الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنْ آيَاتِي.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «1» : وَهَذَا يَدُلُّ على أن هذا الخطاب لِهَذِهِ الْأُمَّةِ، قُلْتُ لَيْسَ هَذَا بِلَازِمٍ لِأَنَّ ابْنَ عُيَيْنَةَ إِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ هَذَا مُطَّرِدٌ فِي حَقِّ كُلِّ أُمَّةٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَحَدٍ وَأَحَدٍ فِي هَذَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِها كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ [يُونُسَ: 96- 97] .
وَقَوْلُهُ وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا أَيْ وَإِنْ ظَهَرَ لَهُمْ سَبِيلُ الرُّشْدِ أَيْ طَرِيقُ النَّجَاةِ لَا يَسْلُكُوهَا، وَإِنْ ظَهَرَ لَهُمْ طَرِيقُ الْهَلَاكِ وَالضَّلَالِ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا، ثُمَّ عَلَّلَ مَصِيرَهُمْ إِلَى هَذِهِ الْحَالِ بِقَوْلِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا أَيْ كَذَّبَتْ بِهَا قُلُوبُهُمْ وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ أَيْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا مِمَّا فِيهَا، وَقَوْلُهُ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ أَيْ مَنْ فَعَلَ مِنْهُمْ ذَلِكَ وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ إِلَى الْمَمَاتِ حَبِطَ عَمَلُهُ، وَقَوْلُهُ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كانُوا يَعْمَلُونَ أَيْ إِنَّمَا نُجَازِيهِمْ بِحَسْبِ أَعْمَالِهِمُ الَّتِي أَسْلَفُوهَا إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنَّ شَرًّا فَشَرٌّ وَكَمَا تَدِينُ تُدَانُ.
[سورة الأعراف (7) : الآيات 148 الى 149]
وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ (148) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (149)
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ ضَلَالِ مَنْ ضَلَّ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي عِبَادَتِهِمُ الْعِجْلَ الَّذِي اتَّخَذَهُ لَهُمُ السَّامِرِيُّ، مِنْ حُلِيِّ الْقِبْطِ الَّذِي كَانُوا اسْتَعَارُوهُ مِنْهُمْ فَشَكَّلَ لَهُمْ مِنْهُ عِجْلًا، ثُمَّ أَلْقَى فِيهِ الْقَبْضَةَ مِنَ التُّرَابِ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ أَثَرِ فَرَسِ جِبْرِيلَ عليه السلام، فَصَارَ عِجْلًا جَسَدًا له خوار: والخوار صَوْتُ الْبَقَرِ، وَكَانَ هَذَا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَهَابِ موسى لميقات ربه تعالى فأعلمه اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ وَهُوَ عَلَى الطُّورِ، حَيْثُ يَقُولُ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ نَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ [طه: 85] .
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذَا الْعِجْلِ هَلْ صَارَ لَحْمًا وَدَمًا لَهُ خُوَارٌ أَوِ اسْتَمَرَّ عَلَى كَوْنِهِ مَنْ ذَهَبٍ إِلَّا أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الْهَوَاءُ فَيُصَوِّتُ كَالْبَقَرِ عَلَى قَوْلَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَيُقَالُ إِنَّهُمْ لَمَّا صَوَّتَ لَهُمُ الْعِجْلُ رَقَصُوا حَوْلَهُ وَافْتَتَنُوا بِهِ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ [طه: 88] قال اللَّهُ تَعَالَى:
أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً [طه: 88] .
وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا يُنْكِرُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فِي ضَلَالِهِمْ بِالْعِجْلِ وَذُهُولِهِمْ عن خالق السموات وَالْأَرْضِ وَرَبِّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكِهِ أَنْ عَبَدُوا مَعَهُ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يُرْشِدُهُمْ إِلَى خَيْرٍ وَلَكِنْ غَطَّى عَلَى أعين بصائرهم
(1) تفسير الطبري 6/ 60.