المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة المائدة (5) : آية 6] - تفسير ابن كثير - ط العلمية - جـ ٣

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌سورة المائدة

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 1 الى 2]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 3]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 4]

- ‌ذِكْرُ الْآثَارِ بِذَلِكَ

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 5]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 6]

- ‌ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَأَنَّهُ لَا بد منه

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 12 الى 14]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 17 الى 18]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 19]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 20 الى 26]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 27 الى 31]

- ‌ذِكْرُ أَقْوَالِ الْمُفَسِّرِينَ هَاهُنَا

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 32 الى 34]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 35 الى 37]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 38 الى 40]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 41 الى 44]

- ‌سبب آخر في نزول هذه الآيات الكريمات

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 45]

- ‌قَاعِدَةٌ مُهِمَّةٌ:

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 46 الى 47]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 48 الى 50]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 51 الى 53]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 54 الى 56]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 57 الى 58]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 59 الى 63]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 64 الى 66]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 67]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 68 الى 69]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 70 الى 71]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 72 الى 75]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 76 الى 77]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 78 الى 81]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 82 الى 86]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 87 الى 88]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 89]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 90 الى 93]

- ‌ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي بَيَانِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 94 الى 95]

- ‌ذِكْرُ أَقْوَالِ السَّلَفِ فِي هَذَا الْمَقَامِ

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 96 الى 99]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 100 الى 102]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 103 الى 104]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 105]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 106 الى 108]

- ‌[سورة المائدة (5) : آية 109]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 110 الى 111]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 112 الى 115]

- ‌ذِكْرُ أَخْبَارٍ رُوِيَتْ عَنِ السَّلَفِ فِي نُزُولِ الْمَائِدَةِ عَلَى الْحَوَارِيِّينَ

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 116 الى 118]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 119 الى 120]

- ‌سورة الأنعام

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 4 الى 6]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 12 الى 16]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 17 الى 21]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 22 الى 26]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 27 الى 30]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 31 الى 32]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 33 الى 36]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 37 الى 39]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 40 الى 45]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 46 الى 49]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 50 الى 54]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 55 الى 59]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 60 الى 62]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 63 الى 65]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 66 الى 69]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 70]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 71 الى 73]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 74 الى 79]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 80 الى 83]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 84 الى 90]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 91 الى 92]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 93 الى 94]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 95 الى 97]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 98 الى 99]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 100]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 101]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 102 الى 103]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 104 الى 105]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 106 الى 107]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 108]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 109 الى 110]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 111]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 112 الى 113]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 114 الى 115]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 116 الى 117]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 118 الى 119]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 120]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 121]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 122]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 123 الى 124]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 125]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 126 الى 127]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 128]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 129]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 130]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 131 الى 132]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 133 الى 135]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 136]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 137]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 138]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 139]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 140]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 141 الى 142]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 143 الى 144]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 145]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 146]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 147]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 148 الى 150]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 151]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 152]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 153]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 154 الى 155]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 156 الى 157]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 158]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 159]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 160]

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 161 الى 163]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 164]

- ‌[سورة الأنعام (6) : آية 165]

- ‌سورة الأعراف

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 4 الى 7]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 8 الى 9]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 10]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 11]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 12]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 13 الى 15]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 16 الى 17]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 18]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 19 الى 21]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 22 الى 23]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 24 الى 25]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 26]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 27]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 28 الى 30]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 31]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 32]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 33]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 34 الى 36]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 37]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 38 الى 39]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 40 الى 41]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 42 الى 43]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 44 الى 45]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 46 الى 47]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 48 الى 49]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 50 الى 51]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 52 الى 53]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 54]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 55 الى 56]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 57 الى 58]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 59 الى 62]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 63 الى 64]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 65 الى 69]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 70 إِلًى 72]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 73 الى 78]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 79]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 80 الى 81]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 82]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 83 الى 84]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 85]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 86 الى 87]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 88 الى 89]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 90 الى 92]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 93]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 94 الى 95]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 96 الى 99]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 100]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 101 الى 102]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 103]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 104 الى 106]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 107 الى 108]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 109 الى 110]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 111 الى 112]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 113 الى 114]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 115 الى 116]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 117 الى 122]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 123 الى 126]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 127 الى 129]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 130 الى 131]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 132 الى 135]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 136 الى 137]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 138 الى 139]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 140 الى 141]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 142]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 143]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 144 الى 145]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 146 الى 147]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 148 الى 149]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 150 الى 151]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 152 الى 153]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 154]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 155 الى 156]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 157]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 158]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 159]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 160 الى 162]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 163]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 164 الى 166]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 167]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 168 الى 170]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 171]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 172 الى 174]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 175 الى 177]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 178]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 179]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 180]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 181]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 182 الى 183]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 184]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 185]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 186]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 187]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 188]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 189 الى 190]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 191 الى 198]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 199 الى 200]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 201 الى 202]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 203]

