المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة العلق وتسمى سورة اقرأ، لا خلاف في مكيتها وإنما الخلاف - تفسير الألوسي = روح المعاني - جـ ١٥

[الألوسي، شهاب الدين]

الفصل: ‌ ‌سورة العلق وتسمى سورة اقرأ، لا خلاف في مكيتها وإنما الخلاف

‌سورة العلق

وتسمى سورة اقرأ، لا خلاف في مكيتها وإنما الخلاف في عدد آيها ففي الحجازي عشرون آية، وفي العراقي تسع عشرة، وفي الشامي ثماني عشرة، وفي أنها أول نازل أو لا فذهب كثير إلى أنها أول نازل، فقد أخرج الطبراني في الكبير بسنده على شرط الصحيح عن أبي رجاء العطاردي قال: كان أبو موسى الأشعري يقرئنا فيجلسنا حلقا عليه ثوبان أبيضان فإذا تلا هذه السورة اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق: 1] قال: هذه أول سورة أنزلت على محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد أخرج الحاكم في المستدرك والبيهقي في الدلائل وصححاه عن عائشة نحوه.

وأخرج غير واحد عن مجاهد قال: أول ما نزل من القرآن اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ثم ن وَالْقَلَمِ [القلم: 1] وروى الشيخان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: سألت جابر بن عبد الله أي القرآن أنزل أولا؟

قال: يا أيها المدثر، قلت: يقولون اقرأ باسم ربك قال: أحدثكم بما حدثنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم

، فساق الحديث مستدلا به على ما ادعاه وأجاب عنه الأولون بعدة أجوبة مر ذكرها وقيل الفاتحة. واحتج له بحديث مرسل رجاله ثقات أخرجه البيهقي في الدلائل والواحدي من طريق يونس بن بكير عن يونس بن عمر عن أبيه عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل، وأجيب عنه بأن ما فيه يحتمل أن يكون خبرا عما نزل بعد اقرأ ويا أيها المدثر، مع أن غيره أقوى منه رواية وجزم جابر بن زيد بأن أول ما نزل اقرأ، ثم ن، ثم يا أيها المزمل، ثم يا أيها المدثر، ثم الفاتحة. وقيل أول ما نزل صدرها إلى ما لم يعلم في غار حراء ثم نزل آخرها بعد ذلك بما شاء الله تعالى وهو ظاهر ما

أخرجه الإمام أحمد والشيخان وعبد بن حميد وعبد الرزاق وغيرهم من طريق ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة في حديث بدء الوحي، وفيه:«فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ» فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجف بوادره إلى أن قالت: ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي

،

وفي آخر ما رووا قال ابن شهاب: وأخبرني أبو سلمة عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال وهو يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه: «بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فرعبت منه فرجعت، فقلت: زملوني زملوني، فأنزل الله تعالى يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ [المدثر: 1- 5] فحمي الوحي وتتابع» .

ويعلم منه ضعف الاستدلال على كون سورة المدثر أول نازل من القرآن على الإطلاق بما روي أولا عن جابر المذكور كما لا يخفى على الواقف عليه، وقد ذكرناه صدر الكلام في سورة المدثر لقوله فيه وهو يحدث عن فترة الوحي

وقوله: «فإذا الملك الذي جاءني بحراء»

وقوله «فحمي الوحي وتتابع»

أي بعد فترته

ص: 399

وبالجملة الصحيح كما قال البعض وهو الذي أختاره أن صدر هذه السورة الكريمة هو أول ما نزل من القرآن على الإطلاق كيف

وقد ورد حديث بدء الوحي المروي عن عائشة من أصح الأحاديث وفيه فجاءه الملك فقال اقرأ فقال قلت «ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد»

إلخ. والظاهر أن ما فيه نافية بل قال النووي هو الصواب وذلك إنما يتصور أولا وإلّا لكان الامتناع من أشد المعاصي ويطابقه ما ذكره الأئمة في باب تأخير البيان وسنشير إليه إن شاء الله تعالى. وفي الكشف الوجه حمل قول جابر على السورة الكاملة وفي شرح صحيح مسلم الصواب أن أول ما نزل اقْرَأْ أي مطلقا، وأول ما نزل بعد فترة الوحي يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ وأما قول من قال من المفسرين أول ما نزل الفاتحة فبطلانه أظهر من أن يذكر انتهى. وتمام الكلام في هذا المقام يطلب من محله والله تعالى أعلم. ولما ذكر سبحانه في سورة التين خلق الإنسان في أحسن تقويم بيّن عز وجل هنا أنه تعالى خلق الإنسان من علق فكان ما تقدم كالبيان للعلة الصورية، وهذا كالبيان للعلة المادية. وذكر سبحانه هنا أيضا من أحواله في الآخرة ما هو أبسط مما ذكره عز وجل هناك فقال سبحانه وتعالى:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اقْرَأْ أي ما يوحى إليك من القرآن فالمفعول مقدّر بقرينة المقام كما قيل وليس الفعل منزلا منزلة اللازم ولا أن مفعوله قوله تعالى بِاسْمِ رَبِّكَ على أن الباء زائدة كما قال أبو عبيدة وزعم أن المعنى اذكر ربك، بل هي أصلية ومعناها الملابسة وهي متعلقة بما عندها أو بمحذوف وقع حالا كما روي عن قتادة. والمعنى اقْرَأْ مبتدئا أو مفتتحا بِاسْمِ رَبِّكَ أي قل بسم الله ثم اقرأ وهو ظاهر في أنه لو افتتح بغير اسمه عز وجل لم يكن ممتثلا، واستدل بذلك على أن البسملة جزء من كل سورة وفيه بحث وكذا الاستدلال به على أنها ليست من القرآن للمقابلة إذ لقائل أن يقول إنها تخصص القرآن المقدر مفعولا بغيرها. وبعضهم استدل على أنها ليست بقرآن في أوائل السور بأنها لم تذكر فيما صح من أخبار بدء الوحي الحاكية لكيفية نزول هذه الآيات كذا أفاده النووي عليه الرحمة، ثم قال: وجواب المثبتين أنها لم تنزل أولا بل نزلت في وقت آخر كما نزل باقي السورة كذلك وهذا خلاف ما أخرج الواحدي عن عكرمة والحسن أنهما قالا: أول ما نزل من القرآن بسم الله الرحمن الرحيم، وأول سورة اقرأ. وكذا خلاف ما

أخرجه ابن جرير وغيره من طريق الضحاك عن ابن عباس أنه قال: أول ما نزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا محمد استعذ. ثم قل بسم الله الرحمن الرحيم، وقد عد القول بأنها أول ما نزل أحد الأقوال في تعيين أول منزل من القرآن

