المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة الأعلى وتسمى سورة سبح، والجمهور على أنها مكية وحكى ابن - تفسير الألوسي = روح المعاني - جـ ١٥

[الألوسي، شهاب الدين]

الفصل: ‌ ‌سورة الأعلى وتسمى سورة سبح، والجمهور على أنها مكية وحكى ابن

‌سورة الأعلى

وتسمى سورة سبح، والجمهور على أنها مكية وحكى ابن الفرس عن بعضهم أنها مدنية لذكر صلاة العيد وزكاة الفطر فيها، ورده الجلال السيوطي بما أخرج البخاري وابن سعد وابن أبي شيبة عن البراء بن عازب قال: أول من قدم علينا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير وابن أم مكتوم فجعلا يقرآن القرآن ثم جاء عمار وبلال وسعد ثم جاء عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه في عشرين ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به عليه الصلاة والسلام حتى رأيت الولائد والصبيان يقولون: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء فما جاء عليه الصلاة والسلام حتى قرأت سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى في سور مثلها ثم أن ذكر صلاة العيد وزكاة الفطر فيها غير مسلم ولو سلم فلا دلالة فيه على ذلك كما سيأتي إن شاء الله تعالى تفصيله، وهي تسع عشرة آية بلا خلاف ووجه مناسبتها لما قبلها أنه ذكر في سورة الطارق خلق الإنسان وأشير إلى خلق النبات بقوله تعالي وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ [الطارق: 12] وذكرا هاهنا في قوله تعالى خَلَقَ فَسَوَّى [الأعلى: 2] وقوله سبحانه أَخْرَجَ الْمَرْعى فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى [الأعلى: 4، 5] وقصة النبات هنا أوضح وأبسط كما أن قصة خلق الإنسان هناك كذلك، نعم إن ما في هذه السورة أعم من جهة شموله للإنسان وسائر المخلوقات وكان صلى الله عليه وسلم يحبها.

أخرج الإمام أحمد والبزار وابن مردويه عن علي كرم الله تعالى وجهه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب هذه السورة سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى

وجاء في حديث أخرجه أبو عبيد عن أبي تميم أنه عليه الصلاة والسلام سماها أفضل المسبحات

.

وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر في الركعة الأولى سَبِّحِ وفي الثانية قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وفي الثالثة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والمعوذتين وفي حديث أخرجه المذكورون وغيرهم إلّا الترمذي عن أبيّ بن كعب نحو ذلك

بيد أنه ليس فيه المعوذتان.

وأخرج ابن أبي شيبة والإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين ويوم الجمعة سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ وإن وافق يوم الجمعة قرأهما جميعا

.

وأخرج الطبراني عن عبد الله بن الحارث قال: آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب فقرأ في الركعة الأولى بسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية بقل يا أيها الكافرون.

ص: 313

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى أي نزه أسماءه عز وجل عما لا يليق فلا تؤول مما ورد منها اسما من غير مقتض ولا تبقه على ظاهره إذا كان ما وضع له مما لا يصح له تعالى ولا تطلقه على غيره سبحانه أصلا إذا كان مختصا كالاسم الجليل أو على وجه يشعر بأنه تعالى والغير فيه سواء إذ لم يكن مختصا فلا تقل لمن أعطاك شيئا مثلا: هذا رازقي على وجه يشعر بذلك، وصنه عن الابتذال والتلفظ به في محل لا يليق به كالخلاء وحالة التغوط وذكره لأعلى وجه الخشوع والتعظيم، وربما يعد مما لا يليق ذكره عند من يكره سماعه من غير ضرورة إليه. وعن الإمام مالك رضي الله تعالى عنه أنه كان إذا لم يجد ما يعطي السائل يقول: ما عندي ما أعطيك أو ائتني في وقت آخر أو نحو ذلك، ولا يقول نحو ما يقول الناس يرزقك الله تعالى أو يبعث الله تعالى لك أو يعطيك الله تعالى أو نحوه، فسئل عن ذلك فقال: إن السائل أثقل شيء على سمعه وأبغضه إليه قول المسئول له، ما يفيده رده وحرمانه، فأنا أجلّ اسم الله سبحانه من أن أذكره لمن يكره سماعه ولو في ضمن جملة وهذا منه رضي الله تعالى عنه غاية في الورع. وما ذكر من التفسير مبني على الظاهر من أن لفظ اسم غير مقحم، وذهب كثير إلى أنه مقحم وهو قد يقحم لضرب من التعظيم على سبيل الكناية ومنه قوله لبيد:

إلى الحول ثم اسم السلام عليكما فالمعنى نزه ربك عما لا يليق به من الأوصاف واستدل لهذا بما

أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة وغيرهم عن عقبة بن عامر الجهني قال: لما نزلت فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة: 74] قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجعلوها في ركوعكم» فلما نزلت سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قال: «اجعلوها في سجودكم»

. ومن المعلوم أن المجهول فيهما سبحان ربي العظيم وسبحان ربي الأعلى وبما

أخرج الإمام أحمد وأبو داود والطبراني والبيهقي في سننه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قال: «سبحان ربي الأعلى»

وروى عبد بن حميد وجماعة أن عليا كرم الله تعالى وجهه قرأ ذلك فقال سبحان ربي الأعلى وهو في الصلاة فقيل له أتزيد في القرآن قال لا إنما أمرنا بشيء ففعلته.

وفي الكشاف تسبيح اسمه تعالى تنزيهه عما لا يصح فيه من المعاني التي هي إلحاد في أسمائه سبحانه كالجبر والتشبيه مثلا وأن يصان عن الابتذال والذكر لا على وجه الخشوع والتعظيم فجعل المعنيين على ما قيل راجعين إلى الاسم وإن كان الأول بالحقيقة راجعا إليه عز وجل لكن كما يصح أن يقال نزه الذات عما لا يصح له من الأوصاف أن يقال أيضا نزه أسماءه تعالى الدالّة على الكمال عما لا يصح فيه من خلافه وليس المعنى الأول مبنيا على أن لفظ اسم مقحم ولا على أن المراد به المسمى إطلاقا لاسم الدال على المدلول نعم قال به بعضهم هنا وهو إن كان للأخبار السابقة كما في دعوى الإقحام فلا بأس، وإن كان لظن أن التسبيح لا يكون للألفاظ الموضوعة له تعالى فليس بشيء لفساد هذا الظن بظهور أن التسبيح يكون لها كما سمعت وقد قال الإمام إنه كما يجب تنزيه ذاته تعالى وصفاته حلّ وعلا عن النقائص يجب تنزيه الألفاظ

