الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (34)
* قالَ اللَّه عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34].
* * *
قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} مَعروفٌ أنَّ اللَّه -لفظ الجلالة- اسمُ {إِنَّ} ، و {عِنْدَهُ} خبَر مُقدَّم، و {عِلْمُ} مُبتَدَأ مُؤخَّر، والجُمْلة خبَرُ (إنَّ) الجُمْلة الخبَرية فيها حَصْر، وهو مُستَفاد من تَقديم الخبَر، فقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ} يَعنِي: لا عندَ غيرِه {عِلْمُ السَّاعَةِ} .
ويَدُلُّ على هذا الحصرِ قولُه سبحانه وتعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي} [الأعراف: 187] حَصْر بقَوْله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا} {إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي} فلو أن مُدَّعِيًا قال: إن الحَصْر هنا في الخبَر لا في الجُملة كلها، قُلْنا: لكن الخبَر هو الذي دلَّ على انحِصار عِلْم الساعة باللَّه سبحانه وتعالى، ويَدُلُّ عليه ويُؤكِّده الآية التي ذكَرْناها؛ فإذا جاءَتْ مثل العِبارة هذه:{إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي} فالمَعنَى: لا يَعلَمها إلَّا رَبِّي؛ كما إذا قُلْت: (إِنَّما القائِمُ زَيْد)، فمَعناهُ: لا قائِمَ إلَّا زَيْدٌ.
قوله سبحانه وتعالى: {عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} متَى تَكون؛ وفي أيِّ وَقْت؛ ولا يَعلَمه إلَّا اللَّهُ تعالى؛ ولهذا سأَل جِبريلُ النبيَّ عليه الصلاة والسلام قال: "أَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ؟ "
قال: "مَا المَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ"
(1)
، فتَأمَّلْ: رَسولان أحدُهما أفضَلُ المَلائِكة والثاني أفضَلُ البَشَر، كِلاهما يَقول: لا عِلمَ عِنْدي؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم: "مَا المَسْؤُولُ بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ" يَعنِي: إذا كنتَ أنتَ لا تَعلَم فأنا من باب أَوْلى لا أَعلَمُ.
فإِذَنْ: عِلْمها يَختَصُّ باللَّه تعالى، ولقَدْ كذَب مَنِ ادَّعى أنه يَعلَمها، ولا سِيَّما بالواسِطة التي ذَكَر أنها دالَّة عليها، كما نُشِر عن شَخْص يُسمَّى رَشاد خَليفة، هذا رجُل في أمريكا، وهو رجُل عِنده عِلْم، لكنه اغتَرَّ اغتِرارًا عَظيمًا بما يُسمِّيه (العدد التاسِعَ عَشَرَ)؛ حيثُ ادَّعَى أن القُرآن كُلَّه مُركَّب على تِسعةَ عَشَرَ حَرْفًا، وأن هذا الماثِلَ عنده: التِّسْعةَ عَشَرَ، استَدَلَّ به على أنه يَعرِف متى تَقوم الساعة، وحدَّدَها -أَظُنُّ- فوق الألفَيْن بسَنوات قليلة.
وهذا الرجُلُ في الواقِع اللَّه أَعلَمُ: هل هو مُتَأَوِّل، أو مُعانِد؟ ! لكنَّ كلَّ مَنِ ادَّعى عِلْم الساعة فهو كافِر؛ لأنه مُكذِّب للَّه سبحانه وتعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام وإجماع المُسلِمين، والمُسلِمون مجُمِوعون إجماعًا قَطعيًّا على أنه لا يَعلَم متى تَقوم الساعةُ إلَّا اللَّهُ عز وجل.
وقوله سبحانه وتعالى: {وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} الساعة هي القِيامة، وسُمِّيَت الساعةَ؛ لأنها أَعظَمُ حدَث يَكون، ولأن فيها وَعيدًا للمُكذِّبين؛ ولهذا يُتَوعَّد بالساعة؛ فيُقال مثَلًا:(ساعَتُك عِندي) إذا أَرَدْت أن تُهدِّد إنسانًا تُهدِّده بكلِمة (الساعة)؛ لأنه يَقَعُ فيها حدَث عَظيم.
