الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ قَوِيٌّ، وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ.
وَقَالَ مَعْمَر، عَنْ قَتَادَةَ:{أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} قَالَ: عَمَلَهُ. {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} قَالَ: نُخْرِجُ ذَلِكَ الْعَمَلَ {كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا} قَالَ مَعْمَرٌ: وَتَلَا الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق: 17] يَا ابْنَ آدَمَ، بَسَطْتُ لَكَ صَحِيفَتَكَ (1) وَوَكَلَ بِكَ مَلَكَانِ كَرِيمَانِ، أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِكَ وَالْآخَرُ عَنْ يَسَارِكَ فَأَمَّا الَّذِي عَنْ يَمِينِكَ فَيَحْفَظُ حَسَنَاتِكَ، وَأَمَّا الَّذِي عَنْ يَسَارِكَ فَيَحْفَظُ سَيِّئَاتِكَ، فَاعْمَلْ (2) مَا شِئْتَ، أَقْلِلْ أَوْ أَكْثِرْ، حَتَّى إِذَا مِتَّ طُوِيَتْ صَحِيفَتُكَ فَجُعِلَتْ فِي عُنُقِكَ مَعَكَ فِي قَبْرِكَ، حَتَّى تَخْرُجَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا تَلْقَاهُ مَنْشُورًا {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} قَدْ عَدَلَ -وَاللَّهِ (3) -عَلَيْكَ مَنْ جَعَلَكَ حَسِيبَ نَفْسِكَ.
هَذَا مِنْ حُسْنِ (4) كَلَامِ الْحَسَنِ، رحمه الله.
{مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا
(15) }
يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّ مَنِ اهْتَدَى وَاتَّبَعَ الْحَقَّ وَاقْتَفَى آثَارَ النُّبُوَّةِ، فَإِنَّمَا يُحَصِّلُ عَاقِبَةَ ذَلِكَ الْحَمِيدَةَ (5) لِنَفْسِهِ {وَمَنْ ضَلَّ} أَيْ: عَنِ الْحَقِّ، وَزَاغَ عَنْ سَبِيلِ الرَّشَادِ، فَإِنَّمَا يَجْنِي عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَعُودُ وَبَالُ ذَلِكَ عَلَيْهِ.
ثُمَّ قَالَ: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} أَيْ: لَا يَحْمِلُ أَحَدٌ ذَنْبَ أَحَدٍ، وَلَا يَجْنِي جانٍ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ} [فَاطِرٍ: 18] .
وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} [الْعَنْكَبُوتِ: 13]، وَقَوْلُهُ [تَعَالَى] (6) {وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [النَّحْلِ: 25] ، فَإِنَّ الدُّعَاةَ عَلَيْهِمْ إِثْمُ ضَلَالِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَإِثْمٌ آخَرُ بِسَبَبِ مَا أَضَلُّوا مَنْ أَضَلُّوا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْقَصَ مِنْ أَوْزَارِ أُولَئِكَ، وَلَا يَحْمِلُوا عَنْهُمْ شَيْئًا. وَهَذَا مِنْ عَدْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ بِعِبَادِهِ.
وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} إِخْبَارٌ عَنْ عَدْلِهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا إِلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ بِإِرْسَالِ الرَّسُولِ إِلَيْهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نزلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ} [الْمُلْكِ: 8، 9]، وَكَذَا قَوْلُهُ [تَعَالَى] (7) :{وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [الزُّمَرِ: 71]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر: 37]
(1) في ت، ف، أ:"صحيفة".
(2)
في ت، ف، أ:"فاملك".
(3)
في ت، ف، أ:"الله".
(4)
في ف: "أحسن".
(5)
في ف: "الحمد".
(6)
زيادة من ت.
(7)
زيادة من ت.
إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُدْخِلُ أَحَدًا النَّارَ إِلَّا بَعْدَ إِرْسَالِ الرَّسُولِ إِلَيْهِ، وَمِنْ ثَمَّ طَعَنَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي اللَّفْظَةِ الَّتِي جَاءَتْ مُقْحِمَةً فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الْأَعْرَافِ: 56] .
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَان، عَنِ الْأَعْرَجِ بِإِسْنَادِهِ إِلَى (1) أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"اخْتَصَمَتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ" فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: "وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَلَا يَظْلِمُ اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا، وَأَنَّهُ يُنْشِئُ لِلنَّارِ خَلْقًا فَيُلْقَوْنَ فِيهَا، فَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ (2) ثَلَاثًا، وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ (3) .
