحَدَّثَنِي أَبُو سِنَانٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ آدَمَ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ لِكَعْبٍ: أَيْنَ تَرَى أَنْ أُصَلِّيَ؟ قَالَ (5) إِنْ أَخَذْتَ عَنِّي صَلَّيْتَ خَلْفَ الصَّخْرَةِ، فَكَانَتِ الْقُدْسُ كُلُّهَا بَيْنَ يَدَيْكَ، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: ضَاهَيْتَ الْيَهُودِيَّةَ، [لَا](6) وَلَكِنْ أُصْلِي حَيْثُ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَقَدَّمَ إِلَى الْقِبْلَةِ، فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَبَسَطَ رِدَاءَهُ وَكَنَسَ الْكُنَاسَةَ فِي رِدَائِهِ، وَكَنَسَ النَّاسُ (7) .
فَلَمْ يُعَظِّمِ الصَّخْرَةَ تَعْظِيمًا يُصَلِّي وَرَاءَهَا وَهِيَ بَيْنَ يَدَيْهِ، كَمَا أَشَارَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ وَهُوَ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَهَا حَتَّى جَعَلُوهَا قِبْلَتَهُمْ. وَلَكِنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ، فهُدي إِلَى الْحَقِّ؛ وَلِهَذَا لَمَّا أَشَارَ بِذَلِكَ قَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: ضَاهَيْتَ الْيَهُودِيَّةَ، وَلَا أَهَانَهَا إِهَانَةَ النَّصَارَى الَّذِينَ كَانُوا قَدْ جَعَلُوهَا مَزْبَلَةً مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا قِبْلَةُ الْيَهُودِ، وَلَكِنْ أَمَاطَ الْأَذَى، وَكَنَسَ عَنْهَا الْكُنَاسَ بِرِدَائِهِ. وَهَذَا شَبِيهٌ بِمَا جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الغَنَوِي قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلَا تُصَلُّوا إِلَيْهَا"(8) .
رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه:
وَهِيَ مُطَوَّلَةٌ جِدًّا وَفِيهَا غَرَابَةٌ. قَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِ "سُورَةِ سُبْحَانَ": حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ غَيْرِهِ -شَكَّ أَبُو جَعْفَرٍ-فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ [إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ مِيكَائِيلُ، فَقَالَ جِبْرِيلُ](9) لِمِيَكَائِيلَ: ائْتِنِي بطَسْت مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، كَيْمَا أُطَهِّرَ قَلْبَهُ وَأَشْرَحَ لَهُ صَدْرَهُ. قَالَ: فَشَقَّ عَنْهُ بَطْنَهُ، فغسله ثلاث مرات. واختلف إليه
(1) في ت، أ:"مؤدب".
(2)
في ت، ف:"من بين زمزم".
(3)
في ت: "كبير".
(4)
سيأتي من رواية الطبراني من طريق سعيد بن منصور، وانظر تخريجه هناك عند الآية: 44 من هذه السورة.
(5)
في ف: "فقال".
(6)
زيادة من ت، ف، والمسند.
(7)
المسند (1/38) .
(8)
صحيح مسلم برقم (972) .
(9)
زيادة من ت، ف، أ، والطبري.
مِيكَائِيلُ بِثَلَاثِ طِسَاسٍ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، فَشَرَحَ صَدْرَهُ وَنَزَعَ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ غِلٍّ، وَمَلَأَهُ حِلْمًا وَعِلْمًا، وَإِيمَانًا وَيَقِينًا وَإِسْلَامًا، وَخَتَمَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ.
ثُمَّ أَتَاهُ بِفَرَسٍ فَحُمِلَ (1) عَلَيْهِ، كُلُّ خُطْوَةٍ مِنْهُ مُنْتَهَى بَصَرِهِ -أَوْ: أَقْصَى بَصَرِهِ-قَالَ: فَسَارَ وَسَارَ مَعَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِمَا (2) السَّلَامُ قَالَ: فَأَتَى عَلَى قَوْمٍ يَزْرَعُونَ فِي يَوْمٍ وَيَحْصُدُونَ فِي يَوْمٍ، كُلَّمَا حَصَدُوا عَادَ كَمَا كَانَ، فَقَالَ النَّبِيُّ (3) صلى الله عليه وسلم:"يَا جِبْرِيلُ، مَا هَذَا؟ " قَالَ: هَؤُلَاءِ الْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، تُضَاعَفُ لَهُمُ الْحَسَنَةُ بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَمَا أَنْفَقُوا مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ، وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ.
ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ تُرضَخ رُءُوسُهُمْ بِالصَّخْرِ، كُلَّمَا رُضخت عَادَتْ كَمَا كَانَتْ، وَلَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَقَالَ:"مَا هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ " قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَتَثَاقَلُ رُءُوسُهُمْ عَنِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ. ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ عَلَى أَقْبَالِهِمْ رِقَاعٌ، وَعَلَى أَدْبَارِهِمْ رِقَاعٌ يَسْرَحُونَ كَمَا تَسْرَحُ الْإِبِلُ وَالنَّعَمُ، وَيَأْكُلُونَ الضَّرِيعَ وَالزَّقُّومَ وَرَضْفَ جَهَنَّمَ وَحِجَارَتَهَا، قَالَ (4) :" مَا هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ " قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُؤَدُّونَ صَدَقَاتِ أَمْوَالِهِمْ، وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ شَيْئًا وَمَا اللَّهُ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ.
ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ لحم نضيج في قدر (5) ولحم نيئ في قدر خبيث، فجعلوا يأكلون من النيئ الْخَبِيثِ وَيَدَعُونَ النَّضِيجَ الطَّيِّبَ، فَقَالَ:"مَا هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ " فَقَالَ: هَذَا الرَّجُلُ مِنْ أُمَّتِكَ، تَكُونُ عِنْدَهُ الْمَرْأَةُ الْحَلَالُ الطَّيِّبَةُ، فَيَأْتِي امْرَأَةً خَبِيثَةً فَيَبِيتُ عِنْدَهَا حَتَّى يُصْبِحَ، [وَالْمَرْأَةُ تَقُومُ مِنْ عِنْدِ زَوْجِهَا حَلَالًا طَيِّبًا، فَتَأْتِي رَجُلًا خَبِيثًا فَتَبِيتُ مَعَهُ حَتَّى تُصْبِحَ](6) .
قَالَ: ثُمَّ أَتَى عَلَى خَشَبَةٍ عَلَى الطَّرِيقِ، لَا يَمُرُّ بِهَا ثَوْبٌ إِلَّا شَقَّتْهُ، وَلَا شَيْءٌ إِلَّا خَرَقَتْهُ، قَالَ:"مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ " قَالَ: هَذَا مَثَلُ أَقْوَامٍ مِنْ أُمَّتِكَ، يَقْعُدُونَ عَلَى الطَّرِيقِ يَقْطَعُونَهُ (7) ثُمَّ تَلَا {وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ [وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ] (8) } [الْأَعْرَافِ: 86] .
قَالَ: ثُمَّ أَتَى عَلَى رَجُلٍ قَدْ جَمَعَ (9) حُزْمَةَ [حَطَبٍ](10) عَظِيمَةً لَا يَسْتَطِيعُ حَمْلَهَا، وَهُوَ يَزِيدُ عَلَيْهَا، فَقَالَ:"مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ " فَقَالَ (11) هَذَا الرَّجُلُ مِنْ أُمَّتِكَ يَكُونُ عَلَيْهِ أَمَانَاتُ النَّاسِ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا.
ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ تُقْرَضُ أَلْسِنَتُهُمْ وَشِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ حَدِيدٍ كُلَّمَا قُرِضَتْ عَادَتْ كَمَا كَانَتْ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، قَالَ:"مَا هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ " قَالَ: هَؤُلَاءِ خُطَبَاءُ الْفِتْنَةِ.
ثُمَّ أَتَى عَلَى جُحْرٍ صَغِيرٍ يَخْرُجُ مِنْهُ ثَوْرٌ عَظِيمٌ، فَجَعَلَ الثَّوْرُ يُرِيدُ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ [حَيْثُ](12) خَرَجَ، فَلَا يَسْتَطِيعُ، فَقَالَ:"مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ " فَقَالَ: هَذَا الرَّجُلُ يَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ الْعَظِيمَةِ ثُمَّ يَنْدَمُ عَلَيْهَا فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَرُدَّهَا.
ثُمَّ أَتَى عَلَى وَادٍ فَوَجَدَ رِيحًا طَيِّبَةً بَارِدَةً، وَرِيحَ مِسْكٍ، وَسَمِعَ صَوْتًا، فَقَالَ:"يَا جِبْرِيلُ، مَا هَذِهِ (13) الرِّيحُ الطَّيِّبَةُ الْبَارِدَةُ؟ وَمَا هَذَا الْمِسْكُ؟ وَمَا هَذَا الصَّوْتُ؟ " قَالَ: هَذَا صَوْتُ الْجَنَّةِ تَقُولُ: يَا رَبِّ آتِنِي مَا وَعَدْتَنِي، فَقَدْ كَثُرَتْ غُرَفِي، وَإِسْتَبْرَقِي وَحَرِيرِي وسندسي، وعبقريي ولؤلؤي ومرجاني، وفضتي
(1) في ف، أ:"فحمله".
