الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثُمَّ تَنْتَهِي إِلَى غَيٍّ وَآثَامٍ". قَالَ: قُلْتُ: وَمَا غَيٌّ وَآثَامٌ؟ قَالَ: "بِئْرَانِ فِي أَسْفَلِ جَهَنَّمَ، يَسِيلُ فِيهِمَا صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ، وَهُمَا اللَّتَانِ (1) ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ:{أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} وَقَوْلُهُ فِي الْفُرْقَانِ: {وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} (2) هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَرَفْعُهُ مُنْكَرٌ.
وَقَوْلُهُ: {إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا} ، أَيْ: إِلَّا مَنْ رَجَعَ عَنْ تَرْكِ الصَّلَوَاتِ وَاتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَتَهُ، وَيُحْسِنُ عَاقِبَتَهُ، وَيَجْعَلُهُ مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ؛ وَلِهَذَا قَالَ:{فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا} وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ تُجُبُّ مَا قَبْلَهَا، وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:"التَّائِبَ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ"(3) ؛ وَلِهَذَا لَا يُنْقص هَؤُلَاءِ التَّائِبُونَ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الَّتِي عَمِلُوهَا شَيْئًا، وَلَا قُوبِلُوا بِمَا عَمِلُوهُ قَبْلَهَا فَيُنْقَصُ (4) لَهُمْ مِمَّا عَمِلُوهُ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ذَهَبَ هَدَرًا وَتُرِكَ نِسْيًا، وَذَهَبَ مَجَّانا، مِنْ كَرَمِ الْكَرِيمِ، وَحِلْمِ الْحَلِيمِ.
وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ هَاهُنَا كَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الْفَرْقَانِ: 68 -70]
{جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا
(61)
لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلا سَلامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا (63) } .
يَقُولُ تَعَالَى: الْجَنَّاتُ الَّتِي يَدْخُلُهَا (5) التَّائِبُونَ مِنْ ذُنُوبِهِمْ، هِيَ {جَنَّاتِ عَدْنٍ} أَيْ: إِقَامَةٍ {الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ} بِظَهْرِ الْغَيْبِ، أَيْ: هِيَ مِنَ الْغَيْبِ الَّذِي يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَا رَأَوْهُ؛ وَذَلِكَ لِشِدَّةِ إِيقَانِهِمْ وَقُوَّةِ إِيمَانِهِمْ.
وَقَوْلُهُ: {إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا} تَأْكِيدٌ لِحُصُولِ ذَلِكَ وَثُبُوتِهِ وَاسْتِقْرَارِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ وَلَا يُبَدِّلُهُ، كَقَوْلِهِ:{كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولا} [الْمُزَّمِّلِ: 18](6) أَيْ: كَائِنًا لَا مَحَالَةَ.
وَقَوْلُهُ هَاهُنَا: {مَأْتِيًّا} أَيِ: الْعِبَادُ صَائِرُونَ إِلَيْهِ، وَسَيَأْتُونَهُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: {مَأْتِيًّا} بِمَعْنَى: آتِيًا؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا أَتَاكَ فَقَدْ أَتَيْتَهُ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: أَتَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ سَنَةً، وَأَتَيْتُ عَلَى خَمْسِينَ سَنَةً، كلاهما بمعنى [واحد](7)
(1) في ف: "اللذان".
(2)
تفسير الطبري (16/75) .
(3)
جاء من حديث أنس بن مالك، وابن مسعود، وأبو سعيد الأنصاري، وابن عباس، رضي الله عنهم، وأجودها حديث ابن مسعود، أخرجه ابن ماجه في السنن برقم (4250) لكنه فيه انقطاع.
(4)
في ف: "فنقص".
(5)
في ت: "يدخل إليها".
(6)
في ت: "إنه كان" وهو خطأ، وفي أ:"كان وعده مفعولا" وهو الصواب.
(7)
زيادة من ف، أ.
وَقَوْلُهُ: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا} أَيْ: هَذِهِ (1) الْجَنَّاتُ لَيْسَ فِيهَا كَلَامٌ سَاقِطٌ تَافِهٌ لَا مَعْنًى لَهُ، كَمَا قَدْ يُوجَدُ فِي الدُّنْيَا.
وَقَوْلُهُ: {إِلا سَلامًا} اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، كَقَوْلِهِ:{لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا إِلا قِيلا سَلامًا سَلامًا} [الْوَاقِعَةِ: 25، 26](2)
وَقَوْلُهُ: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} أَيْ: فِي مِثْلِ وَقْتِ البُكُرات وَوَقْتِ العَشيّات، لَا أَنَّ (3) هُنَاكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا (4) وَلَكِنَّهُمْ فِي أَوْقَاتٍ تَتَعَاقَبُ، يَعْرِفُونَ مُضِيَّهَا بِأَضْوَاءٍ وَأَنْوَارٍ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا معْمَر، عَنْ هَمَّام، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَوَّلُ زُمْرَة تَلِجُ الْجَنَّةَ صُورهم عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لَا يبصُقون فِيهَا، وَلَا يَتَمَخَّطُونَ (5) فِيهَا، وَلَا يَتَغَوّطون، آنِيَتُهُمْ وَأَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَمُجَامِرُهُمُ (6) الألْوّة، ورَشْحُهم الْمِسْكُ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ، يَرَى مُخّ سَاقَيْهِمَا (7) مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ؛ مِنَ الْحُسْنِ، لَا اخْتِلَافَ بَيْنِهِمْ وَلَا تَبَاغُضَ، قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبٍ وَاحِدٍ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا".
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ بِهِ (8)
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ (9) ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ (10) فُضَيْلٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الشُّهَدَاءُ عَلَى بَارِقِ نَهْرٍ بِبَابِ الْجَنَّةِ، فِي قُبَّةٍ خَضْرَاءَ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا"(11) تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:{وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} قَالَ: مَقَادِيرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْمٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ زُهَيْرَ بْنَ مُحَمَّدٍ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} قَالَ: لَيْسَ فِي الْجَنَّةِ لَيْلٌ، هُمْ فِي نُورٍ أَبَدًا، وَلَهُمْ مِقْدَارُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، يَعْرِفُونَ مِقْدَارَ اللَّيْلِ بِإِرْخَاءِ الْحُجُبِ وَإِغْلَاقِ الْأَبْوَابِ، وَيَعْرِفُونَ مِقْدَارَ النَّهَارِ بِرَفْعِ الْحُجُبِ، وَبِفَتْحِ (12) الْأَبْوَابِ.
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ خُلَيْد، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَذَكَرَ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ، فَقَالَ: أَبْوَابٌ (13) يُرى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، فَتُكَلِّمُ وَتُكَلَّمُ، فَتُهَمْهِم (14) انفتحي انغلقي، فتفعل.
(1) في ت، ف:"أي: في هذه".
(2)
في ت: "تأثيم".
(3)
في ت: "إلا أن".
(4)
في ف: "ونهارا".
(5)
في ف: "يمتخطون".
(6)
في أ: "ومجامرهم من".
(7)
في ف: "ساقها".
(8)
المسند (2/316) وصحيح البخاري برقم (3225) وصحيح مسلم برقم (2834) .
(9)
في ت: "عن موسى بن إسحاق".
(10)
في ت: "ثم".
(11)
المسند (1/266) وقال الهيثمي في المجمع (5/294) : "إسناد رجاله ثقات".
(12)
في ت، ف:"فتح".
(13)
في ت: "أبواب الجنة".
(14)
في ت: "فيفهمهم"، وفي ف، أ:"فتفهم".