فَإِنَّ هَذَا إِنَّمَا جَاءَ فِي الْجَنَّةِ لِأَنَّهَا دَارُ فَضْلٍ، وَأَمَّا النَّارُ فَإِنَّهَا دَارُ عَدْلٍ، لَا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ إِلَّا بَعْدَ الْإِعْذَارِ إِلَيْهِ وَقِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ. وَقَدْ تَكَلَّمَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ (4) وَقَالُوا: لَعَلَّهُ انْقَلَبَ عَلَى الرَّاوِي بِدَلِيلِ مَا أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ (5) عَنْ مَعْمَر، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (6) صلى الله عليه وسلم: "تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ" فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: "فَأَمَّا النَّارُ فَلَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ فِيهَا قَدَمَهُ، فَتَقُولَ: قَطٍ، قَطٍ، فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيَزْوِي (7) بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَلَا يَظْلِمُ اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا، وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَيُنْشِئُ اللَّهُ لَهَا خَلْقًا"(8) .
بَقِيَ هَاهُنَا مَسْأَلَةٌ قَدِ اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ (9) رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، فِيهَا (10) قَدِيمًا وَحَدِيثًا وَهِيَ: الْوِلْدَانُ الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ صِغَارٌ وَآبَاؤُهُمْ كُفَّارٌ، مَاذَا حُكْمُهُمْ؟ وَكَذَا الْمَجْنُونُ وَالْأَصَمُّ وَالشَّيْخُ الْخَرِفُ، وَمَنْ مَاتَ فِي الفَتْرة وَلَمْ تَبْلُغْهُ (11) الدَّعْوَةُ. وَقَدْ وَرَدَ فِي شَأْنِهِمْ أَحَادِيثُ أَنَا ذَاكِرُهَا لَكَ بِعَوْنِ اللَّهِ [تَعَالَى](12) وَتَوْفِيقِهِ ثُمَّ نَذْكُرُ فَصْلًا مُلَخَّصًا مِنْ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِي ذَلِكَ، وَاللَّهُ (13) الْمُسْتَعَانُ.
فَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَريع:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ [رضي الله عنه] (14) أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَرْبَعَةٌ يَحْتَجُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَصَمُّ لَا يَسْمَعُ شَيْئًا، وَرَجُلٌ أَحْمَقُ، وَرَجُلٌ هَرِمٌ، وَرَجُلٌ مَاتَ فِي فَتْرَةٍ، فَأَمَّا الْأَصَمُّ فَيَقُولُ: رَبِّ، قَدْ (15) جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَسْمَعُ شَيْئًا، وَأَمَّا الْأَحْمَقُ فَيَقُولُ: رَبِّ، قَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَالصِّبْيَانُ يَحْذِفُونِي (16) بِالْبَعْرِ، وَأَمَّا الهَرَمُ فَيَقُولُ: رَبِّ، لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَعْقِلُ شَيْئًا،
(1) في ت، ف، أ:"عن".
(2)
في ت، ف، أ:"هل من مزيد؟ ويلقون فيها فتقول: هل من مزيد".
(3)
صحيح البخاري برقم (7449)
(4)
في ت: "الفظلة" وهو خطأ.
(5)
في ت: "وعبد الرزاق".
(6)
في ف: "قال رسول الله".
(7)
في ف: "وينزوي".
(8)
صحيح البخاري برقم (4850) وصحيح مسلم برقم (2846) .
(9)
في أ: "العلماء".
(10)
في ف: "اختلف العلماء فيها".
(11)
في ت: "ومن لم تبلغه".
(12)
زيادة من ت، ف.
(13)
في ت، ف، أ:"وبالله".
(14)
زيادة من ف، أ.
(15)
في ف: "لقد".
(16)
في ت: "يقذفوني".
وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ فَيَقُولُ: رَبِّ، مَا أَتَانِي لَكَ رَسُولٌ. فَيَأْخُذُ مَوَاثِيقَهُمْ ليُطِعنّه (1) فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنِ ادْخُلُوا النَّارَ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ دَخَلُوهَا لَكَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلَامًا" (2) .
وَبِالْإِسْنَادِ عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ:"مَنْ (3) دَخَلَهَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا، وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْهَا يُسْحَبُ إِلَيْهَا"(4) .
وَكَذَا رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِقَادِ، مِنْ حَدِيثِ حَنْبَلِ (5) بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيِّ، بِهِ (6) وَقَالَ: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَكَذَا رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ يُدْلِي عَلَى اللَّهِ بِحُجَّةٍ" فَذَكَرَ نَحْوَهْ (7) .
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، مِنْ حَدِيثِ مَعْمَر، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَذَكَرَهُ مَوْقُوفًا، ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} (8) .
وَكَذَا رَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:
قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبَانٍ (9) قَالَ: قُلْنَا لِأَنَسٍ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، مَا تَقُولُ فِي أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَمْ يَكُنْ لَهُمْ سَيِّئَاتٌ فَيُعَذَّبُوا (10) بِهَا فَيَكُونُوا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَسَنَاتٌ فَيُجَازُوا بِهَا فَيَكُونُوا مَنْ مُلُوكِ أَهْلِ الْجَنَّةِ هُمْ مَنْ خَدَمِ أَهْلِ الْجَنَّةِ"(11) .