(2)
في ت، ف، أ:"عليه".
(3)
في ف: "فقال رسول الله".
(4)
في ف: "فقال".
(5)
في ت، ف:"قدور".
(6)
زيادة من ت، ف، أ، والطبري.
(7)
في ت، ف:"فيقطعونه".
(8)
زيادة من ف، أ.
(9)
في ت: "حمل".
(10)
زيادة من ت، ف، أ، والطبري.
(11)
في ف: "قال".
(12)
في ت، هـ:"موضع" والمثبت من الطبري.
(13)
في ت، ف، أ:"ما هذا".
وَذَهَبِي وَأَكْوَابِي وَصِحَافِي، وَأَبَارِيقِي وَمَرَاكِبِي، وَعَسَلِي وَمَائِي، وَخَمْرِي وَلَبَنِي فَآتِنِي مَا (1) وَعَدْتَنِي. فَقَالَ: لَكِ كُلُّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ، وَمُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، وَمَنْ آمَنَ بِي وَبِرُسُلِي وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَمْ يُشْرِكْ بِي، وَلَمْ يَتَّخِذْ مِنْ دُونِي أَنْدَادًا، وَمَنْ خَشِيَنِي فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ، وَمَنْ أَقْرَضَنِي جِزْيَتُهُ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيَّ كَفَيْتُهُ، إِنِّي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، لَا أُخْلِفُ الْمِيعَادَ، وَقَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، وَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، قَالَتْ: قَدْ رَضِيتُ.
قَالَ: "ثُمَّ أَتَى عَلَى وَادٍ فَسَمِعَ صَوْتًا مُنْكَرًا، وَوَجَدَ رِيحًا مُنْتِنَةً، فَقَالَ: مَا هَذِهِ (2) الرِّيحُ يَا جِبْرِيلُ؟ وَمَا هَذَا الصَّوْتُ؟ " فَقَالَ: هَذَا صَوْتُ جَهَنَّمَ تَقُولُ: يَا رَبِّ آتِنِي مَا وَعَدْتَنِي، فَقَدْ كَثُرَتْ سَلَاسِلِي وَأَغْلَالِي، وَسَعِيرِي وَحَمِيمِي، وَضَرِيعِي، وَغَسَّاقِي وَعَذَابِي، وَقَدْ بَعُدَ قَعْرِي، وَاشْتَدَّ حَرِّي، فَآتِنِي كُلَّ مَا وَعَدْتَنِي، فَقَالَ: لَكِ كُلُّ مُشْرِكٍ وَمُشْرِكَةٍ، وَكَافِرٍ وَكَافِرَةٍ، وَكُلُّ خَبِيثٍ وَخَبِيثَةٍ، وَكُلُّ جَبَّارٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ. قَالَتْ: قَدْ رَضِيتُ.
قَالَ: ثُمَّ سَارَ حَتَّى أَتَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَنَزَلَ فَرَبَطَ فَرَسَهُ إِلَى صَخْرَةٍ، ثُمَّ دَخَلَ فَصَلَّى مَعَ الْمَلَائِكَةِ، فَلَمَّا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ قَالُوا: يَا جِبْرِيلُ، مَنْ هَذَا مَعَكَ؟ قَالَ: محمد صلى الله عليه وسلم. قالوا: أوقد أُرْسِلَ مُحَمَّدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: حَيَّاهُ اللَّهُ مِنْ أَخٍ وَمِنْ خَلِيفَةٍ، فَنِعْمَ الْأَخُ وَنِعْمَ الْخَلِيفَةُ، وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ.
قَالَ: ثُمَّ لَقِيَ أَرْوَاحَ الْأَنْبِيَاءِ، فَأَثْنَوْا عَلَى رَبِّهِمْ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي اتَّخَذَنِي خَلِيلًا وَأَعْطَانِي مُلْكًا عَظِيمًا، وَجَعَلَنِي أُمَّةً قَانِتًا يُؤْتَمُّ بِي، وَأَنْقَذَنِي مِنَ النَّارِ، وَجَعَلَهَا عَلَيَّ بَرْدًا وَسَلَامًا. ثُمَّ (3) إِنَّ مُوسَى، عليه السلام (4) ، أَثْنَى عَلَى رَبِّهِ، عز وجل، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَلَّمَنِي تَكْلِيمًا، وَجَعْلَ هَلَاكَ آلِ فِرْعَوْنَ وَنَجَاةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى يَدَيَّ، وَجَعَلَ مِنْ أُمَّتِي قَوْمًا يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ. ثُمَّ إِنَّ دَاوُدَ، عليه السلام (5) أَثْنَى عَلَى رَبِّهِ [عز وجل](6)، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ لِي مُلْكًا عَظِيمًا، وَعَلَّمَنِي الزَّبُورَ، وَأَلَانَ لِيَ الْحَدِيدَ، وَسَخَّرَ لِيَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ، وَأَعْطَانِي الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ. ثُمَّ إِنَّ سُلَيْمَانَ، عليه السلام، أَثْنَى عَلَى رَبِّهِ [عز وجل] (7) فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَخَّرَ لِيَ الرِّيَاحَ، وَسَخَّرَ لِيَ الشَّيَاطِينَ يَعْمَلُونَ لِي مَا شِئْتُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ، وَجَفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ، وَعَلَّمَنِي مَنْطِقَ الطَّيْرِ، وَآتَانِي مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فَضْلًا وَسَخَّرَ لِيَ جُنُودَ الشَّيَاطِينِ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ، وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَآتَانِي مُلْكًا عَظِيمًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي، وَجَعَلَ مُلْكِي مُلْكًا طَيِّبًا لَيْسَ فِيهِ حِسَابٌ. ثُمَّ إِنَّ عِيسَى، عليه السلام، أَثْنَى عَلَى رَبِّهِ، عز وجل، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنِي كَلِمَتَهُ وَجَعَلَ مَثَلِي مَثَلَ آدَمَ، خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ:"كُنْ" فَيَكُونَ، وَعَلَّمَنِي الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ، وَجَعَلَنِي أَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ، فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَجَعَلَنِي أُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِهِ (8) ، وَرَفَعَنِي وَطَهَّرَنِي، وَأَعَاذَنِي وَأُمِّيَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْنَا سَبِيلٌ. قَالَ: ثُمَّ إِنَّ مُحَمَّدًا (9) صلى الله عليه وسلم أَثْنَى عَلَى رَبِّهِ، عز وجل، فَقَالَ: "فَكُلُّكُمْ أَثْنَى عَلَى رَبِّهِ، وَإِنِّي مُثْنٍ عَلَى رَبِّي [عز وجل] (10) فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَرْسَلَنِي رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَكَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَأَنْزَلَ عَلَيَّ الفرقان (11) فيه بيان لكل شيء، وجعل
(1) في ت: "بما".
(2)
في أ: "ما هذا".
(3)
في ف، أ:"قال: ثم".
(4)
في ت: "عليه الصلاة والسلام".
(5)
في ت: "عليه الصلاة والسلام".
(6)
زيادة من أ.
(7)
زيادة من أ.
(8)
في ف، أ:"بإذن الله".
(9)
في أ: "محمدا رسول الله".
(10)
زيادة من ف، أ.
(11)
في ت، ف:"القرآن".
أُمَّتِي خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، وَجَعَلَ أُمَّتِي أُمَّةً وَسَطًا، وَجَعَلَ أُمَّتِي هُمُ الْأَوَّلِينَ وَهُمُ الْآخَرِينَ، وَشَرَحَ لِي صَدْرِي، وَوَضَعَ عَنِّي وِزْرِي، وَرَفَعَ لِي ذِكْرِي، وَجَعَلَنِي فَاتِحًا وَخَاتَمًا" فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ [عليه السلام] (1) : بِهَذَا فَضَلَكُمْ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ: خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، فَاتِحٌ بِالشَّفَاعَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
ثُمَّ أُتِيَ بِآنِيَةٍ ثَلَاثَةٍ مُغَطَّاةٍ أَفْوَاهُهَا، فَأُتِي بِإِنَاءٍ مِنْهَا فِيهِ مَاءٌ فَقِيلَ: اشْرَبْ. فَشَرِبَ مِنْهُ يَسِيرًا، ثُمَّ دُفِعَ إِلَيْهِ إِنَاءٌ آخَرُ فِيهِ لَبَنٌ، فَقِيلَ لَهُ: اشْرِبْ، فَشَرِبَ مِنْهُ حَتَّى رَوِيَ. ثُمَّ دُفِعَ إِلَيْهِ إِنَاءٌ آخَرُ فِيهِ خَمْرٌ فَقِيلَ لَهُ: اشْرِبْ فَقَالَ: "لَا أُرِيدُهُ قَدْ رَوِيتُ". فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ [عليه السلام](2) : أَمَا إِنَّهَا سَتُحَرَّمُ عَلَى أُمَّتِكَ، وَلَوْ شَرِبْتَ مِنْهَا لَمْ يَتْبَعْكَ مِنْ أُمَّتِكَ إِلَّا قَلِيلٌ.
