المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة الشرح وتسمى سورة الشرح وهي كما روي عن ابن الزبير - تفسير الألوسي = روح المعاني - جـ ١٥

[الألوسي، شهاب الدين]

الفصل: ‌ ‌سورة الشرح وتسمى سورة الشرح وهي كما روي عن ابن الزبير

‌سورة الشرح

وتسمى سورة الشرح وهي كما روي عن ابن الزبير وعائشة مكية، وأخرج ذلك ابن الضريس والنحاس والبيهقي وابن مردويه عن ابن عباس. وفي رواية عنه زيادة نزلت بعد الضحى وزعم البقاعي أنها عنده مدنية، وفي حديث طويل أخرجه ابن مردويه عن جابر بن عبد الله ما هو ظاهر في أن قوله تعالى فيها فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الشرح: 5، 6] نزل بالمدينة لكن في صحة الحديث توقف. وآيها ثمان بالاتفاق وهي شديدة الاتصال بسورة الضحى حتى أنه روي عن طاوس وعمر بن عبد العزيز أنهما كانا يقولان هما سورة واحدة، وكانا يقرآنهما في الركعة الواحدة وما كانا يفصلان بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم وعلى ذلك الشيعة كما حكاه الطبرسي منهم. قال الإمام: والذي دعا إلى ذلك هو أن قوله تعالى أَلَمْ نَشْرَحْ [الشرح: 1] كالعطف على قوله تعالى أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً [الضحى: 6] وليس كذلك لأن الأول كان عند اغتمام الرسول صلى الله عليه وسلم من إيذائه الكفرة وكانت الحالة حال محنة وضيق صدر، والثاني يقتضي أن يكون حال النزول منشرح الصدر طيب القلب فأنى يجتمعان وفيه نظر، والحق أن مدار مثل ذلك الرواية لا الدارية والمتواتر كونهما سورتين والفصل بينهما بالبسملة. نعم هما متصلتان معنى جدا ويدل عليه ما

في حديث الإسراء الذي أخرجه ابن أبي حاتم أن الله تعالى قال له عليه الصلاة والسلام: «يا محمد ألم أجدك يتيما فآويت، وضالا فهديت، وعائلا فأغنيت، وشرحت لك صدرك، وحططت عنك وزرك، ورفعت لك ذكرك، فلا أذكر إلّا ذكرت معي» الحديث.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ الشرح في الأصل الفسح والتوسعة وشاع استعماله في الإيضاح، ومنه: شرح الكتاب إذا أوضحه لما أن فسح الشيء وبسطه مستلزم لإظهار باطنه وما خفي منه، وكذا شاع في سرور النفس حتى لو قيل إنه حقيقة عرفية فيه لم يبعد وذلك إذا تعلق بالقلب كان قيل شرح قلبه بكذا أي سره به لما أن القلب كالمنزل للنفس، ويلزم عادة من فسح المنزل وتوسعته سرور

ص: 385

النازل فيه وكذا إذا تعلق بالصدر الذي هو محل القلب وربما يؤذن ذلك بسعة القلب لما أن العادة كالمطردة في أن توسعة ما حوالى المنزل إنما تكون إذا كان المنزل واسعا فيوسع ما حواليه لتحصيل زيادة بهجة ونحوها فيه فينتقل منه إلى سرور النفس بالواسطة. وقد يراد به إذا تعلق بالقلب أو الصدر أيضا تكثير ما فيه من المعلومات فقيل: يتخيل أنها تحتاج إلى فضاء تكون فيه وأن ذلك محل لها، فمتى كانت كثيرة اقتضت أن يكون محلها واسعا ليسعها. وقد يراد بها تكثير ما في النفس من ذلك فقيل أيضا بتخيل أن تكثير معلوماتها يستدعي توسيعها وتوسيعها يستدعي توسيع ذلك لتنزيله منزلة محلها، وقد يراد به تأييد النفس بقوة قدسية وأنوار إلهية بحيث تكون ميدانا لمواكب المعلومات، وسماء لكواكب الملكات، وعرشا لأنواع التجليات، وفرشا لسوائم الواردات، فلا يشغله شأن عن شأن، ويستوي لديه يكون وكائن وكان. ووجه نسبته إلى الصدر على نحو ما مر وإرادة القلب من الصدر والنفس من القلب بعلاقة المحلية ونحوها مما لا تميل إليه النفس وإرادة كل مما ذكر بقرينة المقام والأنسب بمقام الامتنان هنا إرادة هذا المعنى الأخير. وجوز غيره فالمعنى ألم نفسح صدرك حتى حوى عالمي الغيب والشهادة وجمع بين ملكتي الاستفادة والإفادة فما صدك الملابسة بالعلائق الجسمانية عن اقتباس أنوار الملكات الروحانية، وما عاقك التعلق بمصالح الخلق عن الاستغراق في شؤون الحق. وقيل المعنى ألم نزل همك وغمك باطلاعك على حقائق الأمور وحقارة الدنيا فهان عليك احتمال المكاره في الدعاء إلى الله تعالى. ونقل عن الجمهور أن المعنى ألم نفسحه بالحكمة وتوسعه بتيسيرنا لك تلقي ما يوحى إليك بعد ما كان يشق عليك. وعن ابن عباس وجماعة أنه إشارة إلى شق صدره الشريف في صباه عليه الصلاة والسلام وقد وقع هذا الشق على ما في بعض الأخبار وهو عند مرضعته حليمة