وقوله تعالى: {وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} ولم يَقُل: ويَعلَم متى يَنْزِل الغَيْث، بل قال تعالى:{وَيُنَزِّلُ} فاختِلاف التَّعبير له مَعنًى عَظيمٌ، وإلَّا فإنَّ هذه الخَمْسةَ كلَّها
(1)
أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب معرفة الإيمان، رقم (8)، من حديث عمر رضي الله عنه.
من عِلْم الغَيْب، فإن النبيَّ عليه الصلاة والسلام فَسَّر قوله تعالى:{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} بهذه الخَمْسةِ، ولفظ الحَديث:"وَمَا يَدْرِي أَحَدٌ مَتَى يَجِيءُ المَطَرُ"
(1)
، لكن في القُرآن يَقول اللَّه تعالى:{وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} فكَيْف نَقول: إنه يُراد بها: (لَا يَعْلَمُ مَتى يَنزِل الغَيْثَ إلَّا اللَّه)؟
نَقول: لأن اللَّه تعالى إذا كان هو الذي يُنزِّل الغَيْث، فلا يَعلَمه إلَّا اللَّهُ تعالى؛ لأنه هو المُنزِّل له، والمُنزِّل للشيء هو الذي يَعلَمه، وغيرُه لا يَعلَمه.
وقوله سبحانه وتعالى: {الْغَيْثَ} أي: المَطَر وسُمِّيَ غَيْثًا؛ لأن به تَزول الشِّدَّةُ، والاستِغاثة طلَب إزالة الشِّدَّة، ففي المطَر تَزول الشدائِد، شَدائِدُ القَحْط وشدائِدُ الجَدْب، فيَبقَى الناس عندهم ماء ثُمَّ عِندهم مَزارعُ.
وهناك إِشْكال في قوله تعالى: {وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} فبَعضُهم يَقول: إنه سيَكون غدًا مطَرٌ في النشرة الجَويَّة، فهل هذا من عِلْم الغَيْب؟
الجَوابُ: لا، ليسَتْ من عِلْم الغَيْب، وأنها تَوَقُّعات بواسِطة الآلات الدَّقيقة التي يَعلَمون بها تَكيُّف الجَوِّ وصلاحيته لأَنْ يَكون مُمطِرًا أم غيرَ مُمطِر، ولهذا أحيانًا لا يَكون الأمر كما تَوقَّعوا، ثُمَّ هُمْ لا يَستَطيعون أن يَتَنبَّؤُوا بالأمطار بعد سَنَوات؛ غاية ما هناك أن يَكون في المُدَّة القَليلة.
قال المُفَسِّر رَحَمَة اللَّهُ: [{وَيُنَزِّلُ} بالتَّخفيف والتَّشديد](يُنْزل) و (يُنزِّل) وكِلاهما جاء في القُرآن؛ قال سبحانه وتعالى: {وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} [البقرة: 22] هذه على قِراءة التَّخفيف، وقال سبحانه وتعالى:{وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا} [غافر: 13]
(1)
أخرجه البخاري: أبواب الاستسقاء، باب لا يدري متى يجيء المطر إلا اللَّه، رقم (1039)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
هذه على قِراءة التَّشديد.
يَقول المُفَسِّر رحمه الله: [{الْغَيْثَ} بوَقْت يَعلَمه] هذا هو الشاهِدُ الذي بيَّن به المُفَسِّر رحمه الله أن المُراد بتَنزيلِ الغَيْث في الوقت الذي يَعلَمه؛ ليَكون هذا من عِلْم الغَيْب.