قَالَ: ثُمَّ صَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ فَقَالَ: مُحَمَّدٌ، فقالوا: أوقد أُرْسِلَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: حَيَّاهُ اللَّهُ مِنْ أَخٍ وَمِنْ خَلِيفَةٍ فَنِعْمَ الْأَخُ وَنِعْمَ الْخَلِيفَةُ، وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بَرَجُلٍ تَامِّ الْخَلْقِ (3) لَمْ يَنْقُصْ مَنْ خَلْقِهِ شَيْءٌ كَمَا يَنْقُصُ مَنْ خَلْقِ النَّاسِ، عَنْ (4) يَمِينِهِ بَابٌ يَخْرُجُ مِنْهُ رِيحٌ طَيِّبَةٌ، وَعَنْ شِمَالِهِ بَابٌ يَخْرُجُ مِنْهُ رِيحٌ خَبِيثَةٌ، إِذَا نَظَرَ إِلَى الْبَابِ الَّذِي عَنْ يَمِينِهِ ضَحِكَ وَاسْتَبْشَرَ، وَإِذَا نَظَرَ إِلَى الْبَابِ الَّذِي عَنْ يَسَارِهِ بَكَى وَحَزِنَ، فَقُلْتُ:"يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَذَا الشَّيْخُ التَّامُّ الْخَلْقِ الَّذِي لَمْ يُنْقَصْ مِنْ خَلْقِهِ شَيْءٌ؟ وَمَا هَذَانِ الْبَابَانِ؟ " فَقَالَ: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ [عليه السلام](5) ، وَهَذَا الْبَابُ الَّذِي عَنْ يَمِينِهِ بَابُ الْجَنَّةِ، إِذَا نَظَرَ إِلَى مَنْ يَدْخُلُ (6) مِنْ ذُرِّيَّتِهِ ضَحِكَ وَاسْتَبْشَرَ، وَالْبَابُ الَّذِي عَنْ شِمَالِهِ بَابُ جَهَنَّمَ، إِذَا نَظَرَ إِلَى مَنْ يَدْخُلُهُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ بَكَى وَحَزِنَ.
ثُمَّ صَعِدَ بِهِ جِبْرِيلُ إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا مَعَكَ؟ فَقَالَ: مُحَمَّدٌ رسول الله. قالوا: أوقد أُرْسِلَ مُحَمَّدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: حَيَّاهُ اللَّهُ مِنْ أَخٍ وَمِنْ خَلِيفَةٍ، فَلَنِعْمَ الْأَخُ وَلَنِعْمَ الْخَلِيفَةُ وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. قَالَ: فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِشَابَّيْنِ فَقَالَ: "يَا جِبْرِيلُ، مَنْ هَذَانِ الشَّابَّانِ؟ " قَالَ: هَذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَيَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا، ابْنَا الْخَالَةِ عليهما السلام.
قَالَ: فَصَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ فَاسْتَفْتَحَ، فَقَالُوا: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قَالُوا: وَمَنْ مَعَكَ؟ قال: محمد. قالوا: أوقد أُرْسِلَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: حَيَّاهُ اللَّهُ مِنْ أَخٍ وَمِنْ خَلِيفَةٍ، فَنِعْمَ الْأَخُ وَنِعْمَ الْخَلِيفَةُ، وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. قَالَ: فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدْ فُضِّلَ عَلَى النَّاسِ فِي الْحُسْنِ كَمَا فُضِّلَ الْقَمَرُ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، قَالَ:"مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ الَّذِي قَدْ فُضِّلَ عَلَى النَّاسِ فِي الْحُسْنِ؟ " قَالَ: هَذَا أَخُوكَ يُوسُفُ، عليه السلام (7) .
قَالَ: ثُمَّ صَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ (8) الرَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ، فَقَالُوا (9) مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قَالُوا: وَمَنْ مَعَكَ؟ قال: محمد. قالوا: أوقد أُرْسِلَ؟ (10) قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: حَيَّاهُ اللَّهُ مِنْ أَخٍ وَمِنْ خَلِيفَةٍ، فَنِعْمَ الْأَخُ وَنِعْمَ الْخَلِيفَةُ، وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. قَالَ: فَدَخَلَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ، قَالَ:"مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ " قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ رَفَعَهُ اللَّهُ [تَعَالَى](11) مَكَانًا عَلِيًّا.
(1) زيادة من ف، أ.
(2)
زيادة من ف، أ.
(3)
في ف: "تام الخلقة".
(4)
في ف: "على".
(5)
زيادة من أ
(6)
في ت، ف:"يدخله".
(7)
في ت: "عليه الصلاة والسلام".
(8)
في ف: "ثم صعدت إلى السماء".
(9)
في ف: "فقيل".
(10)
في ف، أ:"أرسل إليه".
(11)
زيادة من ت.
ثُمَّ صَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ فَاسْتَفْتَحَ، فَقَالُوا: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قَالُوا: وَمَنْ معك؟ قال: محمد. قالوا: أوقد أُرْسِلَ (1) إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: حَيَّاهُ (2) اللَّهُ مِنْ أَخٍ وَمِنْ خَلِيفَةٍ، فَنِعْمَ الْأَخُ وَنِعْمَ الْخَلِيفَةُ، وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. ثُمَّ دَخَلَ فَإِذَا هُوَ بَرَجُلٍ جَالِسٍ وَحَوْلَهُ قَوْمٌ يَقُصُّ عَلَيْهِمْ، قَالَ:"مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ وَمَنْ هَؤُلَاءِ حَوْلَهُ؟ " قَالَ: هَذَا هَارُونُ الْمُحَبَّبُ [فِي قَوْمِهِ](3) وَهَؤُلَاءِ بَنُو إِسْرَائِيلَ.
ثُمَّ صَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ:(4) مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قَالُوا: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قَالُوا: أوقد أُرْسِلَ؟ (5) قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: حَيَّاهُ اللَّهُ مِنْ أَخٍ وَمِنْ خَلِيفَةٍ، فَنِعْمَ الْأَخُ وَنِعْمَ الْخَلِيفَةُ، وَنِعْمَ الْمَجِيءُ (6) . فَإِذَا هُوَ بَرَجُلٍ جَالِسٍ فَجَاوَزَهُ فَبَكَى الرَّجُلُ، فَقَالَ:"يَا جِبْرِيلُ، مَنْ هَذَا؟ " قَالَ: مُوسَى، قَالَ:"فَمَا بَالُهُ (7) يَبْكِي؟ " قَالَ: زَعَمَ (8) بَنُو إِسْرَائِيلَ أَنِّي أَكْرَمُ بَنِي آدَمَ عَلَى اللَّهِ عز وجل، وَهَذَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ قَدْ خَلَفَنِي فِي دُنْيَا، وَأَنَا فِي أُخْرَى، فَلَوْ أَنَّهُ بِنَفْسِهِ لَمْ أُبَالِ، وَلَكِنْ مَعَ كُلِّ نَبِيٍّ أُمَّتُهُ.
قَالَ: ثُمَّ صَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ لَهُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ معك؟ قال: محمد. قالوا: أوقد أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: حَيَّاهُ اللَّهُ مِنْ أَخٍ وَمِنْ خَلِيفَةٍ، فَنِعْمَ الْأَخُ وَنِعْمَ الْخَلِيفَةُ، وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. قَالَ: فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ أَشْمَطَ جَالِسٍ عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ عَلَى كُرْسِيٍّ، وَعِنْدَهُ قَوْمٌ جُلُوسٌ بِيضُ الْوُجُوهِ أَمْثَالُ الْقَرَاطِيسِ، وَقَوْمٌ فِي أَلْوَانِهِمْ شَيْءٌ، فَقَامَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ فِي أَلْوَانِهِمْ شَيْءٌ فَدَخَلُوا نَهْرًا فَاغْتَسَلُوا فِيهِ، فَخَرَجُوا وَقَدْ (9) خَلَصَ مِنْ أَلْوَانِهِمْ شَيْءٌ ثُمَّ دَخَلُوا نَهْرًا آخَرَ فَاغْتَسَلُوا فِيهِ، فَخَرَجُوا وَقَدْ خَلَصَ [مِنْ](10) أَلْوَانِهِمْ [شَيْءٌ ثُمَّ دَخَلُوا نَهْرًا آخَرَ فَاغْتَسَلُوا فِيهِ، فَخَرَجُوا وَقَدْ خَلَصَتْ أَلْوَانُهُمْ](11) فَصَارَتْ مِثْلَ أَلْوَانِ أَصْحَابِهِمْ، فَجَاءُوا فَجَلَسُوا إِلَى أَصْحَابِهِمْ، فَقَالَ:"يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَذَا الْأَشْمَطُ؟ ثُمَّ مَنْ هَؤُلَاءِ الْبِيضُ الْوُجُوهِ؟ وَمَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ فِي أَلْوَانِهِمْ شَيْءٌ؟ وَمَا هَذِهِ الْأَنْهَارُ الَّتِي دَخَلُوا فِيهَا فَجَاءُوا وَقَدْ صَفَت أَلْوَانُهُمْ؟ " قَالَ: هَذَا أَبُوكَ إِبْرَاهِيمُ [عليه السلام](12) أَوَّلُ مَنْ شَمِطَ عَلَى الْأَرْضِ. وَأَمَّا هَؤُلَاءِ الْبِيضُ الْوُجُوهِ فَقَوْمٌ لَمْ يَلْبَسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ. وَأَمَّا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ فِي أَلْوَانِهِمْ شَيْءٌ، فَقَوْمٌ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا، فَتَابُوا فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. وَأَمَّا الْأَنْهَارُ فَأَوَّلُهَا رَحْمَةُ اللَّهِ، وَالثَّانِي نِعْمَةُ اللَّهِ، وَالثَّالِثُ سَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا.