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: عَنْ أَنَسٍ أَيْضًا:
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْث، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يُؤْتَى بِأَرْبَعَةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: بِالْمَوْلُودِ، وَالْمَعْتُوهِ، وَمَنْ مَاتَ فِي الفَتْرَة، وَالشَّيْخِ الْفَانِي الْهَرِمِ، كُلُّهُمْ يَتَكَلَّمُ بِحُجَّتِهِ، فَيَقُولُ الرَّبُّ تبارك وتعالى لِعُنُقٍ مِنَ النَّارِ: ابْرُزْ. وَيَقُولُ لَهُمْ: إِنِّي كُنْتُ أَبْعَثُ إِلَى عِبَادِي رُسُلًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَإِنِّي رَسُولُ نَفْسِي إِلَيْكُمُ ادْخُلُوا هَذِهِ. قَالَ: فَيَقُولُ مَنْ كُتِبَ عَلَيْهِ الشَّقَاءُ: يَا رَبِّ، أَنَّى نَدْخُلُهَا وَمِنْهَا كُنَّا نَفِرُّ؟ قَالَ: وَمَنْ كُتِبَتْ عَلَيْهِ السَّعَادَةُ يَمْضِي فَيَقْتَحِمُ فِيهَا مُسْرِعًا، قَالَ: فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنْتُمْ لِرُسُلِي أَشَدُّ تَكْذِيبًا وَمَعْصِيَةً، فَيُدْخِلُ هؤلاء الجنة، وهؤلاء النار".
(1) في ت، ف:"لتطيعنه".
(2)
المسند (4/24) وقال الهيثمي في المجمع (7/216) : "رجاله رجال الصحيح".
(3)
في ف: "فمن".
(4)
المسند (4/24) وقال الهيثمي في المجمع (7/216) : "رجاله رجال الصحيح".
(5)
في ف، أ:"أحمد".
(6)
الاعتقاد (ص169) .
(7)
رواه ابن أبي عاصم في السنة برقم (404) من طريق الحسن بن موسى، عن حماد بن سلمة به.
(8)
تفسير الطبري (15/41) .
(9)
في ف: "زيد هو أبان".
(10)
في ت: "ليعذبوا".
(11)
رواه أبو نعيم في الحلية (6/308) من طريق سفيان الثوري، عن الربيع بن صبيح به، وضعفه الحافظ ابن حجر في الفتح (3/246) وله شواهد من حديث أبي سعيد الخدري، وسمرة بن جندب رضي الله عنهما. وكأن في متن الحديث نكاره لمخالفته ما ورد في الصحيحين أولا، ولأن الله وصف خدم أهل الجنة بالخلود فقال:(ويطوف عليهم ولدان مخلدان)[الإنسان: 19] وسيأتي تضعيف الحافظ ابن كثير له، والله تعالى أعلم.
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهَ (1) .
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، رضي الله عنه:
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ أَيْضًا: حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ.
-يَعْنِي ابْنَ دَاوُدَ-عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: سُئل رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ: "هُمْ مَعَ آبَائِهِمْ". وَسُئِلَ عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: "هُمْ مَعَ آبَائِهِمْ". فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يَعْمَلُونَ؟ قَالَ:"اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِمْ"(2) .
وَرَوَاهُ عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الْبَرَاءِ، عَنْ عَائِشَةَ، فَذَكَرَهُ (3) .
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: عَنْ ثَوْبَانَ:
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا رَيْحَانُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابة، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عظَّم شَأْنَ الْمَسْأَلَةِ، قَالَ: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، جَاءَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَحْمِلُونَ أَوْثَانَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ تُرْسِلْ إِلَيْنَا رَسُولًا وَلَمْ يَأْتِنَا لَكَ أَمْرٌ، وَلَوْ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا لَكُنَّا أَطْوَعَ عِبَادِكَ، فَيَقُولُ لَهُمْ رَبُّهُمْ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ تُطِيعُونِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَأْمُرُهُمْ (4) أَنْ يَعْمِدُوا إِلَى جَهَنَّمَ فَيَدْخُلُوهَا، فَيَنْطَلِقُونَ حَتَّى إِذَا دَنَوْا مِنْهَا وَجَدُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا، فَرَجَعُوا إِلَى رَبِّهِمْ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا -أَوْ: أَجِرْنَا-مِنْهَا، فَيَقُولُ لَهُمْ: أَلَمْ تَزْعُمُوا أَنِّي إِنْ أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ تُطِيعُونِي؟ فَيَأْخُذُ عَلَى ذَلِكَ مَوَاثِيقَهُمْ. فَيَقُولُ: اعْمَدُوا إِلَيْهَا، فَادْخُلُوهَا.
