الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَحَتَّى قَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ وَنَزَلَتْ: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} [الرَّعْدِ: 31](1) .
وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ} أَيْ: نَبْعَثُ الْآيَاتِ وَنَأْتِيَ بِهَا عَلَى مَا سَأَلَ قَوْمُكَ مِنْكَ، فَإِنَّهُ سَهْلٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ لَدَيْنَا، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ بَعْدَمَا سَأَلُوهَا، وَجَرَتْ سُنَّتُنَا فِيهِمْ وَفِي أَمْثَالِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُؤَخَّرُونَ إِذَا كَذَّبُوا بِهَا بَعْدَ نُزُولِهَا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمَائِدَةِ:: {قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنزلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} [الْمَائِدَةِ: 115] وَقَالَ تَعَالَى عَنْ ثَمُودَ، حِينَ سَأَلُوا آيَةً: نَاقَةً تَخْرُجُ (2) مِنْ صَخْرَةٍ عَيَّنُوها، فَدَعَا صَالِحٌ رَبَّهُ، فَأَخْرَجَ لَهُ مِنْهَا نَاقَةً عَلَى مَا سَأَلُوا " فَظَلَمُوا بِهَا" (3) أَيْ: كَفَرُوا بِمَنْ خَلَقَهَا، وَكَذَّبُوا رَسُولَهُ وَعَقَرُوا النَّاقَةَ فَقَالَ:{تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} [هُودٍ: 65] ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ} أَيْ: دَالَّةً عَلَى وَحْدَانِيَّةِ مَنْ خَلَقَهَا وَصَدَّقَ الرَّسُولَ الَّذِي أُجِيبَ دُعَاؤُهُ فِيهَا {فَظَلَمُوا بِهَا} أَيْ: كَفَرُوا بِهَا وَمَنَعُوهَا شِرْبها وَقَتَلُوهَا، فَأَبَادَهُمُ اللَّهُ عَنْ آخِرِهِمْ، وَانْتَقَمَ مِنْهُمْ، وَأَخَذَهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ.
وَقَوْلُهُ: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا} قَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ اللَّهَ خَوَّفَ النَّاسَ بِمَا يَشَاءُ (4) مِنْ آيَاتِهِ لَعَلَّهُمْ يَعْتَبِرُونَ وَيَذَّكَّرُونَ وَيَرْجِعُونَ، ذُكر لَنَا أَنَّ الْكُوفَةَ رُجِفَتْ عَلَى عَهْدِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنْ رَبَّكُمْ يَسْتَعْتِبُكُمْ فَأَعْتِبُوهُ.
وَهَكَذَا رُوي أَنَّ الْمَدِينَةَ زُلزلت عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَرَّاتٍ، فَقَالَ عُمَرُ: أَحْدَثْتُمْ، وَاللَّهِ لَئِنْ عَادَتْ لَأَفْعَلَنَّ وَلَأَفْعَلَنَّ. وَكَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ:"إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، وَإِنَّهُمَا لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ، عز وجل، يُرْسِلُهُمَا يُخَوِّفُ بِهِمَا (5) عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ". ثُمَّ قَالَ: " يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللَّهِ مَا أَحَدٌ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدَهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتَهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا"(6) .
{وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلا طُغْيَانًا كَبِيرًا
(60) }
.
يَقُولُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مُحَرِّضًا لَهُ عَلَى إِبْلَاغِ رِسَالَتِهِ، وَمُخْبِرًا لَهُ بِأَنَّهُ قَدْ عَصَمَهُ مِنَ النَّاسِ، فَإِنَّهُ الْقَادِرُ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ فِي قَبْضَتِهِ وَتَحْتَ قَهْرِهِ وَغَلَبَتِهِ.
قَالَ مُجَاهِدٌ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَغَيْرُهُمْ فِي قَوْلِهِ:{وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ}
(1) مسند أبي يعلى (2/40) وقال الهيثمي في المجمع (7/85) : "رواه أبو يعلى من طريق عبد الجبار بن عمر الْأَيْلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءِ بْنِ إبراهيم، وكلاهما وثق، وقد ضعفهما الجمهور".
(2)
في ف، أ:"أن يخرج لهم ناقة".
(3)
في أ: "فلما ظلموا بها" وهو خطأ.
