المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة المائدة (5) : الآيات 106 الى 108] - تفسير ابن كثير - ط العلمية - جـ ٣

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌سورة المائدة

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 1 الى 2]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 3]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 4]

- ‌ذِكْرُ الْآثَارِ بِذَلِكَ

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 5]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 6]

- ‌ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَأَنَّهُ لَا بد منه

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 12 الى 14]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 17 الى 18]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 19]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 20 الى 26]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 27 الى 31]

- ‌ذِكْرُ أَقْوَالِ الْمُفَسِّرِينَ هَاهُنَا

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 32 الى 34]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 35 الى 37]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 38 الى 40]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 41 الى 44]

- ‌سبب آخر في نزول هذه الآيات الكريمات

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 45]

- ‌قَاعِدَةٌ مُهِمَّةٌ:

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 46 الى 47]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 48 الى 50]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 51 الى 53]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 54 الى 56]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 57 الى 58]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 59 الى 63]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 64 الى 66]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 67]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 68 الى 69]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 70 الى 71]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 72 الى 75]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 76 الى 77]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 78 الى 81]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 82 الى 86]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 87 الى 88]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 89]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 90 الى 93]

- ‌ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي بَيَانِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 94 الى 95]

- ‌ذِكْرُ أَقْوَالِ السَّلَفِ فِي هَذَا الْمَقَامِ

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 96 الى 99]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 100 الى 102]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 103 الى 104]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 105]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 106 الى 108]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 109]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 110 الى 111]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 112 الى 115]

- ‌ذِكْرُ أَخْبَارٍ رُوِيَتْ عَنِ السَّلَفِ فِي نُزُولِ الْمَائِدَةِ عَلَى الْحَوَارِيِّينَ

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 116 الى 118]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 119 الى 120]

- ‌سورة الأنعام

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 4 الى 6]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 12 الى 16]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 17 الى 21]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 22 الى 26]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 27 الى 30]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 31 الى 32]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 33 الى 36]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 37 الى 39]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 40 الى 45]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 46 الى 49]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 50 الى 54]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 55 الى 59]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 60 الى 62]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 63 الى 65]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 66 الى 69]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 70]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 71 الى 73]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 74 الى 79]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 80 الى 83]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 84 الى 90]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 91 الى 92]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 93 الى 94]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 95 الى 97]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 98 الى 99]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 100]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 101]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 102 الى 103]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 104 الى 105]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 106 الى 107]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 108]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 109 الى 110]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 111]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 112 الى 113]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 114 الى 115]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 116 الى 117]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 118 الى 119]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 120]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 121]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 122]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 123 الى 124]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 125]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 126 الى 127]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 128]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 129]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 130]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 131 الى 132]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 133 الى 135]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 136]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 137]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 138]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 139]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 140]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 141 الى 142]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 143 الى 144]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 145]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 146]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 147]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 148 الى 150]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 151]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 152]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 153]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 154 الى 155]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 156 الى 157]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 158]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 159]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 160]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 161 الى 163]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 164]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 165]

- ‌سورة الأعراف

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 4 الى 7]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 8 الى 9]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 10]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 11]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 12]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 13 الى 15]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 16 الى 17]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 18]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 19 الى 21]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 22 الى 23]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 24 الى 25]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 26]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 27]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 28 الى 30]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 31]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 32]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 33]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 34 الى 36]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 37]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 38 الى 39]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 40 الى 41]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 42 الى 43]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 44 الى 45]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 46 الى 47]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 48 الى 49]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 50 الى 51]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 52 الى 53]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 54]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 55 الى 56]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 57 الى 58]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 59 الى 62]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 63 الى 64]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 65 الى 69]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 70 إِلًى 72]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 73 الى 78]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 79]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 80 الى 81]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 82]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 83 الى 84]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 85]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 86 الى 87]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 88 الى 89]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 90 الى 92]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 93]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 94 الى 95]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 96 الى 99]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 100]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 101 الى 102]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 103]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 104 الى 106]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 107 الى 108]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 109 الى 110]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 111 الى 112]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 113 الى 114]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 115 الى 116]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 117 الى 122]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 123 الى 126]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 127 الى 129]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 130 الى 131]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 132 الى 135]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 136 الى 137]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 138 الى 139]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 140 الى 141]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 142]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 143]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 144 الى 145]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 146 الى 147]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 148 الى 149]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 150 الى 151]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 152 الى 153]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 154]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 155 الى 156]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 157]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 158]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 159]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 160 الى 162]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 163]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 164 الى 166]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 167]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 168 الى 170]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 171]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 172 الى 174]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 175 الى 177]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 178]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 179]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 180]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 181]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 182 الى 183]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 184]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 185]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 186]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 187]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 188]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 189 الى 190]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 191 الى 198]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 199 الى 200]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 201 الى 202]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 203]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 204]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 205 الى 206]

