الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
جاء في أحاديث متعددة نفي العور عن الله تعالى ولازمه إثبات العينين لله تعالى.
المعنى في اللغة:
العين: هي العضو الذي يُبصر به ويَنظر، فهي العين الناظرة لكل ذي بصر (1).
المعنى في الشرع:
قد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن لله عز وجل عينين يبصربهما، ونفى عنه العور، والأعور هو: ضد البصير بالعينين، وعين الله عز وجل قديمة لم تزل باقية ولايزال محكوم لها بالبقاء منفي عنها الهلاك والفناء، أما عيون بني آدم فهي محدثة مخلوقة كانت عدماً غير مكونة، فكونها الله وخلقها بكلامه الذي هو صفة من صفات ذاته، وقد قضى وقدر أن عيون بني آدم تصير إلى بلاء.
والله سبحانه يبصر بعينيه ما تحت الثرى، وتحت الأرض السابعة السفلى، وما في السموات وما بينهما من صغير وكبير، ولايخفى عليه سبحانه خافية، ولايغيب عن بصره شيء، يرى ما في جوف البحار ولججها كما يرى عرشه الذي هو مستوٍ عليه (2).
وروده في القرآن:
جاءت بصيغة المفرد في قوله تعالى لموسى عليه السلام:
{وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)} [طه: 39].
وجاءت بصيغة الجمع في أربعة مواضع منها
قوله تعالى: لنوح عليه السلام
{وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} [هود: 37].
وقوله لمحمد صلى الله عليه وسلم
{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: 48].
(1) معجم مقاييس اللغة (عين)(4/ 199)، اللسان (عين)(5/ 3195، 3196).
(2)
انظر: التوحيد لابن خزيمة (1/ 97، 106، 114 - 117)، مختصر الصواعق (1/ 25، 26)
جاءت صفة نفي العور عن الله تعالى في أحاديث ابن عمر، وأنس، وأبي سعيد الخدري، ووردت فيها أحاديث عبادة، وأبي أمامة رضي الله عنهم:
797 -
(396) حديث ابن عمر رضي الله عنه:
وأتم ألفاظه قوله صلى الله عليه وسلم: {ما بعث الله من نبي إلا أنذر أمته، أنذره نوح والنبيون من بعده، وإنه يخرج فيكم فما خفي عليكم من شأنه فليس يخفى عليكم أن ربكم ليس على ما يخفى عليكم ـ ثلاثاً ـ إن ربكم ليس بأعور، وإنه أعور عين اليمنى كأن عينه عنبة طافية. ألا إن الله حرّم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد ـ ثلاثاً ـ ويلكم أو ويحكم انظروا لاترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض} وذكر في بعض الروايات قصة ابن صياد رواه البخاري.
وعند مسلم والترمذي زيادة {تعلمون أنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت} .
وفي رواية قال: {إني أنذركموه، وما من نبي إلا وقد أنذره قومه، ولقد أنذره نوح قومه ولكني سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه: تعلمون أنه أعور وإن الله ليس بأعور} رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وفي رواية عنده {ألا إن ربكم ليس بأعور ألا وإنه أعور} وفي رواية قال: {إن ربكم ليس بأعور} وذكر الدجال. وفي رواية {إن الله لا يخفى عليكم إن الله ليس بأعور وأشار بيده إلى عينه} رواه البخاري بهذه الألفاظ.
798 -
(397) حديث أنس رضي الله عنه:
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ما بعث الله من نبي إلا أنذر قومه الأعور الكذاب إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور مكتوب بين عينيه كافر} أخرجه البخاري ومسلم وعنده: {ك ف ر} . وأبو داود بنحوه، والترمذي وعنده {ك ف ر} .
799 -
(398) حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:
وفي أوله {يخرج الدجال فيتوجه قبله رجل من المؤمنين فتلقاه المسالح مسالح الدجال، فيقولون له: أين تعمد؟ فيقول: أعمد إلى هذا الذي خرج، قال: فيقولون له: أو ما تؤمن بربنا؟ فيقول: ما بربنا خفاء} وذكر قصة ذلك الرجل، ثم قال:{هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين} أخرجه مسلم.
800 -
حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه:
قوله صلى الله عليه وسلم: {إني قد حدثتكم عن الدجال حتى خشيت أن لاتعقلوا
…
} وفيه {فإن ألبس عليكم فاعلموا أن ربكم ليس بأعور} اخرجه أبو داود.
801 -
حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه:
قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أكثر خطبته حديثاً حدثناه عن الدجال وحذرناه فكان من قوله أن قال: {إنه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال وإن الله لم يبعث نبياً إلا حذر أمته الدجال} الحديث وفيه {إنه يبدأ فيقول: أنا نبي ولا نبي بعدي ثم يثني فيقول: أنا ربكم. ولاترون ربكم حتى تموتوا وإنه أعور وإن ربكم ليس بأعور} وهو حديث طويل وفيه ذكر عيسى بن مريم عليه السلام، أخرجه ابن ماجه.
802 -
(399) حديث بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حذّر الناس الدجال: {إنه مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه من كره عمله أو يقرؤه كل مؤمن، وقال: تعلَّموا أنه لن يرى أحدكم ربه عز وجل حتى يموت} رواه مسلم والترمذي.