. وقال الجلال السيوطي: إن هذا القول لا يعد عندي قولا برأسه فإنه من ضرورة نزول السورة نزول

ص: 400

البسملة معها فهي أول آية نزلت على الإطلاق وفيه منع ظاهر كما لا يخفى. وجوز كون الباء للاستعانة متعلقة بما عندها أو بمحذوف وقع حالا ورجحت الملابسة بسلامتها عن إيهام كون اسمه تعالى آلة لغيره وقد تقدم ما يتعلق بذلك أول الكتاب. ثم إنه ليس في الأمر المذكور تكليف بما لا يطاق سواء دل الأمر على الفور أم لا لأنه صلى الله عليه وسلم علم أن ما أوحى قرآن فهو المكلف بقراءته عليه الصلاة والسلام ولا محذور في كون اقرأ إلخ مأمورا بقراءته لصدق المأمور بقراءته عليه، وهذا كما تقول لشخص: اسمع ما أقول لك، فإنه مأمور بسماع هذا اللفظ أيضا. وقد ذكر جمع من الأصوليين أن هذا بيان للمأمور به في قول جبريل عليه السلام اقْرَأْ المذكور في حديث بدء الوحي المتفق عليه. قال الآمدي عند ذكر أدلة جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب الذي ذهب إليه جماعة من الحنفية وغيرهم: ومن الأدلة ما

روي أن جبريل عليه السلام قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم اقْرَأْ قال: «وما اقرأ» ؟ كرر عليه ثلاث مرات ثم قال له اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ

فأخر بيان ما أمره به أولا مع إجماله إلى ما بعد ثلاث مرات من أمر جبريل عليه السلام وسؤال النبي صلى الله عليه وسلم مع إمكان بيانه أولا وذلك دليل جواز التأخير إلى آخر ما قال سؤالا وجوابا لا يتعلق بهما غرضنا، ولا يخفى أن يكون هذا بيانا للمراد على الوجه الذي ذكرناه ظاهر وكونه كذلك بجعل اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ إلى آخر ما نزل أو بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اقْرَأْ إلخ ما ادعاه الجلال معمولا لاقرأ المكرر في كلام جبريل عليه السلام مما لا أظن أن أصوليا يقول به، ومثله كونه كذلك بحمل الآية على ما سمعت عن أبي عبيدة. وأما بناء الاستدلال على ما

في بعض الآثار من أن جبريل عليه السلام جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بحراء بنمط من ديباج مكتوب فيه اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ- إلى- ما لَمْ يَعْلَمْ فقال له: اقرأ فقال عليه الصلاة السلام «ما أنا بقارئ» قال: اقرأ باسم ربك

بأن يكون اقرأ إلخ بيانا وتلاوة من جبريل عليه السلام لما في النمط المنزل لعدم العلم بما فيه وإن كان مشاهدا منزلة المجمل الغير المعلوم فلا يخفى حاله فتأمل. ثم إن في كلام الآمدي من حيث رواية الخبر ما فيه فلا تغفل. والتعرض لعنوان الربوبية المنبئة عن التربية والتبليغ إلى الكمال اللائق شيئا فشيئا مع الإضافة إلى ضميره صلى الله عليه وسلم للإشعار بتبليغه عليه الصلاة والسلام إلى الغاية القاصية من الكمالات البشرية بإنزال الوحي المتواتر.

ووصف الرب بقوله تعالى الَّذِي خَلَقَ لتذكيره عليه الصلاة والسلام أول النعماء الفائضة عليه صلى الله عليه وسلم منه سبحانه مع ما في ذلك من التنبيه على قدرته تعالى على تعليم القراءة بألطف وجه، وقيل: لتأكيد عدم إرادة غيره تعالى من الرب فإن العرب كانت تسمي الأصنام أربابا لكنهم لا ينسبون الخلق إليها والفعل إما منزل اللازم أي الذي له الخلق، أو مقدر مفعوله عاما أي الذي خلق كل شيء. والأول يفيد العموم أيضا فعلى الوجهين يكون وجه تخصيص الإنسان بالذكر في قوله تعالى خَلَقَ الْإِنْسانَ أنه أشرف المخلوقات وفيه من بدائع الصنع والتدبير ما فيه فهو أدل على وجوب العبادة المقصودة من القراءة مع أن التنزيل إليه، ويجوز أن يراد خلق الإنسان إلّا أنه لم يذكر أولا وذكر ثانيا قصدا لتفخيمه بالإبهام ثم التفسير. وعن الزمخشري أن المناسب أن يراد خلق الإنسان بعد الأمر بقراءة القرآن تنبيها على أنه تعالى خلقه للقراءة والدراية كما أن ذكر خلق الإنسان عقيب تعليم القرآن أول سورة الرحمن لنحو ذلك. وقوله تعالى مِنْ عَلَقٍ أي دم جامد لبيان كمال قدرته تعالى بإظهار ما بين حالتيه الأولى والآخرة من التباين البين، وأتى به دالا على الجمع لأن الإنسان مراد به الجنس فهو في معنى الجمع فأتى بما خلق منه كذلك ليطابقه مع ما في ذلك من رعاية الفواصل، ولعله على ما قيل السر في تخصيص هذا الطور من بين سائر أطوار الفطرة الإنسانية من كون النطفة والتراب

ص: 401

أدل على كمال القدرة لكونهما أبعد منه بالنسبة إلى الإنسانية. وفي البحر لم يذكر سبحانه مادة الأصل آدم يعني آدم عليه السلام وهو التراب لأن خلقه من ذلك لم يكن متقررا عند الكفار فذكر مادة الفرع وخلقه منها وترك مادة أصل الخلقة تقريبا لإفهامهم وهو على ما فيه لا يحسم مادة السؤال. وقيل: خص هذا الطور تذكيرا له عليه الصلاة والسلام لما وقع من شرح الصدر قبل النبوة وإخراج العلق منه ليتهيأ تهيئا تاما لما يكون له بعد فكأنه قيل الذي خلق الإنسان من جنس ما أخرجه من صدرك الشريف ليهيئك بذلك لمثل ما يلقى إليك الآن وبهذا تقوى مناسبة هذه السورة لسورة الشرح قبلها أتم مناسبة لا سيما على تفسير الشرح بالشق فتدبره. ومن الناس من زعم أن المراد بالإنسان آدم عليه السلام وأن المعنى خلق آدم من طين يعلق باليد وهو مما لا تعلق به يد القبول، ولما كان خلق الإنسان أول النعم الفائضة عليه منه تعالى وأقدم الدلائل الدالّة على وجوده عز وجل وكمال قدرته وعلمه وحكمته سبحانه وصف ذاته تعالى بذلك أولا ليستشهد عليه الصلاة والسلام به على تمكينه تعالى له من القراءة.