فقد روي عنها أنها قالت في شأنه عليه الصلاة والسلام: لم نزل نتعرف من الله تعالى الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته فكان يشب شبابا لا يشبه الغلمان، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاما جفرا، فقدمنا به على أمه ونحن أحرص شيء على بقائه عندنا لما نرى من بركته، فقلنا لأمه: لو تركتيه عندنا حتى يغلظ فإنّا نخشى عليه وباء مكة، فلم نزل بها حتى ردته معنا فرجعنا به، فو الله إنه لبعد مقدمنا به بشهر أو ثلاثة مع أخيه من الرضاعة لغي بهم لنا خلف بيوتنا جاء أخوه يشتد فقال: ذاك أخي القرشي قد جاءه رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاه وشقا بطنه، فخرجت أنا وأبوه نشتد نحوه فوجدناه قائما منتقعا لونه فاعتنقه أبوه وقال: أي بني ما شأنك؟ قال: جاءني رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني فشقا بطني ثم استخرجا منه شيئا، فطرحاه ثم رداه كما كان فرجعنا به معنا. فقال أبوه: يا حليمة لقد خشيت أن يكون ابني قد أصيب فانطلقي فرديه إلى أهله قبل أن يظهر به ما نتخوفه، قالت: فاحتملناه إلى أمه، فقالت: ما رد كما به فقد كنتما حريصين عليه؟ قلنا: نخشى الاختلاف والأحداث. فقالت ما ذاك بكما فأصدقاني شأنكما؟ فلم تدعنا حتى أخبرناها خبره. فقالت: أخشيتما عليه الشيطان لا والله ما للشيطان عليه سبيل، وإنه لكائن لابني هذا شأن فدعاه عند كما.

وفي حديث لأبي يعلى وأبي نعيم وابن عساكر ما يدل على تكرر وقوع ذلك له عليه الصلاة والسلام وهو عند حليمة وقد وقع له صلى الله عليه وسلم أيضا بعد بلوغه صلى الله عليه وسلم

ففي الدر المنثور أخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند عن أبيّ بن كعب أن أبا هريرة قال: يا رسول الله، ما أول ما رأيت من أمر النبوة؟ فاستوى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا، وقال: «لقد سألت أبا هريرة إني لفي صحراء ابن عشرين سنة وأشهر إذا بكلام فوق رأسي وإذا رجل يقول لرجل: أهو هو، فاستقبلاني بوجوه لم أرها بخلق قط، وأرواح لم أجدها من خلق قط، وثياب لم

ص: 386

أجدها على أحد قط، فأقبلا إليّ يمشيان حتى إذا دنيا أخذ كل واحد منهما بعضدي لا أجد لأخذهما مسا، فقال أحدهما لصاحبه: افلق صدره، فهوى أحدهما إلى صدري ففلقه فيما أرى بلا دم ولا وجع، فقال له:

أخرج الغل والحسد، فأخرج شيئا كهيئة العلقة ثم نبذها، فقال له: أدخل الرأفة والرحمة، فإذا مثل الذي أخرج شبه الفضة، ثم حز إبهام رجلي اليمنى وقال: اغد واسلم، فرجعت أغدو بها رأفة على الصغير ورحمة على الكبير»

. والذي رأيته

في شرح الهمزية لابن حجر المكي رواية هذا الخبر بلفظ آخر وفيه «إني لفي صحراء واسعة ابن عشر حجج إذا أنا برجلين فوق رأسي يقول أحدهما لصاحبه: أهو هو»

