المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة آل عمران (3): الآيات 128 الى 129] - تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن - جـ ٤

[القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ]

- ‌[سورة آل عمران (3): الآيات 1 الى 2]

- ‌[سورة آل عمران (3): الآيات 3 الى 4]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 5]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 6]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 7]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 8]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 9]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 10]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 11]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 12]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 13]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 14]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 15]

- ‌[سورة آل عمران (3): الآيات 16 الى 17]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 18]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 19]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 20]

- ‌[سورة آل عمران (3): الآيات 21 الى 22]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 23]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 24]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 25]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 26]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 27]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 28]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 29]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 30]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 31]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 32]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 33]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 34]

- ‌[سورة آل عمران (3): الآيات 35 الى 36]

- ‌[سورة آل عمران (3): الآيات 37 الى 38]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 39]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 40]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 41]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 42]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 43]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 44]

- ‌[سورة آل عمران (3): الآيات 45 الى 46]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 47]

- ‌[سورة آل عمران (3): الآيات 48 الى 49]

- ‌[سورة آل عمران (3): الآيات 50 الى 51]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 52]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 53]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 54]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 55]

- ‌[سورة آل عمران (3): الآيات 56 الى 58]

- ‌[سورة آل عمران (3): الآيات 59 الى 60]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 61]

- ‌[سورة آل عمران (3): الآيات 62 الى 63]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 64]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 65]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 66]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 67]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 68]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 69]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 70]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 71]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 72]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 73]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 74]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 75]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 76]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 77]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 78]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 79]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 80]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 81]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 82]

- ‌[سورة آل عمران (3): الآيات 83 الى 84]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 85]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 86]

- ‌[سورة آل عمران (3): الآيات 87 الى 89]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 90]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 91]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 92]

- ‌[سورة آل عمران (3): الآيات 93 الى 94]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 95]

- ‌[سورة آل عمران (3): الآيات 96 الى 97]

- ‌[سورة آل عمران (3): الآيات 98 الى 99]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 100]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 101]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 102]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 103]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 104]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 105]

- ‌[سورة آل عمران (3): الآيات 106 الى 107]

- ‌[سورة آل عمران (3): الآيات 108 الى 109]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 110]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 111]

- ‌[سورة آل عمران (3): الآيات 112 الى 115]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 116]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 117]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 118]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 119]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 120]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 121]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 122]

- ‌[سورة آل عمران (3): الآيات 123 الى 125]

- ‌[سورة آل عمران (3): الآيات 126 الى 127]

- ‌[سورة آل عمران (3): الآيات 128 الى 129]

- ‌[سورة آل عمران (3): الآيات 130 الى 132]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 133]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 134]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 135]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 136]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 137]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 138]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 139]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 140]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 141]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 142]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 143]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 144]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 145]

- ‌[سورة آل عمران (3): الآيات 146 الى 147]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 148]

- ‌[سورة آل عمران (3): الآيات 149 الى 150]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 151]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 152]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 153]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 154]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 155]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 156]

- ‌[سورة آل عمران (3): الآيات 157 الى 158]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 159]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 160]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 161]

- ‌[سورة آل عمران (3): الآيات 162 الى 163]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 164]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 165]

- ‌[سورة آل عمران (3): الآيات 166 الى 167]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 168]

- ‌[سورة آل عمران (3): الآيات 169 الى 170]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 171]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 172]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 173]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 174]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 175]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 176]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 177]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 178]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 179]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 180]

- ‌[سورة آل عمران (3): الآيات 181 الى 182]

- ‌[سورة آل عمران (3): الآيات 183 الى 184]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 185]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 186]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 187]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 188]

- ‌[سورة آل عمران (3): آية 189]

- ‌[سورة آل عمران (3): الآيات 190 الى 200]

الفصل: ‌[سورة آل عمران (3): الآيات 128 الى 129]

[سورة آل عمران (3): الآيات 128 الى 129]

لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ (128) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129)

فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَشُجَّ فِي رَأْسِهِ، فجعل يسلب الدَّمَ عَنْهُ وَيَقُولُ:(كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا رَأْسَ نَبِيِّهِمْ وَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى) فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ). الضَّحَّاكُ: هَمَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَدْعُوَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:" لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ". وَقِيلَ: اسْتَأْذَنَ فِي أَنْ يَدْعُوَ فِي اسْتِئْصَالِهِمْ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلِمَ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ سَيُسْلِمُ وَقَدْ آمَنَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ وَغَيْرُهُمْ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابن عامر قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو عَلَى أَرْبَعَةِ نَفَرٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:" لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ" فَهَدَاهُمُ اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ. وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى:" أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ" قِيلَ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى" لِيَقْطَعَ طَرَفاً". وَالْمَعْنَى: لِيَقْتُلَ طَائِفَةً مِنْهُمْ، أَوْ يُحْزِنَهُمْ بِالْهَزِيمَةِ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ. وَقَدْ تَكُونُ" أَوْ" هَاهُنَا بِمَعْنَى" حَتَّى" وَ" إِلَّا أَنْ". قَالَ امْرُؤُ القيس:

أو نموت فنعذرا

قال علماؤنا: قَوْلُهُ عليه السلام: (كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا رَأْسَ نَبِيِّهِمْ) اسْتِبْعَادٌ لِتَوْفِيقِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى:" لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ" تَقْرِيبٌ لِمَا اسْتَبْعَدَهُ وَإِطْمَاعٌ فِي إِسْلَامِهِمْ، وَلَمَّا أُطْمِعَ فِي ذَلِكَ قَالَ صلى الله عليه وسلم:(اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ: (رَبِّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ

ص: 199

لَا يَعْلَمُونَ (. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: فَالْحَاكِي فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ هُوَ الرَّسُولُ عليه الصلاة والسلام، وَهُوَ الْمَحْكِيُّ عَنْهُ، بِدَلِيلٍ مَا قَدْ جَاءَ صَرِيحًا مُبَيَّنًا أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمَّا كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ وَشُجَّ وَجْهُهُ يَوْمَ أُحُدٍ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِهِ شَقًّا شَدِيدًا وَقَالُوا: لَوْ دَعَوْتَ عَلَيْهِمْ! فَقَالَ: (إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا وَلَكِنِّي بُعِثْتُ دَاعِيًا وَرَحْمَةً، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (. فَكَأَنَّهُ عليه السلام أُوحِيَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ قَبْلَ وُقُوعِ قَضِيَّةِ أُحُدٍ، وَلَمْ يعلنه لَهُ ذَلِكَ النَّبِيُّ، فَلَمَّا وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ تَعَيَّنَ أَنَّهُ الْمَعْنِيُّ بِذَلِكَ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا. ويبينه أَيْضًا مَا قَالَهُ عُمَرُ لَهُ فِي بَعْضِ كَلَامِهِ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَقَدْ دَعَا نُوحٌ عَلَى قَوْمِهِ فَقَالَ:" رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً" [نوح: 26] «1» الْآيَةَ. وَلَوْ دَعَوْتَ عَلَيْنَا مِثْلَهَا لَهَلَكْنَا مِنْ عِنْدِ آخِرِنَا، فَقَدْ وُطِئَ ظَهْرُكَ وَأُدْمِيَ وَجْهُكَ وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُكَ فَأَبَيْتَ أَنْ تَقُولَ إِلَّا خَيْرًا، فَقُلْتَ: (رَبِّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ). وَقَوْلُهُ: (اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ كَسَرُوا رَبَاعِيَةَ نَبِيِّهِمْ) يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُبَاشِرَ لِذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا اسْمَهُ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا قلنا إنه خصوصي فِي الْمُبَاشِرِ، لِأَنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ شَهِدَ أُحُدًا وَحَسُنَ إِسْلَامُهُمْ. الثَّانِيَةُ- زَعَمَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَاسِخَةٌ لِلْقُنُوتِ الَّذِي كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنَ الصُّبْحِ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرَ بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنَ الرُّكُوعِ فَقَالَ:(اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ- ثُمَّ قَالَ- اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا) فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل" لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ" الْآيَةَ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَتَمَّ مِنْهُ. وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ نَسْخٍ وَإِنَّمَا نَبَّهَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ إِلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مِنَ الْغَيْبِ شَيْئًا إِلَّا مَا أَعْلَمَهُ، وَأَنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يَتُوبُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَيُعَجِّلُ الْعُقُوبَةَ لِمَنْ يَشَاءُ. وَالتَّقْدِيرُ: لَيْسَ لَكَ من الامر شي ولله ما في السموات وَمَا فِي الْأَرْضِ دُونَكَ وَدُونَهُمْ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَتُوبُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ. فَلَا نَسْخَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَبَيَّنَ بِقَوْلِهِ:" لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ" أَنَّ الْأُمُورَ «2» بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ ردا على القدرية وغيرهم.