ص: 314

الموضوعة لذلك عن الرفث وسوء الأدب، ومن هذا يعلم ما في التعبير عنه تعالى شأنه بنحو ليلى ونعم كما يدعي ذلك في قول ابن الفارض قدس سره:

أبرق بدا من جانب الغور لامع

أم ارتفعت عن وجه ليلى البراقع

وقوله:

إذا أنعمت نعم عليّ بنظرة

فلا أسعدت سعدى ولا أجملت جمل

إلى غير ذلك من أبياته وقد عاب ذلك بعض الأجلّة وعدّه من سوء الأدب ومخالفا لقوله تعالى وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها [الأعراف: 180] الآية وأجاب بعضهم بأن ذلك ليس من الوضع في شيء وفهم الحضرة الإلهية من تلك الألفاظ إنما هو بطريق الإشارة كما قالوا في فهم النفس الأمارة من البقرة مثلا في قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً [البقرة: 67] والمنكر لا يقنع بهذا والأظهر أن يقال: إن الكلام المورد فيه ذلك من قبيل الاستعارة التمثيلية ولا نظر فيها إلى تشبيه المفردات بالمفردات فليس فيه التعبير عنه عز وجل بليلى ونحوها، واستعمال الاستعارة التمثيلية في شأنه تعالى مما لا بأس به حتى إنهم قالوه في البسملة كما لا يخفى على من تتبع رسائلهم فيها هذا ولعل عندهم خيرا منه. وقال جمع: الاسم بمعنى التسمية والمعنى نزه تسمية ربك بأن تذكره وأنت له سبحانه معظم ولذكره جل شأنه محترم، وأنت تعلم أن هذا يندرج في تسبيح الاسم كما تقدم. وعن ابن عباس أن المعنى صل باسم ربك الأعلى كما تقول: ابدأ باسم الله تعالى، وحذف حرف الجر حكاه في البحر ولا أظن صحته. وقال عصام الدين: لا يبعد أن يراد الاسم الأثر أي سبح آثار ربك الأعلى عن النقصان فإن أثره تعالى دال عليه سبحانه كالاسم فيكون منعا عن عيب المخلوقات أي من حيث إنها مخلوقة له تعالى على وجه ينافي قوله تعالى ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ [الملك: 3] ولا يخفى بعده وإن كان فيما بعد من الصفات ما يستأنس به له، وأنا أقول إن كان سَبِّحِ بمعنى نزه فكلا الأمرين من كون اسم مقحما وكونه غير مقحم وتعلق التسبيح به على الوجه الذي سمعت محتمل غير بعيد، وإذا كان معناه قل سبحان كما هو المعروف فيما بينهم فكونه مقحما متعين إذ لم يسمع سلفا وخلفا من يقول سبحان اسم ربي الأعلى أو سبحان اسم الله، والأخبار ظاهرة في ذلك وحمل ما فيها على اختيار الأخصر المستلزم لغيره كما ترى ويؤيد هذا قراءة أبيّ بن كعب كما في خبر سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن جبير «سبحان ربي الأعلى» وأما ما قيل من أن الاسم عين المسمى واستدل عليه بهذه الآية ونحوها فهو مما لا يعول عليه أصلا وقد تقدم الكلام أول الكتاب فارجع إليه إن أردته والْأَعْلَى صفة للرب وأريد بالعلو القهر والاقتدار لا بالمكان لاستحالته عليه سبحانه والسلف وإن لم يؤولوه بذلك لكنهم أيضا يقولون باستحالة العلو المكاني عليه عز وجل وجوز جعله صفة لاسم وعلوه ترفعه عن أن يشاركه اسم في حقيقة معناه. واستشكل بأن قوله تعالى الَّذِي خَلَقَ إلخ إن كان صفة للرب كما هو الظاهر لزم الفصل بين الموصوف وصفته بصفة غيره وهو لا يجوز فلا يقال: رأيت غلام هند العاقل الحسنة، وإن كان صفة لاسم أيضا اختل المعنى إذ الاسم لا يتصف بالخلق وما بعده. وأجيب باختيار الثاني ولا اختلال إما لأن الاسم بمعنى المسمى، أو لأنه لما كان مقحما كان اسْمَ رَبِّكَ بمنزلة ربك فصح وصفه بما يوصف به الرب عز وجل وفيه نظر والجواب المقبول أن الَّذِي على ذلك التقدير إما مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أو منصوب على المدح، ومفعول خَلَقَ محذوف ولذا قيل بالعموم أي

ص: 315

الذي خلق كل شيء فَسَوَّى أي فجعله متساويا وهو أصل معناه والمراد فجعل خلقه كما تقتضيه حكمته سبحانه في ذاته وصفاته وفي معناه ما قيل أي فجعل الأشياء سواء في باب الأحكام والإتقان لا أنه سبحانه أتقن بعضا دون بعض، وردّ بما دلت عليه الآية من العموم على المعتزلة في زعمهم أن العبد خالق لأفعاله والزمخشري مع أن مذهبه مذهبهم قال هنا بالعموم ولعله لم يرد العموم الحقيقي أو أراده لكن على لمعنى خلق كل شيء إما بالذات أو بالواسطة، وجعل ذلك في أفعال العباد بأقداره سبحانه وتمكينهم على خلقها باختيارهم وقدرهم الموهوبة لهم، وعن الكلبي خلق كل ذي روح فسوّى بين يديه وعينيه ورجليه. وعن الزجاج خلق الإنسان فعدّل قامته ولم يجعله منكوسا

كالبهائم وفي كل تخصيص لا يقتضيه ظاهر الحذف وَالَّذِي قَدَّرَ أي جعل الأشياء على مقادير مخصوصة في أجناسها وأنواعها وأفرادها وصفاتها وأفعالها وآجالها فَهَدى فوجه كل واحد منها إلى ما يصدر عنه وينبغي له طبعا أو اختيارا ويسره لما خلق له بخلق الميول والإلهامات ونصب الدلائل وإنزال الآيات، فلو تتبعت أحوال النباتات والحيوانات لرأيت في كل منها ما تحار فيه العقول وتضيق عنه دفاتر النقول. وأما فنون هداياته سبحانه وتعالى للإنسان على الخصوص ففوق ذلك بمراحل وأبعد منه ثم أبعد وأبعد بألوف من المنازل وهيهات أن يحيط بها فلك العبارة والتحرير ولا يكاد يعلمها إلّا اللطيف الخبير:

