الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورٍ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ الْفَضْلِ عَنْهُ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ:{جَبَّارًا عَصِيًّا} ، قَالَ: كَانَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ يَذْكُرُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ أَحَدٍ يَلْقَى اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا ذَا ذَنْبٍ، إِلَّا يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا". قَالَ قَتَادَةُ: مَا أَذْنَبَ وَلَا هَمَّ بِامْرَأَةٍ، مُرْسَلٌ (1)
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، حَدَّثَنِي ابْنُ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (2) :"كُلُّ بَنِي آدَمَ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُ ذَنْبٌ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا"(3) ابْنُ إِسْحَاقَ هَذَا مُدَلِّسٌ، وَقَدْ عَنْعَنَ هَذَا الْحَدِيثَ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ، أَخْبَرَنَا عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْران، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ وَلَدِ آدَمَ إِلَّا وَقَدْ أَخْطَأَ، أَوْ همَّ بِخَطِيئَةٍ، لَيْسَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا، وَمَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى"(4)
وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنُ جُدْعَانَ لَهُ مُنْكَرَاتٌ كَثِيرَةٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبة، عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ حسن قَالَ: إِنَّ يَحْيَى وَعِيسَى، عليهما السلام، الْتَقَيَا، فَقَالَ لَهُ عِيسَى: اسْتَغْفِرْ لِي، أَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي، فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ: اسْتَغْفِرْ لِي فَأَنْتَ (5) خَيْرٌ مِنِّي. فَقَالَ لَهُ عِيسَى: أَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي، سَلَّمتُ عَلَى نَفْسِي، وَسَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ، فَعرُف وَاللَّهِ فَضْلُهُمَا.
{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا
(16)
فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21) } .
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى قِصَّةَ زَكَرِيَّا، عليه السلام، وَأَنَّهُ أَوْجَدَ مِنْهُ، فِي حَالِ كِبَرِهِ وَعُقْمِ زَوْجَتِهِ، وَلَدًا زَكِيًّا طَاهِرًا مُبَارَكًا -عَطَفَ بِذِكْرِ قِصَّةِ مَرْيَمَ فِي إِيجَادِهِ وَلَدَهَا عِيسَى، عَلَيْهِمَا (6) السَّلَامُ، مِنْهَا مِنْ غَيْرِ أَبٍ، فَإِنَّ بَيْنَ الْقِصَّتَيْنِ مُنَاسَبَةً وَمُشَابَهَةً (7) ؛ وَلِهَذَا ذَكَرَهُمَا فِي آلِ عِمْرَانَ وَهَاهُنَا وَفِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ، يُقْرِنُ بَيْنَ الْقِصَّتَيْنِ لِتَقَارُبِ مَا بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى، لِيَدُلَّ عِبَادَهُ عَلَى قُدْرَتِهِ وعظمة سلطانه، وأنه على ما يشاء
(1) تفسير عبد الرزاق (2/7) .
(2)
في ت: "أنه قال".
(3)
رواه الطبري في تفسيره (16/44) والحاكم في المستدرك (2/373) من طريق محمد بن إسحاق به، وقال الحاكم:"هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يخرجاه" ووفقه الذهبي، ورجح أبو حاتم وقفه، وقال لابنه:"لا يرفعون هذا الحديث".
(4)
المسند (1/254) .
(5)
في أ: "أنت".
(6)
في ف، أ:"عليه".
(7)
في أ: "ومتشابهة".
قَادِرٌ (1)، فَقَالَ:{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} وَهِيَ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، مِنْ سُلَالَةِ دَاوُدَ، عليه السلام، وَكَانَتْ مِنْ بَيْتٍ طَاهِرٍ طَيِّبٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى قِصَّةَ وِلَادَةِ أُمِّهَا لَهَا فِي "آلِ عِمْرَانَ"، وَأَنَّهَا نَذَرَتْهَا مُحَرَّرَةً، أَيْ: تَخْدُمُ (2) مَسْجِدَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَكَانُوا يَتَقَرَّبُونَ بِذَلِكَ، {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا} [آلِ عِمْرَانَ: 37] وَنَشَأَتْ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ نَشْأَةً عَظِيمَةً، فَكَانَتْ (3) إِحْدَى الْعَابِدَاتِ النَّاسِكَاتِ الْمَشْهُورَاتِ بِالْعِبَادَةِ الْعَظِيمَةِ (4) وَالتَّبَتُّلِ وَالدُّءُوبِ، وَكَانَتْ فِي كَفَالَةِ زَوْجِ أُخْتِهَا -وَقِيلَ: خَالَتِهَا-زَكَرِيَّا نَبِيِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ ذَاكَ وَعَظِيمِهِمُ، الَّذِي يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ فِي دِينِهِمْ. وَرَأَى لَهَا زَكَرِيَّا مِنَ الْكَرَامَاتِ الْهَائِلَةِ مَا بَهَرَهُ {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آلِ عِمْرَانَ: 37] فَذُكِرَ أَنَّهُ كَانَ يَجِدُ عِنْدَهَا ثَمَرَ (5) الشِّتَاءِ فِي الصَّيْفِ وَثَمَرَ (6) الصَّيْفِ فِي الشِّتَاءِ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي "آلِ عِمْرَانَ". فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى -وَلَهُ الْحِكْمَةُ وَالْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ-أَنْ يُوجد مِنْهَا عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ عِيسَى عليه السلام، أَحَدَ الرُّسُلِ أُولِي الْعَزْمِ الْخَمْسَةِ الْعِظَامِ، {انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا} أَيِ: اعْتَزَلَتْهُمْ وَتَنَحَّتْ عَنْهُمْ، وَذَهَبَتْ إِلَى شَرْقِ الْمَسْجِدِ الْمُقَدَّسِ.