وقوله تعالى: {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} : {وَيَعْلَمُ مَا} أي: الذي في الأَرْحام، وعبَّرَ بـ {مَا} لأنها أَعَمُّ وأشمَلُ من (مَن)، إذ إنَّ:(مَن) تَختَصُّ بالعاقِل، هذا من جِهة، ومن جِهة أُخرى: أن {مَا} تَختَصُّ بالصِّفات و (مَن) بالذَّواتِ؛ ألَمْ ترَ إلى قوله سبحانه وتعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَا} [النساء: 3] ولَمْ يَقُلْ: مَن طاب. مع أن المَنكوحة من ذوات العَقْل، ولكنه قال:{مَا طَابَ} دون (مَنْ)، لأن النِّكاح يَرتَكِز على صِفة المَرأة كما قال النبيُّ عليه الصلاة والسلام:"تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ"
(1)
.
وهنا قال سبحانه وتعالى: {مَا} دون (مَن) لأن عِلْم ما في الأَرْحام من حيثُ الصِّفة أَبلَغُ من عِلْمه من حيث الذات، أي: أَبلَغُ من حيث كونه ذكَرًا أو أنثى، فالجَنين الذي في الرَّحِم ليس العِلْم المُختَصُّ به مجُرَّدَ كونه ذكَرًا أو أُنثَى، أو طويلًا أو قصيرًا، أو صغيرًا أو كبيرًا، بل هناك ما هو أَبلَغُ من ذلك، وهو صِفات هذا الجنينِ، هل يَكون شقيًّا أم سَعيدًا، طويلَ العُمر أم قَصير العُمر، وهل عمَله صالِح أو عمَلُه فاسِد؛ ولهذا جاء التَّعبيرُ بـ {مَا} التي يُلاحَظ فيها الصِّفات، لأن عِلْم ما في الأَرْحام من هذه الوِجهةِ أَعظَمُ من كَوْنه ذكَرًا أو أُنثَى؛ ومن هذا ما يَطَّلِعون على عِلْمه بكَوْنه ذكَرًا أم أُنثَى الآنَ فيَعرِفون ذلك قبل أن يُولَد.
(1)
أخرجه البخاري: كتاب النكاح، باب الأكفاء في الدين، رقم (5090)، ومسلم: كتاب الرضاع، باب استحباب نكاح ذات الدين، رقم (1466)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
فعلى هذا يَتبيَن بلاغة القُرآن حيث عَبر بـ {مَا} دون (مَن)؛ لأن (مَن) تُحدِّد الشخصية شَخصيةَ عاقِلٍ، وإذا كان غَيرَ عاقِل يُقال:(ما). أمَّا ما يَتَعلَّق بالصِّفات والأعمال فهذه يُعبَّر عنها بـ (ما)، وأنا ضرَبْتُ لكم شاهِدًا قوله تعالى:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ} [النساء: 3] دون مَن طاب.
وقوله سبحانه وتعالى: {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} الأرحام جَمْع رَحِم، وهو وِعاء الجنين، والجنينُ محُاط بثَلاثة جُدران: البَطْن، والرَّحِم، والمَشْيَمَة، فالمَشيمة هذا القُمقُمُ الذي فيه الجنين، وهذا القُمقُمُ -سُبحان اللَّه العظيمِ- مادَّة غَريبة لا هي مائِيَّة مَحضَة، ولا جامِدة محضة، ولكنها لَزِجة سَهْلة لأَجْل أن يَتيَسَّر حرَكة الجنين؛ حتى أُمُّه لا تُحِسُّ بالتَّعَب وهو أيضًا لا يَحِسُّ بالتَّعَب؛ فاللَّه عَليم حَكيم جَلَّ وَعَلَا.
وهذه الظُّلُماتُ الثَّلاثُ كما قال تعالى: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ} [الزمر: 6]، وقال سبحانه وتعالى:{فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} [المرسلات: 21]، يَعنِي: لا يَدخُله أيُّ شيء يُؤذِي هذا الجنينَ لا هَواءٌ ولا غَيرُه.
