الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (4)
* قالَ اللَّه عز وجل: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [لقمان: 4].
* * *
قوله رحمه الله: [{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} بَيان للمُحسِنين] وعلى هذا فلا تَكون نعتًا، بل تَكون بيانًا أي: عَطْفَ بيان؛ والمُحسِنون هم: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} يَعنِي: يَأتون بها قويمة تامَّة، وقوله سبحانه وتعالى:{الصَّلَاةَ} يَشمَل الفريضة والتَّطوُّع، فإقامتها بفِعْل الواجِبات، وتَرْك المُفسِدات، وكذلك تَتِمُّ الإقامة بفِعْل المُكمِّلات والمُستَحبَّات.
قوله تعالى: {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} أي: يُعطونها، والزكاة هي جُزْء مُقدَّر شرعًا في مال خاصٍّ لطائِفة مخَصوصة، ومَفعول {وَيُؤْتُونَ} الثاني مَحذوف تَقديرُه: ويُؤتون الزكاة أهلَها. وإنما جاز حَذْفه، لأنه فَضْلة، وقد سبَق أن جميع المَفاعيل الفَضْلة يَجوز حَذْفها.
وقوله تعالى: {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} سُمِّيَ هذا المالُ المُؤدَّى زكاةً؛ لأنها تَزكو بها أخلاق المُزكِّي، ويَزكو بها المال أيضًا ويَزيدُ، لأن الزكاة في اللغة النَّماء والزِّيادة.
ولم يَذكُرِ اللَّه من الأفعال إلَّا الصلاة والزكاة، وقرَن بينهما في القرآن كثيرًا، وذلك لأنهما آكَدُ أركان الإسلام بعد الشَّهادتين، وتَرْكهما جميعًا مُوجِب للكُفْر،
وأمَّا تَرْك واحِدة منهما؛ فالصلاةُ: الصحيح أنه يَكفُر، والزكاةُ: الصحيح أنه لا يَكفُر.
قوله تعالى: {وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} : {هُمْ} مُبتَدَأ و {بِالْآخِرَةِ} جارٌّ ومجَرور مُتعلِّق بـ {يُوقِنُونَ} ، و {هُمْ} الثانية يَقول المُفَسِّر رحمه الله:[{هُمْ} الثانية تَأكيد] تَأكيد لفظيٌّ لـ {هُمْ} الأُولى.
قال ابنُ مالِك رحمه الله:
وَمَا مِنَ التَّوْكيدِ لَفْظِيٌّ يَجِي
…
مُكَرَّرًا كَقَوْلكَ: ادْرُجِي ادْرُجِي
(1)
قوله تعالى: {وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} المُراد بالآخِرة يوم القِيامة، وسُمِّيَ آخِرة؛ لأنه آخِرُ ما يَكون، فالإنسان له أَربَع مَراحِلَ:
المَرحَلة الأُولى: في بَطْن أُمِّه.
والمَرحَلة الثانِية: في الدنيا.
والمَرحَلة الثالِثة: في البَرزَخ.
والمَرحَلة الرابِعة والأخيرة: يَوم القِيامة.
وقوله تعالى: {بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} الإيمان بالآخِرة ليس مَعناه أن تُؤمِن بأن القيامة ستَقوم فقَطْ، قال شيخ الإسلام ابن تَيميَّةَ رحمه الله في العَقيدة الواسِطية
(2)
: "وقد دَخَل في الإيمان باليوم الآخِر: الإيمان بكلِّ ما أَخبَر به النبيُّ صلى الله عليه وسلم ممَّا يَكون بعد الموت"، فيَشمَل فِتْنة القَبْر، وعذاب القَبْر، ونعيم القَبْر، والصِّراط، والحِساب، والميزان، والكُتُب التي تُنشَر يوم القيامة، وغير ذلك.
(1)
الألفية (ص 46).
(2)
العقيدة الواسطية (ص 95).
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: أن إقامة الصلاة من الإحسان؛ لأن ما بعدَها بيانٌ لها: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ} .
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أن الصلاة أَحبُّ الأعمال إلى اللَّه تعالى؛ لأن اللَّه تعالى قدَّمها على إيتاء الزكاة مع أن إيتاء الزكاة فيه نَفْع فتَعدٍّ للغير، ولكن الصلاة أحَبُّ إلى اللَّه تعالى منها وأفضَلُ.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: الحثُّ على إقامة الصلاة، يُؤخَذ ذلك من: ثَناء اللَّه تعالى على المُقيمين لها، والثَّناء لا يَكون إلَّا على فِعْل شيء مَحبوب مَرغوب من اللَّه تعالى.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: فَضْل إيتاء الزكاة، وأنها تَلي الصلاةَ في الفضيلة؛ لقوله تعالى:{وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} .
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: الثناء على مَن أَيْقَن بالآخِرة؛ لقوله تعالى: {وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} .
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: إثبات البَعْث.
* * *