المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌تقديم إنَّ الحمدَ للَّه، نحمدُهُ ونَسْتعينُه ونَسْتغفرُه، ونَعوذُ - تفسير العثيمين: لقمان

[ابن عثيمين]

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌تقديم إنَّ الحمدَ للَّه، نحمدُهُ ونَسْتعينُه ونَسْتغفرُه، ونَعوذُ

بسم الله الرحمن الرحيم

‌تقديم

إنَّ الحمدَ للَّه، نحمدُهُ ونَسْتعينُه ونَسْتغفرُه، ونَعوذُ باللَّه مِن شُرور أَنْفُسنا ومِن سيِّئات أعمالِنا، مَن يَهْده اللَّهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِلْ فَلا هادِيَ له، وأَشْهَد أنْ لا إلَهَ إلا اللَّهُ وحدَه لا شريكَ لَه، وأَشْهَد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسوُله، أرسلَه اللَّهُ بالهُدَى ودِين الحَقِّ؛ فبلَّغَ الرِّسالةَ، وأدَّى الأمانةَ، ونَصَح الأمَّةَ، وجاهَد في اللَّه حَقَّ جِهادِه، حتَّى أتاهُ اليَقينُ، فصَلواتُ اللَّهِ وسلامُه عليهِ وعلَى آلِه وأصحابِه ومَن تَبِعهم بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّين، أَمَّا بَعْدُ:

فمِنَ الدُّروسِ العِلميَّة المُسجَّلَة صَوتيًّا، والَّتِي كانَ يَعقِدُها صاحِبُ الفَضِيلةِ شَيخُنا العلَّامةُ الوالِدُ محمَّدُ بنُ صالحٍ العُثَيْمِين -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- في جامِعِهِ بمَدِينَةِ عُنَيْزَةَ صَباحَ كُلِّ يومٍ أثناءَ الإِجازاتِ الصَّيْفيَّة؛ حَلقاتٌ فِي تَفْسير القُرآن الكَرِيم كانَت بِدايتُها مِن سُورة النُّور وما بَعدَها؛ حتَّى بلَغ قَولَه تَعالَى في سُورة الزُّخرف:{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45)}

وقَدِ اعتَمدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالَى في تَفْسيرِه لتِلْكَ السُّور كِتابًا بَيْن يَدَي الطُّلاب هُو (تَفْسير الجَلالَيْنِ) للعلَّامة جَلال الدِّين محمَّد بنِ أَحْمدَ بنِ محمَّدِ بنِ إبراهيمَ المَحَلِّيِّ، المُتوفَّى سَنَةَ (864 هـ)

(1)

، والعلَّامة جَلال الدِّين عبد الرَّحمن بن أَبِي بَكْر بنِ محمَّد

(1)

انظر ترجمته في: الضوء اللامع (7/ 39)، حُسن المحاضرة (1/ 443).

ص: 5

ابنِ سابِق الدِّين الخُضَيْرِيِّ السُّيُوطِيِّ، المُتوفَّى سنة (911 هـ)

(1)

. تغمَّدهما اللَّه بواسِع رَحمته ورِضوانه، وأَسْكنهما فَسِيحَ جنَّاتِه، وجَزاهُما عَنِ الإِسْلام والمُسلِمِينَ خَيرَ الجَزاءِ.

وسَعْيًا -بإِذْنِ اللَّهِ تَعالَى- لِتَعْمِيمِ النَّفْع بتِلْكَ الجُهُود المُبارَكة فِي هَذا المَيْدَان العَظِيم باشَر القِسْمُ العِلْمِيُّ بِمُؤسَّسةِ الشَّيخِ مُحمَّد بنِ صالِحٍ العُثَيْمِين الخَيْرِيَّةِ واجِباتِه فِي شَرَفِ الإِعْدادِ والتَّجْهِيز للطِّباعةِ والنَّشْر لِإِخْراجِ ذَلِكَ التُّراث العِلمِي؛ إنفاذًا للقَواعِدِ والضَّوابِط والتَّوْجِيهاتِ الَّتِي قَرَّرها فَضيلةُ الشَّيخِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالَى في هَذا الشَّأْنِ.