فَيَنْطَلِقُونَ حَتَّى إِذَا رَأَوْهَا فَرِقوا وَرَجَعُوا، فَقَالُوا: رَبَّنَا فَرِقنا مِنْهَا، وَلَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَدْخُلَهَا فَيَقُولُ: ادْخُلُوهَا دَاخِرِينَ". فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ دَخَلُوهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ كَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلَامًا". ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: وَمَتْنُ هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَيُّوبَ إِلَّا عَبَّادٌ، وَلَا عَنْ عَبَّادٍ إِلَّا رَيْحَانُ بْنُ سَعِيدٍ (5) .
قُلْتُ: وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي ثِقَاتِهِ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَمْ يَرْضَهُ أَبُو دَاوُدَ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: شَيْخٌ لَا بَأْسَ بِهِ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ-سَعْدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ الْخُدْرِيُّ:
قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهَلي: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْهَالِكُ فِي الْفَتْرَةِ وَالْمَعْتُوهُ والمولود: يقول الهالك
(1) مسند أبي يعلى (7/225) ومسند البزار برقم (2177)"كشف الأستار" وليث بن أبي سليم ضعيف، وعبد الوارث قال عنه البخاري:"منكر الحديث".
(2)
وذكره المؤلف في جامع المسانيد والسنن (37/87) من مسند أبي يعلى، ولم أقع عليه في المطبوع من المسند.
(3)
لم أقع على هذا الطريق، ولعلي أستدركه فيما بعد -إن شاء الله. وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ (6/84) مِنْ طَرِيقِ بهية عن عائشة نحوه.
(4)
في ت: "فأمرهم".
(5)
مسند البزار برقم (3433)"كشف الأستار".
فِي الْفَتْرَةِ: لَمْ يَأْتِنِي كِتَابٌ، وَيَقُولُ الْمَعْتُوهُ: رَبِّ، لَمْ تَجْعَلْ لِي عَقْلًا أَعْقِلُ بِهِ خَيْرًا وَلَا شَرًّا، وَيَقُولُ الْمَوْلُودُ: رَبِّ لَمْ أُدْرِكِ الْعَقْلَ فَتُرْفَعُ (1) لَهُمْ نَارٌ فَيُقَالُ لَهُمْ (2) : رِدُوهَا"، قَالَ: فَيَرِدُهَا مَنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ سَعِيدًا لَوْ أَدْرَكَ الْعَمَلَ، وَيُمْسِكُ عَنْهَا مَنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ شَقِيًّا لَوْ أَدْرَكَ الْعَمَلَ، فَيَقُولُ: إِيَّايَ عَصَيْتُمْ، فَكَيْفَ لَوْ أَنَّ رُسُلِي أَتَتْكُمْ؟ ".
وَكَذَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ هَيَّاج الْكُوفِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ (3) بْنِ مُوسَى، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، بِهِ (4) ثُمَّ قَالَ: لَا يُعْرَفُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ إِلَّا مِنْ طَرِيقِهِ، عَنْ عَطِيَّةَ عَنْهُ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ:"فَيَقُولُ اللَّهُ: إِيَّايَ عَصَيْتُمْ فَكَيْفَ بِرُسُلِي بِالْغَيْبِ؟ "
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، رضي الله عنه:
قَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّار وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ الصُّورِيُّ (5) حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ حَلْبَسٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ (6) الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنْ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْمَمْسُوخِ عَقْلًا وَبِالْهَالِكِ فِي الْفَتْرَةِ، وَبِالْهَالِكِ صَغِيرًا. فَيَقُولُ الْمَمْسُوخُ: يَا رَبِّ، لَوْ آتَيْتَنِي عَقْلًا مَا كَانَ (7) مَنْ آتَيْتُهُ عَقْلًا بِأَسْعَدَ مِنِّي -وَذَكَرَ فِي الْهَالِكِ فِي الْفَتْرَةِ وَالصَّغِيرِ نَحْوَ ذَلِكَ-فَيَقُولُ الرَّبُّ عز وجل: إِنِّي آمُرُكُمْ بِأَمْرٍ فَتُطِيعُونِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَادْخُلُوا النَّارَ -قَالَ: وَلَوْ دَخَلُوهَا مَا ضَرَّتْهُمْ-فَتَخْرُجُ عَلَيْهِمْ قَوَابِصُ، فَيَظُنُّونَ أَنَّهَا قَدْ أَهْلَكَتْ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ، فَيَرْجِعُونَ سِرَاعًا، ثُمَّ يَأْمُرُهُمُ الثَّانِيَةَ فَيَرْجِعُونَ كَذَلِكَ، فَيَقُولُ الرَّبُّ عز وجل: قَبْلَ أَنْ أَخْلُقَكُمْ عَلِمْتُ مَا أَنْتُمْ عَامِلُونَ، وَعَلَى عِلْمِي خَلَقْتُكُمْ، وَإِلَى عِلْمِي تَصِيرُونَ، ضُمِّيهِمْ، فَتَأْخُذُهُمُ النَّارُ"(8) .