وقوله تعالى: {مَا فِي الْأَرْحَامِ} مُتعلَّق هذا العِلْم كَونُه ذكَرًا أو أُنثَى، وكذلك ما يَتعَلَّق من صِفات كونُه: سَعيدًا أو شَقيًّا، وكونه عامِلًا عمَلًا صالحًا أو عمَلًا سَيِّئًا، وكونُ رِزْقه واسِعًا أو ضَيقًا، وكون عُمرِه طَويلًا أم قصيرًا؛ فكل هذه تَتَعلَّق بعِلْم الأَجِنَّة، فمِنها شيء لا يُمكِن أن يُعلَم أبدًا، ما يَعلَمه إلَّا اللَّه عز وجل، ومنها ما يُعلَم -كالأَمْر المُشاهَد- بالأَمْر المَحسوس، فهذا يُمكِن أن يُشاهَد ويُوصَل إليه الآنَ؛ ولكن هل يُمكِن أن يَعلَموا أن هذا الجَنينَ ذكَر أم أنثَى قبل أن يُخلَّق؟
الجَوابُ: إلى الآنَ ما وصَلوا إلى ذلك، ولا نَقول:(لا)، بل نَقول:(إلى الآنَ ما وصَلوا)، وقد سمِعْت أن بعضَهم يَستَدِلُّ على أن كَوْنه ذكَرًا أو أُنثَى بنَفْس
الحَيوان المَنوِيِّ، وأنَّ الذكَر له صِفة خاصة والأُنثى لها صِفة خاصَّة، فإذا صَحَّ هذا فلا تَقُل: من أَيْن؟
فإن قال قائِل: كيف ذلك في نَفْس الحيوان إذ لم تَتَلقَح نفسُ البُويْضة بعدُ؟
فالجَوابُ: هُمُ الآنَ أَثبَتوا هذا، وصَوَّرها أيضًا، صَوَّروا هذا؛ فقالوا: إن الحَيوان المنَويَّ الذكَر هذا له إشعاع خاصّ، يَنطَلِق بإشعاع خاصٍّ، واللَّهُ أَعلَمُ.
وعلى كل حال: هم إذا تَوَصَّلوا إلى ذلك فإننا نَقول: مَن يَعلَم أنه سيقدِّر الذكَر أو الأنثى إلَاّ اللَّه سبحانه وتعالى، ثُمَّ الأحوال الأُخرى التي ذكَرْنا أنها مُتعَلّق مَن عِلْم الأَجِنَّة لا يُمكِن أن يَعلَموها.
وأَقول: يَجِب أن لا نُعارِض الشيءَ هكذا، بل يَجِب أن نَتَرّيث؛ لأننا لو نَدفَع هذا الشيءَ ثُمَّ نَقول: هذا الشيءُ محُال. ثُم يَكون ثابِتًا بمُقتَضى العُلوم الحَديثة، فإنه يُؤدِّي ذلك إلى رَدِّ القُرآن أو التَّشكيك فيه، ونحن نَعلَم أنه لا يُمكِن أن يَتَناقَض أمران يَقِينِيَّان، فكل أَمْرَيْن يَقينِيَّين فإنه لا يُمكِن أن يَتَعارَضا أبدًا، فهذا مُستَحيل.
فإن قال قائِل: الإنسان الذي يُحاوِل بهذه الأُمور على أن يَعلَم هل يَأثَم أو لا؟
فالجَوابُ: لا، لا يَأثَم، قال تعالى:{وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} ولم يَقُلْ: لا تَعلَموا، فنحن نَعلَم الآنَ عندما نَتَوصَّل بهذه الوسائِلِ فليس عِلْمَ غَيْب.
وقوله رحمه الله: [{وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} أذَكَر أم أُنْثَى، ولا يَعلَم واحِدًا من الثلاثة غيرُ اللَّه تعالى] اقتِصاره على [أذَكَر أم أنثى] فيه نظَرٌ، لأن عِلْم ما في الأرحام ليس مُتعَلِّقًا بالذكَر أو الأنثَى فقَطْ، بل ما هو أعَمُّ.
وقوله رحمه الله: [وَلا يَعلَم واحِدًا من الثَّلاثة غيرُ اللَّه] هذا قَبْل تَكوينه مُمكِن،
لكن بعد أن يَتكوَّن يَعلَمه غيرُ اللَّه فهذا المَلَك يَعلَم أنه ذَكَر أم أُنثَى.
