الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ
(15) }
{وَكَذَلِكَ أَنزلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ
(16) }
.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ} أَيْ: بِحَبْلٍ {إِلَى السَّمَاءِ} أَيْ: سَمَاءِ بَيْتِهِ، {ثُمَّ ليَقْطَعْ} يَقُولُ: ثُمَّ لِيَخْتَنِقْ بِهِ. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَعَطَاءٌ، وَأَبُو الْجَوْزَاءِ، وَقَتَادَةُ، وَغَيْرُهُمْ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: {فَلْيَمْدُدْ (1) بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} أَيْ: لِيَتَوَصَّلْ إِلَى بُلُوغِ السَّمَاءِ، فَإِنَّ النَّصْرَ إِنَّمَا يَأْتِي مُحَمَّدًا مِنَ السَّمَاءِ، {ثُمَّ لِيَقْطَعْ} ذَلِكَ عَنْهُ، إِنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ.
وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابِهِ أَوْلَى وَأَظْهَرُ فِي الْمَعْنَى، وَأَبْلَغُ فِي التَّهَكُّمِ؛ فَإِنَّ الْمَعْنَى: مَنْ ظَنَّ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِنَاصِرٍ مُحَمَّدًا وَكِتَابَهُ وَدِينَهُ، فَلْيَذْهَبْ فَلْيَقْتُلْ نَفْسَهُ، إِنْ كَانَ ذَلِكَ غَائِظَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرُهُ لَا مَحَالَةَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ. يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غَافِرٍ: 51، 52] ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ}
قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: مِنْ شَأْنِ مُحَمَّدٍ (2) صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: فَلْيَنْظُرْ هَلْ يَشْفِي ذَلِكَ مَا يَجِدُ فِي صَدْرِهِ مِنَ الْغَيْظِ.
وَقَوْلُهُ: {وَكَذَلِكَ أَنزلْنَاهُ} أَيِ: الْقُرْآنَ {آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} أَيْ: وَاضِحَاتٍ فِي لَفْظِهَا وَمَعْنَاهَا، حُجَّةً مِنَ اللَّهِ عَلَى النَّاسِ {وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ} أَيْ: يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ، وَلَهُ الْحِكْمَةُ التَّامَّةُ وَالْحُجَّةُ (3) الْقَاطِعَةُ فِي ذَلِكَ، {لَا (4) يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الْأَنْبِيَاءِ: 23] ، أَمَّا هُوَ فَلِحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَعَدْلِهِ، وَعِلْمِهِ وَقَهْرِهِ وَعَظَمَتِهِ، لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ.
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ أَهْلِ هَذِهِ الْأَدْيَانِ الْمُخْتَلِفَةِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَنْ سِوَاهُمْ مِنَ الْيَهُودِ وَالصَّابِئِينَ -وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ "الْبَقَرَةِ" التَّعْرِيفَ بِهِمْ، واختلافَ النَّاسِ فِيهِمْ-وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ، وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا فَعَبَدُوا غَيْرَ اللَّهِ مَعَهُ؛ فَإِنَّهُ تَعَالَى {يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} ، وَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بِالْعَدْلِ (5) ، فَيُدْخِلُ مَنْ آمَنَ بِهِ الْجَنَّةَ، وَمَنْ كَفَرَ بِهِ (6) النَّارَ، فَإِنَّهُ تَعَالَى شَهِيدٌ عَلَى أَفْعَالِهِمْ، حَفِيظٌ لِأَقْوَالِهِمْ، عليم بسرائرهم، وما تُكِن ضمائرهم.
(1) في ت: "وليمدد".
(2)
في ت: "محمدا".
(3)
في ت: "وله الحجة".
(4)
في ت: "ولا".
(5)
في ت: "بالعذاب".
(6)
في ت، أ:"إلى".