الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: كَانُوا يَعْبُدُونَ صِنْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ يُقَالُ لَهُمُ: الْجِنُّ، فَذَكَرَهُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} قَالَ: عِيسَى وَأُمُّهُ، وعُزير.
وَقَالَ مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: هُمْ عِيسَى، وعُزير، وَالشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: عِيسَى، والعُزير، وَالْمَلَائِكَةُ.
وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ قَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ لِقَوْلِهِ: {يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} ، وَهَذَا لَا يُعَبَّرُ بِهِ (1) عَنِ الْمَاضِي، فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ عِيسَى والعُزير. قَالَ: وَالْوَسِيلَةُ هِيَ الْقُرْبَةُ، كَمَا قَالَ قَتَادَةُ؛ وَلِهَذَا قَالَ:{أَيُّهُمْ أَقْرَبُ}
وَقَوْلُهُ: {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} : لَا تَتَمُّ الْعِبَادَةُ إِلَّا بِالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ، فَبِالْخَوْفِ يَنْكَفُّ (2) عَنِ الْمَنَاهِي، وَبِالرَّجَاءِ يَنْبَعِثُ عَلَى (3) الطَّاعَاتِ.
وَقَوْلُهُ: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} أَيْ: يَنْبَغِي أَنْ يُحَذَّرَ مِنْهُ، وَيُخَافَ مِنْ وُقُوعِهِ وَحُصُولِهِ، عِيَاذًا بِاللَّهِ مِنْهُ.
{وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا
(58) }
.
هَذَا إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ عز وجل بِأَنَّهُ قَدْ حتَمَ وَقَضَى بِمَا قَدْ كَتَبَهُ عِنْدَهُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ: أَنَّهُ مَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا سَيُهْلِكُهَا، بِأَنْ يُبِيدَ أَهْلَهَا جَمِيعَهُمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ {عَذَابًا شَدِيدًا} إِمَّا بِقَتْلٍ أَوِ ابْتِلَاءٍ بِمَا يَشَاءُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِسَبَبِ ذُنُوبِهِمْ وَخَطَايَاهُمْ، كَمَا قَالَ عَنِ الْأُمَمِ الْمَاضِينَ:{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [هُودٍ: 101] وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا} [الطلاق: 7، 8] .
(1) في ت: "لا يغن به".
(2)
في ف، أ:"ينكشف".
(3)
في ف: "إلى".
{وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا
(59) }
.
قَالَ سُنَيْد، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر قَالَ: قَالَ الْمُشْرِكُونَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَكَ أَنْبِيَاءُ، فَمِنْهُمْ مَنْ سُخّرت لَهُ الرِّيحُ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى، فَإِنْ سَرّك أَنْ نُؤْمِنَ بِكَ وَنُصَدِّقَكَ، فَادْعُ رَبَّكَ أَنْ يَكُونَ لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا. فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: "إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ الَّذِي
قَالُوا، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ نَفْعَلَ الَّذِي قَالُوا، فَإِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا نَزَلَ الْعَذَابُ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ مُنَاظَرَةٌ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ نَستأني بِقَوْمِكَ استأنيتُ بِهِمْ؟ " قَالَ:"يَا رَبِّ، اسْتَأْنِ بِهِمْ".
وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَغَيْرُهُمَا.
قَالَ (1) الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسٍ (2) ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَجْعَلَ لَهُمُ الصَّفَا ذَهَبًا، وَأَنْ يُنَحِّيَ الْجِبَالَ عَنْهُمْ فَيَزْرَعُوا، فَقِيلَ لَهُ: إِنْ شِئْتَ أَنْ نَسْتَأْنِيَ بِهِمْ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ نُؤتيهم الَّذِي سَأَلُوا، فَإِنْ كَفَرُوا أُهْلِكُوا كَمَا أهلكتُ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ: قَالَ: "لَا بَلِ اسْتَأْنِ بِهِمْ". وَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً} رَوَاهُ (3) النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ، بِهِ (4) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمة بْنِ كُهيل، عَنْ عِمْرَانَ أَبِي الْحَكِيمِ (5)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَتْ قُرَيْشٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ادْعُ لَنَا رَبَّكَ أَنْ يَجْعَلَ لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا، وَنُؤْمِنُ بِكَ. قَالَ:"وَتَفْعَلُونَ؟ " قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَدَعَا فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ لَكَ: إِنْ شِئْتَ أَصْبَحَ الصَّفَا لَهُمْ ذَهَبًا، فَمَنْ كَفَرَ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ عَذّبته عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ، وَإِنْ شِئْتَ فَتَحْتُ لَهُمْ بَابَ التَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ. فَقَالَ:"بَلْ بَابَ التَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ"(6) .