وقوله سبحانه وتعالى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} : {نَفْسٌ} نَكِرة في سِياق النَّفي، و {تَدْرِي} بمَعنَى: تَعلَم، والنَّفْس هنا نَكِرة في سِياق النَّفْي فتَعُمُّ كلَّ نَفْس، فأيُّ نَفْس لا تَدرِي ماذا تكسِب غدًا حتى لو كان من أَمهَر الناس في التَّدبير والتَّنظيم لوَقْته فلا يَدرِي ماذا يَكسِب غَدًا؛ وإذا كانت النَّفْس لا تَدرِي ماذا تَكسِب فإنها لا تَدرِي ماذا يَكسِب غيرُها من بابِ أَوْلى؛ وإذا كانَتْ لا تَستَطيع أن تَعلَم ما يَتعَلَّق بعِلْم المَخلوق فكيف تَعلَم ما يَتعَلَّق بعِلْم الخالِق؛ فمِن بابِ أَوْلى أن لا تَعلَمه.
إِذَنْ: فلا أحَدَ يَدرِي ماذا يَكسِب غَدًا من خيرٍ أو شَرٍّ أو مال أو ولَد أو غير ذلك؛ وقد يَتَوقَّع الإنسانُ الشيء، ولكنه لا يَحصُل له؛ إذ يُصرَف عنه أو يُحال بَينَه وبَينَه بسبَب فلا يَصِل إلى كَسْبه.
وقوله سبحانه وتعالى: {مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} ما المُرادُ بالغَدِ: اليَوْم المُباشِر ليَوْمك أو كل المُستَقبَل؟
الجَوابُ: المُرادُ كل المُستَقبَل، فلا تَدرِي ماذا تَكسِب فيه ولو كان بَعيدًا، لقوله سبحانه وتعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر: 18] فهل يَعنِي: ليوم الأَحَد بعد يوم السَّبْت؟
الجَوابُ: لا، بل ليوم القِيامة، فكُلُّ مُستَقبَل يَصِحُّ أن يُطلَق عليه غَد.
وكلِمة {غَدًا} مَنصوبة، وهي مَفعول لـ {تَكْسِبُ} مَفعول فيه؛ لأنها ظَرْف؛ يَعنِي: ماذا تَكسِب في غَدٍ؛ ومنه قول الشاعِرِ:
وَأَعْلَمُ عِلْمَ الْيَوْمِ وَالْأَمْسِ قَبْلَهُ
…
وَلَكِنَّني عَنْ عِلْمِ مَا فِي غَدٍ عَمِي
(1)
إِذَنْ: فهِي ظَرْف.
وقوله رحمه الله: [{مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} من خَيرٍ أو شَرٍّ]، ولكن الذي يَعلَمه اللَّه تعالى؛ ولهذا قال رحمه الله:[ويَعلَمه إلَّا اللَّه تعالى].
وقوله تعالى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} نَقول في: {نَفْسٌ} مثل ما قُلْنا في (نَفْس) الأُولى: نكرة في سِياق النَّفي فتَعُمُّ كل نَفْس.
وقوله عز وجل: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} هل هي بأَرْضها التي وُلِدت فيها أو بقَريب منها أو ببَعيد لا تَدرِي، ولا تَدرِي بأيِّ زمَنٍ تمَوت، بل من بابِ أَوْلى؛ لأن المَكان للإنسان فيه اختِيار، فيَختار أن يَكون هنا أو يَختار أن يَكون هناك؛ أو يَختار أن يَكون في محَل آخَرَ ثالِثٍ، لكن الزمَن ليس لك فيه اختِيار؛ فإذا كنت لا تَعلَم المكان الذي تمَوت فيه مع أن لك فيه اختِيارًا فمن بابِ أَوْلى أن لا تَعلَم الزمَن الذي تمَوت فيه.
وهذه من حِكْمة اللَّه عز وجل: أَنْ أَخفَى على الإنسان اليومَ الذي يَعلَم أنه يَموت فيه أو المكان الذي يَعلَم اللَّه تعالى أن الإنسان يَموت فيه؛ لأن الإنسان لو عَلِم بهذا لقَلِقَ في حَياته؛ فما يَكون هَمُّه إلَّا حِسَاب ما بَقِيَ؛ أي: ما بَقِي إلا كذا وكذا من السنَوات أو من الأَشهُر أو من الأيام، ويَتعَب تَعَبًا عظيمًا.
