الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع
أحاديث الصفات الخبرية المبدوءة بحرف الصاد
{الصوت}
المعنى في اللغة:
الصوت: هو كل ما وقر في أذن السامع، ويقال: رجل صيِّت: إذا كان شديد الصوت.
ويقال: صات وصوَّت إذا نادى (1).
والصوت: هو ما يتحقق سماعه، فكل متحقق سماعه صوت.
المعنى في الشرع:
الصوت ثابت لله تعالى، وصوته لايشبه أصوات المخلوقين؛ لأن صوته سبحانه يُسمع من بعد كما يسمع من قرب، والملائكة يصعقون من صوته، فإذا تنادى الملائكة لم يصعقوا (2).
ولم يكن خلاف بين الخلق ـ قبل ظهور البدع ـ أن الكلام لا يكون إلا حرفاً وصوتاً، ذا تأليف واتساق وإن اختلفت به اللغات، والإجماع منعقد بين العقلاء على كون الكلام حرفاً وصوتاً، وكلام الله تعالى بحرف وصوت، وهو كلام معجز ولا انتهاء له، وهو أزلي النوع حادث الآحاد، وقد ورد السمع بذكر الصوت من قبل الله تعالى فقد قال سبحانه لموسى عليه السلام:
{فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13)} [طه: 13]
وكان يكلمه من وراء حجاب لاترجمان بينهما واستماع البشر في الحقيقة لايقع إلا للصوت، ومن زعم أن غير الصوت يجوز في المعقول أن يسمعه من كان على هذه النية التي نحن عليها احتاج إلى دليل، وجاء في القرآن بلفظ النداء
{وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى} [الشعراء: 10]
والنداء عند العرب صوت لا غير (3). وقد سئل الإمام أحمد عن قوم يقولون: لما كلم الله عز وجل موسى لم يتكلم بصوت؟ فقال: بلى إن ربك عز وجل تكلم بصوت هذه الأحاديث نرويها كما جاءت (4)، وأقر أحمد من قال: من زعم أن الله كلم موسى بلا صوت فهو جهمي عدو لله عدو للإسلام (5)، والنداء صوت رفيع فلايطلق النداء على ما ليس بصوت حقيقة ولامجازاً، وما أخبر به سبحانه في كتابه من تكليم موسى عليه السلام، وسماعه كلام الله تعالى يدل على أنه كلمه بصوت فإنه لايُسمع إلا الصوت، والأدلة الدالة على أنه سبحانه يتكلم دليل على أنه يتكلم بصوت، ولاحاجة
(1) معجم مقاييس اللغة (صوت)(3/ 318، 319)، اللسان (صوت)(4/ 2521).
(2)
انظر: خلق أفعال العباد (137).
(3)
انظر: الرد على من أنكر الحرف والصوت للسجزي (81، 147، 153 - 161، 165 - 167)، الحجة في بيان المحجة (1/ 232 - 334)، درء تعارض العقل والنقل (2/ 91 - 99)، مجموع الفتاوى (12/ 243، 244).
(4)
السنة لعبد الله بن أحمد (1/ 280).
(5)
المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد (1/ 302، 303) ونقله ابن تيمية في (مجموع الفتاوى 12/ 305، 579، 580)، من قول الإمام أحمد.
إلى أن يقيد النداء بالصوت؛ فإنه بمعناه وحقيقته باتفاق أهل اللغة، فإذا انتفى الصوت انتفى النداء قطعاً، وقد قيده في الحديث بالصوت إيضاحاً وتأكيداً. (1)
وقد تكلم سبحانه بالقرآن العربي بصوت نفسه، وكلم موسى عليه السلام بصوت نفسه الذي لايماثل شيئاً من أصوت العباد، ولم ينقل عن أحد من السلف أنه قال: إن الله يتكلم بلا صوت أو بلا حرف (2).
وروده في القرآن:
لم يرد ذكر الصوت لله في القرآن.
(1) انظر: مجموع الفتاوى (6/ 530 - 533)، مختصر الصواعق (2/ 402)، الفتح (13/ 460)، شرح التوحيد (2/ 323 - 327)
(2)
انظر: مجموع الفتاوى (12/ 97، 304، 305، 375 - 383، 579 - 588).
675 -
(331) ثبت فيه حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {يقول الله تعالى يا آدم. فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك. فيقول: أخرج بعث النار
…
} وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: {والذي نفسي بيده إني أرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبرنا} وفي رواية {نصف أهل
الجنة} رواه البخاري مجموعاً ومفرقاً، ومسلم تاماً.
