الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِهَا رَأْسَهُ، فَيُفرغ (1) دِمَاغَهُ، ثُمَّ يُفرغ (2) الْإِنَاءَ مِنْ دِمَاغِهِ، فَيَصِلُ إِلَى جَوْفِهِ مِنْ دِمَاغِهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ:{يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ}
وَقَوْلُهُ: {وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعة، حَدَّثَنَا دَرَّاج، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَوْ أَنَّ مِقْمَعا مِن حَديد وُضِع فِي (3) الْأَرْضِ، فَاجْتَمَعَ لَهُ الثَّقَلَانِ مَا أقَلُّوه مِنَ الْأَرْضِ"(4) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعة، حَدَّثَنَا (5) دَرَّاج، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ ضُرب الجبلُ بمِقْمَع مِنْ حَدِيدٍ، لَتَفَتَّتَ ثُمَّ عَادَ كَمَا كَانَ، وَلَوْ أَنَّ دَلْوًا مِنْ غَسَّاق يُهَرَاق فِي الدُّنْيَا لَأَنْتَنَ أَهْلُ الدُّنْيَا"(6) .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} قَالَ: يُضْرَبُونَ بِهَا، فَيَقَعُ كُلُّ عُضْوٍ عَلَى حِيَالِهِ، فَيَدْعُونَ (7) بِالثُّبُورِ.
وَقَوْلُهُ: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا} : قَالَ الْأَعْمَشُ، عَنِ أَبِي ظِبْيان، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: النَّارُ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ، لَا يُضِيءُ لَهَبُهَا وَلَا جَمْرُهَا، ثُمَّ قَرَأَ:{كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا}
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا} قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ أَهْلَ النَّارِ فِي النَّارِ لَا يَتَنَفَّسُونَ.
وَقَالَ الفُضيل (8) بْنُ عِيَاضٍ: وَاللَّهِ مَا طَمِعُوا فِي الْخُرُوجِ، إِنَّ الْأَرْجُلَ لَمُقَيَّدَةٌ، وَإِنَّ الْأَيْدِيَ لَمُوثَقَةٌ، وَلَكِنْ يَرْفَعُهُمْ لَهَبُهَا، وَتَرُدُّهُمْ (9) مَقَامِعُهَا.
وَقَوْلُهُ: {وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} كَقَوْلِهِ {وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [السَّجْدَةِ: 20] وَمَعْنَى الْكَلَامِ: أَنَّهُمْ يُهَانُونَ بِالْعَذَابِ قَوْلًا وَفِعْلًا.
{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ
(23) }
.
(1) في ت، ف:"فيقرع".
(2)
في ت: "يقرع".
(3)
في ت: "على".
(4)
المسند (3/29) .
(5)
في ت، ف:"عن".
(6)
المسند (3/83) ودراج عن أبي الهيثم ضعيف.
(7)
في ت، ف:"فيدعو".
(8)
في ت: "الفضل".
(9)
في ف: "ويردهم".
{وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ
(24) }
.
لَمَّا أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ حَالِ أَهْلِ النَّارِ، عِيَاذًا بِاللَّهِ مِنْ حَالِهِمْ، وَمَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ والنَّكال
وَالْحَرِيقِ وَالْأَغْلَالِ، وَمَا أُعِدَّ لَهُمْ مِنَ الثِّيَابِ مِنَ النَّارِ، ذَكَرَ حَالَ أَهْلِ الْجَنَّةِ -نَسْأَلُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَكَرَمِهِ أَنْ يُدْخِلَنَا الْجَنَّةَ-فَقَالَ:{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ} أَيْ: تتخَرّق فِي أَكْنَافِهَا وَأَرْجَائِهَا وَجَوَانِبِهَا، وَتَحْتَ أَشْجَارِهَا وَقُصُورِهَا، يَصْرِفُونَهَا حَيْثُ شَاءُوا وَأَيْنَ شَاءُوا، {يُحَلَّوْنَ فِيهَا} مِنَ الْحِلْيَةِ، {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا} أَيْ: فِي أَيْدِيهِمْ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفِقِ عَلَيْهِ:"تَبْلُغُ الحِلْيَة مِنَ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الوُضُوء"(1) .
وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مَلَكًا لَوْ شِئْتُ أَنْ أُسَمِّيَهُ لسميتُه، يَصُوغُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ الْحُلِيَّ مُنْذُ خَلَقَهُ اللَّهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَوْ أُبْرِزَ قُلْب مِنْهَا -أَيْ: سِوَارٌ مِنْهَا-لَرَدَّ شُعَاعَ الشَّمْسِ، كَمَا تَرُدُّ (2) الشَّمْسُ نُورَ الْقَمَرِ.
وَقَوْلُهُ: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} : فِي مُقَابَلَةِ ثِيَابِ أَهْلِ النَّارِ الَّتِي فُصِّلَتْ لَهُمْ، لِبَاسُ هَؤُلَاءِ مِنَ الْحَرِيرِ، إِسْتَبْرَقِهِ وسُنْدُسه، كَمَا قَالَ:{عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا. إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا} [الْإِنْسَانِ: 21، 22]، وَفِي الصَّحِيحِ:"لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَلَا الدِّيبَاجَ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ"(3) .
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: وَمَنْ لَمْ يَلْبَسِ الْحَرِيرَ فِي الْآخِرَةِ، لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ}
وَقَوْلُهُ: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} كَقَوْلِهِ {وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ} [إِبْرَاهِيمَ: 23]، وَقَوْلِهِ:{وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ. سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرَّعْدِ: 23، 24]، وَقَوْلِهِ:{لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا * إِلا قِيلا سَلامًا سَلامًا} [الْوَاقِعَةِ: 25، 26] ، فَهُدُوْا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي يَسْمَعُونَ فِيهِ الْكَلَامَ الطَّيِّبَ، {وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا} [الْفُرْقَانِ: 75] ، لَا كَمَا يُهَانُ أَهْلُ النَّارِ بِالْكَلَامِ الَّذِي يُرَوّعون بِهِ (4) وَيُقَرَّعُونَ بِهِ، يُقَالُ لَهُمْ:{وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ}
وَقَوْلُهُ: {وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} أَيْ: إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي يَحْمَدُونَ فِيهِ رَبَّهُمْ، عَلَى مَا أَحْسَنَ إِلَيْهِمْ وَأَنْعَمَ بِهِ وَأَسْدَاهُ إِلَيْهِمْ، كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ:"إِنَّهُمْ يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ، كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ".
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْلِهِ: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} أَيِ: الْقُرْآنِ. وَقِيلَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَقِيلَ: الْأَذْكَارُ الْمَشْرُوعَةُ، {وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} أَيِ: الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ فِي الدُّنْيَا. وَكُلُّ هَذَا لَا يُنَافِي ما ذكرناه، والله أعلم.
(1) رواه مسلم في صحيحه برقم (246) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
في ف: "يرد".
(3)
الحديث في صحيح البخاري برقم (5426) وصحيح مسلم برقم (2067) من حديث حذيفة رضي الله عنه.
(4)
في ت: "يوبخون فيه"، وفي ف، أ:"يوبخون به".