(4)
في ف: "بأشياء".
(5)
في ف، أ:"ولكن يخوف الله بهما".
(6)
صحيح البخاري برقم (1044) وصحيح مسلم برقم (901) .
أَيْ: عَصَمَكَ مِنْهُمْ.
وَقَوْلُهُ: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:{وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} قَالَ: هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (1) لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (2) .
وَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَغَيْرُهُمَا، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بِهِ (3) ، وَكَذَا رَوَاهُ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهَكَذَا فَسَّرَ ذَلِكَ بِلَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ: مُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالْحَسَنُ، وَمَسْرُوقٌ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَقَتَادَةُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ أَحَادِيثُ الْإِسْرَاءِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ مُسْتَقْصَاةً، وَلِلَّهِ (4) الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ نَاسًا رَجَعُوا عَنْ دِينِهِمْ بَعْدَمَا كَانُوا عَلَى الْحَقِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَحْمِلْ قُلُوبُهُمْ وَعُقُولُهُمْ ذَلِكَ، فَكَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ، وَجَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ ثَبَاتًا وَيَقِينًا لِآخَرِينَ؛ وَلِهَذَا (5) قَالَ:{إِلا فِتْنَةً} أَيْ: اخْتِبَارًا وَامْتِحَانًا. وَأَمَّا "الشَّجَرَةُ الْمَلْعُونَةُ"، فَهِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ، كَمَا أَخْبَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ رَأَى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَرَأَى شَجَرَةَ الزَّقُّومِ، فَكَذَّبُوا بِذَلِكَ حَتَّى قَالَ أَبُو جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ (6)[بِقَوْلِهِ](7) هَاتُوا لَنَا تَمْرًا وَزُبْدًا، وَجَعَلَ يَأْكُلُ هَذَا بِهَذَا وَيَقُولُ: تَزَقَّموا، فَلَا نَعْلَمُ الزَّقُّومَ غَيْرَ هَذَا.
حَكَى ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمَسْرُوقٌ، وَأَبُو مَالِكٍ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَكُلُّ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ، فَسَّرَهُ كَذَلِكَ (8) بِشَجَرَةِ الزَّقُّومِ.
وَقَدْ قِيلَ: الْمُرَادُ بِالشَّجَرَةِ الْمَلْعُونَةِ: بَنُو أُمَيَّةَ. وَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حُدِّثْتُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ زَبَالة، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمُهَيْمِنِ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَنِي فُلَانٍ يَنْزُونَ عَلَى مِنْبَرِهِ نَزْوَ الْقُرُودِ (9) فَسَاءَهُ ذَلِكَ، فَمَا اسْتَجْمَعَ ضَاحِكًا حَتَّى مَاتَ. قَالَ: وَأَنْزَلَ (10) اللَّهُ فِي ذَلِكَ: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} الْآيَةَ (11) .
وَهَذَا السَّنَدُ ضَعِيفٌ جِدًّا؛ فَإِنَّ "مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ بْنِ زَبَالة" مَتْرُوكٌ، وَشَيْخَهُ أَيْضًا ضَعِيفٌ بِالْكُلِّيَّةِ. وَلِهَذَا اخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ: أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ، وَأَنَّ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ، قَالَ: لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى ذَلِكَ، أَيْ: فِي الرُّؤْيَا وَالشَّجَرَةِ.
وَقَوْلُهُ: {وَنُخَوِّفُهُمْ} أَيْ: الْكَفَّارَ بِالْوَعِيدِ وَالْعَذَابِ وَالنَّكَالِ {فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلا طُغْيَانًا كَبِيرًا} أَيْ: تَمَادِيًا فِيمَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ. وَذَلِكَ مِنْ خذلان الله لهم.
(1) في ف: "النبي صلى الله عليه وسلم".
(2)
صحيح البخاري برقم (4716) .
(3)
المسند (1/221) .
(4)
في ت: "فلله".
(5)
في ت: "فلهذا".
(6)
في ف، أ:"عليه لعائن الله".
(7)
زيادة من ت.
(8)
في ف: "فسر ذلك".
(9)
في أ: "القردة".
(10)
في ف: "فأنزل".
(11)
تفسير الطبري (15/77) .