الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا
(80)
وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81) } .
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ قَابُوسُ بْنُ (1) أَبِي ظَبْيَان، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ:{وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} (2) .
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: إِنَّ كُفَّارَ أَهْلِ مَكَّةَ لَمَّا ائْتَمَرُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيَقْتُلُوهُ أَوْ يَطْرُدُوهُ أَوْ يُوثِقُوهُ، وَأَرَادَ اللَّهُ قِتَالَ أَهْلِ مَكَّةَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى (3) الْمَدِينَةِ، فَهُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ عز وجل:: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ}
وَقَالَ قَتَادَةُ: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ} يَعْنِي: الْمَدِينَةَ {وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} يَعْنِي: مَكَّةَ.
وَكَذَا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ أَشْهَرُ الْأَقْوَالِ.
وَقَالَ: الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ} يَعْنِي: الْمَوْتَ {وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} يَعْنِي: الْحَيَاةَ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ.
وَقَوْلُهُ: {وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي تَفْسِيرِهَا: وَعَدَهُ رَبُّهُ لَيَنْزَعَنَّ مُلْكَ فَارِسَ، وَعِزَّ (4) فَارِسَ، وَلَيَجْعَلَنَّهُ لَهُ، وَمُلْكَ الرُّومِ، وَعِزَّ الرُّومِ، وَلَيَجْعَلَنَّهُ لَهُ.
وَقَالَ قَتَادَةُ فِيهَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، عَلِمَ أَلَّا طَاقَةَ لَهُ بِهَذَا الْأَمْرِ إِلَّا بِسُلْطَانٍ، فَسَأَلَ سُلْطَانًا نَصِيرًا لِكِتَابِ اللَّهِ، وَلِحُدُودِ اللَّهِ، وَلِفَرَائِضِ اللَّهِ، وَلِإِقَامَةِ دِينِ اللَّهِ؛ فَإِنَّ السُّلْطَانَ رَحْمَةٌ مِنَ اللَّهِ جَعَلَهُ بَيْنَ أَظْهُرِ عِبَادِهِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَغَارَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَأَكَلَ شَدِيدُهُمْ ضَعِيفَهُمْ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: {سُلْطَانًا نَصِيرًا} حُجَّةً بَيِّنَةً.
وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ قَوْلَ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ، وَهُوَ الْأَرْجَحُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مَعَ الْحَقِّ مِنْ قَهْرٍ لِمَنْ عَادَاهُ وناوأه؛ ولهذا قال [سبحانه و] (5) تَعَالَى:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ} [الْحَدِيدِ: 25] وَفِي الْحَدِيثِ: "إِنَّ اللَّهَ لَيَزَع بِالسُّلْطَانِ مَا لَا يَزَعُ بِالْقُرْآنِ" أَيْ: لَيَمْنَعُ بِالسُّلْطَانِ عَنِ ارْتِكَابِ الْفَوَاحِشِ وَالْآثَامِ، مَا لَا يَمْتَنِعُ كثيرٌ مِنَ النَّاسِ بِالْقُرْآنِ، وَمَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ الْأَكِيدِ، وَالتَّهْدِيدِ الشَّدِيدِ، وَهَذَا هُوَ الْوَاقِعُ.
وَقَوْلُهُ: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} تَهْدِيدٌ ووعيد لكفار قريش؛ فإنه قد
(1) في ف: "عن".
(2)
المسند (1/223) .
(3)
في ت: "على".
(4)
في ت: "وغير".
(5)
زيادة من ف، أ.