- ‌فهرس المحتويات

- ‌سورة المائدة

- ‌سورة الأنعام

- ‌سورة الأعراف

الفصل: ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 106 الى 108]

قَتَادَةُ عَنْ أَبِي مَازِنٍ قَالَ: انْطَلَقْتُ عَلَى عَهْدِ عُثْمَانَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَإِذَا قَوْمٌ مِنَ المسلمين جلوس، فقرأ أحدهم هذه الآية عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ فَقَالَ أكثرهم: لم يجيء تَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ الْيَوْمَ. وَقَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، حَدَّثَنَا ابْنُ فَضَالَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ: كُنْتُ فِي حَلْقَةٍ فِيهَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَإِنِّي لَأَصْغَرُ الْقَوْمِ، فتذاكروا الأمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَقُلْتُ أَنَا: أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ فَأَقْبَلُوا عَلَيَّ بِلِسَانٍ وَاحِدٍ، وَقَالُوا: تنزع آية من القرآن لا تعرفها ولا تدري ما تأويلها؟ فتمنيت أَنِّي لَمْ أَكُنْ تَكَلَّمْتُ، وَأَقْبَلُوا يَتَحَدَّثُونَ فَلَمَّا حَضَرَ قِيَامُهُمْ قَالُوا: إِنَّكَ غُلَامٌ حَدَثُ السِّنِّ، وإنك نزعت آية وَلَا تَدْرِي مَا هِيَ، وَعَسَى أَنْ تُدْرِكَ ذَلِكَ الزَّمَانَ، إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيهِ، فَعَلَيْكَ بِنَفْسِكَ، لَا يَضُرُّكَ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتَ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «1» : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ قَالَ: تَلَا الْحَسَنُ هَذِهِ الْآيَةَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ فَقَالَ الْحَسَنُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ بِهَا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَيْهَا، مَا كَانَ مُؤْمِنٌ فِيمَا مَضَى وَلَا مؤمن فيما بقي إلا وإلى جنبه مُنَافِقٌ يَكْرَهُ عَمَلَهُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: إِذَا أَمَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَيْتَ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَلَا يَضُرُّكَ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتَ، رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «2» . وَكَذَا رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ مِثْلُهُ. وَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ خَالِدٍ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ كَعْبٍ فِي قَوْلِهِ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ قَالَ: إِذَا هُدِمَتْ كَنِيسَةُ دِمَشْقَ فَجُعِلتْ مَسْجِدًا، وَظَهَرَ لبس العصب، فحينئذ تأويل هذه الآية.

[سورة المائدة (5) : الآيات 106 الى 108]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (108)

اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ عَلَى حُكْمٍ عَزِيزٍ قِيلَ إِنَّهُ مَنْسُوخٌ، رَوَاهُ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: وَهُمُ الأكثرون فيما قاله

(1) تفسير الطبري 5/ 98.

(2)

المصدر السابق.

