الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ كَانَتْ بَقَرًا فَبَقَرَتَيْنِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ: دَلَّهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الْفُتُوَّةِ «1» . أَيْ لَنْ تَنَالُوا بِرِّي بِكُمْ إِلَّا بِبِرِّكُمْ بِإِخْوَانِكُمْ وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ مِنْ أَمْوَالِكُمْ وَجَاهِكُمْ، فَإِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ نَالَكُمْ بِرِّي وَعَطْفِي. قَالَ مُجَاهِدٌ: وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ:" وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً"[الإنسان: 8]«2» (وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) أي وإذا علم جازى عليه.
[سورة آل عمران (3): الآيات 93 الى 94]
كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَاّ مَا حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94)
فِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تعالى: (حِلًّا)" حِلًّا" أَيْ حَلَالًا، ثُمَّ اسْتَثْنَى فَقَالَ:(إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ) وَهُوَ يَعْقُوبُ عليه السلام. فِي التِّرْمِذِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أخبرنا، ما حرم إسرائيل عل نَفْسِهِ؟ قَالَ:(كَانَ يَسْكُنُ الْبَدْوَ فَاشْتَكَى عِرْقَ «3» النَّسَا فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يُلَائِمُهُ إِلَّا لُحُومَ الْإِبِلِ وَأَلْبَانَهَا فَلِذَلِكَ حَرَّمَهَا). قَالُوا: صَدَقْتَ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَيُقَالُ: [إِنَّهُ]»
نَذَرَ إِنْ بَرَأَ «5» مِنْهُ لَيَتْرُكَنَّ أَحَبَّ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَحَبُّ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلَيْهِ لُحُومَ الْإِبِلِ وَأَلْبَانَهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: أَقْبَلَ يَعْقُوبُ عليه السلام مِنْ حَرَّانَ يُرِيدُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ حِينَ هَرَبَ مِنْ أَخِيهِ عِيصُو، وَكَانَ رَجُلًا بَطِشًا قَوِيًّا، فَلَقِيَهُ مَلَكٌ فَظَنَّ يَعْقُوبُ أَنَّهُ لِصٌّ فَعَالَجَهُ أَنْ يَصْرَعَهُ، فَغَمَزَ الْمَلَكُ فَخِذَ يَعْقُوبَ عليه السلام، ثُمَّ صَعِدَ الْمَلَكُ إِلَى السَّمَاءِ وَيَعْقُوبُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ فَهَاجَ عَلَيْهِ «6» عِرْقُ النسا، ولقي من
(1). الفتوة: يعبر بها عن مكارم الأخلاق.
(2)
. راجع ج 19 ص 125.
(3)
. النسا (بالفتح مقصور): عرق يخرج من الورك فيستبطن الفخذ.
(4)
. كذا في ب ود.
(5)
. برأ من المرض (بالفتح) لغة أهل الحجاز. وسائر العرب يقولون: برئت (بالكسر).
(6)
. في ب ود: به.
ذَلِكَ بَلَاءً شَدِيدًا، فَكَانَ لَا يَنَامُ اللَّيْلَ مِنَ الْوَجَعِ وَيَبِيتُ وَلَهُ زُقَاءٌ «1» أَيْ صِيَاحٌ، فَحَلَفَ يَعْقُوبُ عليه السلام إِنْ شَفَاهُ اللَّهُ عز وجل أَلَّا يَأْكُلَ عِرْقًا، وَلَا يَأْكُلَ طَعَامًا فِيهِ عِرْقٌ فَحَرَّمَهَا عَلَى نَفْسِهِ، فَجَعَلَ بَنُوهُ يَتَّبِعُونَ بَعْدَ ذَلِكَ الْعُرُوقَ فَيُخْرِجُونَهَا مِنَ اللَّحْمِ. وَكَانَ سَبَبُ غَمْزِ الْمَلَكِ لِيَعْقُوبَ «2» أَنَّهُ كَانَ نَذَرَ إِنْ وَهَبَ اللَّهُ لَهُ اثْنَيْ عَشَرَ وَلَدًا وَأَتَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ صَحِيحًا أَنْ يَذْبَحَ آخِرَهُمْ «3» . فَكَانَ ذَلِكَ لِلْمَخْرَجِ مِنْ نَذْرِهِ، عَنِ الضَّحَّاكِ. الثَّانِيَةُ- وَاخْتُلِفَ هَلْ كَانَ التَّحْرِيمُ مِنْ يَعْقُوبَ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُ أَوْ بِإِذْنٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى؟ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَضَافَ التَّحْرِيمَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:" إِلَّا مَا حَرَّمَ" وَأَنَّ النبي إذا أداه اجتهاده إلى شي كَانَ دِينًا يَلْزَمُنَا اتِّبَاعُهُ لِتَقْرِيرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ إِيَّاهُ عَلَى ذَلِكَ. وَكَمَا يُوحَى إِلَيْهِ وَيَلْزَمُ اتِّبَاعُهُ، كَذَلِكَ يُؤْذَنُ لَهُ وَيَجْتَهِدُ، وَيَتَعَيَّنُ مُوجِبُ اجْتِهَادِهِ إِذَا قُدِرَ عَلَيْهِ، وَلَوْلَا تَقَدُّمُ الْإِذْنِ لَهُ فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ مَا تَسَوَّرَ «4» عَلَى التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ. وَقَدْ حَرَّمَ نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم الْعَسَلَ عَلَى الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ، أَوْ خَادِمُهُ مَارِيَةَ فَلَمْ يُقِرَّ اللَّهُ تَحْرِيمَهُ وَنَزَلَ:" لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ"[التحريم: 1] عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي" التَّحْرِيمِ"«5» . قَالَ الْكِيَا الطَّبَرِيُّ: فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: مُطْلَقُ قَوْلِهِ تَعَالَى:" لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ" يَقْتَضِي أَلَّا يَخْتَصَّ بِمَارِيَةَ، وَقَدْ رَأَى الشَّافِعِيُّ أَنَّ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ فِي ذَلِكَ غَيْرُ مَعْقُولٍ الْمَعْنَى، فَجَعَلَهَا مَخْصُوصًا بِمَوْضِعِ النَّصِّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ رَأَى ذَلِكَ أَصْلًا فِي تَحْرِيمِ كُلِّ مُبَاحٍ وَأَجْرَاهُ مَجْرَى الْيَمِينِ. الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:(قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا أَصَابَ يَعْقُوبَ عليه السلام عِرْقُ النَّسَا وَصَفَ الْأَطِبَّاءُ لَهُ أَنْ يَجْتَنِبَ لُحُومَ الْإِبِلِ فَحَرَّمَهَا عَلَى نَفْسِهِ. فَقَالَتِ الْيَهُودُ: إِنَّمَا نُحَرِّمُ عَلَى أَنْفُسِنَا لُحُومَ الْإِبِلِ، لِأَنَّ يَعْقُوبَ حَرَّمَهَا وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَحْرِيمهَا فِي التَّوْرَاةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. قَالَ الضَّحَّاكُ: فَكَذَّبَهُمُ اللَّهُ وَرَدَّ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ" قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ" فَلَمْ يَأْتُوا. فَقَالَ عز وجل: (فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)
قال الزجاج: في هذه الآية
(1). في ز وا: رغاء، والتصحيح من ب، ود وح وهـ وج.
(2)
. في ب ود، وفى الأصول الأخرى: غمز الملك فخذه.
(3)
. في د: أحدهم.
(4)
. تسور: هجم.
(5)
. راجع ج 18 ص 177.