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 204]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 205 الى 206]

- ‌فهرس المحتويات

- ‌سورة المائدة

- ‌سورة الأنعام

- ‌سورة الأعراف

الفصل: ‌[سورة المائدة (5) : آية 6]

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «1» : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو هِلَالٍ عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَقَدْ هَمَمْتُ أن لا أَدَعَ أَحَدًا أَصَابَ فَاحِشَةً فِي الْإِسْلَامِ أَنْ يَتَزَوَّجَ مُحْصَنَةً، فَقَالَ لَهُ أُبِيُّ بْنُ كَعْبٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، الشِّرْكُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ يُقْبَلُ مِنْهُ إِذَا تَابَ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ على هذه المسألة مستقصى عِنْدَ قَوْلِهِ: الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [النُّورِ: 6] ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى هَاهُنَا وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ.

[سورة المائدة (5) : آية 6]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماء فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)

قَالَ كَثِيرُونَ من السلف في قوله: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ: يعني وَأَنْتُمْ مُحْدِثُونَ، وَقَالَ آخَرُونَ: إِذَا قُمْتُمْ مِنَ النَّوْمِ إِلَى الصَّلَاةِ، وَكِلَاهُمَا قَرِيبٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْمَعْنَى أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، فَالْآيَةُ آمِرَةٌ بِالْوُضُوءِ عِنْدَ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ، وَلَكِنْ هُوَ في حق المحدث واجب، وفي حق المتطهر ندب، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْأَمْرَ بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ كَانَ وَاجِبًا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ نُسِخَ، وقال الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ «2» : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ وَصَلَّى الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ فَعَلْتَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُهُ. قَالَ «إِنِّي عَمْدًا فَعَلْتُهُ يَا عُمَرُ» ، وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَهْلُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، وَوَقَعَ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ بَدَلَ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «3» : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ مُوسَى، أَخْبَرْنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الطُّفَيْلِ الْبَكَّائِيُّ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ الْمُبَشِّرِ قَالَ: رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا بَالَ أَوْ أَحْدَثَ، تَوَضَّأَ وَمَسَحَ بِفَضْلِ طَهُورِهِ الْخُفَّيْنِ، فَقُلْتُ: أَبَا عبد الله، أشيء تَصْنَعُهُ بِرَأْيِكَ؟ قَالَ: بَلْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُهُ، فَأَنَا أَصْنَعُهُ كَمَا رأيت رسول الله يصنعه، وكذا رواه

(1) تفسير الطبري 4/ 445.

(2)

مسند أحمد 5/ 358.

(3)

تفسير الطبري 4/ 452.

ص: 39

ابْنُ مَاجَهْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ تَوْبَةٍ، عَنْ زِيَادٍ الْبَكَّائِيِّ بِهِ.

وَقَالَ أَحْمَدُ «1» : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَرَأَيْتَ وُضُوءَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لِكُلِّ صَلَاةٍ طَاهِرًا كَانَ أَوْ غَيْرَ طَاهِرٍ، عَمَّنْ هُوَ؟ قَالَ: حَدَّثَتْهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَنْظَلَةَ بْنِ الْغَسِيلِ، حَدَّثَهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ أُمِرَ بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ طَاهِرًا كَانَ أَوْ غَيْرَ طَاهِرٍ، فَلَمَّا شَقَّ ذلك عليه أُمِرَ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَوُضِعَ عَنْهُ الْوُضُوءَ إِلَّا مِنْ حَدَثٍ، فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَرَى أَنَّ بِهِ قُوَّةً عَلَى ذَلِكَ كَانَ يفعله حتى مات.

وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ «2» عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَوْفٍ الحمصي «3» عن أحمد بن خالد الذهني، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يحيى بن حبان، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، فَقَالَ عبيد اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: يَعْنِي كَمَا تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ.