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه:
قَدْ تَقَدَّمَ رِوَايَتُهُ مُنْدَرِجَةٌ مَعَ رِوَايَةِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ، رضي الله عنه:
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدانه ويُنَصِّرَانه ويُمَجِّسانه، كَمَا تُنْتِجُ (9) الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟ "(10) .
وَفِي رِوَايَةٍ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ مَنْ يَمُوتُ صَغِيرًا؟ قَالَ:"اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ"(11) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ قُرَّة، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -فِيمَا أَعْلَمُ، شَكَّ مُوسَى-قَالَ:
(1) في ف: "فرفع".
(2)
في ت: "فيقول لهم".
(3)
في ت: "عبد الله".
(4)
مسند البزار برقم (2176) وقال الهيثمي في المجمع (7/216)"فيه عطية وهو ضعيف".
(5)
في ت: "الغوري".
(6)
في ت: "عن أبي ذر".
(7)
في ت: "ما مات".
(8)
ورواه ابن عدي في الكامل (5/118) من طريق عبد الصمد بن عبد الله، عن هشام بن عمار، عن عمرو بن واقد به. وقال بعد أن ساق أحاديث عمرو بن واقد عن يونس:"كلها غير محفوظة إلا من رواية عمرو بن واقد عن يونس، عن أبي إدريس، عن معاذ ابن جبل وهو من الشاميين ممن يكتب حديثه ولا يحتج به".
(9)
في ت، ف:"تولد".
(10)
صحيح البخاري برقم (1385) وصحيح مسلم برقم (2658) .
(11)
الرواية في صحيح مسلم برقم (2658) .
"ذَرَارِيُّ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ، يَكْفُلُهُمْ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام (1) "(2) .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، عَنِ اللَّهِ، عز وجل، أَنَّهُ قَالَ:"إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ"(3) وَفِي رِوَايَةٍ لِغَيْرِهِ "مُسْلِمِينَ".
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: عَنْ سَمُرَةَ، رضي الله عنه:
رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ فِي كِتَابِهِ "الْمُسْتَخْرَجِ عَلَى الْبُخَارِيِّ" مِنْ حَدِيثِ عَوْفٍ الْأَعْرَابِيِّ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ، عَنْ سَمُرَة، رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ" فَنَادَاهُ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ:"وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ"(4) .
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الضَّبِّي، عَنْ عِيسَى بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي رَجَاء، عَنْ سَمُرَةَ قَالَ: سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: "هُمْ خَدَمُ أَهْلِ الْجَنَّةِ"(5) .
الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ: عَنْ عَمِّ حَسْنَاءَ (6) .
قَالَ [الْإِمَامُ](7) أَحْمَدُ: [حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، يَعْنِي الْأَزْرَقَ](8) ، أَخْبَرَنَا رَوْح، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ حَسْنَاءَ (9) بِنْتِ مُعَاوِيَةَ مَنْ بَنِي صَرِيمٍ قَالَتْ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ فِي الْجَنَّةِ؟ قَالَ:"النَّبِيُّ فِي الْجَنَّةِ، وَالشَّهِيدُ فِي الْجَنَّةِ، وَالْمَوْلُودُ فِي الْجَنَّةِ، وَالْوَئِيدُ فِي الْجَنَّةِ"(10) .
فَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى التَّوَقُّفِ (11) فِيهِمْ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَزَمَ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، لِحَدِيثِ سَمُرَة بْنِ جُنْدُبٍ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام (12) قَالَ فِي جُمْلَةِ ذَلِكَ الْمَنَامِ، حِينَ مَرَّ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْخِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَحَوْلَهُ وِلْدَانٌ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: هَذَا إِبْرَاهِيمُ، عليه السلام، وَهَؤُلَاءِ أَوْلَادُ الْمُسْلِمِينَ وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ؟. قَالَ "نَعَمْ، وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ"(13) .
وَمِنْهُمْ مَنْ جَزَمَ لَهُمْ بِالنَّارِ، لِقَوْلِهِ عليه السلام (14) :"هُمْ مَعَ آبَائِهِمْ".
وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُمْ يُمْتَحَنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي العَرَصَات، فَمَنْ أَطَاعَ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَانْكَشَفَ عِلْمُ اللَّهِ فِيهِمْ بِسَابِقِ السَّعَادَةِ، وَمَنْ عَصَى دَخَلَ النَّارَ دَاخِرًا، وانكشف علم الله فيه بسابق (15) الشقاوة.
(1) في ت: "عليه الصلاة والسلام".