نَسْأل اللَّهَ تعالَى أنْ يَجْعلَ هَذا العَمَلَ خالصًا لِوجهِه الكَريمِ؛ نافِعًا لعِبادِه، وأنْ يَجزِيَ فَضِيلةَ شيخِنا عَنِ الإسلامِ والمسلمِينَ خَيْرَ الجزَاء، ويُضَاعِفَ لهُ المثُوبَةَ والأَجْرَ، ويُعليَ دَرَجَتَهُ في المَهْدِيِّينَ، إِنَّه سَمِيعٌ قَرِيبٌ مجُيبٌ.

وَصَلَّى اللَّهُ وسلَّم وبارَك علَى عبدِه ورَسولِه، خاتَمِ النَّبِيِّينَ، وإِمامِ المُتَّقِينَ، وسيِّدِ الأوَّلينَ والآخِرينَ، نبيِّنَا محمَّدٍ، وعلَى آلِه وأَصْحابِه والتَّابعينَ لهُمْ بإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّين.

القِسْمُ العِلْمِيُّ فِي مُؤَسَّسَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ العُثَيْمِين الخَيْرِيَّةِ

20 جُمَادَى الآخِرَة 1436 هـ

* * *

(1)

انظر ترجمته في: الأعلام للزركلي (3/ 301).

ص: 6

سورة لقمان

الحمدُ للَّهِ ربِّ العَالمِينَ، وصلَّى اللَّهُ وسلَّمَ عَلَى نبيِّنَا محُمَّدٍ، وعَلَى آلِهِ وأصحَابِهِ ومَنْ تَبِعَهُم بإحسَانٍ إِلَى يَومِ الدِّينِ. وبَعد:

يَقول المُفَسِّر

(1)

رحمه الله: [وهي مَكِّيَّة] المَكِّيُّ أَرجَحُ الأقوال -والذي عليه الجُمهور-: أن ما نزَل بعد وصول الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينةَ فهو مدَنيٌّ، ولو نزَل بمَكَّةَ، وما نزَل قبل وصوله إلى المدينة فهو مَكِّيٌّ، هذا هو القول الراجِح، فعلى هذا المُعتَبَرُ هو الزمَن لا المكان، وهذا أَريَحُ أيضًا للإنسان.

يَقول رحمه الله: [مكِّيَّة، إلَّا: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} [لقمان: 27]]، وفي نُسخة [أو إلَّا] وبينهما فَرْق؛ لأن قول المُفَسِّر رحمه الله:[إلَّا {وَلَوْ}] أن هذا اقتِصار على قول واحِد وجزَم به، أمَّا على النُّسخة الثانية [أو إلَّا] فهو إشارة إلى أن في المَسأَلة قولين، وأنه لم يُجزَم بأحَدِهما.

والصحيح ما سبَقَ لنا أن السورة إذا كانت مَكِّيَّة فإننا لا نَستَثْنِي منها شيئًا إلَّا بنَصٍّ صريح واضِح، وإذا كانت مدَنية فإننا لا نَستَثنِي منها شيئًا إلَّا بنَصٍّ صريح واضِح؛ لأن الأصل أنَّ السورة تَكون مُتَتاليةً، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام يَضَع كل آية في مكانها، أو يَأمُر بوَضْعها.

(1)

المقصود بـ (المفسر) هنا: محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم جلال الدين المحلي، ترجمته في: الضوء اللامع (7/ 39)، حسن المحاضرة (1/ 443).

ص: 7

وعلى هذا فنَقول: إن جاء مَن أَثبَتَ أن قوله سبحانه وتعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} ، نزَلَت بعد الهِجرة، وأَثبَت ذلك بنَصٍّ فعَلَى العَيْن والرأس، وإلَّا فالأَصْل أن السورة كامِلة مكِّيَّة.