أتزعم أنك جرم صغير

وفيك انطوى العالم الأكبر

وقيل أي والذي قدر الخلق على ما خلقهم فيه من الصور والهيئات، وأجرى لهم أسباب معاشهم من الأرزاق والأقوات، ثم هداهم إلى دينه ومعرفة توحيده بإظهار الدلالات والبينات. وقيل قدر أقواتهم وهداهم لطلبها. وعن مقاتل والكلبي قدرهم ذكرانا وإناثا وهدى الذكر كيف يأتي الأنثى وعن مجاهد قدر الإنسان والبهائم وهدى الإنسان للخير والشر والبهائم للمراتع. وعن السدّي قدر الولد في البطن تسعة أشهر أو أقل أو أكثر وهداه للخروج منه للتمام وقيل قدر المنافع في الأشياء وهدى الإنسان لاستخراجها والأولى ما ذكر أولا ولعل ما في سائر الأقوال من باب التمثيل لا التخصيص. وزعم الفرّاء أن في الآية اكتفاء والأصل فهدى وأضل وليس بشيء. وقرأ الكسائي «قدر» بالتخفيف من القدرة أو التقدير وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى أي أنبت ما ترعاه الدواب غضا رطبا يرف فَجَعَلَهُ غُثاءً هو ما ما يقذف به السيل على جانب الوادي من الحشيش والنبات، وأصله على ما في المجمع الأخلاط من أجناس شتى والعرب تسمى القوم إذا اجتمعوا من قبائل شتى أخلاطا وغثاء، ويقال: غثاء بالتشديد وجاء جمعه على أغثاء وهو غريب من حيث جمع فعال على فعال والمراد به هنا اليابس من النبات أي فجعله بعد ذلك يابسا أَحْوى من الحوة وهي كما قيل السواد. وقال الأعلم لون يضرب إلى السواد وفي الصحاح الحوّة السمرة فالمراد بأحوى أسود أو أسمر والنبات إذا يبس اسودّ أو أسمر فهو صفة مؤكدة للغثاء وتفسر الحوة بشدة الخضرة وعليه قول ذي الرمة:

لمياه في شفتيها حوة لعس

وفي اللثات وفي أنيابها شنب

ولا ينافي ذلك تفسيرها بالسواد لأن شدة الخضرة ترى في بادىء النظر كالسواد، وجوز كونه حالا من المرعى أي أخرج المرعى حال كونه طريا غضا شديد الخضرة فجعله غثاء، والفصل بالمعطوف بين الحال وصاحبها ليس فصلا بأجنبي لا سيما وهو حال يعاقب الأول من غير تراخ. وسر التقديم المبالغة في استعقاب حالة الجفاف حالة الرفيف والغضارة كأنه قبل أن يتم رفيقه وغضارته يصير غثاء ومع هذا هو خلاف الظاهر وهذه الأوصاف على ما قيل يتضمن كل منها التدريج ففي الوصف بها تحقيق لمعنى التربية وهي تبليغ الشيء كماله شيئا فشيئا وقوله تعالى سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى بيان لهدايته تعالى شأنه الخاصة برسوله صلى الله عليه وسلم إثر بيان

ص: 316

هدايته عز وجل العامة لكافة مخلوقاته سبحانه وهي هدايته عليه الصلاة والسلام لتلقي الوحي وحفظ القرآن الذي هو هدى للعالمين وتوفيقه صلى الله عليه وسلم لهداية الناس أجمعين. والسين إما للتأكيد وإما لأن المراد إقراء ما أوحي إليه صلى الله عليه وسلم حينئذ وما سيوحى إليه عليه الصلاة والسلام بعد فهو وعد كريم باستمرار الوحي في ضمن الوعد بالإقراء وإسناد الإقراء إليه تعالى مجازي أي سنقرئك ما نوحي إليك الآن وفيما بعد على لسان جبريل عليه السلام فإنه عليه السلام الواسطة في الوحي على سائر كيفياته فلا تنسى أصلا من قوة الحفظ والإتقان مع أنك أمي لم تكن تدري ما الكتاب وما القراءة ليكون ذلك لك آية مع ما في تضاعيف ما تقرؤه من الآيات البينات من حيث الإعجاز ومن حيث الأخبار بالمغيبات، وجوز أن يكون المعنى سنجعل قارئا بإلهام القراءة أي في الكتاب من دون تعليم أحد كما هو العادة

فقد روي عن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه أنه عليه الصلاة والسلام كان يقرأ الكتابة ولا يكتب

. ويكون المراد بقوله تعالى فَلا تَنْسى نفي النسيان مطلقا عنه عليه الصلاة والسلام وامتنانا عليه صلى الله عليه وسلم بأنه أوتي قوة الحفظ وفيه أنه مع كونه خلاف المأثور عن السلف في الآية تأباه فاء التفريع.

وجوز أيضا أن يكون المراد نفي نسيان المضمون أي سنقرئك القرآن فلا تغفل عنه فتخالفه في أعمالك ففيه وعد بتوفيقه عليه الصلاة والسلام لالتزام ما فيه من الأحكام وهو كما ترى. وقيل: فلا تنسى نهي والألف لمراعاة الفاصلة كما في قوله تعالى فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا [الأحزاب: 67] وفيه أن النسيان ليس بالاختيار فلا ينهى عنه إلا أن يراد مجازا ترك أسبابه الاختيارية أو ترك العمل بما تضمنه المقروء وفيه ارتكاب تكلف من غير داع، وأيضا رسمه بالياء يقتضي أنها من البنية لا للإطلاق وكون رسم المصحف مخالفا تكلف أيضا نعم قيل:

رسمت ألف الإطلاق ياء الموافقة غيرها من الفواصل وموافقة أصلها مع أن الإمام المرزوقي صرح بأنه عند الإطلاق ترد المحذوفة، وقيل هو نهي لكن لم تحذف الألف فيه إذ قد لا يحذف الجازم حرف العلة وحسن ذلك هنا مراعاة الفاصلة وفيه أيضا ما فيه والأهون للطالب معنى النهي أن يقول هو خبر أريد به النهي على أحد التأويلين السابقين آنفا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ استثناء مفرغ من أعم المفاعيل أي لا تنسى أصلا مما سنقرئكه شيئا من الأشياء إلا ما شاء الله أن تنساه، قيل: أي أبدا قال الحسن وقتادة وغيرهما: وهذا مما قضى الله تعالى نسخه وأن يرتفع حكمه وتلاوته، والظاهر أن النسيان على حقيقته وفي الكشاف أي إلا ما شاء الله فذهب به عن حفظك برفع حكمه وتلاوته وجعل النسيان عليه بمعنى رفع الحكم والتلاوة وكناية عنه لأن ما رفع حكمه وتلاوته يترك فينسى فكأنه قيل بناء على إرادة المعنيين في الكنايات سنقرئك القرآن فلا تنسى شيئا منه ولا يرفع حكمه وتلاوته إلا ما شاء الله فتنساه ويرفع حكمه وتلاوته أو نحو هذا، وأنا لا أرى ضرورة إلى اعتبار ذلك.

والباء في برفع إلخ للسببية والمراد إما بيان السبب العادي البعيد للذهاب الله تعالى به عن الحفظ فإن رفع الحكم والتلاوة يؤدي عادة في الغالب إلى ترك التلاوة لعدم التعبد بها وإلى عدم إخطاره في البال لعدم بقاء حكمه وهو يؤدي عادة في الغالب أيضا إلى النسيان أو بيان السبب الدافع لاستبعاد الذهاب به عن حفظه عليه الصلاة والسلام رهو كالسبب المجوز لذلك، وأيّا ما كان فلا حاجة إلى جعل معنى فَلا تَنْسى فلا تترك تلاوة شيء منه والعمل به فتأمل. ثم إنه لا يلزم من كون ما شاء الله تعالى نسيانه مما قضى سبحانه أن يرتفع حكمه وتلاوته أن يكون كل ما ارتفع حكمه وتلاوته قد شاء الله تعالى نسيان النبي صلى الله عليه وسلم له فإن من ذلك ما يحفظه العلماء إلى اليوم فقد أخرج الشيخان عن عائشة رضي الله تعالى عنها كان فيما أنزل عشر رضعات معلومات فنسخن بخمس معلومات الحديث. وكونه صلى الله عليه وسلم نسي الجميع بعد تبليغه وبقي ما بقي عند بعض من سمعه منه عليه الصلاة والسلام فنقل حتى وصل إلينا بعيد وإن أمكن عقلا، وقيل: كان صلى الله عليه وسلم يعجل بالقراءة إذا

ص: 317

لقنه جبريل عليه السلام فقيل: لا تعجل فإن جبريل عليه السلام مأمور أن يقرأه عليك قراءة مكررة إلى أن تحفظه ثم لا تنساه إلّا ما شاء الله تعالى ثم تذكره بعد النسيان، وأنت تعلم أن الذكر بعد النسيان وإن كان واجبا إلّا أن العلم به لا يستفاد من هذا المقام. وقيل: إن الاستثناء بمعنى القلة وهذا جار في العرف كأنه قيل إلّا ما لا يعلم لأن المشيئة مجهولة وهو لا محالة أقل من الباقي بعد الاستثناء فكأنه قيل فلا تنسى شيئا إلّا شيئا قليلا.

وقد جاء في صحيح البخاري وغيره أنه صلى الله عليه وسلم أسقط آية في قراءته في الصلاة وكانت صلاة الفجر فحسب أبي أنها نسخت فسأله عليه الصلاة والسلام، فقال: نسيتها ثم إنه عليه الصلاة والسلام لا يقر على نسيانه القليل

أيضا بل يذكره الله تعالى أو ييسر من يذكره،

ففي البحر أنه صلى الله عليه وسلم قال حين سمع قراءة عباد بن بشير: «لقد ذكرني كذا وكذا آية في سورة كذا وكذا»

. وقيل: الاستثناء بمعنى القلة وأريد بها النفي مجازا كما في قولهم قل من يقول كذا قيل والكلام عليه باب:

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم البيت والمعنى فلا تنسى إلا نسيانا معدوما. وفي الحواشي العصامية على أنوار التنزيل أن الاستثناء على هذا الوجه لتأكيد عموم النفي لا لنقض عمومه. وقد يقال الاستثناء من أعم الأوقات فلا تنسى في وقت من الأوقات إلا وقت مشيئة الله تعالى نسيانك لكنه سبحانه لا يشاء وهذا كما قيل في قوله تعالى في أهل الجنة خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ [هود: 107] وقد قدمنا ذلك وإلى هذا ذهب الفراء فقال إنه تعالى ما شاء أن ينسى النبي صلى الله عليه وسلم شيئا إلا أن المقصود من الاستثناء بيان أنه تعالى لو أراد أن يصيره عليه الصلاة والسلام ناسيا لذلك لقدر عليه كما قال سبحانه وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ [الإسراء: 86] ثم إنّا نقطع بأنه تعالى ما شاء ذلك وقال له صلى الله عليه وسلم لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر: 65] مع أنه عليه الصلاة والسلام لم يشرك البتة، وبالجملة ففائدة هذا الاستثناء أن يعرف الله تعالى قدرته حتى يعلم صلى الله عليه وسلم أن عدم النسيان من فضله تعالى وإحسانه لا من قوته، أي حتى يتقوى ذلك جدا أو ليعرف غيره ذلك وكأن نفي أن يشاء الله تعالى نسيانه عليه الصلاة والسلام معلوم من خارج ومنه آية لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ

[القيامة: 16] الآية. وقد أشار أبو حيان إلى ما قاله الفراء وإلى الوجه الذي قبله وأباهما غاية الإباء لعدم الوقوف على حقيقتهما وقال: لا ينبغي أن يكون ذلك في كلام الله تعالى بل ولا في كلام فصيح وهو مجازفة منه عفا الله تعالى عنه، ثم إن المراد من نفي نسيان شيء من القرآن نفي النسيان التام المستمر مما لا يقر عليه صلى الله عليه وسلم كالذي تضمنه الخبر السابق ليس كذلك. وقد ذكروا أنه عليه الصلاة والسلام لا يقر على النسيان فيما كان من أصول الشرائع والواجبات وقد يقر على ما ليس منها أو منها وهو من الآداب والسنن ونقل هذا عن الإمام الرازي عليه الرحمة فليحفظ. والالتفات إلى الاسم الجليل على سائر الأوجه لتربية المهابة والإيذان بدوران المشيئة على عنوان الألوهية المستتبعة لسائر الصفات، وربط الآية بما قبلها على الوجه الذي ذكرناه هو الذي اختاره في الإرشاد وقال أبو حيان: إنه سبحانه لما أمره صلى الله عليه وسلم بالتسبيح وكان لا يتم إلّا بقراءة ما أنزل عليه من القرآن وكان صلى الله عليه وسلم يتفكر في نفسه مخافة أن ينسى أزال سبحانه عنه ذلك بأنه عز وجل يقرئه وأنه لا ينسى إلا ما شاء أن ينسيه لمصلحة وفيه نظر لا يخفى ولو قيل إن سَنُقْرِئُكَ استئناف واقع موقع التعليل للتسبيح أو للأمر به فيفيد جلالة الإقراء وأنه مما ينبغي أن يقابل بتنزيه الله تعالى وإجلاله كان أهون مما ذكر ونحوه كونه في موقع التعليل على معنى هيىء نفسك للإفاضة عليك بتسبيح الله تعالى لأنّا سنقرئك فلا تنسى إلّا ما

ص: 318

شاء الله. ويتضمن ذلك الإشارة إلى فضل التسبيح وقد وردت أخبار كثيرة في ذلك وذكر الثعلبي بعضا منها ونقله ابن الشيخ في حواشيه على تفسير البيضاوي والله تعالى أعلم بصحته.

إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى تعليل لما قبله والْجَهْرَ هنا ما ظهر قولا أو فعلا أو غيرهما وليس خاصا بالأقوال بقرينة المقابلة أي إنه تعالى يعلم ما ظهر وما بطن من الأمور التي من جملتها حالك وحرصك على حفظ ما يوحى إليك بأسره فيقرئك ما يقرئك ويحفظك عن نسيان ما شاء منه وينسيك ما شاء منه مراعاة لما نيط بكل من المصالح والحكم التشريعية، وقيل توكيد لجميع ما تقدمه وتوكيد لما بعده، وقيل توكيد لقوله تعالى سَنُقْرِئُكَ إلخ على أن الجهر ما ظهر من الأقوال أي يعلم سبحانه جهرك بالقراءة مع جبريل عليه السلام وما دعاك إليه من مخافة النسيان فيعلم ما فيه الصلاح من إبقاء وإنساء أو فلا تخف فإني أكفيك ما تخاف وقيل إنه متعلق بقوله تعالى سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وهذا ليس بشيء كما ترى وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى عطف على سَنُقْرِئُكَ كما ينبىء عنه الالتفات إلى الحكاية وما بينهما اعتراض وارد لما سمعت وتعليق التيسير به صلى الله عليه وسلم مع أن الشائع تعليقه بالأمور المسخرة للفاعل كما في قوله تعالى وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي [طه: 26] للإيذان بقوة تمكينه عليه الصلاة والسلام من اليسرى والتصرف فيها بحيث صار ذلك ملكة راسخة له كأنه عليه الصلاة والسلام جبل عليها أي نوفقك توفيقا مستمرا للطريقة اليسرى في كل باب من أبواب الدين علما وتعليما واهتداء وهداية فيندرج فيه تيسير تلقى طريقي الوحي والإحاطة بما فيه من أحكام الشريعة السمحة والنواميس الإلهية مما يتعلق بتكميل نفسه الكريمة صلى الله عليه وسلم وتكميل غيره كما يفصح عنه الفاء فيما بعد كذا في الإرشاد. وقيل: المراد باليسرى الطريقة التي هي أيسر وأسهل في حفظ الوحي، وقيل هي الشريعة الحنيفية السهلة، وقيل الأمور الحسنة في أمر الدنيا والآخرة من النصر وعلو المنزلة والرفعة في الجنة وضم إليها بعض أمر الدين وهو مع هذا الضم تعميم حسن وظاهر عليه أيضا أمر الفاء في قوله تعالى فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى أي فذكر الناس حسبما يسرناك بما يوحى إليك واهدهم إلى ما في تضاعيفه من الأحكام الشرعية كما كنت تفعله. وقيل: أي. فذكر بعد ما استتب أي استقام وتهيأ لك الأمر فإن أراد فدم على التذكير بعد ما استقام لك الأمر من إقرائك الوحي وتعليمك القرآن بحيث لا تنسى منه إلّا ما اقتضت المصلحة نسيانه وتيسيرك للطريقة اليسرى في كل باب من أبواب الدين فذاك وإلّا فليس بشيء، وتقييد التذكير بنفع الذكرى لما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد ذكر وبالغ فيه فلم يدع في القوس منزعا وسلك فيه كل طريق فلم يترك مضيفا ولا مهيعا حرصا على الإيمان وتوحيد الملك الديان وما كان يزيد ذلك بعض الناس إلّا كفرا وعنادا وتمردا وفسادا، فأمره صلى الله عليه وسلم تخفيفا عليه حيث كاد الحرص على إيمانهم يوجه سهام التلف إليه كما قال تعالى فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً [الكهف: 6] بأن يخص التذكير بمواد النفع في الجملة بأن يكون من يذكره كلّا أو بعضا ممن يرجى منه التذكر ولا يتعب نفسه الكريمة في تذكير من لا يورثه التذكير إلّا عتوا ونفورا وفسادا وغرورا من المطبوع على قلوبهم كما في قوله تعالى فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ [ق: 45] وقوله سبحانه فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا [النجم: 29] وعلمه صلى الله عليه وسلم بمن طبع على قلبه بإعلام الله تعالى إياه عليه الصلاة والسلام به فهو صلى الله عليه وسلم بعد التبليغ وإلزام الحجة لا يجب عليه تكرير التذكير على من علم أنه مطبوع على قلبه فالشرط على هذا على حقيقته، وقيل إنه ليس كذلك وإنما هو استبعاد النفع بالنسبة إلى هؤلاء المذكورين نعيا عليهم بالتصميم كأنه قيل: افعل ما أمرت به لتؤجر وإن لم