ص: 193

ابْنُ جَرِيرٍ، بَلْ هُوَ مُحْكَمٌ، وَمَنِ ادَّعَى نسخه فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ هَذَا هُوَ الْخَبَرُ لِقَوْلِهِ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ، فَقِيلَ: تَقْدِيرُهُ شَهَادَةُ اثْنَيْنِ حُذِفَ الْمُضَافُ، وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ، وَقِيلَ: دَلَّ الْكَلَامُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَشْهَدَ اثْنَانِ. وَقَوْلُهُ تعالى: ذَوا عَدْلٍ وَصَفَ الِاثْنَيْنِ بِأَنْ يَكُونَا عَدْلَيْنِ. وَقَوْلُهُ مِنْكُمْ أَيْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. قَالَهُ الْجُمْهُورُ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عباس رضي الله عنه فِي قَوْلِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ قَالَ: مِنَ الْمُسْلِمِينَ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، ثُمَّ قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ عُبَيْدَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَيَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ والسُّدِّيِّ وقتادةَ وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَغَيْرُهُمْ نَحْوُ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «1» : وَقَالَ آخَرُونَ: غير ذلك ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أي من أهل الْمُوصِي، وَذَلِكَ قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ وَعُبَيْدَةَ وَعِدَّةٍ غَيْرِهِمَا.

وَقَوْلُهُ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ قَالَ: مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ، يَعْنِي أَهْلَ الْكِتَابِ، ثُمَّ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ عُبَيْدَةَ وشُرَيْحٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَيَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ وَعِكْرِمَةَ وَمُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالشَّعْبِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَقَتَادَةَ وَأَبِي مِجْلَزٍ وَالسُّدِّيِّ وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَغَيْرُهُمْ، نَحْوُ ذَلِكَ. وَعَلَى مَا حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عن عكرمة وعبيدة في قوله منكم، أن الْمُرَادُ مِنْ قَبِيلَةِ الْمُوصِي يَكُونُ الْمُرَادُ هَاهُنَا أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ أَيْ مِنْ غَيْرِ قبيلة الموصي. وروى ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِثْلُهُ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ والزهري رحمهما الله.

وقوله تعالى: إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ أَيْ سَافَرْتُمْ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ وَهَذَانَ شَرْطَانِ لِجَوَازِ اسْتِشْهَادِ الذِّمِّيِّينَ عِنْدَ فَقْدِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي سَفَرٍ، وَأَنْ يَكُونَ فِي وَصِيَّةٍ، كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ، قَالَا: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ شريح قال: لا تجوز شهادة اليهود والنصارى إِلَّا فِي سَفَرٍ، وَلَا تَجُوزُ فِي سَفَرٍ إلا في الوصية، ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ قَالَ: قَالَ شُرَيْحٌ فَذَكَرَ مِثْلَهُ. وَقَدْ رُوِيَ نحوه عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ إِفْرَادِهِ، وَخَالَفَهُ الثَّلَاثَةُ فقالوا: لا يجوز شهادة أهل الذمة على المسلمين، وَأَجَازَهَا أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَا بَيْنَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «2» : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: مَضَتِ السُّنَّةُ أَنَّهُ لا تجوز شهادة الكافر فِي حَضَرٍ وَلَا سِفْرٍ، إِنَّمَا هِيَ فِي

(1) تفسير الطبري 5/ 102.

(2)

تفسير الطبري 5/ 107.

ص: 194

الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي رَجُلٍ تُوُفِّيَ وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، وَالْأَرْضُ حَرْبٌ، وَالنَّاسُ كُفَّارٌ، وَكَانَ النَّاسُ يَتَوَارَثُونَ بِالْوَصِيَّةِ ثُمَّ نُسِخَتِ الْوَصِيَّةُ، وَفُرِضَتِ الْفَرَائِضُ وَعَمِلَ النَّاسُ بِهَا، رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: اخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ هَلِ الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يُوصِيَ إِلَيْهِمَا أَوْ يُشْهِدَهُمَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ [أَحَدُهُمَا] أَنْ يُوصِيَ إِلَيْهِمَا، كَمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيطٍ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ. قَالَ: هَذَا رَجُلٌ سَافَرَ وَمَعَهُ مَالٌ، فَأَدْرَكَهُ قَدَرُهُ، فَإِنْ وَجَدَ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ دَفَعَ إِلَيْهِمَا تَرِكَتَهُ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِمَا عَدْلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَفِيهِ انْقِطَاعٌ. [وَالْقَوْلُ الثَّانِي] أَنَّهُمَا يَكُونَانِ شَاهِدَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ سِيَاقِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَصِيٌّ ثَالِثٌ مَعَهُمَا، اجْتَمَعَ فِيهِمَا الْوَصْفَانِ: الْوِصَايَةُ وَالشَّهَادَةُ، كَمَا فِي قِصَّةِ تَمِيمٍ الداري وعدي بن بداء، كما سيأتي ذكرهما آنِفًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ.