ثم كرر جل وعلا الأمر بقوله تعالى اقْرَأْ أي افعل ما أمرت به تأكيدا للإيجاب وتمهيدا لما يعقبه من قوله تعالى: وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ إلخ فإنه كلام مستأنف وأراد لإزاحة ما بيّنه صلى الله عليه وسلم من العذر

بقوله عليه السلام لجبريل عليه الصلاة والسلام حين قال له اقرأ فقال: «ما أنا بقارئ»

يريد أن القراءة شأن من يكتب ويقرأ وأنا أمي فقيل وَرَبُّكَ الذي أمرك بالقراءة مفتتحا ومبتدأ باسمه الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ أي علم ما علم بواسطة القلم لا غيره تعالى، فكما علم سبحانه القارئ بواسطة الكتابة بالقلم يعلمك بدونها. وحقيقة الكرم إعطاء ما ينبغي لا لغرض فهو صفة لا يشاركه تعالى في إطلاقها أحد فافعل للمبالغة وجوز أن لا يكون اقرأ هذا تأكيدا للأول وإنما ذكر ليوصل به ما يزيح العذر. فجملة وَرَبُّكَ إلخ في موضع الحال من الضمير المستتر فيه. وقوله تعالى عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ بدل اشتمال من علم بالقلم أي علمه به وبدونه من الأمور الكلية والجزئية والجلية والخفية ما لم يخطر بباله، في حذف المفعول أولا وإيراده بعنوان عدم المعلومية ثانيا من الدلالة على كمال قدرته تعالى وكمال كرمه عز وجل والإشعار بأنه تعالى يعلمه عليه الصلاة والسلام من العلوم ما لا يحيط به العقول ما لا يخفى قاله في الإرشاد. وقدر بعضهم مفعول علم الخط وجعل بالقلم متعلقا به وأيد بقراءة ابن الزبير الذي علم الخط بالقلم حيث صرح فيها بذلك وقال الجبائي إن اقْرَأْ الأول أمر بالقراءة لنفسه وقيل مطلقا والثاني أمر بالقراءة للتبليغ، وقيل في الصلاة المشار إليها فيما بعد. وجملة وَرَبُّكَ إلخ تحتمل الحالية والاستئنافية، وحاصل المعنى على إرادة القراءة للتبليغ في قول بلغ قومك وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الذي يثيبك على عملك بما يقتضيه كرمه ويقويك على حفظ القرآن لتبلغه. وأولى الأوجه وأظهرها التأكيد وأبعد بعضهم جدا فزعم أن بسم في البسملة متعلق باقرأ الأول، وباسم ربك متعلق باقرأ الثاني ليفيد التقديم اختصاص اسم الله تعالى بالابتداء. وجوز أيضا أن يبقى باسم الله على ما هو المشهور فيه واقرأ أمر بإحداث القراءة وباسم ربك متعلق باقرأ الثاني لذلك ولا يخفى أن الظاهر تعلق باسم ربك بما عنده وتقديم الفعل هاهنا أوقع لأن السورة المذكورة على ما سبق من التصحيح أول سورة نزلت فالقراءة فيها أهم نظرا للمقام. وقيل إنه لو سلم كون غيرها نازلا قبلها لا يضر في حسن تقديم الفعل لأن المعنى كما سمعت عن قتادة اقرأ مفتتحا باسم ربك أي قل باسم الله ثم اقرأ فلو افتتح بغير البسملة لم يكن ممتثلا فضلا عن أن يفتتح بما يضادها من أسماء الأصنام، ولو قدم أفاد معنى آخر وهو أن المطلوب عند القراءة أن يكون الافتتاح باسم

ص: 402

الله تعالى لا باسم الأصنام ولا تكون القراءة في نفسها مطلوبة لما علم أن مقتضى التقديم أن يكون أصل الفعل مسلما على ما هو عليه من زمان طلبا كان أو خبرا. وأجاب من علق الجار بالثاني بأن مطلوبية القراءة في نفسها استفيدت من اقرأ الأول فلا تغفل. والظاهر أن المعلم بالقلم غير معين وقيل هو كل نبي كتب. وقال الضحاك هو إدريس عليه السلام وهو أول من خط. وقال كعب: هو آدم عليه السلام وهو أول من كتب. وقد نسبوا لآدم وإدريس عليهما السلام نقوشا مخصوصة في كتابة حروف الهجاء الذي يغلب على الظن عدم صحة ذلك، وقد أدمج سبحانه وتعالى التنبيه على فضل علم الكتابة لما فيه من المنافع العظيمة ونيل الرتب الفخيمة ولولاه لم يقم دين ولم يصلح عيش ولو لم يكن على دقيق حكمة الله تعالى ولطيف تدبيره سبحانه دليل إلّا أمر القلم والخط لكفى به وقد قيل فيه:

لعاب الأفاعي القاتلات لعابه

وأري الجنى اشتارته أيد عواسل

ومما نسبه الزمخشري في ذلك لبعضهم وعنى على ما قيل نفسه:

ورواقم رقش كمثل أراقم

قطف الخطى نيالة أقصى المدى

سود القوائم ما يجد مسيرها

إلّا إذا لعبت بها بيض المدى

ولهم في هذا الباب كلام فصل يضيق عنه الكتاب، وظاهر الآثار أن الكتابة في الأمم غير العرب قديمة وفيهم حادثة لا سيما في أهل الحجاز، وذكر غير واحد أن الكتابة نقلت إليهم من أهل الحيرة وأنهم أخذوها من أهل الأنبار، وذكر الكلبي والهيثم بن عدي أن الناقل للخط العربي من العراق إلى الحجاز حرب بن أمية وكان قد قدم الحيرة فعاد إلى مكة به، وأنه قيل لابنه أبي سفيان ممن أخذ أبوك هذا الخط؟ فقال: من أسلم بن أسدرة. وقال: سألت أسلم ممن أخذت هذا الخط؟ فقال: من واضعه مرامر بن مرة. وقيل: كان لحمير كتابة يسمونها المسند منفصلة غير متصلة وكان لها شأن عندهم فلا يتعاطاها إلّا من أذن له في تعلمها، وأصناف الكتابة كثيرة. وزعم بعضهم أن جل كتابات الأمم اثنا عشر صنفا العربية والحميرية والفارسية والعبرانية واليونانية والرومية والقبطية والبربرية والأندلسية والهندية والصينية والسريانية ولعل هذا إن صح باعتبار الأصول وإلّا فالفروع توشك أن لا يحصيها قلم كما لا يخفى والله تعالى أعلم ولم ير بعض العلماء من الأدب وصف غيره تعالى بالأكرم كما يفعله كثير من الناس في رسائلهم فيكتبون إلى فلان الأكرم ومع هذا يعدونه وصفا نازلا ويستهجنونه بالنسبة للملوك ونحوهم من الأكابر وقد يصفون به اليهودي والنصراني ونحوهما مع أنه تعالى يقول وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ فعلى العبد أن يراعي الأدب مع مولاه شاكرا كرمه الذي أولاه.