قَالَ: ثُمَّ انْتَهَى إِلَى السِّدْرَةِ فَقِيلَ لَهُ: هَذِهِ السِّدْرَةُ يَنْتَهِي إِلَيْهَا كُلُّ أَحَدٍ خَلَا مِنْ أُمَّتِكَ عَلَى سُنَّتِكَ. فَإِذَا هِيَ شَجَرَةٌ يَخْرُجُ مَنْ أَصْلِهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ، وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ، وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لذة للشاربين، وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى، وَهِيَ شَجَرَةٌ يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا سَبْعِينَ عَامًا لَا يَقْطَعُهَا. وَالْوَرَقَةُ مِنْهَا مُغَطِّيَةٌ لِلْأُمَّةِ كُلِّهَا. قَالَ: فَغَشِيَهَا نُورُ الْخَلَّاقِ، عز وجل، وَغَشِيَتْهَا (13) الْمَلَائِكَةُ أَمْثَالَ الْغِرْبَانِ حِينَ يَقَعْنَ (14) عَلَى الشَّجَرَةِ قَالَ: فَكَلَّمَهُ الله عند ذلك (15)
(1) في ف، أ:"أرسل إليه".
(2)
في ف، أ:"قالوا: مرحبا به حياه".
(3)
زيادة من ف، ت، أ، والطبري.
(4)
في ف: "فقيل".
(5)
في ف، أ:"أرسل إليه".
(6)
في ت، ف، أ:"المجيء جاء".
(7)
في ت: "فما له".
(8)
في ت، أ:"يزعم".
(9)
في ت: "قد".
(10)
زيادة من ف، أ، والطبري.
(11)
زيادة من ت، ف، أ، والطبري.
(12)
زيادة من ف، أ.
(13)
في ت: "وغشيها".
(14)
في ت، ف، أ:"حتى تقع".
(15)
في ت: "فكلمه يعني عند ذلك".
قَالَ لَهُ: سَلْ (1)، قَالَ:"إِنَّكَ اتَّخَذْتَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا وَأَعْطَيْتَهُ مُلْكًا عَظِيمًا، وَكَلَّمْتَ مُوسَى تَكْلِيمًا، وَأَعْطَيْتَ دَاوُدَ مُلْكًا عَظِيمًا، وَأَلَنْتَ لَهُ الْحَدِيدَ، وَسَخَّرْتَ لَهُ [الْجِبَالَ، وَأَعْطَيْتَ سُلَيْمَانَ مُلْكًا عَظِيمًا، وَسَخَّرْتَ لَهُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ وَالشَّيَاطِينَ، وَسَخَّرْتَ لَهُ] (2) الرِّيَاحَ، وَأَعْطَيْتَ لَهُ مُلْكًا عَظِيمًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَعَلَّمْتَ عِيسَى التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ، وَجَعَلْتَهُ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَيُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِكَ، وَأَعَذْتَهُ وَأُمَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِمَا سَبِيلٌ". فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ عز وجل: وَقَدِ اتَّخَذْتُكَ خَلِيلًا -وَهُوَ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ: حَبِيبُ الرَّحْمَنِ (3) -وَأَرْسَلْتُكَ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَشَرَحْتُ لَكَ صَدْرَكَ، وَوَضَعْتُ عَنْكَ وِزْرَكَ، وَرَفَعْتُ لَكَ ذِكْرَكَ، فَلَا أُذْكَرُ إِلَّا ذُكِرْتَ مَعِي، وَجَعَلْتُ أُمَّتَكَ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، وَجَعَلْتُ أَمَّتَكَ أُمَّةً وَسَطًا، وَجَعَلْتُ أَمَّتَكَ هُمُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ، وَجَعَلْتُ أُمَّتَكَ لَا تَجُوزُ لَهُمْ خُطْبَةٌ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّكَ عَبْدِي وَرَسُولِي، وَجَعَلْتُ مِنْ أَمَّتِكَ أَقْوَامًا قُلُوبُهُمْ أَنَاجِيلُهُمْ، وَجَعَلْتُكَ أَوَّلَ النَّبِيِّينَ خَلْقًا، وَآخِرَهُمْ بَعْثًا، وَأَوَّلَهُمْ يُقْضَى لَهُ، وَأَعْطَيْتُكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي لَمْ يُعْطَهَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ، وَأَعْطَيْتُكَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ لَمْ أُعْطِهَا نَبِيًّا قَبْلَكَ، وَأَعْطَيْتُكَ الْكَوْثَرَ، وَأَعْطَيْتُكَ ثَمَانِيَةَ أَسْهُمٍ: الْإِسْلَامَ، وَالْهِجْرَةَ، وَالْجِهَادَ، وَالصَّدَقَةَ، وَالصَّلَاةَ، وَصَوْمَ رَمَضَانَ، وَالْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَجَعَلْتُكَ فَاتِحًا وَخَاتَمًا. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" فَضَّلَنِي رَبِّي بِسِتٍّ: أَعْطَانِي فَوَاتِحَ الْكَلَامِ (4) وَخَوَاتِيمَهُ وَجَوَامِعَ الْحَدِيثِ، وَأَرْسَلَنِي إِلَى النَّاسِ كَافَّةً بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِ عَدُوِّي الرُّعْبَ مِنْ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ كُلُّهَا طَهُورًا وَمَسْجِدًا".
قَالَ: وَفَرَضَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ صَلَاةً. فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى مُوسَى قَالَ: بِمَ أُمِرْتَ يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: "بِخَمْسِينَ صَلَاةً" قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ أَضْعَفُ الْأُمَمِ، فَقَدْ لَقِيتُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ شِدَّةً، قَالَ: فَرَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى رَبِّهِ، عز وجل، فَسَأَلَهُ التَّخْفِيفَ، فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرًا. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: بِكَمْ أُمِرْتَ؟ قَالَ: "بِأَرْبَعِينَ" قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ أَضْعَفُ الْأُمَمِ، وَقَدْ لَقِيتُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ شِدَّةً، قَالَ: فَرَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى رَبِّهِ [عز وجل](5) فَسَأَلَهُ التَّخْفِيفَ، فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرًا، فَرَجَعَ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: بِكَمْ أُمِرْتَ؟ قَالَ: "أُمِرْتُ بِثَلَاثِينَ"، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ أَضْعَفُ الْأُمَمِ، وَقَدْ لَقِيتُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ شِدَّةً، قَالَ: فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ [عز وجل](6) فَسَأَلَهُ التَّخْفِيفَ، فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرًا، فَرَجَعَ إِلَى مُوسَى فَقَالَ (7) بِكَمْ أُمِرْتَ؟ قَالَ:"أُمِرْتُ بِعِشْرِينَ". قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ [عز وجل](8) فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ أَضْعَفُ الْأُمَمِ، وَقَدْ لَقِيتُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ شِدَّةً، قَالَ: فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ [عز وجل](9) فَسَأَلَهُ التَّخْفِيفَ، فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرًا. فَرَجَعَ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: بِكَمْ أُمِرْتَ؟ قَالَ: "أُمِرْتُ بِعَشْرٍ"، قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ [عز وجل](10) فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ أَضْعَفُ الْأُمَمِ وَقَدْ لَقِيتُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ شِدَّةً، قَالَ: فَرَجَعَ عَلَى حَيَاءٍ إِلَى رَبِّهِ [عز وجل](11) فَسَأَلَهُ التَّخْفِيفَ فَوَضَعَ عَنْهُ خَمْسًا. فَرَجَعَ إِلَى مُوسَى، عليه السلام، فَقَالَ (12) بِكَمْ أُمِرْتَ؟ قَالَ:"بِخَمْسٍ" فَقَالَ: ارْجِعْ إلى ربك فاسأله التخفيف، فإن
(1) في ف: "فقال".
(2)
زيادة من ف، أ، والطبري.
(3)
في ت: "محمد حبيب الرحمن".
(4)
في ف: "الكلم".
(5)
زيادة من ف.
(6)
زيادة من ف، أ.
(7)
في ت: "قال".
(8)
زيادة من ف، أ.
(9)
زيادة من ف، أ.
(10)
زيادة من ف، أ.