وَقَدِ اسْتَشْكَلَ ابْنُ جَرِيرٍ كَوْنَهُمَا شَاهِدَيْنَ قَالَ: لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ حُكْمًا يَحْلِفُ فِيهِ الشَّاهِدُ، وَهَذَا لَا يَمْنَعُ الْحُكْمَ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، وَهُوَ حُكْمٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ جَارِيًا عَلَى قِيَاسِ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ، عَلَى أَنَّ هَذَا حُكْمٌ خَاصٌّ، بِشَهَادَةٍ خَاصَّةٍ، فِي مَحَلٍّ خَاصٍّ، وَقَدِ اغْتُفِرَ فِيهِ مِنَ الْأُمُورِ مَا لَمْ يُغْتَفَرْ فِي غَيْرِهِ، فَإِذَا قامت قرينة الرِّيبَةِ، حَلِفَ هَذَا الشَّاهِدُ بِمُقْتَضَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ قَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، يَعْنِي صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: يَعْنِي صَلَاةَ الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْنِي صَلَاةَ أهل دينهما. وروي عن عبد الرزاق، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ. وكذا قال إبراهيم وقتادة وغير واحد.

وَالْمَقْصُودُ أَنْ يُقَامَ هَذَانَ الشَّاهِدَانِ بَعْدَ صَلَاةٍ اجْتَمَعَ النَّاسُ فِيهَا بِحَضْرَتِهِمْ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ أَيْ فَيَحْلِفَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ أَيْ إِنْ ظَهَرَتْ لكم منهما ريبة أنهما خَانَا أَوْ غَلَّا، فَيَحْلِفَانِ حِينَئِذٍ بِاللَّهِ لَا نَشْتَرِي بِهِ أَيْ بِأَيْمَانِنَا، قَالَهُ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ ثَمَناً أَيْ لَا نَعْتَاضُ عَنْهُ بِعِوَضٍ قَلِيلٍ مِنَ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ الزَّائِلَةِ وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبى أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ قريبا لنا لَا نُحَابِيهِ وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ أَضَافَهَا إِلَى اللَّهِ تَشْرِيفًا لَهَا وَتَعْظِيمًا لِأَمْرِهَا، وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ مَجْرُورًا عَلَى الْقَسَمِ رَوَاهَا ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، وحكي عن بعضهم أنه قرأها وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ وَالْقِرَاءَةُ الْأُولَى هِيَ الْمَشْهُورَةُ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ أَيْ إِنْ فَعَلْنَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مِنْ تَحْرِيفِ الشَّهَادَةِ أَوْ تَبْدِيلِهَا أَوْ تَغْيِيرِهَا أَوْ كَتْمِهَا بِالْكُلِّيَّةِ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً أَيْ فَإِنِ اشْتَهَرَ وَظَهَرَ وَتَحَقَّقَ مِنَ الشَّاهِدَيْنِ الْوَصِيَّيْنِ أَنَّهُمَا خَانَا أَوْ غَلَّا شَيْئًا مِنَ الْمَالِ الْمُوصَى بِهِ إِلَيْهِمَا، وَظَهَرَ عليهما بذلك

ص: 195

فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ هَذِهِ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ «1» اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ وروي عن علي وأبي الحسن البصري أنهم قرءوها اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ «2» وروى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدِ الْفَرْوِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ، ثُمَّ قَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ وَمِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوَّلِينَ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوَّلَانِ حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ»

، فَعَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ يَكُونُ الْمَعْنَى بِذَلِكَ أَيْ مَتَى تَحَقَّقَ ذَلِكَ بِالْخَبَرِ الصَّحِيحِ عَلَى خِيَانَتِهِمَا، فَلْيَقُمِ اثْنَانِ مِنَ الْوَرَثَةِ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلتَّرِكَةِ، وَلِيَكُونَا مِنْ أَوْلَى مَنْ يَرِثُ ذَلِكَ الْمَالَ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما أَيْ لِقَوْلِنَا إِنَّهُمَا خَانَا، أَحَقُّ وَأَصَحُّ وَأَثْبَتُ مِنْ شَهَادَتِهِمَا الْمُتَقَدِّمَةِ وَمَا اعْتَدَيْنا أَيْ فِيمَا قُلْنَا فيهما مِنَ الْخِيَانَةِ، إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ أَيْ إِنْ كُنَّا قَدْ كَذَبْنَا عَلَيْهِمَا، وَهَذَا التَّحْلِيفُ لِلْوَرَثَةِ وَالرُّجُوعُ إِلَى قَوْلِهِمَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ، كَمَا يَحْلِفُ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ إِذَا ظَهَرَ لَوْثٌ «4» فِي جَانِبِ الْقَاتِلِ، فَيُقْسِمُ الْمُسْتَحِقُّونَ عَلَى الْقَاتِلِ فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ إِلَيْهِمْ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي بَابِ الْقَسَامَةِ مِنَ الْأَحْكَامِ.

وَقَدْ وَرَدَتِ السُّنَّةُ بِمِثْلِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، فَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ بَاذَانَ يَعْنِي أَبَا صَالِحٍ مَوْلَى أَمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ قال: برىء النَّاسُ مِنْهَا غَيْرِي وَغَيْرَ عَدِيِّ بْنِ بَدَّاءٍ، وَكَانَا نَصْرَانِيَّيْنِ يَخْتَلِفَانِ إِلَى الشَّامِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، فَأَتَيَا الشَّامَ لِتِجَارَتِهِمَا، وَقَدِمَ عَلَيْهِمَا مَوْلًى لِبَنِي سَهْمٍ يُقَالُ لَهُ بُدَيْلُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ بتجارة، معه جَامٌ «5» مِنْ فِضَّةٍ يُرِيدُ بِهِ الْمُلْكَ، وَهُوَ أعظم تِجَارَتِهِ، فَمَرِضَ فَأَوْصَى إِلَيْهِمَا وَأَمَرَهُمَا أَنْ يُبَلِّغَا مَا تَرَكَ أَهْلَهُ. قَالَ تَمِيمٌ:

فَلَمَّا مَاتَ أخذنا ذلك الجام فبعناه بألف درهم، واقتسمناه أنا وعدي، فَلَمَّا قَدِمْنَا إِلَى أَهْلِهِ دَفَعْنَا إِلَيْهِمْ مَا كان معنا، وفقدوا الجام، فسألونا عنه، قلنا: مَا تَرَكَ غَيْرَ هَذَا وَمَا دَفَعَ إِلَيْنَا غَيْرَهُ. قَالَ تَمِيمٌ: فَلَمَّا أَسْلَمْتُ بَعْدَ قُدُومِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، تأثمت من ذلك، فأتيت أهله، فأخبرتهم

(1) أي: «استحق» بالبناء للمفعول، بضمّ التاء. قال الطبري: فقرأ ذلك قراء الحجاز والعراق والشام. [.....]

(2)

أي بفتح التاء من «استحق» . قال الطبري ورويت عن علي وأبيّ بن كعب والحسن البصري.

(3)

تفسير الطبري 5/ 119. أي بفتح التاء من «استحقّ» .

(4)

اللوث: أن يشهد شاهد واحد على إقرار المقتول قبل أن يموت أن فلانا قتلني، أو يشهد شاهدان على ذلك على عوادة بينهما.

(5)

الجام: إناء.