(2)
المسند (2/326) وقال الهيثمي في المجمع (7/219) : "فيه عبد الرحمن بن ثابت وثقه ابن المديني وجماعة، وضعفه ابن معين وغيره، وبقية رجاله ثقات".
(3)
صحيح مسلم برقم (2865) .
(4)
أصله في صحيح البخاري برقم (7047) من طريق عوف به نحوه.
(5)
المعجم الكبير (7/244) وقال الهيثمي في المجمع (7/219) : "وفيه عبادة بن منصور وثقة يحيى القطان وفيه ضعف".
(6)
في ت، ف، أ:"خنساء".
(7)
زيادة من ت، أ.
(8)
زيادة من ف، أ، والمسند.
(9)
في ت، ف، أ:"خنساء".
(10)
المسند (5/58) وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (3/246) : "إسناده حسن".
(11)
في ت، ف، أ:"الوقف".
(12)
في ف، أ:"صلى الله عليه وسلم".
(13)
صحيح البخاري برقم (7047) .
(14)
في ت: "عليه الصلاة والسلام"، وفي ف، أ:"صلى الله عليه وسلم".
(15)
في ت، ف، أ:"بتقدم".
وَهَذَا الْقَوْلُ يَجْمَعُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ كُلِّهَا، وَقَدْ صَرَّحَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الْمُتَقَدِّمَةُ الْمُتَعَاضِدَةُ الشَّاهِدُ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَشْعَرِيُّ، رحمه الله، عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَهُوَ الَّذِي نَصَرَهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي "كِتَابِ الِاعْتِقَادِ" وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ مُحَقِّقِي الْعُلَمَاءِ وَالْحُفَّاظِ النُّقَّادِ.
وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ النَّمَري بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَحَادِيثِ الِامْتِحَانِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَحَادِيثُ هَذَا الْبَابِ لَيْسَتْ قَوِيَّةً، وَلَا تَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ وَأَهْلُ الْعِلْمِ يُنْكِرُونَهَا؛ لِأَنَّ الْآخِرَةَ دَارُ جَزَاءٍ وَلَيْسَتْ دَارَ عَمَلٍ وَلَا ابْتِلَاءٍ، فَكَيْفَ يُكَلَّفُونَ دُخُولَ النَّارِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي وُسْعِ الْمَخْلُوقِينَ، وَاللَّهُ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا؟!
وَالْجَوَابُ عَمَّا قَالَ: أَنَّ أَحَادِيثَ هَذَا الْبَابِ مِنْهَا مَا هُوَ صَحِيحٌ، كَمَا قَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ حَسَنٌ، وَمِنْهَا مَا هُوَ ضَعِيفٌ يَقْوَى (1) بِالصَّحِيحِ وَالْحَسَنِ. وَإِذَا كَانَتْ أَحَادِيثُ الْبَابِ الْوَاحِدِ مُتَعَاضِدَةً عَلَى هَذَا النَّمَطِ، أَفَادَتِ الْحُجَّةَ عِنْدَ النَّاظِرِ فِيهَا، وَأَمَّا قَوْلُهُ:"إِنَّ الْآخِرَةَ دَارُ جَزَاءٍ". فَلَا شَكَّ أَنَّهَا دَارُ جَزَاءٍ، وَلَا يُنَافِي التَّكْلِيفَ فِي عَرَصَاتِهَا قَبْلَ دُخُولِ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ، كَمَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، مِنَ امْتِحَانِ الْأَطْفَالِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ} [ن: 42] وَقَدْ ثَبَتَتِ السُّنَّةُ فِي الصِّحَاحِ (2) وَغَيْرِهَا: أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَسْجُدُونَ لِلَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَمَّا الْمُنَافِقُ فَلَا يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ وَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا كُلَّمَا أَرَادَ السُّجُودَ (3) خَرَّ لِقَفَاهُ (4) .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ فِي الرَّجُلِ الَّذِي يَكُونُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا أَنَّ اللَّهَ يَأْخُذُ عُهُودَهُ وَمَوَاثِيقَهُ أَلَّا يَسْأَلَ غَيْرَ مَا هُوَ فِيهِ، وَيَتَكَرَّرُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ، مَا أَغْدَرَكَ! ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ (5) .