لكن الآنَ كلُّ يومٍ يَجيء على الإنسان يُؤمِّل فيه وقد يَكون الأجَلُ أَقرَبَ من شِراك نَعْله؛ لكِنِ المُهِمُّ أن عنده أمَلًا في الطول، ولا يَلتَفِت إلى هذه المَسأَلةِ إطلاقًا؛
(1)
البيت لزهير بن أبي سلمى من معلقته المشهورة، انظر: ديوانه (ص 70).
لأنه يَعلَم أنه لا عِلمَ له فيها، وأن عِلْمها عند اللَّه، وهذا من رحمة اللَّه عز وجل بِنا.
وهل الإنسانُ يُقَدِّر أنه يَموت بالأرض الفُلانية؟
الجَوابُ: قد يُقدِّر هذا، وأحيانًا إذا قيل له: ألَا تُسافِر؟ قال: أبدًا أنا بلَدي فيها أَحْيا وفيها أَموتُ، ولكن عند قُرْب أَجَله يُسافِر، فتَحصُل له حاجة حتى يُحمَل إلى الأرض التي يَموت فيها.
وأنا أَعرِف رجُلًا ما خرَج من بَلَدِه عنيزةَ أبدًا منذ سنَوات بعيدة، ولمَّا مَرِضَ قُدِّر أن يَكون عِلاجُه في مِصرَ، وهو ما خرَجَ من عنيزةَ عُمرَه إلَّا أَظُنُّه للحَجِّ مرَّةً ولا عِنده نِيَّة، فكَبِر وانتهى عُمُره، لكن سُبحانَ اللَّهِ! لمَّا أَراد أن يَنقُله اللَّه تعالى إلى أَرْضه التي يَموت فيها نُقِل إلى مِصرَ ومات هناك.
وأَعرِفُ أُناسًا كَثيرين نُقِلوا إلى أماكِنَ بَعيدة ما كانوا يَحلُمون أنهم يَذهَبون إليها، وهناك قِصَّة حدَّثَني بها الثِّقة في المرأة المريضة التي رجَعوا بها من الحجِّ، ولمَّا كانوا في الريع -الجِبال المُحيطة بالحِجاز- ونزَلوا ليلة من الليالي، فلَمّا أَصبَحوا حمَلوا إِبلَهم على أنهم سيَمْشون، وهذا الرجُلُ كان معه أُمُّه مَريضة فتقِيَ ليُوطِّئ لها المكانَ على الراحِلة، فمَشَى الناس وهو في مَكانه، ولمَّا أَنهَى ما أَحَبّ أن يُنهِيَه من تَوْطِئة الرَّحْل لأُمِّه وركِبَت مشَى فضَيَّعهم، لم يَعرِف أين ذهَبوا؛ فدخَل في الريع وظلَّ يَمشِي ويَمشِي ولا يَسمَع حِسًّا ولا حولَه أحَدٌ حتى وصَل إلى خِباءٍ -خِدْر صَغير لبَدْوٍ- ونزَل عِندهم وسأَلَهم عن الطريق قالوا: الطريق وراءَك؛ فقال: سأَرْتاح قليلًا؛ فلمَّا نزَل-سُبحانَ اللَّه العَظيمِ- ونزَّل والِدتُه ماتَتْ في ذلك المَكانِ الذي ما كان هو ولا غيره يَقدِر أن يَأتِيَ إليه، لكن من أَجْل أن تُحمَل هذه المَرأةُ إلى أرضِ مَوْتها حَصَل ما حَصَل من الأسباب.
وهكذا أيضًا تَجِدون الحوادِثَ الآنَ؛ فالإنسان في البلَد لا يُقدِّر أنه سيَموت في مَكان ما من البَرِّ، ولكنه يُنقَل إلى المكان الذي يَموت فيه، حتى إنه يَموت في المكان بالضَّبْط على نفس حَبَّات التُّراب التي قُدِّر أن يَموت فيها، وهذا أَمْر مُشاهَد.
