الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصَّامِتِ، قَالَ: لَمَّا حَارَبَتْ بَنُو قَيْنُقَاعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَشَبَّثَ بِأَمْرِهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، وَقَامَ دُونَهُمْ وَمَشَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ أَحَدَ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ لَهُ مِنْ حِلْفِهِمْ مِثْلَ الَّذِي لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَجَعَلَهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَتَبَرَّأَ إِلَى الله ورسوله من حلفهم، وقال: يا رسول الله، أبرأ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ مِنْ حِلْفِهِمْ، وَأَتَوَلَّى اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَأَبْرَأُ مِنْ حِلْفَ الْكُفَّارِ، وَوَلَايَتِهِمْ، فَفِيهِ وَفِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ نَزَلَتِ الْآيَاتُ فِي الْمَائِدَةِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ- إِلَى قَوْلِهِ- وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ «1» .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «2» : حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زيادة عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ نَعُودُهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «قَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ حُبِّ يَهُودَ» فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَقَدْ أَبْغَضَهُمْ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ فَمَاتَ، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ «3» مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بن إسحاق.
[سورة المائدة (5) : الآيات 54 الى 56]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ (56)
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ قُدْرَتِهِ الْعَظِيمَةِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّى عَنْ نُصْرَةِ دِينِهِ وَإِقَامَةِ شَرِيعَتِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَسْتَبْدِلُ بِهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ لَهَا مِنْهُ، وَأَشَدُّ مَنْعَةً، وَأَقْوَمُ سَبِيلًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ [مُحَمَّدٍ: 38] . وَقَالَ تَعَالَى: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ [إِبْرَاهِيمَ: 19- 20] . أَيْ بِمُمْتَنَعٍ وَلَا صَعْبٍ. وَقَالَ تَعَالَى هَاهُنَا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ أَيْ يَرْجِعُ عَنِ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: نَزَلَتْ فِي الْوُلَاةِ مِنْ قُرَيْشٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الرِّدَّةِ أَيَّامَ أَبِي بَكْرٍ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ قَالَ الْحَسَنُ: هُوَ وَاللَّهِ أبو بكر وأصحابه، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَيَّاشٍ يَقُولُ: فِي قَوْلِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ هُمْ أَهْلُ الْقَادِسِيَّةِ. وَقَالَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: هُمْ قَوْمٌ مِنْ سَبَأٍ وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَجْلَحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ
(1) سيرة ابن هشام 2/ 49- 50 وتفسير الطبري 4/ 616.
(2)
مسند أحمد 5/ 201.
(3)
سنن أبي داود (جنائز باب 1 في العيادة) .
قَالَ: نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، ثُمَّ مِنْ كِنْدَةَ، ثُمَّ مِنَ السَّكُونِ «1» .
وَحَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ يَعْنِي ابْنَ حَفْصٍ، عَنْ أَبِي زِيَادٍ الْحِلْفَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَوْلِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ. قَالَ «هَؤُلَاءِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، ثُمَّ مِنْ كِنْدَةَ، ثُمَّ مِنَ السَّكُونِ، ثُمَّ مِنْ تُجِيبَ» ، وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكٍ، سَمِعْتُ عِيَاضًا يحدث عن أبي موسى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «هُمْ قَوْمُ هَذَا» . وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «2» مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ بِنَحْوِهِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ هَذِهِ صِفَاتُ الْمُؤْمِنِينَ الْكُمَّلِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ مُتَوَاضِعًا لِأَخِيهِ وَوَلِيِّهِ، مُتَعَزِّزًا عَلَى خَصْمِهِ وَعَدُوِّهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ وفي صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ الضَّحُوكُ الْقَتَّالُ، فَهُوَ ضَحُوكٌ لِأَوْلِيَائِهِ قَتَّالٌ لأعدائه.
وقوله عز وجل يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ أَيْ لَا يَرَدُّهُمْ عَمَّا هُمْ فِيهِ من طاعة الله، وإقامة الحدود، وقتال أعدائه، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، لَا يَرُدُّهُمْ عَنْ ذَلِكَ رَادٌّ، وَلَا يَصُدُّهُمْ عَنْهُ صَادٌّ، وَلَا يَحِيكُ فِيهِمْ لَوْمُ لَائِمٍ، وَلَا عَذَلُ عَاذِلٍ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «3» : حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا سَلَامٌ أَبُو الْمُنْذِرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: أَمَرَنِي خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ: أَمَرَنِي بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُونِي، وَلَا أَنْظُرُ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقِي، وَأَمَرَنِي أَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ، وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أَسْأَلَ أَحَدًا شَيْئًا، وَأَمَرَنِي أَنْ أَقُولَ الحق وإن كان مرا، وأمرني أن لا أَخَافَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، وَأَمَرَنِي أَنَّ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَإِنَّهُنَّ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «4» أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ عَنْ أَبِي الْمُثَنَّى، أَنَّ أَبَا ذر رضي الله عنه، قَالَ: بَايَعَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَمْسًا، وَوَاثَقَنِي سَبْعًا، وَأَشْهَدَ اللَّهَ عَلَيَّ سبعا- أني
(1) هو بنو السّكون بن أشرس بن ثور. بطن من كندة من القحطانية. (معجم قبائل العرب القديمة والحديثة 2/ 528) .
(2)
تفسير الطبري 4/ 624.
(3)
مسند أحمد 5/ 159. [.....]
(4)
مسند أحمد 5/ 172.