وَأَمَّا قَوْلُهُ: "وَكَيْفَ يُكَلِّفُهُمْ (6) دُخُولَ النَّارَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي وُسْعِهِمْ؟ " فَلَيْسَ هَذَا بِمَانِعٍ مِنْ صِحَّةِ الْحَدِيثِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ الْعِبَادَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْجَوَازِ عَلَى الصِّرَاطِ، وَهُوَ جِسْرٌ عَلَى جَهَنَّمَ أَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ وَأَدَقُّ مِنَ الشَّعْرَةِ، وَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ عَلَيْهِ بِحَسْبِ أَعْمَالِهِمْ، كَالْبَرْقِ، وَكَالرِّيحِ، وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، وَمِنْهُمُ السَّاعِي وَمِنْهُمُ الْمَاشِي، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْبُو حَبْوًا، وَمِنْهُمُ الْمَكْدُوشُ عَلَى وَجْهِهِ فِي النَّارِ، وَلَيْسَ مَا وَرَدَ فِي أُولَئِكَ بِأَعْظَمَ مِنْ هَذَا بَلْ هَذَا أَطَمُّ وَأَعْظَمُ، وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَتِ السُّنَّةُ بِأَنَّ الدَّجَّالَ يَكُونُ مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ، وَقَدْ أَمَرَ الشَّارِعُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يُدْرِكُونَهُ أَنْ يَشْرَبَ أَحَدُهُمْ مِنَ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ نَارٌ، فَإِنَّهُ يَكُونُ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا، فَهَذَا نَظِيرُ ذَلِكَ، وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى [قَدْ](7) أَمَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَقْتُلُوا أَنْفُسَهُمْ، فَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى قَتَلُوا فِيمَا قِيلَ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ سَبْعِينَ أَلْفًا، يَقْتُلُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأَخَاهُ وَهُمْ فِي عَمَايَةٍ غَمَامَةٍ أَرْسَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ عُقُوبَةٌ لَهُمْ عَلَى عِبَادَتِهِمُ الْعِجْلَ، وَهَذَا أَيْضًا شَاقٌّ عَلَى النُّفُوسِ جِدًّا لَا يَتَقَاصَرُ (8) عَمَّا ورد في الحديث المذكور، والله أعلم.
(1) في ف، أ:"يتقوى".
(2)
في ت: "والصحاح".
(3)
في ف: "سجودا".
(4)
رواه البخاري في صحيحه برقم (4919) من حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رضي الله عنه.
(5)
صحيح البخاري برقم (806) وصحيح مسلم برقم (182) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.
(6)
في ت، ف:"كلفهم الله"، وفي أ:"يكفهم الله النار".
(7)
زيادة من ت، ف، أ.
(8)
في ف: "لا تتقاصر".
فَصْلٌ
فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي وِلْدَانِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ سَمُرَة أَنَّهُ، عليه السلام (1) رَأَى مَعَ إِبْرَاهِيمَ أَوْلَادَ الْمُسْلِمِينَ وَأَوْلَادَ الْمُشْرِكِينَ وَبِمَا تَقَدَّمَ فِي (2) رِوَايَةِ أَحْمَدَ عَنْ حَسْنَاءَ (3) عَنْ عَمِّهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"وَالْمَوْلُودُ فِي الْجَنَّةِ". وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ صَحِيحٌ، وَلَكِنْ أَحَادِيثُ الِامْتِحَانِ أَخَصُّ مِنْهُ. فَمَنْ عَلِمَ اللَّهُ [عز وجل](4) مِنْهُ أَنَّهُ يُطِيعُ جَعَلَ (5) رُوحَهُ فِي الْبَرْزَخِ مَعَ إِبْرَاهِيمَ وَأَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ مَاتُوا عَلَى الْفِطْرَةِ، وَمَنْ عَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُجِيبُ، فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ فِي النَّارِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ الِامْتِحَانِ، وَنَقَلَهُ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ [وَالْجَمَاعَةِ](6) ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ مَنْ يَجْعَلُهُمْ مُسْتَقِلِّينَ فِيهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُمْ خَدَمًا لَهُمْ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ (7) وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُمْ مَعَ آبَائِهِمْ فِي النَّارِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ أَبِي الْمُغِيرَةِ حَدَّثَنَا عُتْبَةُ بْنُ ضَمْرَةَ (8) بْنِ حَبِيبٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبَى قَيْسٍ مَوْلَى غُطَيْف، أَنَّهُ أَتَى عَائِشَةَ فَسَأَلَهَا عَنْ ذَرَارِيِّ الْكُفَّارِ فَقَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "هُمْ تَبَعٌ لِآبَائِهِمْ". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِلَا عَمَلٍ؟ فَقَالَ:"اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ"(9) .
وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْأَلْهَانِيِّ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي قَيْسٍ سَمِعْتُ، عَائِشَةَ تَقُولُ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَرَارِيِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ (10) : "هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ". قُلْتُ: فَذَرَارِيُّ الْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ: "هُمْ مَعَ آبَائِهِمْ" قُلْتُ: بِلَا عَمَلٍ؟ قَالَ: "اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ"(11) .
