المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

والحديث هنا عن بَعْث الإنسان، هذا المخلوق الذي أبدعه الخالق - تفسير الشعراوي - جـ ١٤

[الشعراوي]

الفصل: والحديث هنا عن بَعْث الإنسان، هذا المخلوق الذي أبدعه الخالق

والحديث هنا عن بَعْث الإنسان، هذا المخلوق الذي أبدعه الخالق سبحانه، وجعله سيد هذا الكون، وجعل عمره محدوداً، فما بالكم تنشغلون بإنكار بعث الإنسان عن باقي المخلوقات وهي أعظم الخَلْقِ في الإنسان، وأطول منه عُمراً، وأثبت منه وأضخم.

فلا تَنْسىَ أيها الإنسان أن خَلْقك أهونُ وأسهلُ من مخلوقات أخرى كثيرة هي أعظم منك، ومع ذلك تراها خاضعة لله طائعة، لم تعترض يوماً ولم تنكر كما أنكرت، يقول تعالى:{لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس. .} [غافر: 57]

فمَنْ ينكر بَعْث الإنسان بعد أن يصير رفاتاً عليه أن يتأمل مثلاً الشمس كآية من آيات الله في الكون، وقد خلقها الله قبل خَلْق الإنسان، وستظل إلى ما شاء الله، وهي تعطي الضوء والدفء دون أنْ تتوقف أو تتعطّل، ودون أن تحتاج إلى صيانة أو قطعة غيار، وهي تسير بقدرة الخالق سبحانه مُسخَّرة لخدمتك، ما تخلَّفتْ يوما ولا اعترضتْ. فماذا يكون خَلْقك أنت أيها المنكر أمام قدرة الخالق سبحانه؟

والحق سبحانه يقول: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض

} .

ص: 8770

قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ. .} [الإسراء:‌

‌ 99]

ص: 8770

إذا جاءت همزة الاستفهام بعدها واو العطف وبعدها نفي، فاعلم أن الهمزة دخلتْ على شيء محذوف، إذن: فتقدير الكلام هنا: أيقولون ذلك ويستبعدون البعث ولم يَرَوْا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أنْ يخلق مثلهم.

وقوله تعالى: {مِثْلَهُمْ} أي: يخلقهم هم ويُعيدهم من جديد؛ لأن الخَلْق إنشاء جديد، فهُمْ خَلْق جديد مُعَادٌ، فالمثلية هنا في أنهم مُعَادون، أو يكون المراد {مِثْلَهُمْ} أي: ليسوا هم، بل خَلْق مختلف عنهم على اعتبار أنهم كانوا في الدنيا مختارين، ولهم إرادات، أما الخلق الجديد في الآخرة وإنْ كان مثلهم في التكوين إلا أنه عاد مقهوراً على كل شيء لا إرادةَ له؛ لأنه الآن في الآخرة التي سينادي فيها الخالق سبحانه:{لِّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار} [غافر: 16]

وقوله تعالى: {وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لَاّ رَيْبَ فِيهِ فأبى الظالمون إِلَاّ كُفُوراً} [الإسراء: 99] أي: أن القيامة التي كذَّبوا بها وأنكروها واقعة لا شكّ فيها، لكن هؤلاء معاندون مُصِرُّون على الكفر مهما أتيتَ لهم بالأدلة، ومهما ضربتَ لهم الأمثلة، فإنهم مُصمِّمون على الإنكار؛ لأن الإيمان سيسلبهم ما هم فيه من السيادة وما يدعونه من العظمة، الإيمان سيُسوّي بينهم وبين العبيد، وسيُقيّد حريتهم فيما كانوا فيه من ضلال وفساد.

لكن هؤلاء السادة والعظماء الذين تأبَّوْا على الإيمان، وأنكروا البعث خوفاً على مكانتهم وسيادتهم وما عندهم من سلطة زمنية، ألم تتعرَّضوا لظلم من أحد في الدنيا؟ ألم يعتَدِ عليكم أحد؟ ألم يسرق

ص: 8771