الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِذَلِكَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَلْقُ مِنْ نَفْخِ جِبْرِيلَ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْوَلَدَ بَعْضُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَبَعْضُهُ مِنَ الْإِنْسِ، وَلَكِنَّ سَبَبَ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا خَلَقَ آدَمَ وَأَخَذَ الْمِيثَاقَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ فَجَعَلَ بَعْضَ الْمَاءِ فِي أَصْلَابِ الْآبَاءِ وَبَعْضَهُ فِي أَرْحَامِ الْأُمَّهَاتِ فَإِذَا اجْتَمَعَ الْمَاءَانِ صَارَا وَلَدًا، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْمَاءَيْنِ جَمِيعًا فِي مَرْيَمَ بَعْضَهُ فِي رَحِمِهَا وَبَعْضَهُ فِي صُلْبِهَا، فَنَفَخَ فِيهِ جِبْرِيلُ لِتَهِيجَ شَهْوَتُهَا، لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مَا لَمْ تَهِجْ شَهْوَتُهَا لَا تَحْبَلُ، فَلَمَّا هَاجَتْ شَهْوَتُهَا بِنَفْخِ جِبْرِيلَ وَقَعَ الْمَاءُ الَّذِي كَانَ فِي صُلْبِهَا فِي رَحِمِهَا فَاخْتَلَطَ الْمَاءَانِ فَعَلِقَتْ بِذَلِكَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:" إِذا قَضى أَمْراً" يَعْنِي إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقًا" فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ". وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي" الْبَقَرَةِ" الْقَوْلُ فِيهِ مُسْتَوْفًى «1» .
[سورة آل عمران (3): الآيات 48 الى 49]
وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: الْكِتَابُ الْكِتَابَةُ وَالْخَطُّ. وَقِيلَ: هُوَ كِتَابٌ غَيْرُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ عَلَّمَهُ اللَّهُ عِيسَى عليه السلام. (وَرَسُولًا) أَيْ وَنَجْعَلُهُ رَسُولًا. أَوْ يُكَلِّمُهُمْ رَسُولًا. وَقِيلَ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ" وَجِيهاً". وَقَالَ الْأَخْفَشُ: وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ" وَرَسُولًا" مُقْحَمَةً وَالرَّسُولَ حَالًا لِلْهَاءِ، تَقْدِيرُهُ وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ رَسُولًا. وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الطَّوِيلِ (وَأَوَّلُ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُوسَى وَآخِرُهُمْ عِيسَى عليه السلام. (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ) أَيْ أُصَوِّرُ وَأُقَدِّرُ لَكُمْ. مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) قَرَأَ الْأَعْرَجُ وَأَبُو جَعْفَرٍ" كَهَيَّةِ" بِالتَّشْدِيدِ. الْبَاقُونَ بِالْهَمْزِ.
(1). راجع ج 1 ص 87.
وَالطَّيْرُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ. (فَأَنْفُخُ فِيهِ) أَيْ فِي الْوَاحِدِ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا أَوْ فِي الطِّينِ فَيَكُونُ طَائِرًا. وَطَائِرٌ وَطَيْرٌ مِثْلُ تَاجِرٍ وَتَجْرٍ. قَالَ وَهْبٌ: كَانَ يَطِيرُ مَا دَامَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَإِذَا غَابَ عَنْ أَعْيُنِهِمْ سَقَطَ مَيِّتًا لِيَتَمَيَّزَ فِعْلُ الْخَلْقِ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقِيلَ: لَمْ يَخْلُقْ غَيْرَ الْخُفَّاشِ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ الطَّيْرِ خَلْقًا لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي الْقُدْرَةِ لِأَنَّ لَهَا ثَدْيًا وَأَسْنَانًا وَأُذُنًا، وَهِيَ تَحِيضُ وَتَطْهُرُ وَتَلِدُ. وَيُقَالُ: إِنَّمَا طَلَبُوا خَلْقَ خُفَّاشٍ لِأَنَّهُ أَعْجَبُ مِنْ سَائِرِ الْخَلْقِ، وَمِنْ عَجَائِبِهِ أَنَّهُ لَحْمٌ وَدَمٌ يَطِيرُ بِغَيْرِ رِيشٍ وَيَلِدُ كَمَا يَلِدُ الْحَيَوَانُ وَلَا يَبِيضُ كَمَا يَبِيضُ سَائِرُ الطُّيُورِ، فَيَكُونُ لَهُ الضَّرْعُ يَخْرُجُ مِنْهُ اللَّبَنُ، وَلَا يُبْصِرُ فِي ضَوْءِ النَّهَارِ وَلَا فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، وَإِنَّمَا يَرَى فِي سَاعَتَيْنِ: بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ سَاعَةٍ وَبَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ سَاعَةٌ قَبْلَ أَنْ يُسْفِرَ جِدًّا، وَيَضْحَكُ كَمَا يَضْحَكُ الْإِنْسَانُ، وَيَحِيضُ كَمَا تَحِيضُ الْمَرْأَةُ. وَيُقَالُ: إِنَّ سُؤَالَهُمْ كَانَ لَهُ عَلَى وَجْهِ التَّعَنُّتِ فَقَالُوا: اخْلُقْ لَنَا خُفَّاشًا وَاجْعَلْ فِيهِ رُوحًا إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فِي مَقَالَتِكَ، فَأَخَذَ طِينًا وَجَعَلَ مِنْهُ خُفَّاشًا ثُمَّ نَفَخَ فِيهِ فَإِذَا هُوَ يَطِيرُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَكَانَ تَسْوِيَةُ الطِّينِ وَالنَّفْخُ مِنْ عِيسَى وَالْخَلْقُ مِنَ اللَّهِ، كَمَا أَنَّ النَّفْخَ مِنْ جِبْرِيلَ وَالْخَلْقَ مِنَ الله. وقوله تعالى:(وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ) الْأَكْمَهُ: الَّذِي يُولَدُ أَعْمَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَكَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ قَالَ: هُوَ الَّذِي يُولَدُ أَعْمَى، وَأَنْشَدَ لِرُؤْبَةَ:
فَارْتَدَّ ارْتِدَادَ الْأَكْمَهِ
وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ: الْكَمَهُ الْعَمَى يُولَدُ بِهِ الْإِنْسَانُ وَقَدْ يَعْرِضُ. قَالَ سُوَيْدٌ:
كَمَهَتْ عَيْنَاهُ حَتَّى ابْيَضَّتَا
مُجَاهِدٌ: هُوَ الَّذِي يُبْصِرُ بِالنَّهَارِ وَلَا يُبْصِرُ بِاللَّيْلِ. عِكْرِمَةُ: هُوَ الْأَعْمَشُ، وَلَكِنَّهُ فِي اللُّغَةِ الْعَمَى، يُقَالُ كَمِهَ يَكْمَهُ كَمَهًا وَكَمَّهْتُهَا أَنَا إِذَا أَعْمَيْتُهَا. وَالْبَرَصُ مَعْرُوفٌ وَهُوَ بَيَاضٌ يَعْتَرِي الْجِلْدَ، وَالْأَبْرَصُ الْقَمَرُ، وَسَامُّ أَبْرَصَ مَعْرُوفٌ، وَيُجْمَعُ عَلَى الْأَبَارِصِ. وَخُصَّ هَذَانِ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمَا عَيَاءَانِ. وَكَانَ الْغَالِبُ عَلَى زَمَنِ عِيسَى عليه السلام الطِّبَّ فَأَرَاهُمُ الله المعجزة من جنس ذلك (وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ) قِيلَ: أَحْيَا أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ: الْعَاذِرُ: وَكَانَ صَدِيقًا لَهُ، وَابْنُ الْعَجُوزِ
وَابْنَةُ الْعَاشِرِ وَسَامُ بْنُ نُوحٍ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَأَمَّا الْعَاذِرُ فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ تُوُفِّيَ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَيَّامٍ فَدَعَا اللَّهَ فَقَامَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَوَدَكُهُ يَقْطُرُ فَعَاشَ وَوُلِدَ لَهُ، وَأَمَّا ابْنُ الْعَجُوزِ فَإِنَّهُ مَرَّ بِهِ يُحْمَلُ عَلَى سَرِيرِهِ فَدَعَا اللَّهَ فَقَامَ وَلَبِسَ ثِيَابَهُ وَحَمَلَ السَّرِيرَ عَلَى عُنُقِهِ وَرَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ. وَأَمَّا