(11)
زيادة من ف، أ.
(12)
في ف: "قال".
أُمَّتَكَ أَضْعَفُ الْأُمَمِ وَقَدْ لَقِيتُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ شِدَّةً، قَالَ:"قَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ، فَمَا أَنَا بِرَاجِعٍ إِلَيْهِ"، قِيلَ: أَمَا إِنَّكَ كَمَا صَبَّرْتَ نَفْسَكَ عَلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ، فَإِنَّهُنَّ يَجْزِينَ عَنْكَ خَمْسِينَ صَلَاةً، فَإِنَّ كُلَّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا. قَالَ: فَرَضِيَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم كُلَّ الرِّضَا، قَالَ: وَكَانَ مُوسَى، عليه السلام، مِنْ أَشَدِّهِمْ عَلَيْهِ حِينَ مَرَّ بِهِ وَخَيْرِهِمْ لَهُ حِينَ رَجَعَ إِلَيْهِ (1) .
ثُمَّ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَوْ غَيْرِهِ -شَكَّ أَبُو جَعْفَرٍ-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَهُ بِمَعْنَاهُ (2) .
وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمَالِينِيِّ، عَنِ ابْنِ عَدِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ السَّكُوني الْبَالِسِيِّ بِالرَّمْلَةِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، فَذَكَرَ مِثْلَ مَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ (3) ، وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ الْحَاكِمَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ رَوَاهُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّعَرَانِيِّ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ الزُّبَيْرِيِّ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ مَاهَانَ -يَعْنِي أَبَا جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ-عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أبي العالية، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَهُ (4) .
وَقَالَ: ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ذَكَرَ أَبُو زُرْعَة، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ (5) -يَعْنِي: أَبَا جَعْفَرٍ الرَّازِيَّ-عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ الْبَكْرِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَوْ غَيْرِهِ -شَكَّ عِيسَى-، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "قَالَ اللَّهُ: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى] (6) } فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ كَنَحْوٍ مِمَّا سُقْنَاهُ.
قُلْتُ: "أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ" قَالَ فِيهِ الْحَافِظُ أَبُو زُرْعَةَ: "الرَّازِيُّ يَهِمُ فِي الْحَدِيثِ كَثِيرًا" وَقَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُهُ أَيْضًا، وَوَثَّقَهُ بَعْضُهُمْ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ سَيِّئُ الْحِفْظِ فَفِيمَا تَفَرَّدَ بِهِ نَظَرٌ. وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ غَرَابَةٌ وَنَكَارَةٌ شَدِيدَةٌ، وَفِيهِ (7) شَيْءٌ مِنْ حَدِيثِ الْمَنَامِ مِنْ رِوَايَةِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ فِي الْمَنَامِ الطَّوِيلِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَجْمُوعًا مِنْ أَحَادِيثَ شَتَّى، أَوْ مَنَامٍ أَوْ قِصَّةٍ أُخْرَى غَيْرِ الْإِسْرَاءِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: أَنْبَأَنَا مَعْمَرُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ أُسْرِيَ بِهِ: "لَقِيتُ مُوسَى" قَالَ: فَنَعَتَهُ فَإِذَا رَجُلٌ -حَسِبْتُهُ قَالَ:-مُضْطَرِبٌ، رَجْل الرَّأْسِ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ. قَالَ:"وَلَقِيتُ عِيسَى" -فَنَعَتَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم-رَبْعَةٌ (8) أَحْمَرُ كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ -يَعْنِي حَمَّامٍ. قَالَ: "وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ، وَأَنَا أَشْبَهُ وَلَدِهِ بِهِ". قَالَ: "وَأُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ فِي أَحَدِهِمَا لَبَنٌ وَفِي الْآخَرِ خَمْرٌ، قِيلَ لِي: خُذْ أَيَّهُمَا شِئْتَ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ، فَشَرِبْتُ، فَقِيلَ لِي: هُدِيتَ الْفِطْرَةَ -أَوْ: أَصَبْتَ الفطرة-أما إنك لو
(1) تفسير الطبري (15/6) .
(2)
تفسير الطبري (15/10) .
(3)
دلائل النبوة (2/296، 297) .
(4)
دلائل النبوة (2/397) .
(5)
في ت: "اليمني".
(6)
زيادة من ت.
(7)
في ت: "فيه".
(8)
في ت، أ:"قال: ربعة".
أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ" وَأَخْرَجَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ. عَنِ الزُّهْرِيِّ -بِهِ نَحْوَهُ (1) .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ حُجَيْن بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ الْهَاشِمِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي الْحِجْرِ وَقُرَيْشٌ تَسْأَلُنِي عَنْ مَسْرَايَ (2) فَسَأَلُونِي عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ أُثْبِتْهَا، فَكُرِبْتُ كَرْبًا مَا كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَطُّ، فَرَفَعَهُ اللَّهُ لِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ مَا سَأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْبَأْتُهُمْ بِهِ، وَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِذَا مُوسَى قَائِمٌ يُصَلِّي، وَإِذَا هُوَ رَجُلٌ ضربٌ جَعْدٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَإِذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَائِمٌ يُصَلِّي أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، وَإِذَا إِبْرَاهِيمُ قَائِمٌ يُصَلِّي أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ -يَعْنِي نَفْسَهُ-فَحَانَتِ الصَّلَاةُ فَأَمَمْتُهُمْ، فَلَمَّا فَرَغْتُ قَالَ قَائِلٌ: يَا مُحَمَّدُ، هَذَا مَالِكٌ صَاحِبُ النَّارِ، [فَسَلِّمْ عَلَيْهِ] (3) فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَبَدَأَنِي بِالسَّلَامِ "(4) .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الصَّلْتِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "رَأَيْتُ لَيْلَةَ أَسْرِيَ بِي لَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَنَظَرْتُ فَوْقُ (5) فَإِذَا رَعْدٌ وَبَرْقٍ وَصَوَاعِقَ". قَالَ: "وَأَتَيْتُ عَلَى قَوْمٍ بُطُونُهُمْ كَالْبُيُوتِ فِيهَا الْحَيَّاتُ تُرَى مِنْ خَارِجِ بُطُونِهِمْ فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ أَكْلَةُ الرِّبَا، فَلَمَّا نَزَلْتُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا نَظَرْتُ أَسْفَلَ مِنِّي فَإِذَا أَنَا بِرَهَج وَدُخَانٍ وَأَصْوَاتٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذِهِ الشَّيَاطِينُ يُحَرِّفُونَ عَلَى أَعْيُنِ بَنِي آدَمَ أَلَا يَتَفَكَّرُونَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَرَأَوُا الْعَجَائِبَ".
وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ حَسَنٍ وَعَفَّانَ، كِلَاهُمَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، بِهِ. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادٍ، بِهِ (6) .
رِوَايَةُ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ [رضي الله عنهم](7) مِمَّنْ تَقَدَّمَ وَغَيْرِهِمْ:
قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي الْحَاكِمَ-أَخْبَرَنَا عَبْدَانُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ يَعْقُوبَ الدَّقَّاقُ بِهَمَذَانَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْهَمْدَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ هُوَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى الْفَزَارِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ النَّصْرِيُّ (8) مِنْ بَنِي نَصْرِ (9) بْنِ قُعَين، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَلَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ (10) وَسُلَيْمَانُ الْأَعْمَشُ، وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ -بَعْضُهُمْ يَزِيدُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى بَعْضٍ-عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ (11) بْنِ عباس -ومحمد بن إسحاق بن يسار، عمن حدثه عن ابن عباس-
(1) صحيح البخاري برقم (3394) وصحيح مسلم برقم (168) .
(2)
في ت: "عن أمري".
(3)
زيادة من ف، أ، ومسلم.
(4)
صحيح مسلم برقم (172) .
(5)
في ف، أ:"فوق رأسي".
(6)
المسند (2/353- 363) وسنن ابن ماجة برقم (2273) . وسبق الحديث من رواية أحمد عند تفسير الآية: 185 من سورة الأعراف، وعقب عليه الحافظ ابن كثير بقوله:"عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنُ جُدْعَانَ لَهُ مُنْكَرَاتٌ".
(7)
زيادة من أ.
(8)
في ف: "النضري".
(9)
في ف: "من بني نضرة".
(10)
في أ: "سلمة".
(11)
في ت، ف:"وعن عبد الله".
وَعَنْ سُلَيْمِ بْنِ مُسْلِمٍ الْعُقَيْلِيِّ، عَنْ عَامِرٍ الشعبي، عن عبد الله بن مسعود -وجويبر، عن الضحاك، ابن مُزَاحِمٍ قَالُوا: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِ أُمِّ هَانِئٍ رَاقِدًا، وَقَدْ صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ: قَالَ لَنَا هَذَا الشَّيْخُ. . . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، فَكَتَبَ (1) الْمَتْنَ مِنْ نُسْخَةٍ مَسْمُوعَةٍ مِنْهُ، فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا يَذْكُرُ فِيهِ عَدَدَ الدَّرَجِ وَالْمَلَائِكَةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُنْكَرُ شَيْءٌ مِنْهَا فِي قُدْرَةِ اللَّهِ إِنْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فِيمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ فِي حَدِيثِ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ فِي إِثْبَاتِ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ كِفَايَةٌ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ (2) .