ص: 196

الْخَبَرَ، وَدَفَعْتُ إِلَيْهِمْ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَأَخْبَرْتُهُمْ أَنَّ عند صاحبي مثلها، فوثبوا عليه، فأمرهم النبي أَنْ يَسْتَحْلِفُوهُ بِمَا يُعَظَّمُ بِهِ عَلَى أَهْلِ دينه، فحلف، فنزلت يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِلَى قَوْلِهِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما فَقَامَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَرَجُلٌ آخَرُ مِنْهُمْ، فَحَلَفَا، فَنُزِعَتِ الْخَمْسُمِائَةٍ مِنْ عَدِيِّ بْنِ بَدَّاءٍ، وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ «1» ، كِلَاهُمَا عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي شُعَيْبٍ الْحَرَّانَيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بِهِ، فَذَكَرَهُ، وَعِنْدَهُ: فَأَتَوْا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُمُ الْبَيِّنَةَ، فَلَمْ يَجِدُوا، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَحْلِفُوهُ بِمَا يُعَظَّمُ بِهِ عَلَى أَهْلِ دِينِهِ، فَحَلَفَ، فأنزل الله هذه الآية إِلَى قَوْلِهِ أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ فَقَامَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَرَجُلٌ آخَرُ فَحَلَفَا، فَنُزِعَتِ الْخَمْسُمِائَةٍ مِنْ عَدِيِّ بْنِ بَدَّاءٍ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِصَحِيحٍ، وَأَبُو النَّضْرِ الَّذِي رَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ، هُوَ عِنْدِي مُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ، يُكَنَّى أَبَا النَّضْرِ، وَقَدْ تَرَكَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، وَهُوَ صَاحِبُ التَّفْسِيرِ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ يَقُولُ: مُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ يُكَنَّى أَبَا النَّضْرِ، ثُمَّ قال: ولا نعرف لأبي النَّضْرِ رِوَايَةً عَنْ أَبِي صَالِحٍ مَوْلَى أَمِّ هَانِئٍ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ شَيْءٌ مِنْ هَذَا عَلَى الِاخْتِصَارِ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَهْمٍ مَعَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَعَدِيِّ بْنِ بَدَّاءٍ، فمات السهمي بأرض ليس بها مُسْلِمٌ، فَلَمَّا قَدِمَا بِتَرِكَتِهِ، فَقَدُوا جَامًا مِنْ فِضَّةٍ مُخَوَّصًا بِالذَّهَبِ، فَأَحْلَفَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ووجد الْجَامَ بِمَكَّةَ، فَقِيلَ: اشْتَرَيْنَاهُ مِنْ تَمِيمٍ وَعَدِيٍّ، فَقَامَ رَجُلَانِ مِنْ أَوْلِيَاءِ السَّهْمِيِّ فَحَلَفَا بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا، وَأَنَّ الْجَامَ لِصَاحِبِهِمْ، وَفِيهِمْ نَزَلَتْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ الآية «2» ، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ «3» عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ بِهِ، ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَهُوَ حَدِيثُ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ كُوفِيٌّ، قِيلَ: إِنَّهُ صَالِحُ الْحَدِيثِ.

وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ مُرْسَلَةً غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ التَّابِعَيْنِ مِنْهُمْ عِكْرِمَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَقَتَادَةُ، وَذَكَرُوا أَنَّ التَّحْلِيفَ كَانَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ، رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَكَذَا ذَكَرَهَا مُرْسَلَةً مُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِهَارِهَا فِي السَّلَفِ وَصِحَّتِهَا، وَمِنَ الشَّوَاهِدِ لِصِحَّةِ هَذِهِ الْقِصَّةِ أَيْضًا مَا رَوَاهُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا هشيم قال: أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَجُلًا مِنَ المسلمين حضرته الوفاة بدقوقا هذه، قال: فحضرته الوفاة ولم يجد أحدا

(1) تفسير الطبري 5/ 116.

(2)

رواه الطبري في تفسيره 5/ 115- 116.

(3)

سنن أبي داود (أقضية باب 19) .