كَلَّا ردع لمن كفر من جنس الإنسان بنعمة الله تعالى عليه بطغيانه وإن لم يذكر لدلالة الكلام عليه وذلك لأن مفتتح السورة إلى هذا المقطع يدل على عظيم منته تعالى على الإنسان فإذا قيل كَلَّا كان ردعا للإنسان الذي قابل تلك النعم الحلائل بالكفران وبالطغيان، وكذلك التعليل بقوله تعالى إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أي ليتجاوز الحد في المعصية واتباع هوى النفس ويستكبر على ربه عز وجل. وقال الكلبي: أي ليرتفع عن منزلة إلى منزلة في اللباس والطعام وغيرهما وليس بذاك، وقدر بعضهم بعد قوله تعالى ما لَمْ يَعْلَمْ ليشكر تلك النعم الجليلة فطغى وكفر كَلَّا وقيل كلا بمعنى حقا لعدم ما يتوجه إليه الردع والزجر ظاهرا فقوله سبحانه إِنَّ الْإِنْسانَ إلخ بيان لما أريد إحقاقه وهذا إلى آخر السورة قيل نزل في أبي جهل بعد زمان من نزول الآيات السابقة وهو الظاهر، ومع نزوله في ذلك اللعين المراد بالإنسان الجنس. وقوله سبحانه أَنْ رَآهُ

ص: 403

اسْتَغْنى

مفعولا من أجله أي يطغى لأن رأى نفسه مستغنيا على أن جملة اسْتَغْنى مفعول ثان لرأى لأنه بمعنى علم ولذلك ساغ كون فاعله ومفعوله ضميري واحد نحو علمتني فقد قالوا إن ذلك لا يكون في غير أفعال القلوب وفقد وعدم، وذهب جماعة إلى أن رأى البصرية قد تعطى حكم القلبية في ذلك وجعلوا منه قول عائشة: لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لنا طعام إلّا الأسودان. وأنشدوا:

ولقد أراني للرماح دريئة

من عن يميني تارة وأمامي

فإذا جعلت رأى هنا بصرية فالجملة في موضع الحال، وتعليل طغيانه برؤيته لا بنفس الاستغناء كما ينبىء عنه قوله تعالى وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ [الشورى: 27] للإيذان بأن مدار طغيانه زعمه الفاسد على الأول ومجرد رؤيته ظاهر الحال من غير روية وتأمل في حقيقته على الثاني، وعلى الوجهين المراد بالاستغناء الغنى بالمال أعني مقابل الفقر المعروف. وقيل المراد أن رأى نفسه مستغنيا عن ربه سبحانه بعشيرته وأمواله وقوته وهو خلاف الظاهر، ويبعده ظاهر ما روي أن أبا جهل قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتزعم أن من استغنى طغى فاجعل لنا جبال مكة ذهبا وفضة لعلنا نأخذ منها فنطغى فندع ديننا ونتبع دينك. فنزل جبريل عليه السلام فقال: إن شئت فعلنا ذلك ثم إن لم يؤمنوا فعلنا بهم ما فعلنا بأصحاب المائدة، فكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدعاء إبقاء عليهم. وقرأ قنبل بخلاف عنه «أن رأه» بحذف الألف التي بعد الهمزة وهي لام الفعل وروى ذلك عنه ابن مجاهد وغلطه فيه وقال: إن ذلك حذف لا يجوز وفي البحر ينبغي أن لا يغلطه بل يتطلب له وجها وقد حذفت الألف في نحو من هذا قال:

وصاني العجاج فيمن وصني يريد وصاني فحذف الألف وهي لام الفعل وقد حذفت في مضارع رأى في قولهم أصاب الناس جهد لو تر أهل مكة، وهو حذف لا ينقاس لكن إذا صحت الرواية وجب القبول فالقراءات جاءت على لغة العرب قياسها وشاذها. وقوله تعالى إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى

تهديد للطاغي وتحذير له من عاقبة الطغيان، والخطاب قيل للإنسان والالتفات للتشديد في التهديد وجوز أن يكون الخطاب لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم. والمراد أيضا تهديد الطاغي وتحذيره ولعله الأظهر نظرا إلى الخطابات قبله والرجعى مصدر بمعنى الرجوع كالبشرى والألف فيها للتأنيث، وتقديم الجار والمجرور عليه للقصر أي إن إلى ربك رجوع الكل بالموت والبعث لا إلى غيره سبحانه استقلالا أو اشتراكا فترى حينئذ عاقبة الطغيان. وفي هذه الآيات على ما قيل إدماج التنبيه على مذمة المال كما أن في الآيات الأول إدماج التنبيه على مدح العلم وكفى ذلك مرغبا في الدين والعلم ومنفرا عن الدنيا والمال. وقوله تعالى أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى ذكر لبعض آثار الطغيان ووعيد عليها. ولم يختلف المفسرون كما قال ابن عطية في أن العبد المصلي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناهي هو اللعين أبو جهل.