(1). راجع ج 18 ص 312.

(2)

. في نسخة: هـ وب ود، وفى غيرها: الامر.

ص: 200

الثَّالِثَةُ- وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقُنُوتِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَغَيْرِهَا، فَمَنَعَ الْكُوفِيُّونَ مِنْهُ فِي الْفَجْرِ وَغَيْرِهَا. وَهُوَ مَذْهَبُ اللَّيْثِ وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى اللَّيْثِيِّ الْأَنْدَلُسِيِّ صَاحِبِ مَالِكٍ، وَأَنْكَرَهُ الشَّعْبِيُّ. وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ لَا يقنت في شي مِنَ الصَّلَاةِ. وَرَوَى النَّسَائِيُّ أَنْبَأَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ خَلَفٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَقْنُتْ، وَصَلَّيْتُ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فَلَمْ يَقْنُتْ، وَصَلَّيْتُ خَلْفَ عُمَرَ فَلَمْ يَقْنُتْ، وَصَلَّيْتُ خَلْفَ عُثْمَانَ فَلَمْ يَقْنُتْ وَصَلَّيْتُ خَلْفَ عَلِيٍّ فَلَمْ يَقْنُتْ، ثُمَّ قَالَ: يَا بُنَيَّ إِنَّهَا بِدْعَةٌ. وَقِيلَ: يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ دَائِمًا وَفِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ إِذَا نَزَلَ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ، قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالطَّبَرِيُّ. وَقِيلَ: هُوَ مُسْتَحَبٌّ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَرُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَسَحْنُونٌ: إِنَّهُ سُنَّةٌ. وَهُوَ مُقْتَضَى رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ بِإِعَادَةِ تَارِكِهِ لِلصَّلَاةِ عَمْدًا. وَحَكَى الطَّبَرِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ تَرْكَهُ غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلصَّلَاةِ. وَعَنِ الْحَسَنِ: فِي تَرْكِهِ سُجُودَ السَّهْوِ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ. وَذَكَرَ الدارقطني عن سعيد ابن عَبْدِ الْعَزِيزِ فِيمَنْ نَسِيَ الْقُنُوتَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ قَالَ: يَسْجُدُ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ. وَاخْتَارَ مَالِكٌ قَبْلَ الرُّكُوعِ، وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ بَعْدَ الرُّكُوعِ، وَرُوِيَ عَنِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ أَيْضًا. وَرَوَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ التَّخْيِيرَ فِي ذَلِكَ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا. وَذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو على مضر إذ جاءه جبريل فاؤ ما إِلَيْهِ أَنِ اسْكُتْ فَسَكَتَ، فَقَالَ:(يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْكَ سَبَّابًا وَلَا لَعَّانًا وَإِنَّمَا بَعَثَكَ رَحْمَةً وَلَمْ يَبْعَثْكَ عَذَابًا، لَيْسَ لك من الامر شي أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) قَالَ: ثُمَّ عَلَّمَهُ هَذَا الْقُنُوتَ فَقَالَ: (اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ وَنُؤْمِنُ بِكَ وَنَخْنَعُ «1» لَكَ وَنَتْرُكُ مَنْ يَكْفُرُكَ اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ «2» وَنَرْجُو رَحْمَتَكَ وَنَخَافُ عَذَابَكَ الْجَدَّ إِنَّ عَذَابَكَ بِالْكَافِرِينَ مُلْحِقٌ «3»).

(1). الخنوع: الخضوع والذل.

(2)

. الحقد (بفتح فسكون): الإسراع في العمل والخدمة.

(3)

. الرواية بكسر الحاء أي من نزل به عذابك ألحقه بالكفار. وقيل: هو بمعنى لا حق، لغة في لحق. ويروى بفتح الحاء على المفعول، أي إن عذابك يلحق بالكفاء ويصابون به. (عن ابن الأثير).

ص: 201