الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، وَمِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ.
قُلْتُ: وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ} [النَّمْلِ: 65] وَقَالَ: {ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً} [الْأَعْرَافِ: 187] أَيْ: ثَقُلَ عِلْمُهَا عَلَى أَهْلِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَة حَدَّثَنَا مِنْجَاب، حَدَّثَنَا أَبُو نُمَيْلة، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ الْأَسَدِيُّ، عَنْ وِقَاء قَالَ: أَقْرَأَنِيهَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ (أَكَادُ أَخْفيها)، يَعْنِي: بِنَصْبِ (1) الْأَلْفِ وَخَفْضِ الْفَاءِ، يَقُولُ: أُظْهِرُهَا، ثُمَّ [قَالَ](2) أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ (3) .
دَأبَ شَهْرَين، ثُمَّ شَهْرًا دَمِيكًا
…
بأريكَين يَخْفيان غَميرًا
…
وَقَالَ الْأَسَدِيُّ: الْغَمِيرُ: نَبْتٌ رَطْبٌ، يَنْبُتُ فِي خِلَالِ يَبَسٍ. وَالْأَرِيكِينُ: مَوْضِعٌ، وَالدَّمِيكُ: الشَّهْرُ التَّامُّ. وَهَذَا الشِّعْرُ لِكَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ.
وَقَوْلُهُ سبحانه وتعالى: {لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} أَيْ: أُقِيمُهَا لَا مَحَالَةَ، لِأَجْزِيَ كُلَّ عَامِلٍ بِعَمَلِهِ، {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزَّلْزَلَةِ: 7، 8] وَ {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطُّورِ: 16] .
وَقَوْلُهُ: {فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى} الْمُرَادُ بِهَذَا الْخِطَابِ آحَادُ الْمُكَلَّفِينَ، أَيْ: لَا تَتَّبِعُوا [سَبِيلَ](4) مَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ، وَأَقْبَلَ عَلَى مَلَاذِّهِ فِي دُنْيَاهُ، وَعَصَى مَوْلَاهُ، وَاتَّبَعَ هَوَاهُ، فَمَنْ وَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ {فَتَرْدَى} أَيْ: تَهْلَكُ وَتَعْطَبُ (5) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} [اللَّيْلِ: 11] .
{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى
(17)
قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18) قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأولَى (21) } .
هَذَا بُرْهَانٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِمُوسَى، عليه السلام، وَمُعْجِزَةٌ عَظِيمَةٌ، وَخَرْقٌ لِلْعَادَةِ بَاهِرٌ، دَالٌّ (6) عَلَى أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِ هَذَا إِلَّا اللَّهُ عز وجل، وَأَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهِ إِلَّا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَقَوْلُهُ:{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّمَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْإِينَاسِ له. وقيل: إنما قال له
(1) في أ: "ونصب".
(2)
زيادة من ف.
(3)
هو كعب بن زهير، والبيت في ديوانه (ص174) أ. هـ مستفادا من حاشية الشعب.
(4)
زيادة من ف، أ.
(5)
في ف، أ:"وتردى أي هلك وعطب" وفي أ: "ردى".
(6)
في ف، أ:"باهرة دالة".
ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّقْرِيرِ، أَيْ: أَمَّا هَذِهِ الَّتِي فِي يَمِينِكَ عَصَاكَ الَّتِي تَعْرِفُهَا، فَسَتَرَى مَا نَصْنَعُ بِهَا الْآنَ، {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} اسْتِفْهَامُ تَقْرِيرٍ.
{قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا} أَيْ: أَعْتَمِدُ عَلَيْهَا فِي حَالِ الْمَشْيِ {وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي} أَيْ: أَهُزُّ بِهَا الشَّجَرَةَ لِيَسْقُطَ وَرَقُهَا، لِتَرْعَاهُ غَنَمِي.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ: عَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ: وَالْهَشُّ: أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ المحْجَن فِي الْغُصْنِ، ثُمَّ يُحَرِّكُهُ حَتَّى يُسْقِطَ وَرَقَهُ وثَمَره، وَلَا يَكْسِرُ الْعُودَ، فَهَذَا الْهَشُّ، وَلَا يَخْبِطُ. وَكَذَا قَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ أَيْضًا.