إلى آخر ما فيه فيكون الشق عليه قبل البلوغ أيضا والله تعالى أعلم. ثم إنه على الروايتين ليس نصا على نفي وقوع شق قبله لجواز أن يكون الذي استشعر منه النبوة هو هذا لا ما قبله، ووقع له عليه الصلاة والسلام أيضا عند مجيء جبريل عليه السلام بالوحي في غار حراء وممن روى ذلك الطيالسي والحارث في مسنديهما وكذا أبو نعيم ولفظه أن جبريل وميكائيل عليهما السلام شقا صدره وغسلاه ثم قال اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق: 1] الآيات ووقع أيضا مرة أخرى تواترات بها الروايات خلافا لمن أنكرها ليلة الإسراء به صلى الله عليه وسلم

روى البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن قتادة قال: حدثنا أنس ابن مالك عن مالك بن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان فأتيت بطست من ذهب فيها ماء زمزم، فشرح صدري إلى كذا وكذا» قال قتادة: قلت- يعني لأنس- ما تعني قال إلى أسفل بطني؟ قال: «فاستخرج قلبي فغسل بماء زمزم ثم أعيد مكانه ثم حشي إيمانا وحكمة، ثم أتي بدابة دون البغل وفوق الحمار البراق فانطلقت مع جبريل عليه السلام حتى أتينا السماء الدنيا» الحديث.

وطعن القاضي عبد الجبار في ذلك بما حاصله أنه يلزم على وقوعه في الصغر وقبل النبوة تقدم المعجزة على النبوة وهو لا يجوز ووقوعه بعد النبوة وإن لم يلزم عليه ما ذكر إلّا أن ما ذكر معه من حديث الغسل وإدخال الرأفة والرحمة وحشو الإيمان والحكمة يرد عليه أن الغسل مما لا أثر له في التكميل الروحاني وإنما هو لإزالة أمر جسماني، وأنه لا يصح إدخال ما ذكر وحشوه فإنما هو شيء يخلقه الله تعالى في القلب وليس بشيء فإن تقدم الخارق على النبوة جائز عندنا ونسميه إرهاصا، والأخبار كثيرة في وقوعه له عليه الصلاة والسلام قبل النبوة، والغسل بالماء كان لإزالة أمر جسماني ولا يبعد أن يكون أزاله وغسل المحل بماء مخصوص كماء زمزم على ما صح في بعض الروايات ولذا قال البلقيني: إنه أفضل من ماء الكوثر موجبا لتبديل المزاج وهو مما له دخل في التكميل الروحاني ولذا يأمر المشايخ السالكين لديهم بالرياضة التي يحصل بها تبديل المزاج ويرشد إلى ذلك تغير أحوال النفس وأخلاقها صبا وكهولة وشيخوخة.

والمراد من إدخال الرأفة وحشو الإيمان مثلا إدخال ما به يحصل كمال ذلك وكثيرا ما يسمى المسبب باسم السبب مجازا، ويحتمل أن يكون على حقيقته وتجسم المعاني جائز. وقال العارف بن أبي جمرة كما في المواهب اللدنية للعسقلاني ما حاصله: إن ما دل كلام النبي صلى الله عليه وسلم على جوهريته وجسميته من أعيان المخلوقات التي ليس للحواس إلى إدراكها سبيل هو كما دل عليه كلامه عليه الصلاة والسلام في نفس الأمر، وأن الحكم من المتكلم أو نحوه عليها بالعرضية إنما هو باعتبار ما ظهر له بعقله، وللعقل حر يقف عنده والحقيقة في الحقيقة ما دلّ عليه خبر الشارع المؤيد بالوحي الإلهي والنور القدسي المحلق بجناحيهما في جو الحقائق إلى حيث لا يسمع لنحلة العقل دندنة ولا للرواة عنه عنعنة فالإيمان والحكمة ونحوهما مما دل عليه كلام النبي صلى الله عليه وسلم على جوهريتها جواهر محسوسة لا معان وإن حسبها من حسبها كذلك انتهى. والأمر فيه