بِنْتُ الْعَاشِرِ فَكَانَ أَتَى عَلَيْهَا لَيْلَةً فَدَعَا اللَّهَ فَعَاشَتْ بَعْدَ ذَلِكَ وَوُلِدَ لَهَا، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَالُوا: إِنَّكَ تُحْيِي مَنْ كَانَ مَوْتُهُ قريبا فلعلهم لم يموتوا فأصابتهم سكتة فأحى لَنَا سَامَ بْنَ نُوحٍ. فَقَالَ لَهُمْ: دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ، فَخَرَجَ وَخَرَجَ الْقَوْمُ مَعَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَبْرِهِ فَدَعَا اللَّهَ فَخَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ وَقَدْ شَابَ رَأْسُهُ. فَقَالَ لَهُ عِيسَى: كَيْفَ شَابَ رَأْسُكَ وَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِكُمْ شَيْبٌ؟ فَقَالَ: يَا رُوحَ اللَّهِ، إِنَّكَ دَعَوْتَنِي فَسَمِعْتُ صَوْتًا يَقُولُ: أَجِبْ رُوحَ اللَّهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّ الْقِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ، فَمِنْ هَوْلِ ذَلِكَ شَابَ رَأْسِي. فَسَأَلَهُ عَنِ النَّزْعِ فَقَالَ: يَا رُوحَ اللَّهِ إِنَّ مَرَارَةَ النَّزْعِ لَمْ تَذْهَبْ عَنْ حَنْجَرَتِي، وَقَدْ كَانَ مِنْ وَقْتِ مَوْتِهِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ آلَافِ سَنَةٍ، فَقَالَ لِلْقَوْمِ: صَدِّقُوهُ فَإِنَّهُ نَبِيٌّ، فَآمَنَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَكَذَّبَهُ بَعْضُهُمْ وَقَالُوا: هَذَا سِحْرٌ. وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ إسماعيل ابن عَيَّاشٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ عَنْ رَجُلٍ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى صَلَّى رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ في الاولى:" تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ"[الْمُلْكُ: 1]. وَفِي الثَّانِيَةِ" تَنْزِيلَ السَّجْدَةِ" فَإِذَا فَرَغَ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ دَعَا بِسَبْعَةِ أَسْمَاءَ: يَا قَدِيمُ يَا خَفِيُّ يَا دَائِمُ يَا فَرْدُ يَا وِتْرُ يَا أَحَدُ يَا صَمَدُ، ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ: لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ «1» . قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أَيْ بِالَّذِي تَأْكُلُونَهُ وَمَا تَدَّخِرُونَ. وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا أَحْيَا لَهُمُ الْمَوْتَى طَلَبُوا مِنْهُ آيَةً أُخْرَى وَقَالُوا: أَخْبِرْنَا بِمَا نَأْكُلُ فِي بُيُوتِنَا وَمَا نَدَّخِرُ لِلْغَدِ، فَأَخْبَرَهُمْ فَقَالَ: يَا فُلَانُ أَنْتَ أَكَلْتَ كَذَا وَكَذَا، وَأَنْتَ أَكَلْتَ كَذَا وَكَذَا وَادَّخَرْتَ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ" وَأُنَبِّئُكُمْ" الْآيَةَ. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ وَالزُّهْرِيُّ والسختياني" وَما تَدَّخِرُونَ" بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ مُخَفَّفًا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وغيره: كان يُخْبِرُ الصِّبْيَانَ فِي الْكُتَّابِ بِمَا يَدَّخِرُونَ حَتَّى مَنَعَهُمْ آبَاؤُهُمْ مِنَ الْجُلُوسِ مَعَهُ. قَتَادَةُ: أَخْبَرَهُمْ بِمَا أَكَلُوهُ مِنَ الْمَائِدَةِ وَمَا ادَّخَرُوهُ مِنْهَا خفية.
(1). هذا الحديث لا يصح لان السورتين من القرآن ولا يجوز أن يكون من شي من القرآن من الكتب السابقة.