ص: 319

ينتفعوا به وفيه تسلية له صلى الله عليه وسلم، ورجح الأول بأن فيه إبقاء الشرط على حقيقته مع كونه أنسب بقوله تعالى سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى أي سيذكر بتذكيرك من من شأنه أن يخشى الله تعالى حق خشيته أو من يخشى الله تعالى في الجملة فيزداد ذلك التذكير فيتفكر في أمر ما تذكره به فيقف على حقيقته فيؤمن به وقيل إن إِنْ بمعنى إذ كما

في قوله تعالى وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران: 139] أي إذ كنتم لأنه سبحانه لم يخبرهم بكونهم الأعلون إلّا بعد إيمانهم

وقوله صلى الله عليه وسلم في زيارة أهل القبور: «وإنا إن شاء الله تعالى بكم لاحقون»

وأثبت هذا المعنى لها الكوفيون احتجاجا بما ذكر ونظائره وأجاب النافون عن ذلك بما في المغني وغيره وقيل هي بمعنى قد، وقد قال بهذا المعنى قطرب. وقال عصام الدين: المراد أن التذكير ينبغي أن يكون بما يكون مهما لمن له التذكير فينبغي تذكير الكافرين بالإيمان لا بالفروع كالصلاة والصوم والحج إذ لا تنفعه بدون الإيمان، وتذكير المؤمن التارك للصلاة بها دون الإيمان مثلا وهكذا فكأنه قيل: ذكر كل واحد بما ينفعه ويليق به. وقال الفرّاء والنحاس والجرجاني والزهراوي: الكلام على الاكتفاء والأصل فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى وإن لم تنفع كقوله تعالى سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ [النحل: 81] والظاهر أن الذين لا يقولون بمفهوم المخالفة سواء كان مفهوم الشرط أو غيره لا يشكل عليهم أمر هذه الآية كما لا يخفى.

يَتَجَنَّبُهَا

أي ويتجنب الذكرى ويتحاماهاَْشْقَى

وهو الكافر المصرّ على إنكار المعاد ونحوه الجازم بنفي ذلك مما يقتضي الخشية بوجه وهو أشقى أنواع الكفرة. وقيل: المراد به الكافر المتوغل في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم كالوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة. وقد روي أن الآية نزلت فيهما فإنه أشقى من غير المتوغل. وقيل: المراد به الكافر مطلقا فإنه أشقى من الفاسق وقيل المفضل عليه كفرة سائر الأمم فإنه حيث كان المؤمن من هذه الأمة أسعد من مؤمنيهم كان الكافر منها أشقى من كافريهم والأوجه عندي في المراد بالأشقى ما تقدم الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى أي الطبقة السفلى من أطباق النار كما قال الفراء ولا بعد في تفاضل نار الآخرة وكون بعض منها أكبر من بعض وأشد حرارة. وقال الحسن الْكُبْرى نار الآخرة، والصغرى نار الدنيا

ففي الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا: «ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم» .

وفي رواية للإمام أحمد عنه مرفوعا أيضا: «إن هذه النار جزء من مائة جزء من جهنم»

فلعل السبعين وارد مورد التكثير وهو كثير ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها فيستريح وَلا يَحْيى أي حياة تنفعه، وقيل: إن روح أحدهم تصير في حلقه فلا تخرج فيموت ولا ترجع إلى موضعها من الجسد فيحيا وهو غير غني عن التقييد بنحو حياة كاملة على أنه بعد لا يخلو عن بحث وثم للتراخي في الرتبة فإن هذه الحالة أفظع وأعظم من نفس المصلي.

وقال عصام الدين: يحتمل أن يكون هذا الكلام كناية عن عدم النجاة لأن النجاة عن العذاب إنما يكون بالعمل في دار يموت فيها العامل ويحيا، والنظم أقرب إلى هذا المعنى كيف واللائق بالمعنى السابق ثم لا يكون ميتا فيها ولا حيا فتأمل انتهى. وفي كون اللائق بالمعنى السابق ما ذكره دون ما في النظم الجليل منع ظاهر والظاهر أنه لائق به مع تضمنه رعاية الفواصل وكذا في توجيه كون ما ذكر كناية عن عدم النجاة خفاء وكأنه لذلك أمر بالتأمل وقد يقال: إن مثل ذلك الكلام يقال لمن وقع في شدة واستمر فيها فلا يبعد أن يكون فيه إشارة إلى خلودهم في العذاب وأمر التراخي الرتبي عليه ظاهر أيضا لظهور أن الخلود في النار الكبرى أفظع من دخولها وصليها. واعلم أن عدم الموت في النار على ما صرح به غير واحد مخصوص بالكفرة وأما عصاة المؤمنين الذين يدخلونها فيموتون فيها، واستدل لذلك بما

أخرجه مسلم عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أما

ص: 320

أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم- أو قال- بخطاياهم فأماتهم الله تعالى إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن في الشفاعة فجيء بهم ضبائر ضبائر فبثوا على أنهار الجنة ثم قيل: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم من الماء فينبتون نبات الحبة في حميل السيل»

قال الحافظ ابن رجب: إنه يدل على أن هؤلاء يموتون حقيقة وتفارق أرواحهم أجسادهم، وأيد بتأكيد الفعل بالمصدر في

قوله عليه الصلاة والسلام «فأماتهم الله تعالى إماتة»

وأظهر منه ما

أخرجه البزار عن أبي هريرة مرفوعا: «إن أدنى أهل الجنة حظا أو نصيبا قوم يخرجهم الله تعالى من النار فيرتاح لهم الرب تبارك وتعالى وذلك أنهم كانوا لا يشركون بالله تعالى شيئا فينبذون بالعراء فينبتون كما ينبت البقل، حتى إذا دخلت الأرواح أجسادهم فيقولون ربنا كما أخرجتنا من النار وأرجعت الأرواح إلى أجسادنا فاصرف وجوهنا عن النار، فينصرف وجوههم عن النار»

وهذه الإماتة على ما اختاره غير واحد بعد أن يذوقوا ما يستحقونه من عذابها بحسب ذنوبهم كما يشعر به حديث مسلم وإبقاؤهم فيها ميتين إلى أن يؤذن بالشفاعة لإيجابه تأخير دخولهم الجنة تلك المدة كان تتمة لعقوبتهم بنوع آخر فتكون ذنوبهم قد اقتضت أن يعذبوا بالنار مدة ثم يحسبوا فيها من غير عذاب مدة فهم كمن أذنب في الدنيا فضرب وحبس بعد الضرب جزاء لذنبه ولم يبقوا أحياء فيها من غير عذاب كخزنتها إما ليكون أبعد عن أن يهولهم رؤيتها، أو لتكون الإماتة وإخراج الروح من تتمة العقوبة أيضا. وقال القرطبي: يجوز أن تكون إماتتهم عند إدخالهم فيها ويكون إدخالهم وصرف نعيم الجنة عنهم مدة كونهم فيها عقوبة لهم كالحبس في السجن بلا غل ولا قيد مثلا، ويجوز أن يكونوا متألمين حالة موتهم نحو تألم الكافر بعد موته وقبل قيام الساعة ويكون ذلك أخف من تألمهم لو بقوا أحياء كما أن تألم الكافر بعد موته في قبره أخف من تألمه إذا أدخل النار بعد البعث وهو كما ترى. وفي مطامح الأفهام يجوز أن يراد بالإماتة المذكورة وفي الحديث الإنامة وقد سمى الله تعالى النوم وفاة لأن فيه نوعا من عدم الحسن.