ص: 197

مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُشْهِدُهُ عَلَى وَصِيَّتِهِ، فَأَشْهَدُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، قَالَ: فَقَدِمَا الْكُوفَةَ، فَأَتَيَا الْأَشْعَرِيَّ يَعْنِي أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ رضي الله عنه، فأخبراه، وقدما الكوفة بِتَرِكَتِهِ وَوَصِيَّتِهِ، فَقَالَ الْأَشْعَرِيُّ: هَذَا أَمْرٌ لَمْ يكن بعد الذي كان عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَأَحْلَفَهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ بِاللَّهِ مَا خَانَا، وَلَا كَذَبَا، وَلَا بَدَّلَا، وَلَا كَتَمَا، وَلَا غَيَّرَا، وَإِنَّهَا لَوَصِيَّةُ الرَّجُلِ وَتَرِكَتُهُ. قَالَ:

فأمضى شهادتها، ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الفَلَّاسِ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ الْأَزْرَقِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ أَبَا مُوسَى قَضَى بِدَقُوقَا، وَهَذَانَ إِسْنَادَانِ صَحِيحَانِ إِلَى الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، فَقَوْلُهُ: هَذَا أَمْرٌ لم يكن بعد الذي كان عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الظَّاهِرُ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بذلك قصة تميم وعدي بن بداء، وقد ذَكَرُوا أَنَّ إِسْلَامَ تَمِيمِ بْنِ أَوْسٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه، كان سَنَةِ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ هَذَا الْحُكْمُ مُتَأَخِّرًا يَحْتَاجُ مُدَّعِي نَسْخِهِ إِلَى دَلِيلٍ فَاصِلٍ فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وقال أسباط عن السدي في الْآيَةِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ قَالَ: هَذَا فِي الْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ، يُوصِي وَيُشْهِدُ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ على ماله وَمَا عَلَيْهِ، قَالَ: هَذَا فِي الْحَضَرِ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ فِي السَّفَرِ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ هَذَا الرَّجُلُ يُدْرِكُهُ الْمَوْتُ فِي سَفَرِهِ، وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَيَدْعُو رَجُلَيْنِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ، فَيُوصِي إِلَيْهِمَا وَيَدْفَعُ إِلَيْهِمَا مِيرَاثَهُ، فَيَقْبَلَانِ بِهِ، فَإِنْ رَضِيَ أَهْلُ الْمَيِّتِ الْوَصِيَّةَ وعرفوا ما لصاحبهم، تركوهما، وَإِنِ ارْتَابُوا، رَفَعُوهُمَا إِلَى السُّلْطَانِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ قَالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه: كأني أنظر إلى العلجين حتى انْتُهِيَ بِهِمَا إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فِي داره، ففتح الصحيفة، فأنكر أهل الميت وخوفوهما، فَأَرَادَ أَبُو مُوسَى أَنْ يَسْتَحْلِفَهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ، فقلت: إِنَّهُمَا لَا يُبَالِيَانِ صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَلَكِنِ اسْتَحْلِفْهُمَا بَعْدَ صَلَاتِهِمَا فِي دِينِهِمَا، فَيُوقَفَ الرَّجُلَانِ بَعْدَ صَلَاتِهِمَا فِي دِينِهِمَا فَيَحْلِفَانِ بِاللَّهِ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى، وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الآثمين، أن صاحبهم بهذا أَوْصَى، وَأَنَّ هَذِهِ لَتَرِكَتُهُ، فَيَقُولُ لَهُمَا الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَحْلِفَا: إِنَّكُمَا إِنْ كَتَمْتُمَا أَوْ خُنْتُمَا فَضَحْتُكُمَا فِي قَوْمِكُمَا، وَلَمْ تَجُزْ لَكُمَا شهادة وعاقبتكما، فإذا قال لهما ذلك ف ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «1» : حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، حَدَّثَنَا هُشيْمٌ، أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُمَا قَالَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ الْآيَةَ، قَالَا: إِذَا حَضَرَ الرَّجُلَ الْوَفَاةُ فِي سَفَرٍ فَلْيُشْهِدْ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ لم يجد رجلين من المسلمين

(1) تفسير الطبري 5/ 111.

ص: 198