فقد أخرج أحمد ومسلم والنسائي وغيرهم عن أبي هريرة أن أبا جهل حلف باللات والعزى لئن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ليطأن على رقبته وليعفرن وجهه، فأتى رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو يصلي ليفعل فما فجأهم منه إلّا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه، فقيل له: ما لك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقا من نار وهولا وأجنحة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا» وأنزل الله تعالى كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ إلى آخر السورة

. وقول الحسن هو أمية بن خلف كان ينهى سلمان عن الصلاة لا يكاد يصح لأنه لا خلاف في أن إسلام سلمان رضي الله تعالى عنه كان بالمدنية بعد الهجرة كما أنه لا خلاف في أن السورة

ص: 404

مكية. نعم حكم الآية عام فإن كان ما حكي عن أمية واقعا فحكمها شامل له والصلاة التي أشارت إليها الآية كانت على ما حكى أبو حيان صلاة الظهر، وحكى أيضا أنها كانت تصلى جماعة وهي أول جماعة أقيمت في الإسلام وأنه كان معه عليه الصلاة والسلام أبو بكر وعلي رضي الله تعالى عنهما فمر أبو طالب ومعه ابنه جعفر فقال له: يا بني صل جناح ابن عمك، وانصرف مسرورا وأنشأ يقول:

إن عليا وجعفرا ثقتي

عند ملم الزمان والكرب

والله لا أخذل النبي ولا

يخذله من يكون من حسبي

لا تخذلا وانصرا ابن عمكما

أخي لأمي من بينهم وأبي

وفي هذا نظر لأن الصلاة فرضت ليلة الإسراء بلا خلاف، وادعى ابن حزم الإجماع على أنه كان قبل الهجرة بسنة، وجزم ابن فارس بأنه كان قبلها بسنة وثلاثة أشهر، وقال السدي بسنة وخمسة أشهر، وموت أبي طالب كان قبل الهجرة بنحو ثلاث سنين لأنه كان قبل وفاة خديجة بثلاثة وقيل بخمسة أيام، وكانت وفاتها بعد البعثة بعشر سنين على الصحيح، فأبو طالب على هذا لم يدرك فرضية الصلاة. نعم حكى القاضي عياض عن الزهري ورجحه النووي والقرطبي أن الإسراء كان بعد البعث بخمس سنين لكن قيل عليه ما قيل فليراجع.

والنهي قيل بمعنى المنع وعبر به إشارة إلى عدم اقتدار اللعين على غير ذلك. وفي بعض الأخبار ما ظاهره أنه حصل منه نهي لفظي، فقد أخرج أحمد والترمذي وصححه وغيرهما عن ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فجاء أبو جهل فقال: ألم أنهك عن هذا؟ ألم أنهك عن هذا الحديث والتعبير بما يفيد الاستقبال لاستحضار الصورة الماضية لنوع غرابة والرؤية قيل قلبية وكذا في قوله تعالى أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى وقوله عز وجل: أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى والمفعول الأول للأول الموصول وللثاني والثالث محذوف وهو ضمير يعود عليه أو اسم إشارة يشار به إليه، والمفعول الثاني للثالث قوله سبحانه أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى والأولان متوجهان إليه أيضا وهو مقدر عندهما، وترك إظهاره اختصارا ونظير ذلك أخبرني عن زيد إن وفدت عليه، أخبرني عنه إن استخبرته، أخبرني عنه إن توسلت إليه أما يوجب حقي وليس ذلك من التنازع لأن الجمل لا يصح إضمارها وإنما هو من الطلب المعنوي والحذف في غير التنازع، وجواب الشرط في الجملتين محذوف لدلالة ألم يعلم عليه ويقدر حسبما تقتضيه الصناعة، وقيل يدل عليه أَرَأَيْتَ مرادا به ما سيذكر قريبا إن شاء الله تعالى ويقدر كذلك، والكلام عليه أيضا نظير ما مر آنفا، والضمائر المستترة في كان وما بعد من الأفعال للناهي والمراد من أَرَأَيْتَ أخبرني فإن الرؤية لما كانت سببا للعلم أجرى الاستفهام عنها مجرى الاستخبار عن متعلقها والاستفهام الواقع موقع المفعول الثاني هو متعلق الاستخبار هنا وهذا الإجراء على ما يفهم من كلام بعض الأئمة يكون مع الرؤية البصرية والرؤية القلبية وللنحاة فيه قولان، والخطاب في الكل على ما اختاره جمع لكل من يصلح أن يكون مخاطبا ممن له مسكة وقيل للإنسان كالخطاب في إِلى رَبِّكَ

وتنوين عَبْداً على ما هو ظاهر كلام البعض للتنكير، وتقييد النهي بالظرف يشعر بأن النهي عن الصلاة حال التلبس بها وفصل بين الجمل للاعتناء بأمر التشنيع والوعيد حيث أشعر أن كل جملة مقصودة على حيالها فشنع سبحانه على الناهي أولا بنهيه عن الصلاة، وأوعد عليه مطلقا بقوله تعالى أَرَأَيْتَ الَّذِي إلخ أي أخبرني يا من له أدنى تمييز أو أيها الإنسان عمن ينهى عن الصلاة بعض عباد الله تعالى ألم يعلم بأن الله تعالى يرى ويطلع فيجازيه على ذلك النهي. وشنع سبحانه عليه ثانيا بنهيه عن ذلك وأوعده عليه أيضا على تقدير أنه على

ص: 405

زعمه على هدى ورشد في نفس النهي أو أنه أمر بواسطته بالتقوى لأن النهي عن الشيء أمر بضده أو مستلزم له فقال تعالى شأنه أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ إلخ أي أخبرني عن ذلك الناهي ألم يعلم أن الله يطلع فيجازيه إن كان على هدى ورشد في نفس النهي أو كان أمرا بواسطته بالتقوى كما يزعم. وشنع جل شأنه عليه ثالثا بذلك وأوعده عليه أيضا على تقدير أنه في نفس الأمر وفيما يقوله تعالى مكذبا بحقية الصلاة متوليا عنها معرضا عن فعلها بقوله تعالى أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ إلخ أي أخبرني عن ذلك الناهي ألم يعلم بأن الله تعالى يطلع على أحواله إن كذب بحقية ما نهى عنه وأعرض عن فعله على ما نقوله نحن، والحاصل أنه تعالى شنع وأوعد على النهي عن الصلاة بدون تعرض لحال الناهي الزعمي أو الحقيقي، ثم شنع وأوعد جل وعلا عليه مع التعرض لحاله الزعمي، ثم شنع عز وجل وأوعد عليه مع التعرض لحاله الحقيقي وهذا كالترقي في التشنيع. والجمهور على عدم تقييد ما في حيّز الشرطيتين بما ذكرنا حيث قالوا: إن كان على طريقة سديدة فيما ينهى عنه من عبادة الله تعالى أو كان أمرا بالمعروف والتقوى فيما يأمر به من عبادة الأوثان كما يزعم أو كان مكذبا للحق ومتوليا عن الصواب كما نقول، وذكر أن الشرط الثاني تكرار للأول لأن معنى الأول أنه ليس على الهدى، وأوضح بأن إدخال حرف الشرط في الأول لإرخاء العنان صورة والتهكم حقيقة إذ لا يكون في النهي عن عبادته تعالى والأمر بعبادة الأصنام هدى البتة، وفي الثاني لذلك والتهكم على عكس الأول إذ لا شك أنه مكذب متولّ فما لهما إلى واحد. وقيل: إن الرؤية في الجملة

