الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (2)
* قالَ اللَّه عز وجل: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} [لقمان: 2].
* * *
قال رحمه الله: [{تِلْكَ} أي: هذه الآياتُ {آيَاتُ الْكِتَابِ} القُرآن {الْحَكِيمِ} ذي الحِكْمة، والإضافة بمَعنَى مِن] قوله تعالى: {تِلْكَ} : المُشار إليه آيات القُرآن، وتَجِد أن الإشارة هنا بصيغة البَعيد، والقرآن ليس بَعيدًا؛ لأنه بين أَيدينا، ولكنه عالِي المَرتَبة؛ فلهذا أُشير إليه بإشارة البعيد.
وقوله تعالى: {آيَاتُ الْكِتَابِ} أي: المَكتوب وهو القُرآن، وذكَرْنا فيما سبَق أنه مَكتوب في ثلاثة مَواضِع: في اللوح المَحفوظ، وفي الصُّحُف التي بين يدَي المَلائِكة، وفي الصُّحُف التي بين أَيْدينا.
وقوله تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ} الإضافة هنا يَقول المُفَسِّر رحمه الله: إنها على تَقدير (مِن) يَعنِي: آيات مِن الكِتاب، والآياتُ كما تَقدَّم كونيةٌ وشرعيةٌ، وآيات الكِتاب من الشَّرْعية.
وقوله تعالى: {الْحَكِيمِ} قال المُفَسِّر رحمه الله: [ذي الحِكْمة]، ولكن يُمكِن أن يُقال: ذي الحِكْمة والحُكْم أيضًا؛ لأنه مَرجِع الناس في الحُكْم؛ ولأنه يَشتَمِل على الحِكْمة، وهو أيضًا صالِح لأَنْ يُجعَل بمَعنَى المُحكِم، فيَكون فَعيل بمعنى مُفعِل.
فالقُرآن إذَنْ: حَكيم لاشتِماله على الحِكْمة وعلى الحُكْم بين الناس؛ قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [النساء: 105].
من فوائد الآيتين الكريمتين:
الْفَائِدَة الأُولَى: حِكْمة اللَّه سبحانه وتعالى في إنزال هذه الحُروفِ الهِجائية، وهي {الم} وما أَشبَهها.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أن اللَّه عز وجل يَتكَلَّم بحَرْف، وكذلك بصَوْت؛ لأن {الم} من كَلام اللَّه تعالى، وهي حُروف، وهذا هو مَذهَب أهل السُّنَّة والجَماعة، وقد تَقدَّم لنا البحث فيه مِرارًا، وأن أهل السُّنَّة والجماعة يَقولون: إن كلام اللَّه سبحانه وتعالى حَرْف وصَوْت.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: عُلوُّ شَأْن هذا القُرآنِ؛ لقوله تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ} .
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أن القُرآن آية وعلامة على مُنزِلِه، لقوله سبحانه وتعالى:{آيَاتُ الْكِتَابِ} ، والإضافة على تَقدير (مِن) فهي إضافة جِنْسية، وهو آية على مُنزِلِه جَلَّ وَعَلَا:
من حيث صِدْق أَخباره ومُطابَقَتها لهذا الواقِعِ، ومن حُسْن قِصصه وحُبِّها للنُّفوس، وعدَم مَلَلها منها؛ لأن ما من كلام يُردَّد إلَّا ويُمَلُّ إلَّا القرآن.
وكذلك من حيث الأحكام: حيث إنها أَحكام عادِلة نافِعة للعِباد في مَعاشِهم ومَعادِهم؛ ولهذا قال اللَّه عز وجل: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام: 115].
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أن القُرآن مَكتوب كما هو مَقروء، لقوله تعالى:{تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ} .
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: الثَّناء على هذا القُرآنِ بهذا الوَصْفِ العَظيم وهو: {الْحَكِيمِ} .
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: أنه لا يُوجَد في القُرآن خبَر سِيق عبَثًا، ولا حُكمٌ أُثبِتَ عبَثًا، يُؤخَذ ذلك من قوله تعالى:{الْحَكِيمِ} ؛ لأن العبَث يُنافِي الحِكْمة، ولا يُمكِن أن يَكون في القُرآن شيءٌ عبَثًا، لا خبَرًا ولا حُكْمًا.
* * *