ص: 387

اعتقادا وإنكارا إليك ولا ألزمك الاعتقاد فما أريد أن أشق عليك. وقال بعض الأجلّة: لعل ذلك من باب التمثيل إذ تمثيل المعاني قد وقع كثيرا كما مثل له عليه الصلاة والسلام الجنة والنار في عرض حائط مسجده الشريف، وفائدته كشف المعنوي بالمحسوس وهو ميل إلى عدم الوقوع حقيقة. وقد قال غير واحد: جميع ما ورد من الشرق وإخراج القلب وغيرهما يجب الإيمان به وإن كان خارقا للعادة ولا يجوز تأويله لصلاحية القدرة له، ومن زعم ذلك وقع في هوة المعتزلة في تأويلهم نصوص سؤال الملكين وعذاب القبر ووزن الأعمال والصراط وغير ذلك بالتشهي، وأما حكمة ذلك مع إمكان إيجاد ما ترتب عليه بدونه فقد أطالوا الكلام في بأنها في موضعه. نعم حمل الشرح في الآية على ذلك الشق ضعيف عند المحققين والتعبير عن ثبوت الشرح بالاستفهام الإنكاري عن انتفائه للإيذان بأن ثبوته من الظهور بحيث لا يقدر أحد أن يجيب عنه بغير بلى، وإسناد الفعل إلى ضمير العظمة للإيذان بعظمته وجلالة قدره وزيادة الجار والمجرور مع توسيطه بين الفعل ومفعوله للإيذان من أول الأمر بأن الشرح من منافعه عليه الصلاة والسلام ومصالحه مسارعة إلى إدخال المسرة في قلبه الشريف صلى الله عليه وسلم وتشويقا له عليه الصلاة والسلام إلى ما يعقبه ليتمكن عنده وقت وروده فضل تمكن.

وقرأ أبو جعفر المنصور «ألم نشرح» بفتح الحاء وخرجه ابن عطية وجماعة على أن الأصل «ألم نشرحن» بنون التأكيد الخفيفة فأبدل من النون ألفا ثم حذفها تخفيفا كما في قوله:

اضرب عنك الهموم طارقها

ضربك بالسيف قونس الفرس

ولا يخفى أن الحذف هنا أضعف مما في البيت لأن ذلك في الأمر وهذا في النفي، ولهذا روى ابن جني في المنتفى عن أبي مجاهد أنه غير جائز أصلا فنون التوكيد أشبه شيء به الإسهاب والإطناب لا الإيجاز والاختصار، والبيت يقال إنه مصنوع والأولى في التمثيل ما أنشده أبو زيد في نوادره:

من أي يومي من الموت أفر

أيوم لم يقدر أم يوم قدر

وقال غير واحد: لعل أبا جعفر بيّن الحاء وأشبعها في مخرجها فظن السامع أنه فتحها. وفي البحر أن لهذه القراءة تخريجا أحسن مما ذكر وهو أن الفتح على لغة بعض العرب من النصب بلم، فقد حكى اللحياني في نوادره أن منهم من ينصب بها ويجزم بلن عكس المعروف عند الناس، وعلى ذلك قول عائشة بنت الأعجم تمدح المختار بن أبي عبيد:

في كل ما همّ أمضى رأيه قدما

ولم يشاور في الأمر الذي فعلا

وخرجها بعضهم على أن الفتح لمحاورة ما بعدها كالكسر في قراءة الحمد لله بالجر وهو لا يتأتى في بيت عائشة ويتأتى فيما عداه مما مر. وقوله تعالى وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ عطف على ما أشير إليه من مدلول الجملة السابقة كأنه قيل قد شرحنا لك صدرك ووضعنا إلخ. وعَنْكَ متعلق ب وَضَعْنا وتقديمه على المفعول الصريح لما مر من القصد إلى تعجيل المسرة والتشويق إلى المؤخر، ولما أن في وصفه نوع طول فتأخير الجار والمجرور عنه مخل بتجاوب أطراف النظم الكريم، والوزر الحمل الثقيل أي وحططنا عنك حملك الثقيل الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ أي حمله على النقيض وهو صوت الانتقاض والانفكاك أعني الصرير ولا يختص بصوت المحامل والرجال بل يضاف إلى المفاصل فيقال: نقيض المفاصل ويراد صوتها فنقيض الظهر ما يسمع من مفاصله من الصوت لثقل الحمل وعليه قول عباس بن مرداس:

وأنقض ظهري ما تطويت منهم

وكنت عليهم مشفقا متحننا

ص: 388

وإسناد الإنقاض للحمل إسناد للسبب الحامل مجازا والمراد بالحمل المنقض هنا ما صدر منه صلى الله عليه وسلم قبل البعثة مما يشق عليه صلى الله عليه وسلم تذكره لكونه في نظره العالي دون ما هو عليه الصلاة والسلام بعد، أو غفلته عن الشرائع ونحوها مما لا يدرك إلّا بالوحي مع تطلبه صلى الله عليه وسلم له أو حيرته عليه الصلاة والسلام في بعض الأمور كأداء حق الرسالة أو الوحي وتلقيه فقد كان يثقل صلى الله عليه وسلم في ابتداء أمره جدا أو ما كان يرى صلى الله عليه وسلم من ضلال قومه مع العجز عن إرشادهم لعدم طاعتهم له وإذعانهم للحق، أو ما كان يرى من تعديهم في إيذائه عليه الصلاة والسلام أو همه عليه الصلاة والسلام من وفاة أبي طالب وخديجة بناء على نزول السورة بعد وفاتهما، ويراد بوضعه على الأول مغفرته، وعلى الثاني إزالته غفلته عليه الصلاة والسلام عنه بتعليمه إياه بالوحي ونحوه، وعلى الثالث إزالة ما يؤدي للحيرة، وعلى الرابع تيسيره له صلى الله عليه وسلم بتدربه واعتياده له، وعلى الخامس توفيق بعضهم للإسلام كحمزة وعمر وغيرهما، وعلى السادس تقويته صلى الله عليه وسلم على التحمل، وعلى السابع إزالة ذلك برفعه إلى السماء حتى لقيه كل ملك وحياه وفوزه بمشاهدة محبوبة الأعظم ومولاه عز وجل. وأيّا ما كان ففي الكلام استعارة تمثيلية والوضع ترشيح لها وليس فيه دليل لنا في العصمة كما لا يخفى. واختار أبو حيان كون وضع الوزر كناية عن عصمته صلى الله عليه وسلم عن الذنوب وتطهيره من الأدناس. عبر عن ذلك بالوضع على سبيل المبالغة في انتفاء ذلك كما يقول القائل: رفعت عنك مشقة الزيارة لمن لم يصدر منه زيارة على طريق المبالغة في انتفاء الزيارة منه له والتمثيل عليه بحاله على ما قيل. وقيل المراد وزر أمتك وإنما أضيف إليه صلى الله عليه وسلم لاهتمامه بشأنه وتفكره في أمره، والمراد بوضعه رفع غائلته في الدنيا من العذاب العاجل ما دام صلى الله عليه وسلم فيهم وما داموا يستغفرون فقد قال سبحانه وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال: 33] ولا يخفى بعد هذا الوجه. وقرأ أنس «وحططنا» و «حللنا» مكان وَضَعْنا. وقرأ ابن مسعود «وحللنا عنك وقرك» .

وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ بالنبوة وغيرها وأي رفع مثل أن قرن اسمه عليه الصلاة والسلام باسمه عز وجل في كلمتي الشهادة، وجعل طاعته طاعته، وصلى عليه في ملائكته، وأمر المؤمنين بالصلاة عليه، وخاطبه بالألقاب ك يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [المدثر: 1] يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ [المزمل: 1] يا أَيُّهَا النَّبِيُّ [الأنفال: 64 وغيرها] يا أَيُّهَا الرَّسُولُ [المائدة: 41، 67] وذكره سبحانه في كتب الأولين، وأخذ على الأنبياء عليهم السلام وأممهم أن يؤمنوا به صلى الله عليه وسلم. وروي عن مجاهد وقتادة ومحمد بن كعب والضحاك والحسن وغيرهم أنهم قالوا في ذلك:

«لا أذكر إلا ذكرت معي» .

وفيه حديث مرفوع أخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أتاني جبريل عليه السلام، فقال: إن ربك يقول: أتدري كيف رفعت ذكرك؟ قلت: الله تعالى أعلم، قال: إذا ذكرت ذكرت معي» .

وكان ذلك من الاقتصار على ما هو أعظم قدرا من إفراد رفع الذكر، ويشير إلى عظم قدره قول حسان:

أغر عليه للنبوة خاتم

من الله مشهود يلوح ويشهد

وضم الإله اسم النبي إلى اسمه

إذا قال في الخمس المؤذن أشهد

ولا يخفى لطف ذكر الرفع بعد الوضع والكلام في العطف وزيادة لَكَ كالذي سلف، والفاء في قوله عز وجل فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً على ما في الكشاف فصيحة. والكلام وعد له صلى الله عليه وسلم مسوق للتسلية والتنفيس. قال: كان المشركون يعيرون رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالفقر والضيقة حتى سبق إلى ذهنه الشريف عليه الصلاة والسلام أنهم رغبوا عن الإسلام لافتقار أهله واحتقارهم، فذكره سبحانه ما أنعم به عليه من جلائل

