الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والثمار، فبين تعالى أنه أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ، وَأَنَّهُ أَنْشَأَ مِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا، ثُمَّ بَيَّنَ أَصْنَافَ الْأَنْعَامِ إِلَى غَنَمٍ وَهُوَ بَيَاضٌ وَهُوَ الضَّأْنُ، وَسَوَادٌ وَهُوَ الْمَعِزُ ذَكَرُهُ وَأُنْثَاهُ، وَإِلَى إِبِلٍ ذُكُورِهَا وَإِنَاثِهَا وَبَقَرٍ كَذَلِكَ وَأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يُحَرِّمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا شَيْئًا مِنْ أولادها، بَلْ كُلُّهَا مَخْلُوقَةٌ لِبَنِي آدَمَ أَكْلًا وَرُكُوبًا وَحَمُولَةً وَحَلْبًا وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْمَنَافِعِ، كما قال وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ [الزُّمَرِ: 6] الآية. وقوله تعالى: أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ رَدٌ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِمْ مَا فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا الآية. وقوله تعالى: نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أَيْ أَخْبِرُونِي عَنْ يَقِينٍ، كَيْفَ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مَا زَعَمْتُمْ تَحْرِيمَهُ مِنَ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَوْلُهُ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَزْوَاجٍ وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ يَقُولُ لَمْ أُحَرِّمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ يَعْنِي هل يشتمل الرَّحِمُ إِلَّا عَلَى ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، فَلِمَ تُحَرِّمُونَ بَعْضًا وَتُحِلُّونَ بَعْضًا؟ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ يقول تعالى كله حلال.
وقوله تعالى: أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا تَهَكُّمٌ بِهِمْ فِيمَا ابْتَدَعُوهُ وَافْتَرَوْهُ عَلَى اللَّهِ مِنْ تَحْرِيمِ مَا حَرَّمُوهُ مِنْ ذَلِكَ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَيْ لَا أَحَدَ أَظْلَمُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ وَأَوَّلُ مَنْ دَخَلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَمْرُو بن لحي بن قمعة، لأنه أَوَّلُ مَنْ غَيَّرَ دِينَ الْأَنْبِيَاءِ وَأَوَّلُ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ وَوَصَلَ الْوَصِيلَةَ وَحَمَى الْحَامِيَ، كَمَا ثبت ذلك في الصحيح.
[سورة الأنعام (6) : آية 145]
قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145)
يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم قُلْ يا محمد لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ حَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ، لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ أَيْ آكُلٍ يَأْكُلُهُ قِيلَ مَعْنَاهُ لَا أَجِدُ شَيْئًا مِمَّا حَرَّمْتُمْ حَرَامًا سِوَى هَذِهِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا أَجِدُ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ شَيْئًا حَرَامًا سِوَى هَذِهِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَا وَرَدَ مِنَ التَّحْرِيمَاتِ بَعْدَ هَذَا فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ وَفِي الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ رَافِعًا لِمَفْهُومِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَمِنَ النَّاسِ من يسمي هذا نَسْخًا وَالْأَكْثَرُونَ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يُسَمُّونَهُ نَسْخًا لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ رَفْعِ مُبَاحِ الْأَصْلِ وَاللَّهُ أعلم.
وقال الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَوْ دَماً مَسْفُوحاً يعني المهراق. وقال عِكْرِمَةُ فِي قَوْلِهِ أَوْ دَماً مَسْفُوحاً لَوْلَا هَذِهِ الْآيَةُ لَتَتَبَّعَ النَّاسُ مَا فِي الْعُرُوقِ كَمَا تَتَبَّعَهُ الْيَهُودُ، وَقَالَ حَمَّادٌ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا مِجْلَزٍ عَنِ الدم، وما يتلطخ من الذبيح مِنَ الرَّأْسِ وَعَنِ الْقِدْرِ
يُرَى فِيهَا الْحُمْرَةُ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا نَهَى اللَّهُ عَنِ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: حُرِّمَ مِنَ الدماء ما كان مسفوحا، فأما اللحم خالطه الدم فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّهَا كَانَتْ لَا تَرَى بِلُحُومِ السِّبَاعِ بَأْسًا، وَالْحُمْرَةِ وَالدَّمِ يَكُونَانِ عَلَى الْقِدْرِ بَأْسًا، وَقَرَأَتْ هَذِهِ الْآيَةَ «1» ، صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: إِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ زَمَنَ خَيْبَرٍ، فَقَالَ قَدْ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ الْحَكَمُ بْنِ عَمْرٍو عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ولكن أبى ذلك البحر، يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ وَقَرَأَ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ الآية، وكذا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ «2» عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ عَنْ سُفْيَانَ بِهِ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ «3» مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مَعَ أَنَّهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ كَمَا رَأَيْتَ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شَرِيكٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَأْكُلُونَ أَشْيَاءَ وَيَتْرُكُونَ أَشْيَاءَ تَقَذُّرًا، فَبَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ وَأَنْزَلَ كِتَابَهُ وَأَحَلَّ حَلَالَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ، فَمَا أَحَلَّ فَهُوَ حَلَالٌ وَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَامٌ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فهو عفو، وقرأ هَذِهِ الْآيَةَ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ الْآيَةِ.
وَهَذَا لَفْظُ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مُنْفَرِدًا بِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ بْنِ صُبَيْحٍ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ بِهِ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «4» : حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَاتَتْ شَاةٌ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاتَتْ فُلَانَةٌ تَعْنِي الشَّاةَ، قَالَ «فَلِمَ لَا أَخَذْتُمْ مَسْكَهَا؟» قَالَتْ نَأْخُذُ مَسْكَ شَاةٍ قَدْ مَاتَتْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ وَإِنَّكُمْ لَا تَطْعَمُونَهُ أَنْ تَدْبِغُوهُ فَتَنْتَفِعُوا بِهِ» فَأَرْسَلَتْ فَسَلَخَتْ مَسْكَهَا فَدَبَغَتْهُ فاتخذت منه قربة حتى تخرقت عندها، رواه أحمد وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ سَوْدَةَ بِنْتِ زمعة بذلك أو نحوه.
(1) تفسير الطبري 5/ 379. [.....]
(2)
صحيح البخاري (ذبائح باب 28) .
(3)
سنن أبي داود (أطعمة باب 33) .
(4)
مسند أحمد 1/ 327- 328.