لَا أَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ. قَالَ أَبُو ذَرٍّ: فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ «هَلْ لَكَ إِلَى بَيْعَةٍ، ولك الجنة؟» قلت: نعم، وَبَسَطْتُ يَدَيَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وهو يشترط علي «أن لا تَسْأَلَ النَّاسَ شَيْئًا» قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ «وَلَا سَوْطَكَ وَإِنْ سَقَطَ مِنْكَ» . يَعْنِي تَنْزِلُ إِلَيْهِ فتأخذه.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «1» أَيْضًا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحسن، حدثنا جعفر عن المعلى الفردوسي، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَلَّا لَا يَمْنَعْنَ أَحَدَكُمْ رَهْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا رَآهُ أَوْ شَهِدَهُ، فَإِنَّهُ لَا يُقَرِّبُ مِنْ أَجْلٍ وَلَا يُبَاعِدُ مَنْ رزق أن يقول بحق أو أن يُذَكِّرَ بِعَظِيمٍ» تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ «2» : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يَحْقِرَنَّ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ أَنْ يَرَى أَمْرًا لِلَّهِ فِيهِ مَقَالٌ فَلَا يَقُولُ فِيهِ فَيُقَالُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَكُونَ قُلْتَ فِيَّ كَذَا وَكَذَا؟
فَيَقُولُ: مَخَافَةَ النَّاسِ، فَيَقُولُ: إِيَّايَ أَحَقُّ أَنْ تَخَافَ» . وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ «3» مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ بِهِ.
وَرَوَى أَحْمَدُ «4» وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عبد الرحمن أَبِي طُوَالَةَ، عَنْ نَهَارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَبْدِيِّ الْمَدَنِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قال «إن اللَّهَ لَيَسْأَلُ الْعَبْدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى إِنَّهُ ليسأله يقول له: أي عبدي أرأيت مُنْكَرًا فَلَمْ تُنْكِرْهُ؟ فَإِذَا لَقَّنَ اللَّهُ عَبْدًا حُجَّتَهُ، قَالَ: أَيْ رَبِّ وَثِقْتُ بِكَ، وَخِفْتُ الناس» .
وثبت في الصحيح «ما ينبغي للمؤمن أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ» قَالُوا: وَكَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ «يَتَحَمَّلُ مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَا يُطِيقُ» .
ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ أَيْ مَنِ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَتَوْفِيقِهِ لَهُ، وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ أَيْ وَاسْعُ الْفَضْلِ، عَلِيمٌ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ مِمَّنْ يَحْرِمُهُ إِيَّاهُ.
وقوله تعالى: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَيْ لَيْسَ الْيَهُودُ بِأَوْلِيَائِكُمْ، بَلْ وِلَايَتُكُمْ رَاجِعَةٌ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ. وَقَوْلُهُ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ أَيِ الْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّصِفُونَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ مِنْ إِقَامِ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ أَكْبَرُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ الَّتِي هي حق المخلوقين ومساعدة للمحتاجين وَالْمَسَاكِينِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ وَهُمْ راكِعُونَ فَقَدْ تَوَهَّمَ بعض الناس أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ قوله
(1) مسند أحمد 3/ 50.
(2)
مسند أحمد 3/ 73.
(3)
سنن ابن ماجة (فتن باب 20) .
(4)
مسند أحمد 3/ 77.
وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ أَيْ فِي حَالِ رُكُوعِهِمْ، وَلَوْ كَانَ هَذَا كَذَلِكَ، لَكَانَ دَفْعُ الزَّكَاةِ فِي حَالِ الرُّكُوعِ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ مَمْدُوحٌ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِمَّنْ نَعْلَمُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى، وَحَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَ فِي هَذَا أَثَرًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فيه، وذلك أَنَّهُ مَرَّ بِهِ سَائِلٌ فِي حَالِ رُكُوعِهِ فَأَعْطَاهُ خَاتَمَهُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ فِي قَوْلِهِ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا قَالَ: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَحْوَلُ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ قَيْسٍ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، قَالَ: تَصَدَّقَ عَلِيٌّ بِخَاتَمِهِ وَهُوَ رَاكِعٌ، فَنَزَلَتْ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «1» : حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا غَالِبُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ فِي قَوْلِهِ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ الْآيَةَ. نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، تَصَّدَقَ وَهُوَ رَاكِعٌ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ الْآيَةَ، نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُجَاهِدٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ.
وروى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَائِمًا يُصَلِّي، فَمَرَّ سَائِلٌ وَهُوَ رَاكِعٌ، فَأَعْطَاهُ خَاتَمَهُ، فَنَزَلَتْ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ الْآيَةَ، الضَّحَّاكُ لَمْ يَلْقَ ابْنَ عَبَّاسٍ. وَرَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ أيضا من طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بَيْنَ رَاكِعٍ وَسَاجِدٍ وَقَائِمٍ وَقَاعِدٍ، وَإِذَا مِسْكِينٌ يَسْأَلُ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«أَعْطَاكَ أَحَدٌ شَيْئًا؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ «مَنْ؟» قَالَ: ذَلِكَ الرَّجُلُ الْقَائِمُ. قَالَ «عَلَى أَيِّ حَالٍ أَعْطَاكَهُ؟» قَالَ: وَهُوَ رَاكِعٌ، قَالَ «وَذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ» . قَالَ:
فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ وَهُوَ يَقُولُ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ وَهَذَا إِسْنَادٌ لَا يُفْرَحُ بِهِ.
ثُمَّ رَوَاهُ ابْنُ مَردُويَهْ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه نَفْسِهِ، وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَأَبِي رَافِعٍ، وَلَيْسَ يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ لِضَعْفِ أسانيدها وجهالة رجالها، ثم روى بإسناده عَنْ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ نَزَلَتْ فِي الْمُؤْمِنِينَ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَوَّلُهُمْ، وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «2» : حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عن عبد الملك، عن
(1) تفسير الطبري 4/ 629.
(2)
تفسير الطبري 4/ 628.