الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (3)
* قالَ اللَّه عز وجل: {هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ} [لقمان: 3].
* * *
قوله رحمه الله: [(هُدًى وَرَحْمَةٌ) بالرَّفْع] هذه محَلُّها من الإعراب خبَر لمُبتَدَأ محَذوف، قدَّرَه المُفَسِّر رحمه الله بقوله: [هو (هُدًى وَرَحْمَةٌ)، هُدى: بمَعنَى: دَلالة، ورحمةٌ: بمَعنَى: أن اللَّه رحِم به الخَلْق حيث أَنزَله عليهم، فالقُرآن هِداية ورحمة، مَن تمَسَّك به نجا واهتَدَى، فلا يَضِلُّ مَن تمَسَّك بهذا القُرآنِ ولا يَشقَى، لأنه هُدًى ورَحمة.
وعلى هذا فنَقول لكل إنسان أَراد العِلْم: عليك بالقرآن، لأنه هُدًى، ولكل إنسان أَراد الرحمة: عليك بالقُرآن، لأنه هُدًى، فهو (هُدًى وَرَحْمَةٌ)، ولكن {لِلْمُحْسِنِينَ} .
وقوله تعالى: {لِلْمُحْسِنِينَ} الذين أَحسَنوا في عِبادة اللَّه تعالى وأَحسَنوا إلى عِباد اللَّه سبحانه وتعالى، والإحسان ضِدُّ الإساءة، والإساءة إمَّا أن تَكون بتَرْك الواجِب أو بفِعْل المُحرَّم، فمَن ترَكَ ما أَوْجَب اللَّه تعالى عليه لنفسه من الصلاة وغيرها فليس بمُحسِن، ومَن فعَلَ ما حرَّمَ اللَّه تعالى عليه فليس بمُحسِن، ومَن ترَكَ ما يَجِب للناس من صِلة الرَّحِم وبِرِّ الوالِدين والإحسان إليهم فليس بمُحسِن، ومَنِ اعتَدَى عليهم فليس بمُحسِن.
وقوله تعالى: {لِلْمُحْسِنِينَ} يُستَفاد منه أنه كلَّما ازداد الإنسان إحسانًا ازداد انتِفاعًا بالقُرآن بالهِداية والرحمة، بِناءً على القاعِدة: أنَّ الحُكْم إذا عُلِّق بوَصْف كان يَقوَى بحسَب وجود ذلك الوَصْفِ.
وقوله سبحانه وتعالى: {هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ} فهل غير المُحسِنين لا يَهتَدون به ولا يُرحَمون؟
الجَوابُ: نعَمْ؛ لأن المُحسِنين هم الذين يَنتَفِعون بذلك، وإلَّا فهو هُدًى للناس كلِّهم مَصدَر هِداية للجَميع، لكن لا يَنتَفِع به إلَّا الذين أَحسَنوا.
قال رحمه الله: [وفي قِراءة العامة بالنَّصْب حالًا من الآيات] غَريبٌ هذا التَّعبيرُ من المُفَسِّر رحمه الله فقوله: [وفي قِراءة العامَّة] يَفهَم منه مَن لا يَعرِف الاصطِلاح أن المُراد بالعامَّة عامَّة الناس، ما سِوى العُلَماء، وهذا ليس كذلك، إنما المُراد بالعامَّة عامَّة القُرَّاء ما عدا قارِئًا واحِدًا الذي قرَأَ بالرَّفْع؛ فقال:[بالنَّصْب حالًا من الآيات، العامِل فيها ما في {تِلْكَ} ومِن مَعنَى الإشارة].
فقوله تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} حالَ كونها {هُدًى وَرَحْمَةً} ، فإذا قال قائِل: الحال تَحتاج إلى عامِل مثل: الظَّرْف والجارِّ والمَجرور والمَفعول به، فما هو العامِل؟
فالجَوابُ: العامِل فيها ما في {تِلْكَ} من مَعنَى الإشارة؛ فـ {تِلْكَ} اسمٌ جامِد غير مُشتَرَط، لكنه بمَعنَى: أُشير، فإذا قلت: هذا زيدٌ. المَعنَى: أُشيرُ إليه، فـ {تِلْكَ آيَاتُ} بمَعنَى: أُشير إلى هذه الآياتِ، فلمَّا كانت مُتضَمِّنة لمَعنَى الفِعْل صارت صالحِة لأَنْ تَكون عامِلًا في الحال.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: التَّرْغيب في هذا القُرآنِ؛ لقوله تعالى: {هُدًى وَرَحْمَةً} ، وكل أحَدٍ منَّا يَطلُب الهُدى والرحمة، فهو هدًى في العِلْم ورحمة في العمَل، إذ إن العامِل به يَنال رحمة اللَّه تعالى، والمُهتَدِي به على هدًى وبصيرة.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أن القُرآن الكريم جمَع الخيرَ كلَّه، فهو عِلْم نافِع؛ لقوله تعالى:{هُدًى} ، وعمَل صالِح؛ لقوله تعالى:{وَرَحْمَةً} ؛ لأن الرحمة لا تُنال إلَّا بالعمَل الصالِح.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: الحثُّ على الإحسان؛ لقوله تعالى: {لِلْمُحْسِنِينَ} .
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أن الإحسان سبَب لنَيْل العِلْم والعمَل الصالِح، لما جعَله هُدًى ورحمةً للمُحسِنين.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أنه كلَّما ازداد إحسان العبد ازداد عِلْمه وعمَله الصالِح؛ لأن الحُكْم إذا عُلِّق على وَصْف ازداد بزيادته ونقَص بنَقْصه كما تَقدَّم.
* * *