* * *

ص: 8

بسم الله الرحمن الرحيم

* قالَ اللَّه عز وجل: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

* * *

[بسم اللَّه الرحمن الرحيم] تَقدَّم الكلام على البَسمَلة إعرابًا ومَعنًى وحُكمًا:

أما إعرابها فإنها جارٌّ ومجَرور مُتعَلِّق بمَحذوف، فِعْل مُؤخَّر مُناسِب للمَقام، الآنَ نُريد أن نَقرَأ هذه السورةَ فنَقول: بسم اللَّه الرحمن الرحيم أَقرَأُ. أو نُريد أن نُفسِّر نَقول: بسم اللَّه الرحمن الرحيم أُفسِّرُ. ويُريد الإنسان أن يَتَوضَّأ يَقول: بسم اللَّه أَتَوضَّأ، وقدَّرناه فِعْلًا؛ لأن الأَصْل في العامِل أن يَكون فِعْلًا، لا سيَّما وأنه مَحذوف.

وقدَّرْناه خاصًّا، لم نَقُلْ مثَلًا: بسم اللَّه الرحمن الرحيم أَبتَدِئ. بل قُلْنا: كُنَّا إن كنت تُريد أن تَقرَأ قَدِّر: أَقرَأُ، تُريد أن تَأكُل قَدِّر: آكُلُ، تُريد أن تَشرَب قَدِّر: أَشرَبُ، فاختَرْنا أن يَكون تقديرُه خاصًّا لأَجْل أن يُناسِب كل حال بعَيْنه؛ ولأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال:"مَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِسْمِ اللَّهِ"

(1)

فهو إشارة إلى أنه يُقدَّر الفعل المَحذوف بما يُناسِب الفِعْل المُبتَدَأ به.

واختَرْنا أن يَكون تَقديرُه مُتأخِّرًا؛ لأَجْل البَداءة بـ (بسم اللَّه)، ولإفادة الحَصْر والاختِصاص؛ لأن تَقديم المَعموم يُفيد الحَصْر والاختِصاص، فكأنك تَقول:

(1)

أخرجه البخاري: كتاب العيدين، باب كلام الإمام والناس في خطبة العيد، رقم (985)، ومسلم: كتاب الأضاحي، باب وقتها، رقم (1960)، من حديث جندب بن سفيان رضي الله عنه.

ص: 9

لا أَبتَدِئ إلَّا بسم اللَّه، هذا هو السبَب في أن نُقدِّره مُتأخِّرًا.

فهي (اسم) مُضاف، ولفظ الجَلالة مُضاف إليه، و (الرحمن) صِفة للَّه تعالى، و (الرحيم) صِفة للَّه تعالى أيضًا.

وأمَّا حُكْمها: فإنها آية من كِتاب اللَّه تعالى تَكلَّم اللَّه تعالى بها، وأَنزَلها على الرسول صلى الله عليه وسلم، لكنها ليسَتْ آيةً من السورة، إنما جُعِلت علامةً على ابتِداء السورة فقَطْ، وليسَتْ منها، وتَجِد في المَصاحِف أنه لم يُكتَب عليها رقمٌ إلَّا في الفاتِحة، فإنها رُقِّمت، والسبَب أنَّ الفاتِحة ذهَب كثير من أهل العِلْم رحمهم الله إلى أن البَسمَلة منها، والصواب أنَّها ليسَتْ منها، بل كغيرها، وأن أوَّل آية في سورة الفاتِحة هي قوله تعالى:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 2 - 6]، هؤلاء خمسُ آيات والفاتِحة سبعُ آياتٍ، إذن السابِعة:{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} ، هذه السابِعة، هذا هو الصحيح، مع أنك تَجِد في المَصاحِف {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} آية واحِدة بِناءً على أن البَسمَلة هي الآية الأُولى. أي: أن حُكْمها باعتِبار تِلاوتها في الصلاة.

فإن قُلنا: إنها من الفاتِحة فهي آية منها، ولا بُدَّ من قِراءتها، وتُقرَأُ جَهْرًا كما يُجهَر بالفاتِحة، وإذا قُلْنا: ليسَت منها فإنه لا تَجِب قِراءَتُها ولا يُجهَر بها.

* * *

ص: 10