ص: 389

النعم ثم قال تعالى شأنه إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً كأنه قال سبحانه: خولناك ما خولناك فلا تيأس من فضل الله تعالى فإن مع العسر الذي أنتم فيه يسرا وهو ظاهر في أن أل في العسر للعهد، وأما التنوين في يسرا فللتفخيم كأنه قيل إن مع العسر يسرا عظيما، وأي يسر والمراد به ما تيسر لهم من الفتوح في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يسر الدنيا مطلقا. وقوله تعالى إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً يحتمل أن يكون تكريرا للجملة السابقة لتقرير معناها في النفوس وتمكينها في القلوب كما هو شأن التكرير ويحتمل أن يكون وعدا مستأنفا وأل والتنوين على ما سبق بيد أن المراد باليسر هنا ما تيسر لهم في أيام الخلفاء أو يسر الآخرة. واحتمال الاستئناف هو الراجح لما علم من فضل التأسيس على التأكيد كيف وكلام الله تعالى محمول على أبلغ الاحتمالين وأوفاهما والمقام كما تقدم مقام التسلية والتنفيس والاستئناف نحوي وتجرده عن الواو أكثر من أن يحصى، ولا يحتاج إلى بيان نكتة لأنه الأصل، وقال عصام الدين: لا يبعد أن تكون نكتة الفصل كونه في صورة التكرير فاحفظه فإنه من البدائع وتعقب بنحو ما ذكرنا وكان الظاهر على ما سمعت من المراد باليسر تعريفه إلّا أنه أوثر التنكير للتفخيم. وقد يقال: إن فائدته الظهور في التأسيس لأن النكرة المعادة ظاهرها التغاير والإشعار بالفرق بين العسر واليسر، ويظهر مما ذكر وجه ما

أخرجه عبد الرزاق وابن جرير والحاكم والبيهقي عن الحسن قال: خرج رسول الله عليه الصلاة والسلام فرحا مسرورا وهو يضحك ويقول: «لن يغلب عسر يسرين إن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا»

وأفاد بعض الأجلّة أن الكلام تقرير لما قبله وعدة له صلى الله عليه وسلم بتيسير كل عسير. فالفاء قيل سببية ودخلت على السبب وإن تعارف دخولها على المسبب لتسبب ذكره عن ذكره فإن ذكر أحدهما يستدعي ذكر الآخر، وأل في العسر للاستغراق فيدخل فيه سبب النزول. والتنوين في يُسْراً على ما سبق كأنه قيل: فعلنا لك كذا وكذا لأن مع كل عسر كضيق الصدر والوزر المنقض للظهر والخمول يسرا عظيما كالشرح والوضع ورفع الذكر فلا تيأس من روح الله تعالى إذا عراك ما يغمك. وقال بعضهم: الفاء للتفريع وهو من قبيل تفريع الحكم على الدليل في صورة الاستدلال بالجزئي على الكلي وذلك كما تقول: أما ترى إلى الإنسان والفرس والغنم كلها تحرك الفك الأسفل عند المضغ، فاعلم بذلك أن كل حيوان يفعل كذلك فتدبر. وفي الجملة الثانية الاحتمالان السابقان والاستئناف أيضا هو الراجح لما تقدم. وعلى اتحاد العسر وتعدد اليسر يكون الحاصل من الجملتين أن مع كل عسر يسرين عظيمين، والظاهر أن المراد بذينك اليسرين يسر دنيوي ويسر أخروي. وقيل:

الظاهر أن الجملة الثانية تكرير للأولى وتأكيد لها فاليسر فيها عين اليسر في الأولى كما أن العسر كذلك، والكلام نظير قولك إن مع الفارس رمحا إن مع الفارس رمحا وهو ظاهر في وحدة الفارس والرمح «ولن يغلب عسر يسرين» ليس نصا في الحمل على الاستئناف إذ يصح على التأكيد أيضا بأن يكون مبنيا على كون التنوين في يُسْراً للتفخيم فحمل لقوة الرجاء على يسر الدارين وذلك يسران في الحقيقة، ويشهد لذلك أنه ليس في مصحف ابن مسعود الجملة الثانية مع أنه جاء عنه أيضا:«لن يغلب عسر يسرين» وقيل يمكن أن يحمل الخبر على أنه لن يغلب فرد من أفراد العسر ذكر اليسر مرتين وتكريره في مقام الوعد وهو كما ترى. والمشهور على جميع الأوجه أنه شبه التقارب بالتقارن فاستعير لفظ مَعَ لمعنى بعد وذلك للمبالغة في معاقبة اليسر العسر واتصاله به. واستشكل أمر الاستغراق بأن من العسر ما لا يعقبه يسر دنيوي كالفقر والمرض الدائمين إلى الموت ولا أراك ترضى القول بأن الموت يسر دنيوي وإن من العسر ما لا يعقبه يسر أخروي أيضا كعسر الكافر والجواب بأن الحكم بالنسبة للمؤمنين كما يقتضيه مقام التسلية والتنفيس ويشعر به ما رواه مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم قال: كتب أبو عبيدة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما يذكر له جموعا من الروم وما

ص: 390

يتخوف منهم فكتب إليه عمر رضي الله تعالى عنه: أما بعد فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن شدة يجعل الله تعالى بعده فرجا ولن يغلب عسر يسرين، لا يحسم الإشكال إذ يبقى معه أن من عسر المؤمن ما لا يعقبه يسر دنيوي كما هو ظاهر بل منه ما لا يعقبه يسر أخروي أيضا وذلك كعسر المؤمن الجازع فإنه لا يثاب عليه في الآخرة.