وفي الحديث المرفوع: «إذا أدخل الله تعالى الموحدين النار أماتهم فيها فإذا أراد سبحانه أن يخرجوا أمسهم العذاب تلك الساعة»

انتهى.

والمعول عليه ما ذكرناه وأولا والله تعالى أعلم.

قَدْ أَفْلَحَ أي نجا من المكروه وظفر بما يرجوه مَنْ تَزَكَّى أي تطهر من الشرك بتذكره واتعاظه بالذكرى وحمله على ذلك مروي عن ابن عباس وغيره.

وأخرج البزار وابن مردويه عن جابر بن عبد الله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال في ذلك: «من شهد أن لا إله إلّا الله وخلع الأنداد وشهد أني رسول الله»

واعتبر بعضهم أمرين فقال: أي تطهر من الكفر والمعصية وعليه يجوز أن يكون ما تقدم من باب الاقتصار على الأهم، وقيل تزكى أي تكثر من التقوى والخشية من الزكاء وهو النماء، وقيل تطهر للصلاة، وقيل آتى الزكاة وروي هذا عن أبي الأحوص وقتادة وجماعة وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ بلسانه وقلبه لا بلسانه مع غفلة القلب إذ مثل ذلك لا ثواب فيه فلا ينبغي أن يدخل فيما يترتب عليه الفلاح والذكر القلبي باستحضار اسمه تعالى في القلب وإن كان ممدوحا بلا شبهة إلّا أن إرادته بخصوصه مما ذكر خلاف الظاهر وحكاه في مجمع البيان عن بعض. وما روي عن ابن عباس من قوله أي ذكر معاده وموقفه بين يدي ربه عز وجل ظاهر فيه وفي إقحام لفظ اسْمَ وذهب بعض الحنفية إلى أن المراد بهذا الذكر تكبيرة الافتتاح كأنه قيل وكبر للافتتاح

فَصَلَّى أي الصلوات الخمس كما أخرجه ابن المنذر وغيره عن ابن عباس وروي ذلك في حديث مرفوع

وقيل: الصلاة المفروضة وما أمكن من النوافل، واحتج بذلك على وجوب التكبيرة حيث نيط به الفلاح ووقع بين واجبين بل فرضين

ص: 321

التزكي من الشرك والصلاة مع أن الاحتياط في العبادات واجب فلا يضر الاحتمال وعلى أن الافتتاح جائز بكل اسم من أسمائه عز وجل وهو ظاهر، وعلى أن التكبيرة شرط لا ركن للعطف بالفاء وعطف الكل على الجزء كعطف العام على الخاص وإن جاز لا يكون بها مع أنه لو سلم صحته بتكلف فلا بد له من نكتة ليدعي وقوعه في الكلام المعجز فحيث لم تظهر لم يصح ادعاؤه وبناء الركنية عليه والانصاف أنه مع ما سمعت احتجاج ليس بالقوي، وقيل هو خصوص بسم الله الرحمن الرحيم قبل الصلاة وليس بشيء.

وعن علي كرم الله تعالى وجهه تَزَكَّى أي تصدق صدقة الفطر وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ كبّر يوم العيد. فَصَلَّى صلاة العيد

. وعن جماعة من السلف ما يقتضي ظاهره ذلك، وتعقب بأن الصلاة مقدمة على الزكاة في القرآن وأن السورة مكية ولم يكن حينئذ عيد ولا فطر، ورد بأن ذلك إذا ذكرت باسمها أما إذا ذكرت بفعل فتقديمها غير مطدر ومنه فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى [القيامة: 31] على أنه يجوز أن تكون مخالفة العادة هاهنا للإرشاد إلى أن هذه الزكاة المقدمة قولا ينبغي تقديمها فعلا على الصلاة ولهذا كانوا يخرجونها قبل أن يصلوا العيد كما جاء في الآثار، وكون السورة مكية غير مجمع عليه وعلى القول بمكيتها الذي هو الأصح يكون ذلك مما تأخر حكمه عن نزوله. وأقول أن يقال تَزَكَّى أي تطهر من الشرك بأن آمن بقلبه وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ أي قال لا إله إلا الله فَصَلَّى أي الصلاة المفروضة وأخرج ابن أبي حاتم وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس ما يؤيده فيكون تَزَكَّى إشارة إلى التصديق بالجنان وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ إلى النطق باللسان فَصَلَّى إلى العمل بالأركان لما أن الصلاة عماد الدين وأفضل الأعمال البدنية وناهية عن الفحشاء والمنكر فلا بدع أن تذكر فيراد جميع الأعمال البدنية والعبادات القلبية وقد يقال: اقتصر على ذكر الصلاة لأن الفرائض والواجبات البدنية لم تكن تامة يوم نزول السورة وكانت الصلاة أهم ما نزل إن كان نزل غيرها. وقد روى عطاء عن ابن عباس ويزيد النحوي عن عكرمة والحسن بن أبي الحسن أن أول ما نزل من القرآن بمكة اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ثم ن ثم المزمل ثم المدثر ثم تَبَّتْ ثم إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ثم سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ ثم إن من رداف لا إله إلا الله محمد رسول الله وكان ذكر الله تعالى المطلوب هو مجموع الجملتين فلا بعد في أن يراد من ذكره تعالى في الآية وإذا اعتبر الإتيان باسمه عز وجل في الجملة الثانية على الوجه الذي أتى به ذكرا له تعالى كان أمر الإرادة أقرب وهذا الوجه لا يخلو عن حسن. وكلمة قَدْ لما أنه عند الإخبار بسوء حال المتجنب عن الذكر في الآخرة يتوقع السامع الإخبار بحسن حال المتذكر فيها. ولا يبعد أن تكون الجملة مستأنفة استئنافا جوابا لسؤال نشأ عن بيان حال المتجنب والسكوت عن حال المتذكر الذي يخشى فكأنه قيل: ما حال من تذكر؟ فقيل قَدْ أَفْلَحَ إلى آخره وكان الظاهر قد أفلح من تذكر إلا أنه وضع مَنْ تَزَكَّى إلى آخره موضع من تذكر إشارة إلى بيان المتذكر بسماته.