الأولى بصرية فلا تحتاج إلى مفعول ثان، وفي الثانية والثالثة قلبية والمفعول الأول على ما تقدم والمفعول الثاني سد مسده الجملة الشرطية الأولى بجوابها وهو في الأخيرة أَلَمْ يَعْلَمْ إلخ لمذكور وفيما قبلها محذوف دل هو عليه، ولم تعطف الأخيرة على ما قبلها للإيذان باستقلالها بالوقوع في نفس الأمر وباستتباع الوعيد الذي ينطق به الجواب، وأما قبلها فأمر الشرط فيه ليس إلّا لتوسيع الدائرة وهو السر في تجريده عن الجواب والإحالة به على جواب الشرطية بعده، والخطاب في الكل لمن يصلح له والتنوين في عَبْداً لتفخيمه عليه الصلاة والسلام واستعظام النهي وتأكيد التعجيب منه والمعنى أخبرني عن ذلك الناهي إن كان على الهدى فيما ينهى عنه من عبادة الله تعالى إلخ ما ذكر آنفا ألم يعلم أن الله يرى ويطلع على أحواله فيجازيه بها حتى اجترأ على ما فعل. وقيل إن أَرَأَيْتَ في الجمل الثلاث من الرؤية القلبية، والمفعول الأول للأولى الموصول، ومفعولها الثاني الجملة الشرطية الأولى بجوابها المحذوف اكتفاء عنه بجواب الشرطية الثانية إذ علم من ضرورة التقابل. وأَ رَأَيْتَ الثانية تكرارا للأولى، وأَ رَأَيْتَ الثالثة ومفعولها الأول محذوف للقرينة مستقلة لأنها تقابل الأولى للتقابل بين الشرطين يعني قوله تعالى إِنْ كانَ إلخ، وقوله سبحانه إِنْ كَذَّبَ إلخ. وفي الإتيان بالجملة الأخيرة من دون العطف ترشيح للكلام المبكت وتنبيه على حقية الشرط، ولهذا صرح بجوابه ليتمحض وعيدا والخطاب على ما تقدم أولا والكلام من قبيل الكلام المنصف وإرخاء العنان ولذا قيل عَبْداً ولم يقل نبيا مجتبى فكأنه قيل أخبرني يا من له أدنى تمييز عن حال هذا الذي ينهى بعض عباد الله تعالى فضلا عن النبي المجتبى عن صلاته إن كان ذلك الناهي على هدى فيما ينهى عنه من عبادة الله تعالى أو كان آمرا بالتقوى فيما يأمر به من عبادة الأصنام كما يزعم، وكذلك إن كان على التكذيب للحق والتولي عن الدين الصحيح كما تقول أَلَمْ يَعْلَمْ إلخ. وقيل أَرَأَيْتَ في الجملتين الثانية والثالثة تكرار للأولى والشرطيتان بجوابهما سادتان مسد المفعول الثاني للأولى، وأَ لَمْ يَعْلَمْ إلخ جواب الشرط الثاني وجواب الأول محذوف لدلالته عليه ولم يقل أو إن كذب إلخ لأنه ليس بقسيم لما قبله على ما قيل. والمعنى على نحو ما سمعت وأورد على جميع هذه الأقوال أن في تجويز

ص: 406

الإتيان بالاستفهام في جزاء الشرط من غير الفاء وإن صرح به الزمخشري في كشافه وارتضاه الرضي واستشهد له بقوله تعالى قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ [الأنعام: 47] بحثا لأن ظاهر نقل الزمخشري نفسه في المفصل ونقل غيره وجوب الفاء إذا كان الجزاء جملة إنشائية والاستفهام وإن لم يبق على الحقيقة لم يخرج على ما في الكشف من الإنشاء. وقال أبو حيان: إن وقوع جملة الاستفهام جوابا للشرط بغير فاء لا أعلم أحدا أجازه بل نصوا على وجوب الفاء في كل ما اقتضى طلبا بوجه ما ولا يجوز حذفها إلّا في ضرورة أو شعر. وقال الدماميني في شرح التسهيل: إن جعل هل يهلك جزاء مشكل لعدم اقترانه بالفاء والاقتران بها في مثل ذلك واجب. واعترض أيضا جعل الجملة الشرطية في موضع المفعول الثاني لأرأيت بأن مفعولها الثاني لا يكون إلّا جملة استفهامية كما نص عليه أبو حيان وجماعة، أو قسمية كما في الإرشاد. وقال الخفاجي: إن جعل الشرطية في موقع المفعول والجملة الاستفهامية في موقع جواب الشرط إما على ظاهره أو على أنهما لدلالتهما على ذلك جعلا كأنهما كذلك لسدهما مسد المفعول والجواب وبما ذكر صرح الرضي والدماميني في شرح التسهيل في باب اسم الإشارة فما قيل من أن المفعول الثاني لأرأيت لا يكون جملة استفهامية مخالف لما صرحوا بأنه مختار سيبويه فلا يلتفت إليه، ولم يجعلوا فيما ذكر الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولا للكافر الناهي لأن السياق مقتض لخروج الناهي والمنهي عن مورد الخطاب. واستظهر في البحر جعله للنبي وجوز غيره جعله للكافر. والمراد تصوير الحال بعنوان كلي وهو كما ترى.

