الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَيْهِمْ مَا يَخْلِطُونَ، وَقَالَ الْوَالِبِيُّ عَنْهُ: وَلَشَبَّهْنَا عَلَيْهِمْ «1» .
وَقَوْلُهُ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ هَذِهِ تَسْلِيَةٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي تَكْذِيبِ مَنْ كَذَّبَهُ مِنْ قَوْمِهُ، وَوَعْدٌ لَهُ وَلِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ بِالنُّصْرَةِ وَالْعَاقِبَةِ الْحَسَنَةِ، فِي الدنيا والآخرة.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ أَيْ فَكِّرُوا فِي أَنْفُسِكُمْ، وَانْظُرُوا مَا أَحَلَّ اللَّهُ بِالْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ، الَّذِينَ كَذَّبُوا رُسُلَهُ، وَعَانَدُوهُمْ، مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ وَالْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا، مَعَ مَا ادُّخِرَ لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ، فِي الْآخِرَةِ، وَكَيْفَ نُجِّيَ رُسُلُهُ وعباده المؤمنين.
[سورة الأنعام (6) : الآيات 12 الى 16]
قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (12) وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16)
يُخْبِرُ تعالى أنه مالك السموات والأرض ومن فيهما، وَأَنَّهُ قَدْ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الْمُقَدَّسَةِ الرَّحْمَةَ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ: عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «إِنَّ اللَّهَ لَمَّا خَلَقَ الْخَلْقَ، كَتَبَ كِتَابًا عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ، إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي» «2» .
وَقَوْلُهُ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ هَذِهِ اللَّامُ هِيَ الْمُوَطِّئَةُ للقسم، فأقسم بنفسه الكريمة، ليجمعن عباده إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ، أَيْ لَا شَكَّ فِيهِ عِنْدَ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَمَّا الْجَاحِدُونَ الْمُكَذِّبُونَ، فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ، وَقَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُقْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مِحْصَنُ بن عتبة الْيَمَانِيُّ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ شَبِيبٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَاضِرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن الْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، هَلْ فِيهِ مَاءٌ؟ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ فِيهِ لَمَاءً، إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَيَرِدُونِ حِيَاضَ الْأَنْبِيَاءِ، وَيَبْعَثُ اللَّهُ تَعَالَى سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ، فِي أَيْدِيهِمْ عِصِيٌّ مِنْ نَارٍ، يَذُودُونَ الْكُفَّارَ عَنْ حِيَاضِ الْأَنْبِيَاءِ» ، هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَفِي التِّرْمِذِيِّ «إن لكل نبي حوضا، وأرجو أن أكون
(1) الأثر في تفسير الطبري 5/ 153.
(2)
صحيح البخاري (توحيد باب 15 و 22 و 28 و 55 وبدء الخلق باب 1) وصحيح مسلم (توبة حديث 14- 16) .
أكثرهم واردا» «1» .
وقوله الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ أَيْ لَا يُصَدِّقُونَ بِالْمَعَادِ، وَلَا يَخَافُونَ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أَيْ كُلُّ دَابَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْجَمِيعُ عِبَادُهُ وخلقه، وتحت قهره وتصرفه وتدبيره، لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ أَيِ السَّمِيعُ لِأَقْوَالِ عِبَادِهِ، الْعَلِيمُ بِحَرَكَاتِهِمْ وَضَمَائِرِهِمْ وَسَرَائِرِهِمْ، ثم قال تعالى لِعَبْدِهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، الذي بعثه بالتوحيد العظيم وبالشرع القويم، وأمره أن يدعو الناس إلى صراط الله الْمُسْتَقِيمِ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كقوله قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ [الزُّمَرِ: 64] وَالْمَعْنَى لَا أَتَّخِذُ وَلِيًا إِلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَإِنَّهُ فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، أَيْ خَالِقُهُمَا وَمُبْدِعُهُمَا، عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ أَيْ وَهُوَ الرَّزَّاقُ لِخَلْقِهِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56] الآية، وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ هَاهُنَا وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ «2» أَيْ لَا يَأْكُلُ.
وَفِي حَدِيثِ سُهَيْلِ بْنِ صَالِحٍ: عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: دَعَا رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، مِنْ أَهْلِ قُبَاءٍ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم على طعام، فَانْطَلَقْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا طَعِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَغَسَلَ يَدَيْهِ، قَالَ «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُطْعِمُ وَلَا يَطْعَمُ، وَمَنَّ عَلَيْنَا فَهَدَانَا وأطعمنا، وسقانا من الشراب، وكسانا من العري، وَكُلَّ بَلَاءٍ حَسَنٍ أَبَلَانَا الْحَمْدُ لِلَّهِ غَيْرِ مودع ربي ولا مكافئ وَلَا مَكْفُورٍ، وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا مِنَ الطَّعَامِ، وَسَقَانَا مِنَ الشَّرَابِ، وَكَسَانَا مِنَ الْعُرْيِ، وَهَدَانَا مِنَ الضَّلَالِ، وَبَصَّرَنَا مِنَ الْعَمَى، وَفَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ أَيْ من هذه الأمة وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ يَعْنِي يوم القيامة مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ أي العذاب يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ يعني رحمه الله وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ كَقَوْلِهِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ [آل عمران: 185] والفوز حصول الربح، ونفي الخسارة.
(1) سنن الترمذي (قيامة باب 14) وفيه: «واردة» مكان «واردا» . [.....]
(2)
أي «ولا يطعم» بفتح الياء والعين. وهي قراءة سعيد بن جبير ومجاهد والأعمش. (تفسير الطبري 6/ 397) .