وفي رواية من حديث أبي سعيد قال صلى الله عليه وسلم: {يقول الله: يا آدم فيقول: لبيك وسعديك. فينادي بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار} رواه البخاري، وفي لفظ:{يقول الله عز وجل يوم القيامة: يا آدم. فيقول: لبيك ربنا وسعديك} .
ورواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مختصراً ليس فيه الشاهد.
676 -
(332) حديث عمران بن حصين رضي الله عنه:
في قوله تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم
…
} إلى قوله: {ولكن عذاب الله شديد} (1) قال: قرأهما وهو في سفر فقال: {هل تدرون أي يوم ذلك؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم قال: ذاك يوم ينادي الله فيه آدم
…
} الحديث وفيه {فوالذي نفس محمد بيده إنكم لمع خليقتين ما كانتا مع شيء إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج} وفي آخره {فوالذي نفس محمد بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير، أوكالرقعة في ذراع الدابة} رواه الترمذي، وفي رواية {والذي نفسي في يده إني لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة. قال: فحمدنا الله وكبرنا ثم قال: والذي نفسي في يده إني لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنة
…
} الحديث رواه البخاري ومسلم وزاد في أوله {ربع أهل الجنة} .
67 -
(333) حديث ابن مسعود رضي الله عنه:
وفيه الشطر الثاني من الحديث دون أوله قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم مضيف ظهره إلى قبة من أدم يمان إذ قال لأصحابه: {أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قالوا: بلى، قال: أفلم ترضوا أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ قالوا: بلى، قال: فوالذي نفس محمد بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة} رواه البخاري وزاد في رواية: {وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر} وفي رواية {أو كالرقمة في ذراع الحمار} . ورواه مسلم بالزيادة، وبدونها وفي لفظ مختصراً {أتحبون أن تكونوا
…
}. ورواه ابن ماجه مطولاً.
التخريج:
(1) ([الحج: 1، 2].
خ: كتاب الأنبياء: باب قصة يأجوج ومأجوج (4/ 168، 169)(الفتح 6/ 381)
كتاب التفسير سورة الحج: باب {وترى الناس سكارى} (6/ 122)(الفتح 8/ 441)
كتاب الرقاق: باب الحشر (8/ 137)(الفتح 11/ 378)
ثم باب قوله عز وجل: {إن زلزلة الساعة شيء عظيم} (8/ 137، 138)(الفتح 11/ 388)
كتاب الإيمان والنذور: باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم (8/ 163)(الفتح 11/ 525)
كتاب التوحيد: باب قول الله تعالى: {ولاتنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير} (9/ 173)(الفتح 13/ 453) وفيه الشاهد.
م: كتاب الإيمان: باب بيان كون هذه الأمة نصف أهل الجنة (3/ 95 - 98).
ت: كتاب تفسير القرآن: باب ومن سورة الحج (5/ 322 - 325) وقال: حسن صحيح وصححه الألباني في (صحيح الجامع 2/ 1353).
جه: كتاب الزهد: باب صفة أمة محمد صلى الله عليه وسلم (2/ 1432).
شرح غريبه:
الرقمة: الهَنَة الناتئة في ذراع الدابة من داخل وهما رقمتان في ذراعيها (النهاية/ رقم/2/ 27).
بعث النار: المبعوث إليها من أهلها وهو من باب تسمية المفعول بالمصدر (النهاية/ بعث/1/ 138).
مضيف ظهره: مسنده يقال أضفته إليه أضيفه (النهاية/ضيف/3/ 108).
الفوائد:
(1)
أن التدريج أوقع في النفس وأبلغ في الإكرام؛ لأن الإعطاء مرة بعد أخرى دليل على الاعتناء بالمعطي أو لتتكرر منهم عبادة الشكر، أو لعله كذلك أوحى الله إليه صلى الله عليه وسلم.
(2)
بيان قلة أهل الجنة بالنسبة إلى أهل النار من بني آدم (شرح الأبي 1/ 382 ـ 384).
(3)
فيه نص صريح بأن من مات على الكفر لا يدخل الجنة أصلاً وهذا على عمومه بإجماع المسلمين (شرح النووي 3/ 96).
(4)
كثرة يأجوج ومأجوج وأنهم من ذرية آدم (الفتح 6/ 386).
(5)
أن الله يتكلم بصوت وهي صفة ثابتة له سبحانه بالقرآن فقد أخبر سبحانه بمناداته لعبده في غير آية كقوله: {وناديناه من جانب الطور الأيمن} [مريم: 52] وغيرها وثبت صريحاً في هذا الحديث.