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَلِيٍّ الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا خلف ابن تَمِيمٍ الْمِصِّيصِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عَمَّارٍ الأيلِيّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ عَطَاءٍ مَوْلَاةِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ قَالَتْ: سَمِعْتُ الزُّبَيْرَ يَقُولُ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ} [الشُّعَرَاءِ: 214] صَاحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبِي قَبِيس: "يَا آلَ عَبْدِ مُنَافٍ، إِنِّي نَذِيرٌ! " فَجَاءَتْهُ قُرَيْشٌ فَحَذَّرَهُمْ وَأَنْذَرَهُمْ، فَقَالُوا: تَزْعُمُ أَنَّكَ نَبِيٌّ يُوحَى إِلَيْكَ، وَأَنَّ سُلَيْمَانَ سُخِّرَ لَهُ الرِّيحُ وَالْجِبَالُ، وَأَنَّ مُوسَى سُخِّرَ لَهُ الْبَحْرُ، وَأَنَّ عِيسَى كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُسَيِّرَ عَنَّا هَذِهِ الْجِبَالَ، وَيُفَجِّرَ (7) لَنَا الْأَرْضَ أَنْهَارًا، فَنَتَّخِذَهَا مَحَارِثَ فَنَزْرَعَ وَنَأْكُلَ، وَإِلَّا فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُحْيِيَ لَنَا مَوْتَانَا فَنُكَلِّمَهُمْ وَيُكَلِّمُونَا، وَإِلَّا فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُصَيِّرَ لَنَا هَذِهِ الصَّخْرَةَ الَّتِي تَحْتَكَ ذَهَبًا، فَنَنْحَتَ مِنْهَا، وَتُغْنِيَنَا عَنْ رِحْلَةِ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، فَإِنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّكَ كَهَيْئَتِهِمْ! قَالَ: فَبَيْنَا نَحْنُ حَوْلَهُ، إِذْ نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ:"وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ أَعْطَانِي مَا سَأَلْتُمْ، وَلَوْ شِئْتُ لَكَانَ، وَلَكِنَّهُ خَيَّرَنِي بَيْنَ أَنْ تَدْخُلُوا بَابَ الرَّحْمَةِ، فَيُؤَمَّنَ مُؤْمِنُكُمْ، وَبَيْنَ أَنْ يَكِلَكُمْ إِلَى مَا اخْتَرْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ، فَتَضِلُّوا عَنْ بَابِ الرَّحْمَةِ، فَلَا يُؤَمَّنَ مِنْكُمْ أَحَدٌ، فَاخْتَرْتُ بَابَ الرَّحْمَةِ، فَيُؤَمَّنُ مُؤْمِنُكُمْ. وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ إِنْ أَعْطَاكُمْ ذَلِكَ ثُمَّ كَفَرْتُمْ، أَنَّهُ يُعَذِّبُكُمْ عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ" وَنَزَلَتْ: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأوَّلُونَ}
(1) في ف: "وقال".
(2)
في ف، أ:"ابن أبي إياس".
(3)
في أ: "قد رواه".
(4)
المسند (1/258) وسنن النسائي الكبرى برقم (11290) .
(5)
في هـ: "عمران بن حكيم"، والتصويب من أطراف المسند وكتب الرجال.
(6)
المسند (1/242) .
(7)
في ف: "وتفجر".