قُلْتُ: وَقَدْ أَرْسَلَ هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ التَّابِعَيْنِ وَأَئِمَّةِ الْمُفَسِّرِينَ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.
رِوَايَةُ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، رضي الله عنها:
قَالَ [الْإِمَامُ](3) الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي مُكْرَمُ بْنُ أَحْمَدَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْبَلَدِيُّ (4) ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الصَّنْعاني، حَدَّثَنَا مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها، قَالَتْ: لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، أَصْبَحَ يُحَدِّثُ النَّاسُ بِذَلِكَ، فَارْتَدَّ نَاسٌ مِمَّنْ كَانُوا آمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ، وَسَعَوْا بِذَلِكَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالُوا: هَلْ لَكَ فِي صَاحِبِكَ؟ يَزْعُمُ أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ اللَّيْلَةَ إلى بيت المقدس! فقال: أوقال ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: لَئِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ لَقَدْ صَدَقَ. قَالُوا: تُصَدِّقُهُ أَنَّهُ ذَهَبَ اللَّيْلَةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَجَاءَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنِّي لَأُصَدِّقُهُ بِمَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ، أُصَدِّقُهُ بِخَبَرِ السَّمَاءِ فِي غَدْوة أَوْ رَوْحة. فَلِذَلِكَ سُمِّيَ أَبُو بَكْرٍ: الصِّدِّيقَ، رضي الله عنه (5) .
رِوَايَةُ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، رضي الله عنها:
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ بَاذَانَ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ [رضي الله عنها] (6) فِي مَسْرَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: مَا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا وَهُوَ فِي بَيْتِي، نَائِمٌ عِنْدِي تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ ثُمَّ نَامَ وَنِمْنَا، فَلَمَّا كَانَ قُبَيْلَ الْفَجْرِ أَهَبْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا صَلَّى الصُّبْحَ وَصْلَيْنَا مَعَهُ قَالَ:"يَا أُمَّ هَانِئٍ، لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَكُمُ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ كَمَا رَأَيْتِ بِهَذَا الْوَادِي، ثُمَّ جِئْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَصَلَّيْتُ فِيهِ، ثُمَّ صَلَّيْتُ صَلَاةَ الْغَدَاةِ مَعَكُمُ الْآنَ كَمَا تَرَيْنَ"(7) .
الْكَلْبِيُّ: مَتْرُوكٌ بِمَرَّةٍ سَاقِطٌ، لَكِنْ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ ضَمْرَة بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيِّ (8) ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أم هانئ بأبسط من هذا
(1) في ت: "فثبت".
(2)
دلائل النبوة (2/404) .
(3)
زيادة من ف، أ.
(4)
في ت: "البكري".
(5)
دلائل النبوة (2/360) وهو في المستدرك (3/62) وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".
(6)
زيادة من أ.
(7)
رواه الطبري في تفسيره (15/3) من طريق محمد بن إسحاق.
(8)
في ت، ف، أ:"الشيباني"
السِّيَاقِ، فَلْيَكْتُبْ هَاهُنَا (1) .
وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ أَبِي المُسَاور، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ قَالَتْ: بَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ فِي بَيْتِي، فَفَقَدْتُهُ مِنَ اللَّيْلِ، فَامْتَنَعَ مِنِّي النَّوْمُ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ عَرَضَ لَهُ بَعْضُ قُرَيْشٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ جِبْرِيلَ، عليه السلام، أَتَانِي فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَخْرَجَنِي، فَإِذَا عَلَى الْبَابِ دَابَّةٌ دُونَ الْبَغْلِ وَفَوْقَ الْحِمَارِ، فَحَمَلَنِي عَلَيْهَا، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى انْتَهَى بِي إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَأَرَانِي إِبْرَاهِيمَ يُشْبِهُ خَلْقُهُ خَلْقِي، وَيُشْبِهُ خَلْقِي خَلْقَهُ، وَأَرَانِي مُوسَى آدَمَ طَوِيلًا سَبْطَ الشَّعْرِ، شَبَّهْتُهُ بِرِجَالِ أَزْدِ شَنُوءَةَ، وَأَرَانِي عيسى ابن مَرْيَمَ رَبْعة أَبْيَضَ يَضْرِبُ إِلَى الْحُمْرَةِ، شَبَّهْتُهُ بِعُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيِّ، وَأَرَانِي الدَّجَّالَ مَمْسُوحَ الْعَيْنِ الْيُمْنَى، شَبَّهْتُهُ بِقَطَنِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى"
(1) كذا ولم أجد فى النسخ إثباته، وقد رواه أبو يعلى فى معجم شيوخه برقم (10) قال:"حدثنا محمد بن إسماعيل الوساوسي، حدثنا ضمرة بن ربيعة، حدثنا يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ، عَنْ أم هانئ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بغلس، فجلس، وأنا على فراشي، فقال: "شعرت أنى بت الليلة فى المسجد الحرام، فأتاني جبريل، فذهب بى إلى باب المسجد، فإذا بدابة أبيض، فوق الحمار، ودون البغل، مضطرب الأذنين، فركبت وكان يضع حافره مد بصره، إذا أخذني فى هبوط طالت يداه وقصرت رجلاه، وإذا أخذني في صعود طالت رجلاه وقصرت يداه، وجبريل لا يفوتني، حتى انتهينا إلى بيت المقدس، فأوثقته بالحلقة التى كانت الأنبياء توثق بها، فنشر لي رهط من الأنبياء، منهم إبراهيم، وموسى، وعيسى، فصليت بهم، وكلمتهم، وأتيت بإناءين أحمر وأبيض، فشربت الأبيض، فقال لي جبريل: شربت اللبن، وتركت الخمر، لو شربت الخمر لارتدت أمتك. ثم ركبته، فأتيت المسجد الحرام وصليت به الغداة" قالت: فعلقت بردائه: أنشدك الله يا ابن عمى! أن تحدث بهذا قريشا، فيكذبك من صدقك. فضرب بيده على ردائه، فانتزعه من يدى، فارتفع عن بطنه، فنظرت إلى عكنه، فوق إزاره كأنها طى القراطيس، فإذا نور ساطع عند فؤاده، كاد يخطف بصري، فخررت ساجدة، فلما رفعت رأسي إذا هو قد خرج، فقلت لجاريتي نبعة: ويحك اتبعيه، فانظرى ماذا يقول، وماذا يقال له؟ فلما رجعت نبعة، أخبرتني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى إلى نفر من قريش، فى الحطيم، فيهم المطعم بن عدي، وعمرو بن هشام، والوليد بن المغيرة، فقال:"إنى صليت الليلة العشاء فى هذا المسجد، وصليت به الغداة، وأتيت فيما دون ذلك بيت المقدس، فنشر لي رهط من الأنبياء منهم إبراهيم، وموسى، وعيسى، وصليت بهم وكلمتهم".
فقال عمرو بن هشام كالمستهزئ به: صفهم لي، فقال:"أما عيسى، ففوق الربعة، ودون الطول، عريض الصدر، ظاهر الدم، جعد، أشعر تعلوه صهبة، كأنه عروة بن مسعود الثقفي. وأما موسى، فضخم آدم، طوال، كأنه من رجال شنوءة، متراكب الأسنان، مقلص الشفة، خارج اللثة، عابس. وأما إبراهيم فوالله إنه لأشبه الناس بي، خلقا، وخلقا". قال: فضجوا، وأعظموا ذلك، فقال المطعم بن عدي: كل أمرك كان قبل اليوم، كان أمما غير قولك اليوم، أما أنا، فأشهد أنك كاذب، نحن نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس، نصعد شهرا، ونحدر شهرا، تزعم أنك أتيته فى ليلة، واللات والعزى لا أصدقك، وما كان الذى تقول قط. وكان للمطعم بن عدي حوض على زمزم أعطاه إياه عبد المطلب، فهدمه وأقسم باللات والعزى لا يسقى قطرة أبدا، فقال أبو بكر: يا مطعم، بئس ما قلت لابن أخيك جبهته وكذبته، أنا أشهد أنه صادق، فقالوا: يا محمد، فصف لنا بيت المقدس، قال:"دخلت ليلا وخرجت منه ليلا". فأتاه جبريل بصورته فى جناحه، فجعل يقول:"باب منه كذا، فى موضوع كذا، وباب منه كذا، فى موضع كذا"، وأبو بكر يقول: صدقت، قالت نبعة: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يومئذ: "يا أبا بكر، إنى قد سميتك (الصديق) ". قالوا: يا مطعم، دعنا نسأله عما هو أغنى لنا من بيت المقدس. يا محمد، أخبرنا عن عيرنا، فقال:"أتيت على عير بنى فلان بالروحاء، قد أضلوا ناقة لهم، فانطلقوا فى طلبها، فانتهيت إلى رحالهم، ليس بها منهم أحد، وإذا قدح ماء، فشربت منه، فاسألوهم عن ذلك " قالوا: هذه والإله آية. "ثم انتهيت إلى عير بنى فلان، فنفرت منى الإبل، وبرك منها جمل أحمر، عليه جوالق محيط ببياض، لا أدرى أكسر البعير، أم لا، فاسألوهم عن ذلك" قالوا: هذه والإله آية "ثم انتهيت إلى عير بنى فلان فى التنعيم، يقدمها جمل أورق، وها هى ذه يطلع عليكم من الثنية". فقال الوليد بن المغيرة: ساحر، فانطلقوا فنظروا، فوجدوا الأمر كما قال. فرموه بالسحر، وقالوا: صدق الوليد بن المغيرة فيما قال، فأنزل الله عز وجل:"وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن"(الإسراء: 60) قلت لأم هانئ: ما الشجرة الملعونة فى القرآن؟ قالت: الذين خوفوا فلم يزدهم التخويف إلا طغيانا وكفرا".