وَقَوْلُهُ: {وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} أَيْ: مَصَالِحُ وَمَنَافِعُ وَحَاجَاتٌ أُخَرُ غَيْرُ ذَلِكَ. وَقَدْ تَكَلَّفَ (1) بَعْضُهُمْ لِذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْمَآرِبِ الَّتِي أُبْهِمَتْ، فَقِيلَ: كَانَتْ تُضِيءُ لَهُ بِاللَّيْلِ، وَتَحْرُسُ لَهُ الْغَنَمَ إِذَا نَامَ، وَيَغْرِسُهَا فَتَصِيرُ شَجَرَةً تُظِلُّهُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الْخَارِقَةِ لِلْعَادَةِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ، وَلَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَمَا اسْتَنْكَرَ مُوسَى صَيْرُورَتَهَا ثُعْبَانًا، فَمَا كَانَ يَفِرُّ مِنْهَا هَارِبًا، وَلَكِنْ كُلُّ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ الْإِسْرَائِيلِيَّةِ (2) وَكَذَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ: إِنَّهَا كَانَتْ لِآدَمَ، عليه السلام. وَقَوْلُ الْآخَرِ: إِنَّهَا هِيَ الدَّابَّةُ الَّتِي تَخْرُجُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ اسْمُهَا مَاشَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: { [قَالَ] (3) أَلْقِهَا يَا مُوسَى} أَيْ: هَذِهِ الْعَصَا الَّتِي فِي يَدِكَ يَا مُوسَى، أَلْقِهَا {فَأَلْقَاهَا (4) فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى} أَيْ: صَارَتْ فِي الْحَالِ حَيَّة عَظِيمَةً، ثُعْبَانًا طَوِيلًا يَتَحَرَّكُ حَرَكَةً سَرِيعَةً، فَإِذَا هِيَ تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ، وَهُوَ (5) أَسْرَعُ الْحَيَّاتِ حَرَكَةً، وَلَكِنَّهُ صَغِيرٌ، فَهَذِهِ فِي غَايَةِ الْكُبْرِ، وَفِي غَايَةِ سُرْعَةِ الْحَرَكَةِ، {تَسْعَى} أَيْ: تَمْشِي وَتَضْطَرِبُ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَة، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ جُمَيْع، حَدَّثَنَا سِمَاك، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ [ابْنِ عَبَّاسٍ](6){فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى} وَلَمْ تَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ حَيَّةً، فَمَرَّتْ بِشَجَرَةٍ فَأَكَلَتْهَا، وَمَرَّتْ بِصَخْرَةٍ فَابْتَلَعَتْهَا، فَجَعَلَ مُوسَى يَسْمَعُ وَقْعَ الصَّخْرَةِ فِي جَوْفِهَا، فَوَلَّى مُدْبِرًا، فَنُودِيَ أَنْ: يَا مُوسَى، خُذْهَا. فَلَمْ يَأْخُذْهَا، ثُمَّ نُودِيَ الثَّانِيَةَ أَنْ: خُذْهَا وَلَا تَخَفْ. فَقِيلَ لَهُ فِي الثَّالِثَةِ: إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ. فَأَخَذَهَا.
وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبّه فِي قَوْلِهِ: {فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى} قَالَ: فَأَلْقَاهَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، ثُمَّ حَانَتْ نَظْرَةٌ فَإِذَا بِأَعْظَمِ (7) ثُعْبَانٍ نَظَرَ إِلَيْهِ النَّاظِرُونَ، فَدَبّ يَلْتَمِسُ كَأَنَّهُ يَبْتَغِي شَيْئًا يُرِيدُ أخْذَه، يَمُرُّ بِالصَّخْرَةِ مِثْلَ الخَلِفَة مِنَ الْإِبِلِ فَيَلْتَقِمُهَا، وَيَطْعَنُ بِالنَّابِ مِنْ أَنْيَابِهِ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ الْعَظِيمَةِ فَيَجْتَثُّهَا، عَيْنَاهُ تُوقَدَانِ نَارًا، وَقَدْ عَادَ المحْجَن مِنْهَا عُرفًا. قِيلَ: شَعْرٌ مِثْلُ النَّيَازِكِ، وَعَادَ الشُّعْبَتَانِ مِنْهَا مِثْلَ الْقَلِيبِ الْوَاسِعِ، فِيهِ أَضْرَاسٌ وَأَنْيَابٌ، لَهَا صَرِيفٌ، فَلَمَّا عَايَنَ ذَلِكَ مُوسَى وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّب،
(1) في أ: "تكلم".
(2)
في أ: "الإسرائيليات".
(3)
زيادة من ف
(4)
في ف: "فألقيها"
(5)
في ف: "وهي".
(6)
زيادة من ف.
(7)
في ف: "بأعظم".