وقوله تعالى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا إضراب عن مقدر ينساق إليه الكلام كأنه قيل إثر بيان ما يؤدي إلى الفلاح لا تفعلون ذلك بَلْ تُؤْثِرُونَ إلخ ولعله مراد من قال إنه إضراب عن قَدْ أَفْلَحَ إلخ وقيل إضراب عن بيان حال المتذكر والمتجنب إلى بيان أنه لا ينفع هذا البيان وأضعافه المتمردين على وجه يتضمن بيان سبب عدم النفع وهو إيثار الحياة الدنيا، والخطاب على هذا للكفرة الأشقين من أهل مكة وعلى الأول يحتمل أن يكون لهم فالمراد بإيثار الحياة الدنيا هو الرضاء والاطمئنان بها والإعراض عن الآخرة بالكلية كما في قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها [يونس: 7] الآية ويحتمل أن

ص: 322

يكون لجميع الناس على سبيل التغليب فالمراد بإيثارها إنما هو أعم مما ذكر وما لا يخلو عنه الناس غالبا من ترجيح جانب الدنيا على الآخرة في السعي وترتيب المبادئ. وعن ابن مسعود ما يقتضيه والالتفات على الأول لتشديد التوبيخ وعلى الثاني. كذلك في حق الكفرة ولتشديد العتاب في حق المسلمين، وقيل لا التفات لأنه بتقدير قل. وقرأ عبد الله وأبو رجاء والحسن والجحدري وأبو حيوة وابن أبي عبلة وأبو عمرو والزعفراني وابن مقسم «يؤثرون» بياء الغيبة وقوله تعالى وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى حال من فاعل تؤثرون مؤكدة للتوبيخ والعتاب أي تؤثرونها على الآخرة والحال أن الآخرة خير في نفسها لما أن نعيمها مع كونه في غاية ما يكون من اللذة خالص عن شائبة الغائلة أبدي لا انصرام له، وعدم التعرض لبيان تكدر نعيم الدنيا بالمنغصات وانقطاعه عما قليل لغاية الظهور إِنَّ هذا إشارة على ما أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد إلى قوله تعالى وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى وروي ذلك عن قتادة. وقال غير واحد: إشارة إلى ما ذكر من قوله سبحانه قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى إلخ وسيأتي إن شاء الله تعالى في الحديث ما يشهد له. وقال الضحاك: إشارة إلى القرآن فالآية كقوله تعالى وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ [الشعراء: 196] وعن ابن عباس وعكرمة والسدّي إشارة إلى ما تضمنته السور جميعا وفيه بعد لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى أي ثابت فيها معناه. وقرأ الأعمش وهارون وعصمة كلاهما عن أبي عمرو بسكون الحاء وكذا فيما بعد وهي لغة تميم على ما في اللوامح صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى بدل من الصُّحُفِ الْأُولى وفي إبهامها ووصفها بالقدم ثم بيانها وتفسيرها من تفخيم شأنها ما لا يخفى، وكانت صحف إبراهيم عشرة وكذا موسى صحف عليه السلام، والمراد بها ما عدا التوراة

أخرج عبد بن حميد وابن مردويه وابن عساكر عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله كم أنزل الله تعالى من كتاب؟ قال: «مائة كتاب وأربعة كتب، أنزل على شيث خمسين صحيفة، وعلى إدريس ثلاثين صحيفة، وعلى إبراهيم عشر صحائف، وعلى موسى قبل التوراة عشر صحائف، وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان» . قلت: يا رسول الله فما كانت صحف إبراهيم؟ قال: «أمثال كلها أيها الملك المتسلط على المبتلى المغرور لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم فإني لا أردها ولو كانت من كافر، وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن يكون له ثلاث ساعات ساعة يناجي فيها ربه وساعة يحاسب فيها نفسه ويتذكر فيما صنع وساعة يخلو فيها لحاجته من الحلال فإن في هذه الساعة عونا لتلك الساعات واجتماعا للقلوب وتفريغا لها، وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه مقبلا على شأنه حافظا للسانه فإن من حسب كلامه من عمله أقل الكلام إلّا فيما يعنيه، وعلى العاقل أن يكون طالبا لثلاث مرمة لمعاش أو تزود لمعاد أو تلذذ في غير محرم» . قلت: يا رسول الله فما كانت صحف موسى؟ قال: «كانت عبرا كلها: عجبت لمن أيقن بالموت ثم يفرح، ولمن أيقن بالنار ثم يضحك، ولمن يرى الدنيا وتقلبها بأهلها ثم يطمئن إليها، ولمن أبقى بالقدر ثم يغضب ولمن أيقن بالحساب ثم لا يعمل» . قلت يا رسول الله هل أنزل عليك شيء مما كان في صحف إبراهيم وموسى؟ قال:

«يا أبا ذر نعم قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى»

والله تعالى أعلم بصحة الحديث. وقرأ أبو رجاء «إبرهم» بحذف الألف والياء وبالهاء مفتوحة ومكسورة وعبد الرحمن ابن أبي بكرة بكسرها لا غير. وقرأ أبو موسى الأشعري وابن الزبير «ابراهام» بألفين في كل القرآن. وقرأ مالك بن دينار «ابراهم» بألف وفتح الهاء وبغير ياء. وجاء كما قال ابن خالويه «إبرهم» بضم الهاء بلا ألف ولا ياء وهذا من تصرفات العرب في الأسماء الأعجمية فإن إبراهيم على الصحيح منها. وحكى الكرماني في عجائبه أنه اسم عربي مشتق من البرهمة وهي شدة النظر ونسبه قد تقدم وكذا نسب موسى صلى الله عليه وسلم.

ص: 323