الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السد: هو الحاجز بين شيئين، والحاجز قد يكون أمراً معنوياً، وقد يكون طبيعياً محسوساً كالجبال، فالمراد بالسدين هنا جبلان بينهما فجوة، وما دام قد قال:{بَيْنَ السَّدَّيْنِ} فالبَيْن هنا يقتضي وجود فجوة بين السدين يأتي منها العدو.
{وَجَدَ مِن دُونِهِمَا. .} [الكهف:
93]
أي: تحتهما {قَوْماً لَاّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً} [الكهف: 93] أي: لا يعرفون الكلام، ولا يفقهون القول؛ لأن الذي يقدر أن يفهم يقدر أن يتكلم، وهؤلاء لا يقولون كلاماً، ولا يفهمون ما يقال لهم، ومعنى:{لَاّ يَكَادُونَ. .} [الكهف: 93] لا يقربون من أن يفهموا، فلا ينفي عنهم الفَهْم، بل مجرد القُرْب من الفهم، وكأنه لا أملَ في أن يفهمهم.
لكن، يكف نفى عنهم الكلام، ثم قال بعدها مباشرة:{قَالُواْ ياذا القرنين. .} [الكهف: 94] فأثبت لهم القول؟
يبدو أنه خاطبهم بلغة الإشارة، واحتال على أن يجعلَ من حركاتهم كلاماً يفهمه وينفذ لهم ما يريدون، ولا شكَّ أن هذه العملية احتاجت منه جهداً وصبراً حتى يُفهمهم ويفهم منهم، وإلا فقد كان في وُسْعه أنْ ينصرف عنهم بحجة أنهم لا يتكلمون ولا يتفاهمون.
فهو مثال للرجل المؤمن الحريص على عمل الخير، والذي لا يألو جَهْداً في نَفْع القوم وهدايتهم.
والإشارة أصبحت الآن لغة مشهورة ومعروفة، ولها قواعد ودارسون يتفاهمون بها، كما نتفاهم نحن الآن مع الأخرس.
ثم يقول الحق سبحانه: {قَالُواْ ياذا القرنين
…
} .
المراد بالقول هنا: دلالة مُعبِّرة تعبير القول، فلا بُدَّ أنهم تعارفوا على شيء كالإشارة مثلاً يتفاهمون به.
ويأجوج ومأجوج قوم خَلْف السدين أو الجبلين، ينفذون إليهم من هذه الفجوة، فيؤذونهم ويعتدون عليهم؛ لذلك عرضوا عليه أن يجعلوا له {خَرْجاً} أي: أجراً وخراجاً يدفعونه إليه على أنْ يسدَّ لهم هذه الفجوة، فلا ينفذ إليهم أعداؤهم.
ثم يقول الحق تبارك وتعالى عن ذي القرنين أنه: {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْر
…
.} .
والقوْل هنا أيضاً قَوْل دلالة وإشارة تُفهمهم أنه في غِنىً عن
الأجر، فعنده الكثير من الخير الذي أعطاه الله، إنما هو في حاجة إلى قوة بشرية عاملة تُعِينه، وتقوم معه بتنفيذ هذا العمل.
ونفهم من الآية أن المعونة من المُمكَّن في الأرض المالك للشيء يجب أن تكون حِسْبة لله، وأنْ تُعين معونة لا تحوج الذي تعينه إلى أن تُعينه كل وقت، بل أعنه إعانة تغنيه أن يحتاج إلى المعونة فيما بعد، كأن تعلّمه أنْ يعمل بنفسه بدل أنْ تعطيه مثلاً مالاً ينفقه في يومه وساعته ثم يعود محتاجاً؛ لذلك يقولون: لا تُعطِني سمكة، ولكن علِّمني كيف أصطاد، وهكذا تكون الإعانة مستمرة دائمة، لها نَفَس، ولها عُمْر.
ولما كان ذو القرنين ممكّناً في الأرض، وفي يده الكثير من الخيرات والأموال، فهو في حاجة لا إلى مال بل إلى الطاقة البشرية العاملة، فقال:{فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ. .} [الكهف: 95] أي: قوة وطاقة بشرية قوية مخلصة {أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً} [الكهف: 95]
ولم يقُلْ: سداً؛ لأن السدّ الأصمَّ يعيبه أنه إذا حصلت رَجَّة مثلاً في ناحية منه ترجّ الناحية الأخرى؛ لذلك أقام لهم ردماً أي: يبني حائطاً من الأمام وآخر من الخلف، ثم يجعل بينهما ردماً من التراب ليكون السد مَرِناً لا يتأثر إذا ما طرأت عليه هزة أرضية مثلاً، فيكون به التراب مثل «السُّوست» التي تمتص الصدمات.
والردم أن تضع طبقات التراب فوق بعضها، حتى تردم حُفْرة مثلاً وتُسوّيها بالأرض، ومن ذلك ما نسمعه عندما يعاتب أحدهم صاحبه، وهو لا يريد أنْ يسمعَ، فيقول له: اردم على هذا الموضوع.