وفي الزمَن كذلك: لا يَدرِي الإنسان متى يَموت، رُبَّما يَتأخَّر لحَظاتٍ من أَجْل أن يَستكمِل زمَنه ومُدَّته، وهذا له شَواهِدُ؛ منها أيضًا ما حصَل في عنيزةَ: أن رجُلًا جاءَ بسَيَّارته مع الطريق العامِّ، وهناك شَابَّان على (دبَّاب)(دَرَّاجة نارَّية) قد أَتَيا من طريق آخَرَ مُعتَرِض، فلمَّا قرُب الكُلُّ من نِهاية نُقْطة المُلاقاة وقَفَ كلٌّ منهم يَنتَظِر أن يَعبُر الآخَرُ؛ فقال الآخَرُ: سأَمشِي فمشَوْا جميعًا فصَدَمت السيَّارة المُؤخَّر من (الدبَّاب) الذي فيه الشابَّان وماتا في الحال؛ فلماذا وَقَف هذه الوَقْفة التي هي لحظات؟ الجوابُ: من أَجْل أن يُستكمَل الزمَن المُحدَّد.
وقوله رحمه الله: [{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} ويَعلَمه اللَّه تعالى {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ} بكُلِّ شيء {خَبِيرٌ} بباطِنه كظاهِره] وأيُّهما أخَصُّ: الخبير أو العَليم؟
الجَوابُ: الخَبيرُ أَخَصُّ؛ لأن العِلْم يَتعَلَّق بالظاهِر والباطِن، والخِبْرة تَتَعلَّق بالباطِن؛ ولهذا قال رحمه الله:[{خَبِيرٌ} بباطِنه كظاهِره]؛ لأن العليم بالباطِن من بابِ أَوْلى أن يَكون عَليمًا بالظاهِر.
ثُم قال رحمه الله: [روَى البُخارِيُّ عن ابنِ عُمرَ حديثَ: مَفاتِح الغَيْب خَمْسة: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ. . .}
(1)
إلخ السُّورة] قال تعالى: {وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} .
(1)
أخرجه البخاري: كتاب الاستسقاء، باب لا يدري متى يجيء المطر إلا اللَّه، رقم (1039).
وقد بيَّنَّا في شَرْح صحيح البُخارِيِّ وجهَ كَوْنها مَفاتِحَ فقُلْنا: الساعة مِفتاح الآخِرة؛ وتَنزيل الغَيْث مِفتاح للحياة؛ حياة الأرض والنبات؛ وقوله تعالى: {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} مِفتاح لحياة الإنسان وابتِداء خَلْقه؛ فأوَّلُ ما يَمُرُّ بعد التَّكوين بالرَّحِم؛ ولهذا الإنسانُ له أربَعُ دُور: الدار الأُولى في بَطْن أُمِّه، والثانية في الدنيا، والثالثة في البَرْزَخ، والرابِعة في الآخِرة؛ قال تعالى:{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 83].
وقوله سبحانه وتعالى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} مِفتاح للعمَل في المُستَقبَل؛ وقوله تعالى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} مِفتاح للآخِرة بالنَسبة لمَوْت كل إنسان بعَيْنه.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: أن عِلْم الساعة من خَصائص عِلْم اللَّه عز وجل وحدَه؛ لقوله تعالى: {عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} فقوله تعالى: {عِنْدَهُ} تُفيد الحَصْر.
الْفَائِدَةُ الثَّانيَةُ: بَيان فَضْل اللَّه عز وجل في إنزال الغَيْث؛ لقوله تعالى: {وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} والمُنزّل للشيء هو العالِمُ به.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: اختِصاص اللَّه تعالى بعِلْم الغَيْب.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أن عِلْمَ ما في الأرحام إلى اللَّه سبحانه وتعالى وحدَه؛ لقوله تعالى: {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَام} .