وقيل الضميران في إِنْ كانَ وأَمَرَ للعبد المصلي والضمائر في كَذَّبَ وَتَوَلَّى ويَعْلَمْ للذي ينهى. وحاصل المعنى على ما قال الفراء أرأيت الذي ينهى عبدا يصلي والمنهي على الهدى وآمر بالتقوى والناهي مكذب متول فما أعجب من ذا. والظاهر أن جواب الشرط عليه محذوف وهو فما أعجب من ذا بقرينة أَرَأَيْتَ فإنه يفيد التعجب والرؤية فيه قيل علمية، والمفعول الثاني محذوف نحو هذا الجواب وقيل بصرية وأَ لَمْ يَعْلَمْ إلخ جملة مستأنفة لتقرير ما قبلها وتأكيده، وأو تقسيمية بمعنى الواو. وقيل الخطاب في أَرَأَيْتَ الثانية للكافر وفي الثانية للنبي صلى الله عليه وسلم فهو عز وجل كالحاكم الذي حضر الخصمان يخاطب هذا مرة والآخر أخرى وكأنه سبحانه قال: يا كافر أخبرني إن كانت صلاته هدى ودعاؤه إلى الله تعالى أمرا بالتقوى أتنهاه، وأخبرني أيها الرسول إن كان الناهي مكذبا بالحق متوليا عن الدين الصحيح ألم يعلم بأن الله تعالى يجازيه. وسكت هذا القائل عن الخطاب في أَرَأَيْتَ الأول فقيل: لكل من يصلح له وقيل للإنسان، وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم كالخطاب في الثالث. وقوله أتنهاه يحتمل أنه جعله مفعولا لرأيت، ويحتمل أنه جواب الشرط أو كما في سابقه ولعل ذكر الأمر بالتقوى في الجملة الثانية لأن النهي على ما قيل كان عن الصلاة والأمر بها وكان الظاهر عليه أن يذكر في الجملة الأولى أيضا بأن يقال أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى أو أمر بالتقوى لكنه حذف اكتفاء بذكره في الثانية، واقتصر على ذكر الصلاة ولم يعكس لأن الأمر بالتقوى دعوة قولية، والصلاة دعوة فعلية والفعل أقوى من القول. وإنما كانت دعوة وأمرا لأن المقتدى به إذا فعل فعلا كان في قوة قوله افعلوا هذا. وقيل المذكور أولا ليس النهي عن الصلاة بل النهي حين الصلاة وهو محتمل أن يكون لها أو لغيرها، وعامة أحوال الصلاة لما انحصرت في تكميل نفس المصلي بالعبادة وتكميل غيره بالدعوة فنهيه في تلك الحالة يكون عن الصلاة والدعوة معا فلذا ذكر في الجملة الثانية انتهى. فلا تغفل.

وجوز الإمام كون الخطاب في الكل له عليه الصلاة والسلام وقال في بيان معنى أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ

ص: 407

إلخ أرأيت إن صار على الهدى واشتغل بأمر نفسه، أما كان يليق به ذلك إذ هو رجل عاقل ذو ثروة، فلو اختار الرأي الصائب والاهتداء والأمر بالتقوى أما كان ذلك خيرا له من الكفر بالله تعالى والنهي عن خدمته سبحانه وطاعته عز وجل؟ كأنه تعالى يقول: تلهف عليه كيف فوت على نفسه المراتب العلية وقنع بالمراتب الردية.

واعتبر عصام الدين هذه الجملة توبيخا على تفويت ما ينفع وما بعدها توبيخا على كسب ما يضر فقال: إن قوله تعالى أَرَأَيْتَ الَّذِي إلخ استشهاد لطغيان الإنسان إن رآه مستغنيا والرؤية بمعنى الإبصار، أي أشاهدت الذي ينهى عبدا إذا صلى وعرفت طغيان الإنسان المستغني وأنه لا يكفي بكفرانه ويتجاوز إلى تكليف العبد الذي أرسل للمنع عن الكفران بالكفران. وقوله سبحانه أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ إلخ توبيخ له على فوت ما لا يعلم كنهه بفوت الهدى والأمر بالتقوى، يعني أعلمت أنه على أي فور إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى وقوله عز وجل أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ إلخ توبيخ له بما كسب من استحقاق العذاب والبعد عن رب الأرباب أي أعلمت أنه على أي عقوبة ومؤاخذة. وقوله تعالى أَلَمْ يَعْلَمْ إلخ تهديد ووعيد شديد بعد التوبيخ على كسب حال الشقي وفوت حال السعيد انتهى. وهو كما ترى فتأمل جميع ما تقدم والله تعالى بمراده أعلم. ثم إن الآية وإن نزلت في أبي جهل عليه اللعنة لكن كل من نهى عن الصلاة ومنع منها فهو شريكه في الوعيد ولا يلزم على ذلك المنع عن النهي عن الصلاة في الدار المغصوبة والأوقات المكروهة لأن المنهي عنه في الحقيقة ليس عن الصلاة نفسها بل عن وصفها المقارن وأشهد الاحتياط تحاشي بعضهم عن النهي مطلقا

فروي عن أمير المؤمنين كرم الله تعالى وجهه أنه رأى في المصلى أقواما يصلون قبل صلاة العيد، فقال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، فقيل له رضي الله تعالى عنه: ألا تنهاهم؟ فقال رضي الله تعالى عنه: أخشى أن أدخل تحت وعيد قوله تعالى أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى وفي رواية لا أحب أن أنهى عبدا إذا صلى، ولكن أحدثهم بما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم

وقد سلك نحو هذا المسلك أبو حنيفة عليه الرحمة فقد روي أن أبا يوسف قال له:

أيقول المصلي حين يرفع رأسه من الركوع اللهم اغفر لي؟ فقال: يقول ربنا لك الحمد ويسجد. ولم يصرح بالنهي ويقاس على النهي عن الصلاة النهي عن غيرها من أنواع العبادة، ولا فرق بين النهي القالي والنهي الحالي، ومنه أن يشغل المرء المرء عن ذلك وقد ابتلي به كثير من الناس.

كَلَّا ردع للناهي اللعين وزجر له. واللام في قوله تعالى لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ موطئة للقسم أي والله لئن لم ينته عما هو عليه ولم ينزجر لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ أي لنأخذن بناصيته ولنسحبنه بها إلى النار يوم القيامة والسفع قال المبرد الجذب بشدة وسفع بناصية فرسه جذب. قال عمرو بن معد يكرب:

قوم إذ كثر الصياح رأيتهم

ما بين ملجم مهره أو سافع

وقال مؤرج: السفع الأخذ بلغة قريش. والناصية شعر الجبهة وتطلق على مكان الشعر وأل فيها للعهد، واكتفي بها عن الإضافة وهو معنى كونها عوضا عن المضاف إليه في مثله والكلام كناية عن سحبه إلى النار وقول أبي حيان إنه عبر بالناصية عن جميع الشخص لا يخفى ما فيه وقيل: المراد لنسحبنه على وجهه في الدنيا يوم بدر وفيه بشارة بأنه تعالى يمكن المسلمين من ناصيته حتى يجروه إن لم ينته وقد فعل عز وجل

فقد روي أنه لما نزلت سورة الرحمن قال صلى الله عليه وسلم:

«من يقرؤها على رؤساء قريش» ؟ فقام ابن مسعود وقال: أنا يا رسول الله، فلم يأذن له عليه الصلاة والسلام لضعفه وصغر جثته حتى قالها ثلاثا وفي كل مرة كان ابن مسعود يقول: أنا يا رسول الله، فأذن له صلى الله عليه وسلم فأتاهم وهم مجتمعون حول الكعبة فشرع في القراءة فقام أبو جهل فلطمه وشق أذنه وأدماه، فرجع وعيناه تدمعان فنزل جبريل عليه السلام ضاحكا