قَالَ السُّدِّيُّ: لِحَيْضٍ أَصَابَهَا. وَقِيلَ لِغَيْرِ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو كُدَيْنَة، عَنْ قَابُوسُ بْنُ أَبِي ظِبْيان، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ إِلَى الْبَيْتِ وَالْحَجُّ إِلَيْهِ، وَمَا صَرَفَهُمْ عَنْهُ إِلَّا قِيلُ رَبِّكَ:{انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا} قَالَ: خَرَجَتْ مَرْيَمُ مَكَانًا شَرْقِيًّا، فَصَلُّوا قِبَلَ مَطْلِعِ الشَّمْسِ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنِّي لَأَعْلَمُ خَلْقِ اللَّهِ لِأَيِّ شَيْءٍ اتَّخَذَتِ النَّصَارَى الْمَشْرِقَ قِبْلَةً؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (7){انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا} وَاتَّخَذُوا (8) مِيلَادَ عِيسَى قِبْلَةً (9)
وَقَالَ قَتَادَةُ: {مَكَانًا شَرْقِيًّا} شَاسِعًا مُتَنَحِّيًا.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: ذَهَبَتْ بِقُلَّتِهَا تَسْتَقِي [مِنَ](10) الْمَاءِ.
وَقَالَ نَوْف البِكَالي: اتَّخَذَتْ لَهَا مَنْزِلًا تَتَعَبَّدُ فِيهِ. فَاللَّهُ (11) أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: {فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا} أَيِ: اسْتَتَرَتْ مِنْهُمْ وَتَوَارَتْ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهَا جِبْرِيلَ عليه السلام {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} أَيْ: عَلَى صُورَةِ إِنْسَانٍ تَامٍّ كَامِلٍ.
قَالَ مُجَاهِدٌ، وَالضَّحَّاكُ، وقَتَادَةُ، وَابْنُ جُرَيْج (12) وَوَهْبُ بْنُ مُنَبِّه، والسُّدِّي، فِي قَوْلِهِ:{فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} يعني: جبريل، عليه السلام.
(1) في ت، أ:"قدير".
(2)
في أ: "لخدمة".
(3)
في ت: "وكانت".
(4)
في ت: "والعظمة".
(5)
في أ: "ثمرة".
(6)
في أ: "ثمرة".
(7)
في ت: "لقول الله عز وجل"، وفي ف:"لقوله".
(8)
في أ: "فاتخذوا".
(9)
تفسير الطبري (16/45) .
(10)
زيادة من ت، ف، أ.
(11)
في ت: "والله".
(12)
في ت: "وابن جرير".
وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ هُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ تَعَالَى قَدْ قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [الشُّعَرَاءِ: 193، 194] .
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ (1) ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: إِنَّ رُوحَ عِيسَى، عليه السلام، مِنْ جُمْلَةِ الْأَرْوَاحِ الَّتِي أُخِذَ عَلَيْهَا الْعَهْدُ فِي زَمَانِ آدَمَ، وَهُوَ الَّذِي تَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا، أَيْ: رُوحُ عِيسَى، فَحَمَلَتِ الَّذِي خَاطَبَهَا وَحَلَّ فِي فِيهَا.
وَهَذَا فِي غَايَةِ الْغَرَابَةِ وَالنَّكَارَةِ، وَكَأَنَّهُ إِسْرَائِيلِيٌّ.
{قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا} أَيْ: لَمَّا تَبَدى لَهَا الْمَلَكُ فِي صُورَةِ بَشَرٍ، وَهِيَ (2) فِي مَكَانٍ مُنْفَرِدٍ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ قَوْمِهَا حِجَابٌ، خَافَتْهُ وَظَنَّتْ أَنَّهُ يُرِيدُهَا عَلَى نَفْسِهَا، فَقَالَتْ:{إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا} أَيْ: إِنْ كُنْتَ تَخَافُ اللَّهَ. تَذْكِيرٌ (3) لَهُ بِاللَّهِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْرُوعُ فِي الدَّفْعِ أَنْ يَكُونَ بِالْأَسْهَلِ فَالْأَسْهَلِ، فَخَوَّفَتْهُ أَوَّلًا بِاللَّهِ، عز وجل.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي أَبُو كُرَيْب، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ عَاصِمٍ قَالَ: قَالَ أَبُو وَائِلٍ -وَذَكَرَ قِصَّةَ مَرْيَمَ-فَقَالَ: قَدْ عَلِمَتْ أَنَّ التَّقِيَّ ذُو نُهْيَة حِينَ قَالَتْ: {إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ} أَيْ: فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ مُجِيبًا لَهَا وَمُزِيلًا مَا (4) حَصَلَ عِنْدَهَا مِنَ الْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهَا: لَسْتُ مِمَّا تَظُنِّينَ، وَلَكِنِّي رَسُولُ رَبِّكِ، أَيْ: بَعَثَنِي إِلَيْكِ، وَيُقَالُ: إِنَّهَا لَمَّا ذَكَرَتِ الرَّحْمَنَ انْتَفَضَ جِبْرِيلُ فَرَقًا (5) وَعَادَ إِلَى هَيْئَتِهِ وَقَالَ: "إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِيَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا".
[هَكَذَا قَرَأَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ أَحَدُ مَشْهُورِي الْقُرَّاءِ. وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: {لأهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا} ](6) وَكِلَا الْقِرَاءَتَيْنِ لَهُ وَجْهٌ حَسَنٌ، وَمَعْنًى صَحِيحٌ، وَكُلٌّ تَسْتَلْزِمُ (7) الْأُخْرَى.
{قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَم أَكُ بَغِيًّا} أَيْ: فَتَعَجَّبَتْ مَرْيَمُ مِنْ هَذَا وَقَالَتْ: كَيْفَ يَكُونُ لِي غُلَامٌ؟ أَيْ: عَلَى أَيِّ صِفَةٍ يُوجَدُ هَذَا الْغُلَامُ مِنِّي، وَلَسْتُ بِذَاتِ زَوْجٍ، وَلَا يُتَصَوَّرُ مِنِّي الْفُجُورُ؛ وَلِهَذَا قَالَتْ:{وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} وَالْبَغِيُّ: هِيَ الزَّانِيَةُ؛ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ نُهِيَ عَنْ مَهْرِ الْبَغِيِّ.
{قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} أَيْ: فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ مُجِيبًا لَهَا عَمَّا سَأَلَتْ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ قَالَ: إِنَّهُ سَيُوجَدُ مِنْكِ غُلَامًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَكِ بَعْلٌ وَلَا تُوجَدُ (8) مِنْكِ فَاحِشَةٌ، فَإِنَّهُ عَلَى مَا يَشَاءُ قَادِرٌ (9) ؛ وَلِهَذَا قَالَ:{وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ} أَيْ: دَلَالَةً وَعَلَامَةً لِلنَّاسِ عَلَى قُدْرَةِ بَارِئِهِمْ وَخَالِقِهِمُ، الَّذِي نَوَّعَ (10) فِي خَلْقِهِمْ، فَخَلَقَ أَبَاهُمْ آدَمَ مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ وَلَا أُنْثَى، وَخَلَقَ حَوَّاءَ مِنْ ذَكَرٍ بِلَا أُنْثَى، وَخَلَقَ بَقِيَّةَ الذُّرِّيَّةِ مَنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، إِلَّا عِيسَى فَإِنَّهُ أَوْجَدَهُ مِنْ أُنْثَى بِلَا ذَكَرٍ، فَتَمَّتِ الْقِسْمَةُ الرُّبَاعِيَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ فَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ وَلَا رَبَّ سِوَاهُ.
وَقَوْلُهُ: {وَرَحْمَةً مِنَّا} أَيْ وَنَجْعَلُ (11) هَذَا الْغُلَامَ رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ نَبِيًّا من الأنبياء يدعو إلى عبادة
(1) في أ: "وقال أبو جعفر الرازي عن أبيه".
(2)
في ت، ف، أ:"وهو".
(3)
في أ: "تذكر".
(4)
في أ: "لما".
(5)
في ف، أ:"فزعا".
(6)
زيادة من ف، أ.
(7)
في أ: "يستلزم".
(8)
في ت، ف، أ:"ولا يوجد".
(9)
في أ: "قدير".
(10)
في ت، ف، أ:"تنوع".
(11)
في ت، ف، أ:"ويجعل".