وإذا نظَرْنا إلى ظاهِر السِّياق {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} لا نَنفِي أن غَيرَه يَعلَم؛ لأن كونَ اللَّه تعالى يَعلَم نحن يُمكِن أن نَعلَم، لكن تَفسير الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
بأن هذه بعِلْم الغَيْب التي لا يَعلَمها إلَّا اللَّه تعالى يَدُلُّ على أنه لا يَعلَم ما في الأَرْحام إلا اللَّه تعالى.
فإن قال قائِل: لماذا لم تكن بهذه الصّيغةِ: (ولا يَعلَم ما في الأَرْحام إلَّا اللَّه)؟
فالجَوابُ -واللَّهُ أَعلَمُ-: أنه لمَّا كان عِلْم الأَجِنَة قد يُتَمكَن منه ببعض الأَحْوال قال: {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} .
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أن الإنسان لا يَعلَم الغَيْب في المُستَقبَل، لقوله عز وجل:{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} فإذا كانت يَقصِد بـ (ماذا تكسِب) هو نَفسه، فما يَقدِر عليه إلا اللَّه تعالى فجَهْله به من بابِ أَوْلى، وما يَكسِبه غيرُه فجَهْله فيه من بابِ أَوْلى، وعلى هذا فلوِ ادَّعَى مُدّعٍ أن اللَّه تعالى يُقدِّر على هذا الرجُل كذا وكذا فإننا نَجزِم أنه كاذِب؛ لأنه لا يَعلَم ما في غَدٍ إلا اللَّهُ تعالى.
ولما قالَتْ إحدى النِّساء في حَضْرة النبي عليه الصلاة والسلام: "وَفِينَا نَبِيٌّ يَعلَم ما في غَدِ" نَهاها الرسولُ عليه الصلاة والسلام وقال صلى الله عليه وسلم: "قُولي ببَعْضِ ما تَقولينَ"
(1)
؛ وهذا لا يَجوز على الرسولِ صلى الله عليه وسلم ولا غيرِه أن يُدَّعَى أنه يَعلَم ما في الغَيْب.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أن الإنسان لا يَدرِي بأيِّ أَرْض يَموت؛ لقوله تعالى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} .
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: هل يُقال: إنه لا يُمكِن أن يَموت أحَد فَوقَ الجاذِبِية في فضاء؟ فيه احتِمال؛ لكنه ضَعيف؛ لأنه سبحانه وتعالى قال: {بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} قد يَكون هذا مَبنيًّا على الغالِب مع أن لدَيْنا آيةً في القُرآن يَقول اللَّه عز وجل فيها: {فِيهَا تَحْيَوْنَ
(1)
أخرجه البخاري: كتاب المغازي، رقم (4001)، من حديث الرُّبَيِّع بنت معوذ رضي الله عنها.
وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ} [الأعراف: 25]، فتَقديم المَعمول الَّذي هو الظَّرْف {فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ} يَدُلُّ على الحصر، وهذا هو الأَصْل، فإن تَبيَّن فيما بعدُ أن يَموت أحَدٌ في الفَضاء ولا يَرجع إلى الأرض فإننا نَقول: إن هذا احتِمال. بِناء على الأَغلَب الكثير، وما سمِعْنا أن أحدًا مات فوقَ الجاذِبية، بل حتى لو مات فالظاهِرُ أنه لا بُدَّ أن يُرَدّ، وليس المَقصودُ الرُّوحَ.
الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: أنه لا يَعلَم أحَدٌ متى يَموت؛ تُؤخَذ: من أن جَهْلنا بمَكان مَوْتنا يُبين جَهْلنا بزمان مَوْتنا، فالجهْل هنا بالزَّمان أوْلى.
الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ: إثبات اثنَيْن من أسماء اللَّه سبحانه وتعالى وهُما: العَليم والخَبير، وما تَضَمَّناه من صفتَي العِلْم والخِبْرة.
الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ: أن مَنِ ادَّعى عِلْم شيء ممَا اختُصَّ اللَّه سبحانه وتعالى بعِلْمه فهو كافِر؛ لأنه مُكذِّب للَّه تعالى، والتَّكذيب للَّه تعالى كُفْر.
* * *