وَرَوَاهُ [الْإِمَامُ](12) أَحْمَدُ أَيْضًا، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ أَبِي عَقِيل يَحْيَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ -وَهُوَ مَتْرُوكٌ-عَنْ مَوْلَاتِهِ بُهَيَّة عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا ذَكَرْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَطْفَالَ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ:"إِنْ شِئْتِ أَسْمَعْتُكِ تَضَاغِيَهُمْ فِي النَّارِ"(13) .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلِ بْنِ (14) غَزْوَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ زَاذَانَ عَنْ عَلِيٍّ، رضي الله عنه، قَالَ: سَأَلَتْ خَدِيجَةُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ وَلَدَيْنِ لَهَا مَاتَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ: "هُمَا فِي النَّارِ". قَالَ: فَلَمَّا رَأَى الْكَرَاهِيَةَ فِي وَجْهِهَا [قَالَ](15) لَوْ رَأَيْتِ مَكَانَهُمَا لَأَبْغَضْتِهِمَا". قَالَتْ: فَوَلَدِي مِنْكَ؟ قَالَ: [قَالَ: "فِي الْجَنَّةِ". قَالَ: ثُمَّ قَالَ رَسُولُ الله
(1) في ف، أ:"صلى الله عليه وسلم".
(2)
في ت، ف:"من".
(3)
في ت، ف، أ:"خنساء".
(4)
زيادة من ف، أ.
(5)
في ت، ف، أ:"جعل الله".
(6)
زيادة من ف، أ.
(7)
سبق الحديث والكلام عليه عند هذه الآية.
(8)
في ف: "حمزة".
(9)
المسند (6/84) .
(10)
في ف، أ:"فقال".
(11)
سنن أبي داود برقم (4712) .
(12)
زيادة من ف، أ.
(13)
المسند (6/208) .
(14)
في ت: "عن".
(15)
زيادة من ف، أ، والمسند.
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (1) .
"إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَوْلَادَهُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ وَأَوْلَادَهُمْ فِي النَّارِ" ثُمَّ قَرَأَ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ [أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ] (2) } [الطُّورِ: 21](3) .
وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ؛ فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ هَذَا مَجْهُولُ الْحَالِ، وَشَيْخَهُ زَاذَانُ لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْوَائِدَةُ وَالْمَوْءُودَةُ فِي النَّارِ". ثُمَّ قَالَ الشَّعْبِيُّ: حَدَّثَنِي بِهِ عَلْقَمَةُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ (4) .
وَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عن علقمة، عن سَلَمَةَ بْنِ قَيْسٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ أَنَا وَأَخِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَا: إِنَّ أُمَّنَا مَاتَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَتْ تُقْرِي الضَّيْفَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَأَنَّهَا وَأَدَتْ أُخْتًا لَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ تَبْلُغِ الْحِنْثَ. فَقَالَ:"الْوَائِدَةُ وَالْمَوْءُودَةُ فِي النَّارِ، إِلَّا أَنْ تُدْرِكَ الْوَائِدَةُ الْإِسْلَامَ، فَتُسْلِمَ". وَهَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ (5) .
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: التَّوَقُّفُ فِيهِمْ، وَاعْتَمَدُوا عَلَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:"اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ". وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي إِيَاسٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ قَالَ (6) : اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ" (7) وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: "اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ" (8) .
وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَعْرَافِ. وَهَذَا الْقَوْلُ يَرْجِعُ إِلَى قَوْلِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَعْرَافَ لَيْسَ دَارَ قَرَارٍ، وَمَآلَ أَهْلِهَا إِلَى الْجَنَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ ذَلِكَ فِي "سُورَةِ الْأَعْرَافِ"، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ
وَلْيُعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ مَخْصُوصٌ بِأَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ، فَأَمَّا وِلْدَانُ الْمُؤْمِنِينَ فَلَا خِلَافَ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ كَمَا حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى بْنُ الْفَرَّاءِ الْحَنْبَلِيُّ، عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُخْتَلَفُ فِيهِمْ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ بَيْنَ النَّاسِ، وَهُوَ الَّذِي نَقْطَعُ (9) بِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، عز وجل. فَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ: أَنَّهُمْ تَوَقَّفُوا فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ الولدان كلهم تحت شيئة (10) اللَّهِ، عز وجل (11) . قَالَ أَبُو عُمَرَ: ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ والحديث
(1) زيادة من ف، أ
(2)
زيادة من ف، أ.
(3)
زوائد المسند (1/134) .
(4)
سنن أبي داود برقم (4717) .
(5)
أخرجه أحمد في مسنده (3/478) من طريق ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هند به.
(6)
في ت، ف:"فقال".
(7)
صحيح البخاري برقم (1383) وصحيح مسلم برقم (2660) .
(8)
صحيح البخاري برقم (1384) وصحيح مسلم برقم (2659)
(9)
في ف: "يقطع".
(10)
في ت، ف، أ:"مشيئة".
(11)
في أ: "تعالى".