وَأَيًّا مَا كَانَ، فَهُوَ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ وَالسَّمَاعِ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، فَزَالَ مَحْذُورُ التَّدْلِيسِ، لَكِنْ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: رَوَاهُ سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ وَعَلِيُّ بْنُ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ بِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَفِي فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا وَمُدَاوَمَتِهِ عَلَى إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ دَلَالَةٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «4» : حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عن ابن سيرين: أن الخلفاء كانوا يتوضؤون لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ مَسْعُودَ بْنَ عَلِيِّ الشَّيْبَانِيَّ، سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُولُ:

كَانَ عَلِيٌّ رضي الله عنه يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَيَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ الْآيَةَ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، أَخْبَرْنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنِ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ قَعَدَ لِلنَّاسِ فِي الرَّحَبَةِ، ثُمَّ أُتِيَ بِمَاءٍ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ، وَقَالَ: هَذَا وُضُوءُ مَنْ لَمْ يُحْدِثْ، وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ: أَنَّ عَلِيًّا اكْتَالَ مِنْ حُبٍّ، فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا فِيهِ تَجَوُّزٌ، فَقَالَ: هَذَا وُضُوءُ مَنْ لَمْ يحدث، وهذه طرق جيدة عن علي يقوي بعضها بعضا.

(1) مسند أحمد 5/ 225.

(2)

سنن أبي داود (طهارة باب 25) .

(3)

في أبي داود: «الطائي» . [.....]

(4)

تفسير الطبري 4/ 453.

ص: 40

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «1» أَيْضًا: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:

تَوَضَّأَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَضَوْءًا فِيهِ تَجَوَّزَ خَفِيفًا، فَقَالَ: هَذَا وُضُوءُ مَنْ لَمْ يُحْدِثْ، وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بن سيرين: كان الخلفاء يتوضؤون لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ قَتَادَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّهُ قَالَ: الْوُضُوءُ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ اعْتِدَاءٌ، فَهُوَ غَرِيبٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، ثُمَّ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ مَنِ اعْتَقَدَ وَجُوبَهَ فَهُوَ مُعْتَدٍ، وَأَمَّا مَشْرُوعِيَّتُهُ اسْتِحْبَابًا فَقَدْ دَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «2» : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيِّ، سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، قَالَ: قُلْتُ: فَأَنْتُمْ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ؟ قال: كنا نصلي الصلوات كلها بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ مَا لَمْ نُحْدِثْ، وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَهْلُ السُّنَنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ بِهِ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «3» : حدثنا أَبُو سَعِيدٍ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ هُرَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ، هُوَ الْإِفْرِيقِيُّ، عَنْ أَبِي غُطَيْفٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى طُهْرٍ، كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ» وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنِ الْإِفْرِيقِيِّ، عَنْ أَبِي غُطَيْفٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فَذَكَرَهُ، وَفِيهِ قِصَّةٌ. وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ الْإِفْرِيقِيِّ بِهِ نَحْوَهُ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: وهو إسناد ضعيف.

وقال ابْنُ جَرِيرٍ «4» : وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ إِعْلَامًا مِنَ اللَّهِ أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَجِبُ إِلَّا عِنْدَ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الْأَعْمَالِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ عليه السلام كَانَ إِذَا أَحْدَثَ امْتَنَعَ مِنَ الْأَعْمَالِ كُلِّهَا حَتَّى يَتَوَضَّأَ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ علقمة بن وقاص، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:

كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَاقَ الْبَوْلَ» نُكَلِّمُهُ فَلَا يُكَلِّمُنَا، وَنُسَلِّمُ عَلَيْهِ فَلَا يَرُدُّ عَلَيْنَا، حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الرُّخْصَةِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ الْآيَةَ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ بِهِ نَحْوَهُ، وَهُوَ حَدِيثٌ غريب جدا، وجابر هذا هو ابن زيد الْجُعْفِيُّ ضَعَّفُوهُ.

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ «5» : حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِنَ الْخَلَاءِ فَقُدِّمَ إِلَيْهِ طَعَامٌ، فقالوا: ألا نأتيك

(1) تفسير الطبري 4/ 453.

(2)

مسند أحمد 3/ 132.

(3)

تفسير الطبري 4/ 455.