قَالَ: "وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ إِلَى قُرَيْشٍ فَأُخْبِرْهُمْ بِمَا رَأَيْتُ". فَأَخَذْتُ بِثَوْبِهِ فَقُلْتُ: إِنِّي أُذَكِّرُكَ (1) اللَّهَ، إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا يُكَذِّبُونَكَ وَيُنْكِرُونَ مَقَالَتَكَ، فَأَخَافُ أَنْ يَسْطُوا بِكَ. قَالَتْ: فَضَرَبَ ثَوْبَهُ مِنْ يَدِي، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْهِمْ فَأَتَاهُمْ وَهُمْ جُلُوسٌ، فَأَخْبَرَهُمْ مَا أَخْبَرَنِي، فَقَامَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ لَوْ كُنْتَ شَابًّا (2) كَمَا كُنْتَ، مَا تَكَلَّمْتَ بِمَا تَكَلَّمْتَ بِهِ وَأَنْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا مُحَمَّدُ، هَلْ مَرَرْتَ بِإِبِلٍ لَنَا فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ:"نَعَمْ، وَاللَّهِ قَدْ وَجَدْتُهُمْ أَضَلُّوا بَعِيرًا لَهُمْ فَهُمْ فِي طَلَبِهِ".
قَالَ: فَهَلْ مَرَرْتَ بِإِبِلٍ لِبَنِي فُلَانٍ؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَجَدْتُهُمْ فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا، وَقَدِ انْكَسَرَتْ (3) لَهُمْ نَاقَةٌ حَمْرَاءُ، وَعِنْدَهُمْ قَصْعَةٌ مِنْ مَاءٍ، فَشَرِبْتُ مَا فِيهَا". قَالُوا: فَأَخْبِرْنَا عِدَّتَهَا وَمَا فِيهَا مِنَ الرُّعَاةِ [قَالَ: "قَدْ كُنْتُ عَنْ عِدَّتِهَا مَشْغُولًا". فَنَامَ فَأُوتِيَ بِالْإِبِلِ فَعَدَّهَا وَعَلِمَ مَا فِيهَا مِنَ الرُّعَاةِ](4) ثُمَّ أَتَى قُرَيْشًا فَقَالَ لَهُمْ: "سَأَلْتُمُونِي عَنْ إِبِلِ بَنِي فُلَانٍ، فَهِيَ كَذَا وَكَذَا، وَفِيهَا مِنَ الرُّعَاةِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ، وَسَأَلْتُمُونِي عَنْ إِبِلِ بَنِي فُلَانٍ، فَهِيَ كَذَا وَكَذَا، وَفِيهَا مِنَ الرُّعَاةِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ، وَهِيَ مُصَبَّحَتُكُمْ مِنَ الْغَدَاةِ (5) عَلَى الثَّنِيَّةِ". قَالَ: فَقَعَدُوا (6) عَلَى الثَّنِيَّةِ يَنْظُرُونَ أَصَدَقَهُمْ مَا قَالَ؟ فَاسْتَقْبَلُوا الْإِبِلَ فَسَأَلُوهُمْ: هَلْ ضَلَّ لَكُمْ بَعِيرٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَسَأَلُوا الْآخَرَ: هَلِ انْكَسَرَتْ لَكُمْ نَاقَةٌ حَمْرَاءُ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالُوا: فَهَلْ كَانَ عِنْدَكُمْ قَصْعَةٌ؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ: أَنَا وَاللَّهِ وَضَعْتُهَا فَمَا شَرِبَهَا أَحَدٌ، وَلَا أَهْرَاقُوهُ فِي الْأَرْضِ. فَصَدَّقَهُ أَبُو بَكْرٍ [رضي الله عنه](7) وَآمَنَ بِهِ، فَسُمِّيَ يَوْمَئِذٍ الصِّدِّيقَ (8) .
فَصْلٌ
وَإِذَا (9) حَصَلَ الْوُقُوفُ عَلَى مَجْمُوعِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ صَحِيحِهَا وَحَسَنِهَا وَضَعِيفِهَا، يَحْصُلُ مَضْمُونُ مَا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ مِنْ مِسْرَى رسول الله صلى الله عليه وسلم من مَكَّةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأَنَّهُ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الرُّوَاةِ فِي أَدَائِهِ، أَوْ زَادَ بَعْضُهُمْ فِيهِ أَوْ نَقَصَ مِنْهُ، فَإِنَّ الْخَطَأَ جَائِزٌ عَلَى مَنْ عَدَا الْأَنْبِيَاءِ، عليهم السلام. وَمَنْ جَعَلَ مِنَ النَّاسِ كُلَّ رِوَايَةٍ خَالَفَتِ الْأُخْرَى مُرَّةً عَلَى حِدَةٍ، فَأَثْبَتَ إِسْرَاءَاتٍ مُتَعَدِّدَةً فَقَدْ أَبْعَدَ وَأَغْرَبَ، وَهَرَبَ إِلَى غَيْرِ مَهْرَبٍ وَلَمْ يَحْصُلْ عَلَى مَطْلَبٍ.
وَقَدْ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّهُ، عليه السلام (10) أُسْرِيَ بِهِ مَرَّةً مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَطْ، وَمَرَّةً مِنْ مَكَّةَ إِلَى السَّمَاءِ فَقَطْ، وَمَرَّةً إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمِنْهُ إِلَى السَّمَاءِ. وَفَرِحَ بِهَذَا الْمَسْلَكِ، وَأَنَّهُ قَدْ ظَفِرَ بِشَيْءٍ يَخْلُصُ بِهِ مِنَ الْإِشْكَالَاتِ. وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا، وَلَمْ يُنْقَلْ هَذَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ، وَلَوْ تَعَدَّدَ هَذَا التَّعَدُّدَ لَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِهِ أُمَّتَهُ، وَلَنَقَلَتْهُ (11) النَّاسُ عَلَى التَّعَدُّدِ وَالتَّكَرُّرِ.
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: كَانَ الْإِسْرَاءُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ. وَكَذَا قَالَ عُرْوَةُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: بِسِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا.
وَالْحَقُّ أَنَّهُ، عليه السلام (12) أُسْرِيَ بِهِ يَقَظَةً لَا مَنَامًا مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَيْتِ المقدس، راكبًا البراق،
(1) في ت: "أذكر".
(2)
في ت، ف:"أن لو كنت لك شابا".
(3)
في ت: "وقد كسرت".
(4)
زيادة من الخصائص الكبرى للسيوطي (1/439) .
(5)
في ف: "بالغداة".
(6)
في ت، ف:"فغدوا".
(7)
زيادة من ف، أ.
(8)
المعجم الكبير (24/432) وعبد الأعلى بن أبي المساور كذاب.
(9)
في ف: "فإذا".
(10)
في ف: "بأنه صلى الله عليه وسلم".
(11)
في ت: "ولتعلمه".
(12)
في ف: "أنه صلى الله عليه وسلم".
فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ رَبَطَ الدَّابَّةَ عِنْدَ الْبَابِ، وَدَخَلَهُ فَصَلَّى فِي قِبْلَتِهِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ رَكْعَتَيْنِ. ثُمَّ أَتَى الْمِعْرَاجَ (1) -وَهُوَ كَالسُّلَّمِ ذُو دَرَجٍ يُرْقَى فِيهَا-فَصَعِدَ فِيهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ إِلَى بَقِيَّةِ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ، فَتَلَقَّاهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا، وَسَلَّمَ عَلَيْهِ الْأَنْبِيَاءُ [عليهم السلام](2) الَّذِينَ فِي السَّمَاوَاتِ بِحَسْبِ مَنَازِلِهِمْ وَدَرَجَاتِهِمْ، حَتَّى مَرَّ بِمُوسَى الْكِلِيمِ فِي السَّادِسَةِ، وَإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ فِي السَّابِعَةِ، ثُمَّ جَاوَزَ مَنْزِلَتَهُمَا صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِمَا وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى مُسْتَوًى يَسْمَعُ (3) فِيهِ صَرِيفَ الْأَقْلَامِ، أَيْ: أَقْلَامَ الْقَدَرِ بِمَا هُوَ كَائِنٌ، وَرَأَى سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى وَغَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، تَعَالَى، عَظَمَةٌ عَظِيمَةٌ، مِنْ فَرَاشٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَأَلْوَانٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَغَشِيَتْهَا الْمَلَائِكَةُ، وَرَأَى هُنَالِكَ جِبْرِيلَ عَلَى صُورَتِهِ، وَلَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ، وَرَأَى رَفْرَفًا أَخْضَرَ قَدْ سَدَّ الْأُفُقَ، وَرَأَى الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ (4) وَإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ بَانِي الْكَعْبَةِ الْأَرْضِيَّةِ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الْكَعْبَةُ السَّمَاوِيَّةُ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَتَعَبَّدُونَ فِيهِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَرَأَى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَفَرَضَ اللَّهُ [عز وجل](5) عَلَيْهِ هُنَالِكَ الصَّلَوَاتِ خَمْسِينَ، ثُمَّ خَفَّفَهَا إِلَى خَمْسٍ؛ رَحْمَةً مِنْهُ وَلُطْفًا بِعِبَادِهِ. وَفِي هَذَا اعْتِنَاءٌ عَظِيمٌ بِشَرَفِ الصَّلَاةِ وَعَظَمَتِهَا. ثُمَّ هَبَطَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَهَبَطَ مَعَهُ الْأَنْبِيَاءُ فَصَلَّى بِهِمْ فِيهِ لَمَّا حَانَتِ الصَّلَاةُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا الصُّبْحُ مِنْ يَوْمِئِذٍ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ أَمَّهُمْ فِي السَّمَاءِ. وَالَّذِي تَظَاهَرَتْ بِهِ الرِّوَايَاتُ أَنَّهُ بَيْتُ الْمَقْدِسِ، وَلَكِنْ فِي بَعْضِهَا أَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ (6) دُخُولِهِ إِلَيْهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَرَّ بِهِمْ فِي مَنَازِلِهِمْ جَعَلَ يَسْأَلُ عَنْهُمْ جِبْرِيلَ وَاحِدًا وَاحِدًا وَهُوَ يُخْبِرُهُ بِهِمْ، وَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلًا مَطْلُوبًا إِلَى الْجَنَابِ الْعُلْوِيِّ لِيَفْرِضَ عَلَيْهِ وَعَلَى أُمَّتِهِ مَا يَشَاءُ اللَّهُ، تَعَالَى. ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنَ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ، اجْتَمَعَ هُوَ وَإِخْوَانُهُ مِنَ النَّبِيِّينَ [صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ](7) ثُمَّ أَظْهَرَ شَرَفَهَ وَفَضْلَهُ عَلَيْهِمْ بِتَقْدِيمِهِ فِي الْإِمَامَةِ، وَذَلِكَ عَنْ إِشَارَةِ جِبْرِيلَ عليه السلام (8) لَهُ فِي ذَلِكَ. ثُمَّ خَرَجَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَرَكِبَ الْبُرَاقَ وَعَادَ إِلَى مَكَّةَ بِغَلَسٍ، وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
وَأَمَّا عَرْضُ الْآنِيَةِ عَلَيْهِ مِنَ اللَّبَنِ وَالْعَسَلِ، أَوِ اللَّبَنِ وَالْخَمْرِ، أَوِ اللَّبَنِ وَالْمَاءِ، أَوِ الْجَمِيعِ -فَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَجَاءَ أَنَّهُ فِي السَّمَاءِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَاهُنَا وَهَاهُنَا؛ لِأَنَّهُ كَالضِّيَافَةِ لِلْقَادِمِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّاسُ: هَلْ كَانَ الْإِسْرَاءُ بِبَدَنِهِ عليه السلام (9) وَرُوحِهِ؟ أَوْ بِرُوحِهِ فَقَطْ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، فَالْأَكْثَرُونَ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ أُسْرِيَ بِبَدَنِهِ وَرُوحِهِ يَقَظَةً لَا مَنَامًا، وَلَا يُنْكَرُ أَنْ يَكُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى قَبْلَ ذَلِكَ مَنَامًا، ثُمَّ رَآهُ بَعْدَهُ يَقَظَةً؛ لِأَنَّهُ عليه السلام (10) كَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ؛ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ [عز وجل](11){سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} فَالتَّسْبِيحُ إِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْأُمُورِ الْعِظَامِ، وَلَوْ كَانَ مَنَامًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ كَبِيرُ شَيْءٍ وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَعْظَمًا، وَلَمَا بَادَرَتْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ إِلَى تَكْذِيبِهِ، وَلَمَا ارْتَدَّ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعَبْدَ عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعِ الروح والجسد،
(1) في ت، ف:"بالمعراج".
(2)
زيادة من ف.
(3)
في ت: "سمع"، وفي ف، أ:"فسمع".
(4)
في ت، ف، أ:"المعمور الذي".
(5)
زيادة من ف.
(6)
في ف، أ:"كان في أول".
(7)
زيادة من ف، أ.
(8)
في ت: "عليه الصلاة والسلام"
(9)
في ف: "صلى الله عليه وسلم".
(10)
في أ: "صلى الله عليه وسلم".
(11)
زيادة من: ف، أ.
وَقَدْ قَالَ [عَزَّ شَأْنُهُ](1){أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا} وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الْإِسْرَاءِ: 60] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ [رضي الله عنهما](2) هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم [لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ، وَالشَّجَرَةُ الْمَلْعُونَةُ: شَجَرَةُ الزَّقُّومِ](3) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَقَالَ تَعَالَى: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النَّجْمِ: 17] ، وَالْبَصَرُ مِنْ آلَاتِ الذَّاتِ لَا الرُّوحِ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ حُمِلَ عَلَى الْبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ بَيْضَاءُ بَرَّاقَةٌ لَهَا لَمَعَانٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ هَذَا لِلْبَدَنِ لَا لِلرُّوحِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ فِي حَرَكَتِهَا إِلَى مَرْكَبٍ تَرْكَبُ (4) عَلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِرُوحِهِ لَا بِجَسَدِهِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ فِي السِّيرَةِ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ؛ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ [رضي الله عنهما](5) كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ مَسْرَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كَانَتْ رُؤْيَا مِنَ اللَّهِ صَادِقَةً.
وَحَدَّثَنِي بَعْضُ آلِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُولُ: مَا فُقِدَ جَسَدُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَكِنْ أُسْرِيَ بِرُوحِهِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمْ يُنْكَرْ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهَا، لِقَوْلِ الْحَسَنِ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} وَلِقَوْلِ (6) اللَّهِ فِي الْخَبَرِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصَّافَّاتِ: 102] ، ثُمَّ مَضَى عَلَى ذَلِكَ. فَعَرَفْتُ أَنَّ الْوَحْيَ يَأْتِي لِلْأَنْبِيَاءِ مِنَ اللَّهِ أَيْقَاظًا وَنِيَامًا.
فَكَانَ (7) رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "تَنَامُ عَيْنَايَ، وَقَلْبِي يَقْظَانُ" فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ قَدْ جَاءَهُ، وَعَايَنَ فِيهِ مِنَ اللَّهِ مَا عَايَنَ، عَلَى أَيِّ حَالَاتِهِ كَانَ، نَائِمًا أَوْ يَقْظَانَ، كُلُّ ذَلِكَ حَقٌّ وَصِدْقٌ. انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ إِسْحَاقَ (8) .
وَقَدْ تَعَقَّبَهُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ بِالرَّدِّ وَالْإِنْكَارِ وَالتَّشْنِيعِ، بِأَنَّ هَذَا خِلَافُ (9) ظَاهِرِ سِيَاقِ الْقُرْآنِ، وَذَكَرَ مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى رَدِّهِ بَعْضَ مَا تَقَدَّمَ (10) وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَائِدَةٌ حَسَنَةٌ جَلِيلَةٌ:
رَوَى الْحَافِظُ أَبُو نُعَيم الْأَصْبِهَانِيُّ فِي كِتَابِ "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ" مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَبِي الرِّجَالِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَحْية بْنَ خَلِيفَةَ إِلَى قَيْصَرَ -فَذَكَرَ وُرُودَهُ عَلَيْهِ وَقُدُومَهُ إِلَيْهِ. وَفِي السِّيَاقِ دَلَالَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى وُفُور عَقْلِ هِرَقْلَ-ثُمَّ اسْتَدْعَى مَنْ بِالشَّامِ مِنَ التُّجَّارِ، فَجِيءَ بِأَبِي سُفْيَانَ صَخْرِ بْنِ حَرْبٍ
(1) زيادة من ف، أ.
(2)
زيادة من ف، أ.
(3)
زيادة من ت، ف، أ.
(4)
في ف: "يركب".
(5)
زيادة من ف، أ.
(6)
في ف: "وكقول".
(7)
في ف: "وكان".
(8)
ذكره الطبري في تفسيره (15/13) بإسناده إلى ابن إسحاق.
(9)
في ف: "اختلاف".
(10)
تفسير الطبري (15/13،14)