ص: 408

فقال له صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقال عليه السلام «ستعلم» فلما كان يوم بدر قال عليه الصلاة والسلام: التمسوا أبا جهل في القتلى فرآه ابن مسعود مصروعا يخور فارتقى على صدره ففتح عينه فعرفه، فقال: لقد ارتقيت مرتقى صعبا يا رويعي الغنم، فقال ابن مسعود: الإسلام يعلو ولا يعلى عليه. فعالج قطع رأسه فقال اللعين: دونك فاقطعه بسيفي. فقطعه ولم يقدر على حمله فشق أذنه وجعل فيها خيطا وجعل يجره حتى جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء جبريل عليه السلام يضحك ويقول: يا رسول الله أذن بأذن

والرأس زيادة، وكأن تخصيص الناصية بالذكر لأن اللعين كان شديد الاهتمام بترجيلها وتطييبها، أو لأن السفع بها غاية الإذلال عند العرب إذ لا يكون إلّا مع مزيد التمكن والاستيلاء ولأن عادتهم ذلك في البهائم. وقرأ محبوب وهارون كلاهما عن أبي عمرو «لنسفعنّ» بالنون الشديدة. وقرأ ابن مسعود «لأسفعن» كذلك مع إسناد الفعل إلى ضمير المتكلم وحده، وكتبت النون الخفيفة في قراءة الجمهور ألفا اعتبارا بحال الوقف فإنه يوقف عليها بالألف تشبيها لها بالتنوين وقاعدة الكتابة مبنية على حال الوقف والابتداء ومن ذلك قوله:

ومهما تشأ منه فزارة تمنعا وقوله:

يحسبه الجاهل ما لم يعلما وقوله تعالى ناصِيَةٍ بدل من الناصية وجاز إبدالها عن المعرفة وهي نكرة لأنها وصفت بقوله سبحانه كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ فاستقلت بالإفادة وقد ذكر البصريون أنه يشترط لإبدال النكرة من المعرفة الإفادة لا غير، ومذهب الكوفيين أنها تبدل منها بشرطين اتحاد اللفظ ووصف النكرة وليشمل بظاهره كل ناصية هذه صفتها وهذا مما يتأتى على سائر المذاهب، ووصف الناصية بما ذكر مع أنه صفة صاحبها للمبالغة حيث يدل على وصفه بالكذب والخطأ بطريق الأولى، ويفيد أنه لشدة كذبه وخطئه كأن كل جزء من أجزائه يكذب ويخطأ وهو كقوله تعالى تَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ [النحل: 116] وقولهم وجهها يصف الجمال. فالإسناد مجازي من إسناد ما للكل إلى الجزء، وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة وزيد بن علي «ناصية كاذبة خاطئة» بنصب الثلاثة على الشتم والكسائي في رواية برفعها أي هي ناصية إلخ فَلْيَدْعُ نادِيَهُ النادي المجلس الذي ينتدي فيه القوم أي يجتمعون للحديث ويجمع على أندية، والكلام على تقدير المضاف أي فليدع أهل ناديه أو الإسناد فيه مجازي أو أطلق اسم المحل على من حل فيه ومثله في هذا المجلس ونحوه كما قال جرير أو ذو الرمة:

لهم مجلس صهب السبال أذلة

سواسية أحرارها وعبيدها

وقال زهير:

وفيهم مقامات حسان وجوههم

وأندية ينتابها القول والفعل

وهذا إشارة إلى ما صح من أن أبا جهل مر برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فقال: ألم أنهك فأغلظ عليه الصلاة والسلام له، فقال: أتهددني وأنا أكثر أهل الوادي ناديا والأمر على ما في البحر للتعجيز والإشارة إلى أنه لا يقدر على شيء سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ أي ملائكة العذاب ليجروه إلى النار وهو في الأصل الشرط أي أعوان الولاة. واختلف فيه فقيل جمع لا واحد له من لفظه كعباديد. وقال أبو عبيدة: واحده زبنية- بكسر فسكون- كعفرية. وقال الكسائي: واحده زبنى- بالكسر- كأنه نسب إلى الزبن- بالفتح- وهو الدفع ثم غير للنسب، وكسر أوله كإنسي وأصل الجمع زبانى فقيل زبانية بحذف إحدى ياءيه وتعويض التاء عنها. وقال عيسى بن عمر والأخفش واحده زابن والعرب قد تطلق هذا الاسم على من اشتد بطشه وإن لم يكن من أعوان الولاة ومنه

ص: 409

قوله:

مطاعم في القصوى مطاعين في الوغى

زبانية غلب عظام حلومها

وسمي ملائكة العذاب بذلك لدفعهم من يعذبونه إلى النار. وهذا الدعاء في الدنيا بناء على ما روي من أنه لو دعا ناديه لأخذته الزبانية عيانا والظاهر أن سَنَدْعُ مرفوع لتجرده عن الناصب والجازم ورسم في المصاحف بدون واو لاتباع الرسم للفظ فإنها محذوفة فيه عن الوصل لالتقاء الساكنين أو لمشاكلة فَلْيَدْعُ وقيل إنه مجزوم في جواب الأمر وفيه نظر. وقرأ ابن أبي عبلة «سيدعى» الزبانية بالبناء للمفعول ورفع «الزبانية» كَلَّا ردع لذلك اللعين بعد ردع وزجر له إثر زجر لا تُطِعْهُ أي دم على ما أنت عليه من معاصاته وَاسْجُدْ وواظب غير مكترث به على سجودك وهو على ظاهره أو مجاز عن الصلاة وَاقْتَرِبْ وتقرب بذلك إلى ربك.

وفي صحيح مسلم وغيره من حديث أبي هريرة مرفوعا: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء»

.

وفي الصحيح وغيره أيضا من حديث ثوبان مرفوعا: «عليك بكثرة السجود فإنه لا تسجد لله تعالى سجدة إلّا رفعك الله تعالى بها درجة وحط عنك بها خطيئة»

. ولهذه الأخبار ونحوها ذهب غير واحد إلى أن السجود أفضل أركان الصلاة، ومن الغريب أن العز بن عبد السلام من أجلّة أئمة الشافعية قال بوجوب الدعاء فيه

وفي البحر ثبت في الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام سجد في إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ

[الانشقاق:

1] وفي هذه السورة وهي من العزائم عند علي كرم الله تعالى وجهه، وكان مالك يسجد فيها في خاصة نفسه والله تعالى الموفق.

ص: 410