والظاهر من اليسر الأخروي هو الثواب فيها على ذلك العسر وإرادة المؤمن الصابر يبقى معها أن من عسره أيضا ما لا يعقبه اليسر الدنيوي وأجاب بعض على الوجه التأكيد بأن الاستغراق عرفي، ويكفي فيه أن العسر في الغالب يعقبه يسر. وعلى وجه التأسيس بهذا مع كون الحكم بالنسبة للمؤمنين الصابر وآخر بأن الحكم مشروط بمشيئته تعالى وأن لم تذكر قيل: ويشعر بذلك ما

أخرجه عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر بهذه الآية أصحابه فقال عليه الصلاة والسلام: «لن يغلب عسر إن شاء الله تعالى يسرين» .

ويفهم من كلام بعض الأفاضل أنه يجوز على وجه التأكيد أن يكون مع على ظاهرها والتنوين في يُسْراً للنوعية ولا إشكال في الاستغراق إذ لا يخلو المرء في حال العسر عن نوع من اليسر وأقله دفع ما هو أعظم مما أصابه عنه. ويجوز أن يكون التنوين للتفخيم أيضا ويكون اليسر العظيم المقارن للعسر هو دفع ذلك الأعظم وما من عسر إلّا وعند الله تعالى أعظم منه وأعظم وأنه لا يأبى ذلك لن يغلب عسر يسرين، إما لأن المعنى لن يغلب فرد من أفراد العسر ذكر اليسر مرتين في مقام التسلية، أو لأن الآية أفادت أن مع العسر يسرا وقد علم أن بعده آخر على ما جرت به العادة الغالبة أو فهم من قوله تعالى سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً [الطلاق: 7] إن كان نزوله متقدما. وذكر بعضهم أن المعية على حقيقتها عند الخاصة على معنى أن كل ما فعل المحبوب محبوب كما يشير إليه قول الشيخ عمر بن الفارض قدس سره:

وتعذيبكم عذب لديّ وجوركم

عليّ بما يقضي الهوى لكم عدل

وقول الآخر:

بر جانم از تو هر جه رسد جاي منت است

گر ناوك جفاست وگر خنجر ستم

وتسمية ذلك عسرا لأنه في نفسه وعند العامة كذلك لا بالنسبة إلى من أصابه من المحبين المستعذبين له والكل كما ترى، ثم إنه يبعد إرادة المعية الحقيقية ما

أخرج البزار وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والحاكم والبيهقي في الشعب عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا وحياله حجر فقال عليه الصلاة والسلام: «لو جاء العسر فدخل هذا الحجر لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه» . فأنزل الله تعالى إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إلخ. ولفظ الطبراني وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً

وإرادة العهد أسلم من القيل والقال، وكأن من اختاره اختاره لذلك مع الاستئناس له بسبب النزول، لكن الذي يقتضيه الظواهر ومقاماتها الخطابية الاستغراق فإذا قيل به فلا بد من التقييد بكون من أصابه العسر واثقا بالله تعالى حسن الرجاء به عز وجل منقطعا إليه سبحانه أو بنحو ذلك من القيود فتدبر والله تعالى الميسر لكل ما يتعسر. وقرأ ابن وثاب وأبو جعفر وعيسى «العسر» و «يسرا» في الموضعين بضم السين. فَإِذا فَرَغْتَ أي من عبادة كتبليغ الوحي فَانْصَبْ فاتعب في عبادة أخرى شكرا لما عددنا عليك من النعم السالفة ووعدناك من الآلاء الآنفة كأنه عز وجل لما عدد عليه ما عدد ووعده صلى الله عليه وسلم بما وعد بعثه على الشكر والاجتهاد في العبادة وأن لا يخلي وقتا من أوقاته منها فإذا فرغ من عبادة أتبعها بأخرى وَإِلى رَبِّكَ وحده فَارْغَبْ فاحرص بالسؤال ولا