(4)

المصدر السابق.

(5)

سنن أبي داود (أطعمة باب 11) .

ص: 41

بِوَضُوءٍ؟ فَقَالَ «إِنَّمَا أُمِرْتُ بِالْوُضُوءِ إِذَا قُمْتُ إِلَى الصَّلَاةِ» وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ، وَالنَّسَائِيِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ وَهُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.

وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دينار، عن سَعِيدِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَتَى الْخَلَاءَ ثُمَّ إِنَّهُ رَجَعَ فَأُتِيَ بِطَعَامٍ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَتَوَضَّأُ؟ فَقَالَ «لِمَ؟ أَأُصْلِي فَأَتَوَضَّأُ» .

وَقَوْلُهُ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ قَدِ استدل طائفة من العلماء بقوله تعالى: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ عَلَى وُجُوبِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ، لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْكَلَامِ إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ لَهَا كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: إِذَا رَأَيْتَ الْأَمِيرَ فَقُمْ، أَيْ لَهُ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثُ «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» «1» ، وَيُسْتَحَبُّ قَبْلَ غَسْلِ الْوَجْهِ أَنْ يُذْكَرَ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وُضُوئِهِ، لِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ طُرُقٍ جَيِّدَةٍ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ» «2» ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْسِلَ كَفَّيْهِ قَبْلَ إِدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنَ النَّوْمِ، لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يُدْخِلُ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» «3» .

وَحَدُّ الْوَجْهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مَا بَيْنَ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِالصَّلَعِ وَلَا بِالْغَمَمِ»

إِلَى مُنْتَهَى اللَّحْيَيْنِ وَالذَّقْنِ طُولًا، وَمِنَ الْأُذُنِ إِلَى الْأُذُنِ عَرْضًا وَفِي النَّزْعَتَيْنِ وَالتَّحْذِيفِ «5» خِلَافٌ:

هَلْ هُمَا مِنَ الرَّأْسِ أَوِ الْوَجْهِ؟ وَفِي الْمُسْتَرْسِلِ مِنَ اللِّحْيَةِ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ قَوْلَانِ [أَحَدُهُمَا] أَنَّهُ يَجِبُ إِفَاضَةُ الْمَاءِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تَقَعُ بِهِ الْمُوَاجَهَةُ.

وَرُوِيَ فِي حَدِيثٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا مُغَطِّيًا لِحْيَتَهُ فَقَالَ «اكْشِفْهَا فَإِنَّ اللِّحْيَةَ مِنَ الْوَجْهِ» وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ مِنَ الْوَجْهِ، أَلَا تَسْمَعُ إِلَى قَوْلِ الْعَرَبِ فِي الْغُلَامِ إِذَا نَبَتَتْ لِحْيَتُهُ: طَلَعَ وَجْهُهُ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُتَوَضِّئِ أَنْ يُخَلِّلَ لِحْيَتَهُ إِذَا كانت كثيفة. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا إسرائيل عن عامر بن حمزة، عن شقيق قال: رأيت عثمان يتوضأ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ: وَخَلَّلَ اللِّحْيَةَ ثَلَاثًا حِينَ غَسَلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فعل الذي

(1) صحيح البخاري (بدء الوحي باب 1 وإيمان باب 41) وصحيح مسلم (إمارة حديث 155) .

(2)

سنن أبي داود (طهارة باب 48) ومسند أحمد 2/ 418، جميعا عن أبي هريرة.

(3)

صحيح البخاري (وضوء باب 26) وموطأ مالك (طهارة حديث 9) ومسند أحمد 2/ 465.

(4)

الغمم: أن يسيل الشعر من الرأس في الوجه والقفا، فتضيق الجبهة ويصغر القفا. والأنزع: الذي انحر الشعر على جانبي ناصيتيه.

(5)

التحذيف من الرأس: ما تنحّي النساء الشعر عنه، ويقع في جانب الوجه.

ص: 42

رَأَيْتُمُونِي فَعَلْتُ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَحَسَّنَهُ الْبُخَارِيُّ.

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ «1» : حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُلَيْحِ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ زَوْرَانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ، أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ يُخَلِّلُ بِهِ لِحْيَتَهُ، وَقَالَ «هَكَذَا أَمَرَنِي بِهِ رَبِّي عز وجل» تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ.

وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرُوِّينَا فِي تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ عَنْ عَمَّارٍ وَعَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ عَنْ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ، وَرُوِّينَا فِي الرُّخْصَةِ فِي تَرْكِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، ثُمَّ عَنِ النَّخَعِيِّ وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعَيْنِ.

وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، فَاخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِي ذَلِكَ هَلْ هُمَا وَاجِبَانِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رحمه الله، أَوْ مُسْتَحَبَّانِ فِيهِمَا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ، لِمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ عَنْ رَفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرْقِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ للمسيء صِلَاتِهِ «تَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ» ، أَوْ يَجِبَانِ فِي الْغَسْلِ دُونَ الْوُضُوءِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، أَوْ يَجِبُ الِاسْتِنْشَاقُ دُونَ الْمَضْمَضَةِ كَمَا هُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال «من توضأ فليستنشق» ، وَفِي رِوَايَةٍ «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي مَنْخِرَيْهِ مِنَ الْمَاءِ ثُمَّ لِيَنْتَثِرْ» «2» وَالِانْتِثَارُ هُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي الِاسْتِنْشَاقِ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «3» : حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وجهه، أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَتَمَضْمَضَ بِهَا وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً فَجَعَلَ بِهَا هَكَذَا، يَعْنِي أضافها إلى يده الأخرى، فغسل بها وَجْهَهُ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ الْيُمْنَى، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ الْيُسْرَى، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ ثُمَّ رَشَّ عَلَى رِجْلِهِ الْيُمْنَى حَتَّى غَسْلَهَا، ثُمَّ أخذ غرفة من ماء فَغَسَلَ بِهَا رِجْلَهُ الْيُسْرَى، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي يَتَوَضَّأُ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ مَنْصُورِ بْنِ سَلَمَةَ الْخُزَاعِيِّ بِهِ.

وَقَوْلُهُ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ أَيْ مَعَ الْمَرَافِقِ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً [النِّسَاءِ: 2] وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَبُو بكر البيهقي من

(1) سنن أبي داود (طهارة باب 57) .

(2)

صحيح البخاري (وضوء باب 26) أما الحديث الذي قبل هذا فقد وجدناه في صحيح البخاري (صوم باب 28) وصحيح مسلم (طهارة حديث 21) بلفظ: «إذا توضأ أحدكم فليستنشق بمنخريه من الماء» .

(3)

مسند أحمد 1/ 268. [.....]

ص: 43

طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ جَابِرِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:

كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا تَوَضَّأَ أَدَارَ الْمَاءَ عَلَى مِرْفَقَيْهِ، وَلَكِنِ الْقَاسِمُ هَذَا مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَجَدُّهُ ضَعِيفٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَيُسْتَحَبُّ للمتوضئ أن يشرع في العضد فيغسله مَعَ ذِرَاعَيْهِ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ» «1» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ قتادة عَنْ خَلَفِ بْنِ خَلِيفَةَ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:

سَمِعْتُ خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوُضُوءُ» «2» .

وقوله تعالى وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْبَاءِ: هَلْ هِيَ لِلْإِلْصَاقِ؟ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، أَوْ لِلتَّبْعِيضِ؟ وَفِيهِ نَظَرٌ، عَلَى قَوْلَيْنِ. وَمِنَ الْأُصُولِيِّينَ مَنْ قَالَ: هَذَا مُجْمَلٌ فَلْيُرْجَعْ فِي بَيَانِهِ إِلَى السُّنَّةِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ، وَهُوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ: نَعَمْ فَدَعَا بِوُضُوءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غسل يديه مرتين إلى المرفقين، ثم مسح رأسه بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ «3» . وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ عَلِيٍّ فِي صِفَةِ وَضَوْءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَحْوُ هَذَا، وَرَوَى أبو داود عن معاوية والمقداد بن معديكرب فِي صِفَةِ وَضَوْءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ، فَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دَلَالَةٌ لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى وُجُوبِ تَكْمِيلِ مَسْحِ جَمِيعِ الرَّأْسِ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ لَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا خَرَجَتْ مَخْرَجَ الْبَيَانِ لِمَا أُجْمِلَ فِي الْقُرْآنِ.

وَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ مَسْحِ رُبْعِ الرَّأْسِ، وَهُوَ مِقْدَارُ النَّاصِيَةِ، وَذَهَبَ أَصْحَابُنَا إِلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَجِبُ مَا يُطْلَقُ عليه اسم مسح ولا يقدر ذَلِكَ بِحَدٍّ، بَلْ لَوْ مَسَحَ بَعْضَ شَعْرِهِ مِنْ رَأْسِهِ أَجْزَأَهُ، وَاحْتَجَّ الْفَرِيقَانِ بِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: تَخَلَّفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَتَخَلَّفْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ قَالَ: هَلْ مَعَكَ مَاءٌ؟ فَأَتَيْتُهُ بِمِطْهَرَةٍ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ، ثُمَّ ذَهَبَ يَحْسِرُ عَنْ ذِرَاعَيْهِ فَضَاقَ كُمُّ الْجُبَّةِ، فَأَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنْ تَحْتِ الْجُبَّةِ، وَأَلْقَى الْجُبَّةَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، فَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ وَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ، وَعَلَى الْعِمَامَةِ وَعَلَى خُفَّيْهِ، وَذَكَرَ باقي الحديث وهو في صحيح مسلم «4»

(1) صحيح البخاري (وضوء باب 3) وصحيح مسلم (طهارة حديث 34- 35) .

(2)

صحيح مسلم (طهارة حديث 40) وسنن النسائي (طهارة باب 109) .

(3)

موطأ مالك (طهارة حديث 1) وفيه: «أنه قال لعبد الله بن زيد» في موضع «أن رجلا قال

» .

(4)

صحيح مسلم (طهارة حديث 81) وسنن النسائي (طهارة باب 86) .

ص: 44

وَغَيْرِهِ، فَقَالَ لَهُمْ أَصْحَابُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: إِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ النَّاصِيَةِ لِأَنَّهُ كَمَّلَ مَسْحَ بَقِيَّةِ الرَّأْسِ عَلَى الْعِمَامَةِ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِذَلِكَ وَأَنَّهُ يَقَعُ عَنِ الْمَوْقِعِ، كَمَا وَرَدَتْ بِذَلِكَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وَأَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْعِمَامَةِ وَعَلَى الْخُفَّيْنِ، فَهَذَا أَوْلَى، وَلَيْسَ لَكُمْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَسْحِ النَّاصِيَةِ أَوْ بَعْضِ الرَّأْسِ مِنْ غَيْرِ تَكْمِيلٍ عَلَى الْعِمَامَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ مَسْحِ الرَّأْسِ ثَلَاثًا، كَمَا هو المشهور من مذهب الشافعي، أو يُسْتَحَبُّ مَسْحَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَمَنْ تَابَعَهُ عَلَى قَوْلَيْنِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَبَانٍ، قَالَ:

رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ تَوَضَّأَ فأفرغ على يديه ثلاثا، فغسلهما ثم تمضمض وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى ثَلَاثًا، ثُمَّ الْيُسْرَى ثَلَاثًا مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيْهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ «1» مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ بِهِ نَحْوَ هَذَا. وُفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ «2» مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُثْمَانَ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَكَذَا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ عَلِيٍّ مِثْلُهُ. وَاحْتَجَّ مَنِ اسْتَحَبَّ تَكْرَارَ مَسْحِ الرَّأْسِ بِعُمُومِ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا.

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ «3» : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ وَرْدَانَ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِي حُمْرَانُ قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ تَوَضَّأَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ، قَالَ فِيهِ: ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم توضأ هكذا، وقال «من توضأ هكذا «4» كَفَاهُ» تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ. ثُمَّ قَالَ: وأحاديث عثمان في الصِّحَاحُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَسَحَ الرَّأْسَ مَرَّةً واحدة.

قوله وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ قُرِئَ وَأَرْجُلَكُمْ بِالنَّصْبِ عَطْفًا على فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَهَا وَأَرْجُلَكُمْ، يَقُولُ: رَجَعَتْ إِلَى الْغَسْلِ، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعُرْوَةَ وَعَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ وَالْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَالضِّحَاكِ والسُّدِّيِّ وَمُقَاتِلِ بْنِ حيان

(1) صحيح البخاري (وضوء باب 24 و 28) وصحيح مسلم (طهارة حديث 3 و 4 و 8) .

(2)

سنن أبي داود (طهارة باب 51) .

(3)

المصدر السابق.

