الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْخَامِسَةُ- رَوَى الْأَئِمَّةُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ). قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ بِالْيَدِ عَلَى الْأُمَرَاءِ، وَبِاللِّسَانِ عَلَى الْعُلَمَاءِ، وَبِالْقَلْبِ عَلَى الضُّعَفَاءِ، يَعْنِي عَوَامَّ النَّاسِ. فَالْمُنْكَرُ إِذَا أَمْكَنَتْ إِزَالَتُهُ بِاللِّسَانِ لِلنَّاهِي فَلْيَفْعَلْهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إِلَّا بِالْعُقُوبَةِ أَوْ بِالْقَتْلِ فَلْيَفْعَلْ، فَإِنْ زَالَ بِدُونِ الْقَتْلِ لَمْ يَجُزِ الْقَتْلُ، وَهَذَا تُلُقِّيَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:" فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ"«1» . وَعَلَيْهِ بَنَى الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ إِذَا دَفَعَ الصَّائِلَ «2» عَلَى النَّفْسِ أَوْ عَلَى الْمَالِ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ مَالِهِ أَوْ نفس غيره فله ذلك ولا شي عَلَيْهِ. وَلَوْ رَأَى زَيْدٌ عَمْرًا وَقَدْ قَصَدَ مَالَ بَكْرٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَهُ عَنْهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ صَاحِبُ الْمَالِ قَادِرًا عَلَيْهِ وَلَا رَاضِيًا بِهِ، حَتَّى لَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ: لَوْ فَرَضْنَا «3» [قَوَدًا]. وَقِيلَ: كُلُّ بَلْدَةٍ يَكُونُ فِيهَا أَرْبَعَةٌ فَأَهْلُهَا مَعْصُومُونَ مِنَ الْبَلَاءِ: إِمَامٌ عَادِلٌ لَا يَظْلِمُ، وَعَالِمٌ عَلَى سَبِيلِ الْهُدَى، وَمَشَايِخُ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحَرِّضُونَ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ وَالْقُرْآنِ، وَنِسَاؤُهُمْ مَسْتُورَاتٌ لَا يَتَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى. السَّادِسَةُ- رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى نَتْرُكُ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ:(إِذَا ظَهَرَ فِيكُمْ مَا ظَهَرَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ). قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا ظَهَرَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَنَا؟ قَالَ: (الْمُلْكُ فِي صِغَارِكُمْ وَالْفَاحِشَةُ فِي كِبَارِكُمْ وَالْعِلْمُ فِي رُذَالَتِكُمْ). قَالَ زَيْدٌ: تَفْسِيرُ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (وَالْعِلْمُ فِي رُذَالَتِكُمْ) إِذَا كَانَ الْعِلْمُ فِي الْفُسَّاقِ. خَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَسَيَأْتِي لِهَذَا الْبَابِ مَزِيدُ بَيَانٍ فِي" الْمَائِدَةِ"«4» وَغَيْرِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَتَقَدَّمَ مَعْنَى" فَبَشِّرْهُمْ" و" حَبِطَتْ" في البقرة «5» فلا معنى للإعادة.
[سورة آل عمران (3): آية 23]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)
(1). راجع ج 16 ص 319.
(2)
. في ذ: القاتل.
(3)
. بياض في أكثر الأصول. الزيادة من دوب: يعنى: لو فرضنا أن دفع الجاني أدى موته فأخذ فيه بالقود فلا عليه لأنه ناج عند الله. والله أعلم.
(4)
. راجع ج 6 ص 253.
(5)
. راجع ج 1 ص 238 وج 3 ص 48.
فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ الْأُولَى- قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ بِسَبَبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ بَيْتَ الْمِدْرَاسِ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ يَهُودَ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ. فَقَالَ لَهُ نُعَيْمُ بْنُ عَمْرٍو وَالْحَارِثُ بْنُ زَيْدٍ: عَلَى أَيِّ دِينٍ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (إِنِّي عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ). فَقَالَا: فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ يَهُودِيًّا. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (فَهَلُمُّوا إِلَى التَّوْرَاةِ فَهِيَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ). فَأَبَيَا عَلَيْهِ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ. وَذَكَرَ النَّقَّاشُ أَنَّهَا نَزَلَتْ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْيَهُودِ أَنْكَرُوا نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:(هَلُمُّوا إِلَى التَّوْرَاةِ فَفِيهَا صِفَتِي) فَأَبَوْا. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ" لِيَحْكُمَ" وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ يَزِيدُ بْنُ الْقَعْقَاعِ" لِيُحْكَمْ" بِضَمِ الْيَاءِ. وَالْقِرَاءَةُ الْأُولَى أَحْسَنُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:" هَذَا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ". الثَّانِيَةُ- فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ ارْتِفَاعِ الْمَدْعُوِّ إِلَى الْحَاكِمِ لِأَنَّهُ دُعِيَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَانَ مُخَالِفًا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الزَّجْرُ بِالْأَدَبِ عَلَى قَدْرِ الْمُخَالِفِ وَالْمُخَالَفِ. وَهَذَا الْحُكْمُ جَارٍ عِنْدَنَا بِالْأَنْدَلُسِ وَبِلَادِ الْمَغْرِبِ وَلَيْسَ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ. وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مُبَيَّنٌ فِي التَّنْزِيلِ فِي سُورَةِ" النُّورِ" فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ"- إِلَى قَوْلِهِ-" بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ"«1» . وَأَسْنَدَ الزُّهْرِيُّ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ دَعَاهُ خَصْمُهُ إِلَى حَاكِمٍ مِنْ حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يُجِبْ فَهُوَ ظَالِمٌ وَلَا حَقَّ لَهُ). قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ. أَمَّا قَوْلُهُ" فَهُوَ ظَالِمٌ" فَكَلَامٌ صَحِيحٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ" فَلَا حَقَّ لَهُ" فَلَا يَصِحُّ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ الْحَقِّ. قَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مِنْدَادُ الْمَالِكِيُّ: وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ دُعِيَ إِلَى مَجْلِسِ الْحَاكِمِ أَنْ يحيب مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ الْحَاكِمَ فَاسِقٌ، أَوْ يعلم عداوة «2» مِنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ. الثَّالِثَةُ- وَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ شَرَائِعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرِيعَةٌ لَنَا إِلَّا مَا عَلِمْنَا نَسْخَهُ، وَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا الْحُكْمُ بِشَرَائِعِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَنَا، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ. وَإِنَّمَا لَا نَقْرَأُ التَّوْرَاةَ وَلَا نَعْمَلُ
(1). راجع ج 12 ص 293 فيما بعد.
(2)
. في الأصول: عداوة بين المدعى والمدعى عليه، والتصويب من ز.