ص: 391

تسأل غيره تعالى فإنه القادر على الإسعاف لا غيره عز وجل. وأخرج ابن جرير وغيره من طرق عن ابن عباس أن قال أي إذا فَرَغْتَ من الصلاة فَانْصَبْ في الدعاء وروي نحوه عن الضحاك وقتادة. وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود أي إذا فَرَغْتَ من الفرائض فَانْصَبْ في قيام الليل. وعن الحسن أي إذا فَرَغْتَ من الغزو فاجتهد في العبادة. وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم نحوه، وأخرج ابن نصر وجماعة عن مجاهد أي إذا فرغت من أسباب نفسك وفي لفظ من دنياك فصلّ، وفي رواية أخرى عنه نحو ما روي عن ابن عباس والأنسب حمل الآية على ما تقدم. وأما قول ابن عباس ومن معه فهو تخصيص لبعض العبادات فراغا وشغلا إما مثالا لأن اللفظ خاص وهو الأظهر وكذا يقال فيما روي عن ابن مسعود، وإما لأن الصلاة أم العبادات البدنية والدعاء مخ العبادة فهما هما. وقول الحسن فيه ما شاع من

قوله صلى الله عليه وسلم: «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر»

وهو قريب إلّا أنه قيل عليه أن السورة مكية والأمر بالجهاد بعد الهجرة ولعله يقول بمدنيتها أو مدنية هذه الآية أو أنها مما تأخر حكمه عن نزوله كآيات أخر. وقول مجاهد نظر فيه إلى أن الفراغ أكثر ما يستعمل في الخلو عن الأشغال الدنيوية كما في

قوله صلى الله عليه وسلم: «اغتنم فراغك قبل شغلك»

. وهو أضعف الأقوال لبعده عما يقتضيه السياق وتؤذن به الفاء. وقال عصام الدين: الأنسب أن يراد فَإِذا فَرَغْتَ من يسر فَانْصَبْ بعسر آخر طلبا لليسرين، فإذا كنت كذلك فكن راغبا إلى ربك يعني لا تتحمل عسر الدنيا طمعا في يسرين فيها، بل تحمل عسر طلب الرب وقربه جل شأنه لليسرين انتهى. ولعمري إنه خلاف ما يفهمه من لا سقم في ذهنه من اللفظ.

وأشعرت الآية بأن اللائق بحال العبد أن يستغرق أوقاته بالعبادة أو بأن يفرغ إلى العبادة بعد أن يفرغ من أمور دنياه على ما سمعت من قول مجاهد فيها، وذكروا أن قعود الرجل فارغا من غير شغل أو اشتغاله بما لا يعنيه في دينه أو دنياه من سفه الرأي وسخافة العقل واستيلاء الغفلة. وعن عمر رضي الله تعالى عنه: إني لأكره أن أرى أحدكم فارغا سبهللا لا في عمل دنياه ولا في عمل آخرته. وروي أن شريكا مرّ برجلين يصطرعان فقال: ما بهذا أمر الفارغ. وقرأ أبو السمال «فرغت» بكسر الراء وهي لغة قال الزمخشري ليست بفصيحة. وقرأ قوم «فانصبّ» بشد الباء مفتوحة من الانصباب، والمراد فتوجه إلى عبادة أخرى كل التوجه. ونسب إلى بعض الإمامية أنه قرأ «فانصب» بكسر الصاد فقيل أي فَإِذا فَرَغْتَ من النبوة فَانْصَبْ عليا للإمامة، وليس في الآية دليل على خصوصية الفعول فللسني أن يقدره أبا بكر رضي الله تعالى عنه فإن احتج الإمامي بما وقع في غدير خم منع السني دلالته على ما ثبت عنده على النصب وصحته على ما يرويه الإمامي. واحتج لما قدره

بقوله صلى الله عليه وسلم: «مروا أبا بكر فليصل بالناس»

وقال إنه أوفق بإذا فرغت لما أنه صدر منه عليه الصلاة والسلام في مرض وفاته قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بخلاف ما كان في الغدير فإنه لا يظهر أن زمانه فراغ من النبوة ظهور كون زمان الأمر كذلك وإن رجع. وقال: المراد فَإِذا فَرَغْتَ من الحج فَانْصَبْ عليا ورد عليه أمر مكية السورة مع ما لا يخفى. وقال في الكشاف: لو صح ذلك للرافضي لصح للناصبي أن يقرأ هكذا ويجعله أمرا بالنصب الذي هو بغض عليّ كرم الله تعالى وجهه وعداوته وفيه نظر. ومن الناس من قدر المفعول خليفة والأمر فيه هين.

وقال ابن عطية: إن هذه القراءة شاذة ضعيفة المعنى لم تثبت عن عالم. وقرأ زيد بن عليّ وابن أبي عبلة «فرغّب» أمر من رغب بشد الغين أي فرغب الناس إلى طلب ما عنده عز وجل.

ص: 392