الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سُورَةُ
الْأَنْبِيَاءِ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَر، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ أَبِي إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ
(1)
، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَالْكَهْفُ، وَمَرْيَمُ، وَطه، وَالْأَنْبِيَاءُ، هُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي (2) .
بسم الله الرحمن الرحيم
هَذَا تَنْبِيهٌ مِنَ اللَّهِ، عز وجل، عَلَى اقْتِرَابِ السَّاعَةِ وَدُنُوِّهَا، وَأَنَّ النَّاسَ فِي غَفْلَةٍ عَنْهَا، أَيْ: لَا يَعْمَلُونَ لَهَا، وَلَا يَسْتَعِدُّونَ مِنْ أَجْلِهَا.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم {فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} قَالَ:"فِي الدُّنْيَا"(3)، وَقَالَ تَعَالَى:{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النَّحْلِ: 1]، وَقَالَ [تَعَالَى] (4) :{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [الْقَمَرِ: 1، 2]
وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ الْحَسَنِ بْنِ هَانِئٍ أَبِي نُوَاس الشَّاعِرِ أَنَّهُ قَالَ: أَشْعَرُ النَّاسِ الشَّيْخُ الطَّاهِرُ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ حَيْثُ يَقُولُ:
النَّاس فِي غَفَلاتِهِمْ
…
وَرَحا المِنيَّة تَطْحَنُ
…
فَقِيلَ لَهُ: مِنْ أَيْنَ أَخَذَ (5) هَذَا؟ قَالَ (6) : مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} (7) .
(1) في أ: "زيد".
(2)
صحيح البخاري برقم (4739) .
(3)
سنن النسائي الكبرى برقم (11332) .
(4)
زيادة من ف، أ.
(5)
في ف، أ:"أخذت".
(6)
في ف، أ:"فقال".
(7)
تاريخ دمشق (4/611 "المخطوط") .
[وَرَوَى فِي تَرْجَمَةِ "عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ"، مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ الْآمِدِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنِ أَبِيهِ، عن عامر ابن رَبِيعَةَ: أَنَّهُ نَزَلَ بِهِ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ، فَأَكْرَمَ عَامِرٌ مَثْوَاهُ، وَكَلَّمَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ: إِنِّي اسْتَقْطَعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَادِيًا فِي الْعَرَبِ، وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ أقطعَ لَكَ مِنْهُ قِطْعَةً تَكُونُ لَكَ وَلِعَقِبِكَ مِنْ بَعْدِكَ. فَقَالَ عَامِرٌ: لَا حَاجَةَ لِي فِي قَطِيعَتِكَ، نَزَلَتِ الْيَوْمَ سُورَةٌ أَذْهَلَتْنَا عَنِ الدُّنْيَا: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} ](1)(2) .
ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ لَا يُصغون إِلَى الْوَحْيِ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَالْخِطَابُ مَعَ قُرَيْشٍ وَمَنْ شَابَهَهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ، فَقَالَ:{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} أَيْ: جَدِيدٌ إِنْزَالُهُ {إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا لَكُمْ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَمَّا بِأَيْدِيهِمْ وَقَدْ حَرفوه وَبَدَّلُوهُ وَزَادُوا فِيهِ وَنَقَصُوا مِنْهُ، وَكِتَابُكُمْ أَحْدَثُ الْكُتُبِ بِاللَّهِ تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِنَحْوِهِ (3) .
وَقَوْلُهُ: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} أَيْ: قَائِلِينَ فِيمَا بَيْنَهُمْ خفْيَةً {هَلْ هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} يعنونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَسْتَبْعِدُونَ كَوْنَهُ نَبِيًّا؛ لِأَنَّهُ بَشَرٌ مِثْلُهُمْ، فَكَيْفَ اخْتُصَّ بِالْوَحْيِ دُونَهُمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ:{أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} ؟ أَيْ: أَفَتَتْبَعُونَهُ فَتَكُونُونَ كَمَنْ أَتَى (4) السِّحْرَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ سِحْرٌ. فَقَالَ تَعَالَى مُجِيبًا لَهُمْ عَمَّا افْتَرَوْهُ وَاخْتَلَقُوهُ مِنَ الْكَذِبِ.
{قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ} أَيِ: الَّذِي يَعْلَمُ ذَلِكَ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ هَذَا الْقُرْآنَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى خَبَرِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ، الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ بمثله، إلا الذي يعلم السر في السموات وَالْأَرْضِ.
وَقَوْلُهُ: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [أَيِ: السَّمِيعُ](5) لِأَقْوَالِكُمْ، {الْعَلِيم} بِأَحْوَالِكُمْ. وَفِي هَذَا تَهْدِيدٌ لَهُمْ وَوَعِيدٌ.
وَقَوْلُهُ: {بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَرَاهُ} هَذَا إِخْبَارٌ عَنْ تَعَنُّتِ الْكُفَّارِ وَإِلْحَادِهِمْ، وَاخْتِلَافِهِمْ فِيمَا يَصِفُونَ بِهِ (6) الْقُرْآنَ، وَحَيْرَتِهِمْ فِيهِ، وَضَلَالِهِمْ عَنْهُ. فَتَارَةً يَجْعَلُونَهُ سِحْرًا، وَتَارَةً يَجْعَلُونَهُ شِعْرًا، وَتَارَةً يَجْعَلُونَهُ أَضْغَاثَ أَحْلَامٍ، وَتَارَةً يَجْعَلُونَهُ مُفْتَرًى، كَمَا قَالَ:{انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا} [الْإِسْرَاءِ: 48، وَالْفُرْقَانِ: 9] .
وَقَوْلُهُ: {فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأوَّلُونَ} : يَعْنُونَ نَاقَةَ صَالِحٍ، وَآيَاتِ مُوسَى وَعِيسَى. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا} [الْآيَةَ](7)[الْإِسْرَاءِ: 59] ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ} أَيْ: مَا آتَيْنَا قَرْيَةً مِنَ الْقُرَى الَّذِينَ بُعِثَ فِيهِمْ الرُّسُلُ آيَةً عَلَى يَدَيْ نَبِيِّهَا فَآمَنُوا بِهَا، بَلْ كَذَّبُوا، فأهلكناهم
(1) زيادة من ف، أ.
(2)
تاريخ دمشق (8/680 "المخطوط") .
(3)
صحيح البخاري برقم (7522) .
(4)
في أ: "يأتي".
(5)
زيادة من ف، أ.
(6)
في ف، أ:" فيه".
(7)
زيادة من ف.