(4)

في أبي داود: «من توضأ دون هذا كفاه» . وأضاف: ولم يذكر أمر الصلاة.

ص: 45

وَالزُّهْرِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ نَحْوُ ذَلِكَ، وَهَذِهِ قِرَاءَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي وُجُوبِ الْغَسْلِ، كَمَا قَالَهُ السَّلَفُ، وَمِنْ هَاهُنَا ذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى وُجُوبِ الترتيب في الوضوء كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ لَمْ يَشْتَرِطِ التَّرْتِيبَ، بَلْ لَوْ غَسَلَ قَدَمَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ، وَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ وَجْهَهُ، أَجَزْأَهُ ذَلِكَ، لَأَنَّ الْآيَةَ أَمَرَتْ بِغَسْلِ هذه الأعضاء، والواو لَا تَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ، وَقَدْ سَلَكَ الْجُمْهُورُ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا الْبَحْثِ طُرُقًا، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْآيَةُ دَلَّتْ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ الْوَجْهِ ابْتِدَاءً عِنْدَ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ، لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ وَهِيَ مُقْتَضِيَةٌ لِلتَّرْتِيبِ، وَلَمْ يُقِلْ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ بِوُجُوبِ غَسْلِ الْوَجْهِ أَوَّلًا، ثُمَّ لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ بَعْدَهُ، بل القائل اثنان: أحدهما بوجوب التَّرْتِيبَ كَمَا هُوَ وَاقِعٌ فِي الْآيَةِ، وَالْآخَرُ يَقُولُ: لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ مُطْلَقًا، وَالْآيَةُ دَلَّتْ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ الْوَجْهِ ابْتِدَاءً، فَوَجَبَ التَّرْتِيبُ فِيمَا بَعْدَهُ بِالْإِجْمَاعِ حَيْثُ لَا فَارِقَ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنْ الْوَاوَ لَا تَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ بَلْ هِيَ دَالَّةٌ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ طَائِفَةٍ مِنَ النُّحَاةِ وَأَهْلِ اللُّغَةِ وَبَعْضِ الْفُقَهَاءِ، ثُمَّ نَقُولُ بِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِ كَوْنِهَا لَا تَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ اللُّغَوِيِّ هِيَ دَالَّةٌ عَلَى التَّرْتِيبِ شَرْعًا فِيمَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُرَتَّبَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا طَافَ بِالْبَيْتِ خَرَجَ مِنْ بَابِ الصَّفَا وَهُوَ يَتْلُو قَوْلَهُ تَعَالَى: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ [الْبَقَرَةِ: 158] ، ثُمَّ قَالَ «أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» لَفْظُ مُسْلِمٍ، وَلَفْظُ النَّسَائِيِّ «ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» وَهَذَا لَفْظُ أَمْرٍ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْبُدَاءَةِ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ، وَهُوَ مَعْنَى كَوْنِهَا تَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ شَرْعًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَمَّا ذَكَرَ الله تَعَالَى هَذِهِ الصِّفَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، فَقَطَعَ النَّظِيرَ عَنِ النَّظِيرِ، وَأَدْخَلَ الْمَمْسُوحَ بَيْنَ الْمَغْسُولَيْنِ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى إِرَادَةِ التَّرْتِيبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ:

لَا شَكَّ أَنَّهُ قَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، ثُمَّ قَالَ «هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إِلَّا بِهِ» قَالُوا: فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ تَوَضَّأْ مُرَتِّبًا فَيَجِبُ التَّرْتِيبُ، أَوْ يَكُونَ تَوَضَّأْ غَيْرَ مُرَتِّبٍ فَيَجِبُ عَدَمُ التَّرْتِيبِ، وَلَا قَائِلَ بِهِ، فَوَجَبَ ما ذكرناه.

وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ الْأُخْرَى وَهِيَ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: وَأَرْجُلِكُمْ بِالْخَفْضِ، فَقَدِ احْتَجَّ بِهَا الشِّيعَةُ فِي قَوْلِهِمْ بِوُجُوبِ مَسْحِ الرِّجْلَيْنِ، لِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَسْحِ الرَّأْسِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ السَّلَفِ مَا يُوهِمُ الْقَوْلَ بِالْمَسْحِ فَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «1» : حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ قَالَ: قَالَ مُوسَى بْنُ أَنَسٍ لِأَنَسٍ وَنَحْنُ عِنْدَهُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، إِنَّ الْحَجَّاجَ خَطَبَنَا بِالْأَهْوَازِ وَنَحْنُ مَعَهُ، فذكر الطهور فقال: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ وامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ، وإنه ليس شيء من بني آدَمَ أَقْرَبَ مِنْ خَبَثِهِ مِنْ قَدَمَيْهِ، فَاغْسِلُوا بطونهما

(1) تفسير الطبري 4/ 469.

ص: 46

وظهورهما وعراقيبهما، فَقَالَ أَنَسٌ: صَدَقَ اللَّهُ، وَكَذَبَ الْحَجَّاجُ، قَالَ الله تعالى: وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ قَالَ: وَكَانَ أَنَسٌ إِذَا مَسَحَ قَدَمَيْهِ بَلَّهُمَا، إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ:

نزل القرآن بالمسح والسنة بالغسل «1» ، وَهَذَا أَيْضًا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ الْخُرَاسَانِيُّ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْوُضُوءُ غَسْلَتَانِ وَمَسْحَتَانِ «2» ، وَكَذَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ الْمِنْقَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ عن ابن عباس وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ قَالَ: هُوَ الْمَسْحُ، ثُمَّ قَالَ: وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَعَلْقَمَةَ وَأَبِي جعفر مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَالْحَسَنِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَمُجَاهِدٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ، ونحوه.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ قَالَ: رَأَيْتُ عِكْرِمَةَ يَمْسَحُ عَلَى رِجْلَيْهِ، قَالَ: وَكَانَ يَقُولُهُ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: نَزَلَ جِبْرِيلُ بِالْمَسْحِ، ثُمَّ قَالَ الشَّعْبِيُّ: أَلَّا تَرَى أَنَّ التَّيَمُّمَ أَنْ يَمْسَحَ مَا كَانَ غَسْلًا وَيُلْغِيَ مَا كَانَ مَسْحًا. وَحَدَّثَنَا ابن أبي زياد، أَخْبَرْنَا إِسْمَاعِيلُ قُلْتُ لِعَامِرٍ:

إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: إِنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ بِغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ؟ فَقَالَ: نَزَلَ جِبْرِيلُ بِالْمَسْحِ، فَهَذِهِ آثَارٌ غَرِيبَةٌ جِدًّا، وَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَسْحِ هُوَ الْغَسْلُ الْخَفِيفُ لِمَا سَنَذْكُرُهُ مِنَ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ فِي وُجُوبِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ، وَإِنَّمَا جَاءَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ بِالْخَفْضِ إِمَّا عَلَى الْمُجَاوَرَةِ وَتَنَاسُبِ الْكَلَامِ كَمَا فِي قَوْلِ الْعَرَبِ: جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ [الْإِنْسَانِ: 21] وهذا ذائع شائع في لغة العرب سائغ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَسْحِ الْقَدَمَيْنِ إِذَا كَانَ عَلَيْهِمَا الْخُفَّانِ، قَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ، هِيَ دَالَّةٌ عَلَى مَسْحِ الرِّجْلَيْنِ، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْغَسْلُ الْخَفِيفُ كَمَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَالْوَاجِبُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ فَرْضًا لَا بُدَّ مِنْهُ لِلْآيَةِ وَالْأَحَادِيثِ الَّتِي سَنُورِدُهَا، وَمِنْ أَحْسَنِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمَسْحَ يُطْلَقُ عَلَى الْغَسْلِ الْخَفِيفِ مَا رَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ حَيْثُ قَالَ: أَخْبَرْنَا أَبُو علي الروزبادي، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حمويه الْعَسْكَرِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَلَانِسِيُّ، حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ، سَمِعْتُ النَّزَّالَ بْنَ سَبْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ قَعَدَ فِي حَوَائِجِ النَّاسِ فِي رَحَبَةِ الْكُوفَةِ حَتَّى حَضَرَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ، ثُمَّ أُتِيَ بِكُوزٍ مِنْ مَاءٍ فَأَخَذَ مِنْهُ حَفْنَةً وَاحِدَةً، فَمَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَرَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ، ثُمَّ قام فشرب فضلته وهو

(1) المصدر السابق.

(2)

المصدر نفسه.

ص: 47