التخريج:
خ: كتاب الجهاد: باب كيف يعرض الإسلام على الصبي (4/ 86)(الفتح 6/ 172)
كتاب الأنبياء: باب قول الله تعالى: {إنا أرسلنا نوحاً إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم} (4/ 162، 163)(الفتح 6/ 370)
باب قول الله {واذكر في الكتاب مريم} (4/ 202، 203)(الفتح 6/ 477)
كتاب المغازي: باب حجة الوداع (5/ 223)(الفتح 8/ 106)
كتاب الأدب: باب قول الرجل للرجل اخسأ (8/ 50)(الفتح 10/ 561)
كتاب الفتن: باب ذكر الدجال (9/ 75، 76)(الفتح 13/ 90، 91)
كتاب التوحيد: باب قول الله تعالى: {ولتصنع على عيني} (9/ 148)(الفتح 13/ 389).
م: كتاب الإيمان: ذكر عيسى بن مريم عليه السلام والمسيح الدجال (2/ 235، 236)
كتاب الفتن: باب ذكر ابن صياد (18/ 53 - 56)
ثم باب ذكر الدجال (18/ 58 - 63، 72، 73).
د: كتاب الملاحم: باب خروج الدجال (4/ 113، 114)
كتاب السنة: باب في الدجال (4/ 241، 242).
ت: كتاب الفتن: باب ما جاء في علامة الدجال (4/ 508)
ثم باب ما جاء في صفة الدجال (4/ 514، 516) وقال في حديث ابن عمر ـ من رواية سالم عنه ـ: حسن صحيح، وفي رواية عبيد الله بن عمر عن نافع: صحيح غريب، وفي نسخة (تحفة الأحوذي 6/ 510): حسن صحيح غريب
حديث أنس: في باب ما جاء في قتل عيسى بن مريم الدجال (4/ 516) وقال: حسن صحيح، وفي نسخة (تحفة الأحوذي 6/ 514) قال: صحيح.
جه: كتاب الفتن: باب فتنة الدجال وخروج عيسى بن مريم وخروج يأجوج ومأجوج. (2/ 1356 - 1363)
شرح غريبه:
كأن عينه عنبة طافية: هي الحبة الكبيرة التي خرجت عن حد نبتة أخواتها في العنقود يريد أن حدقته قائمة كذلك (أعلام الحديث 3/ 1559)، (النهاية/طفا/3/ 130). طافية أو طافئة: بارزة، وبالهمز أي ذهب ضؤوها (الفتح 13/ 97)
واختلفت الروايات في وصف عينيه حيث جاء في رواية أنه أعور اليمنى وفي أخرى أعور اليسرى: وسلك بعض العلماء مسلك الجمع بينهما فذكر القاضي عياض أن إحدى عينيه مطموسة ممسوخة هي
العوراء الطافئة ـ بالهمز ـ وهي اليمنى، والأخرى جاحظة كأنها كوكب، وكأنها نخاعة وهي الطافية وهي اليسرى فكلاهما عوراء إحداهما بذهابها، والأخرى بعيبها (شرح النووي 2/ 235). واستبعد القرطبي هذا الجمع وعده تكلفاً (شرح الأبي 7/ 266).
وأشار ابن عبد البر إلى ترجيح ما اتفق عليه الشيخان من حديث ابن عمر أنه أعور العين اليمنى (تحفة الأحوذي 6/ 509)، (الفتح 13/ 97، 98) وفيه أقوال أخرى ذكرها القاري في: (المرقاة 9/ 377).
مسالح الدجال: جمع مسلحة وهم القوم الذين يحفظون الثغور من العدو، وسموا مسلحة؛ لأنهم يكونون ذوي سلاح، أو لأنهم يسكنون المسلحة وهي كالثغر (النهاية/سلح/2/ 388).
الفوائد:
(1)
الأحاديث حجة لأهل الحق في صحة وجود الدجال وأنه شخص بعينه ابتلى الله به عباده، وأقدره على أشياء من مقدورات الله تعالى، ثم يعجزه الله تعالى، ويبطل أمره ويقتله عيسى عليه السلام (شرح النووي 18/ 58).
(2)
التنبيه إلى صفة الدجال، وأنه ناقص الصورة؛ ليعلمه السامعون ويعلّموه الناس لئلا يغتر بالدجال من يرى تخييلاته وما معه من الفتنة فإن في نقصه تنبيهاً للعقول القاصرة؛ لأن من عجز عن إزالة نقصه فهو عن غيره أعجز فلا يصلح للألوهية. (شرح النووي 3/ 226)
(3)
إنذار الأنبياء أقوامهم لعظم فتنته بما يظهر على يديه من الفتن ولما لم يعين لواحد منهم زمن خروجه توقع كل منهم أن يخرج في زمن أمته، فبالغ في التحذير منه فيجب الإيمان بخروجه، والعزم على معاداته وصدق اللجأ إلى الله تعالى في الحفظ منه.
(4)
أنه مكتوب بين عينيه حقيقة جعله الله سبحانه وتعالى علامة من جملة العلامات الدالة على كفره يظهرها الله لكل مؤمن يقرؤها كاتب أو غير كاتب، ويدل على أن الكَتْب حقيقة قوله في الرواية الأخرى:{مكتوب بين عينيه ك ف ر} فإنه تحقيق للكتب فذكر الحروف يدل على الكتب حقيقة لامجازاً ولا كناية (شرح الأبي 7/ 261، 262، 266) وهي من العلامات القاطعة بكفره وكذبه وإبطاله يظهرها الله تعالى لكل مسلم ويخفيها عمن أراد شقاوته وفتنته (شرح النووي 18/ 60). وهذا بيان من الله لكذبه ونقصه، وأنه مفضوح عند خلقه في وجهه أن ما كتب بين عينيه يراه المؤمن بعين بصيرته ولا يراه الكافر ولا المفتون، كما يرى المؤمن بعين بصيرته الأدلة ولا يراها الكافر. وفيه أن الله يخلق الإدراك لغير الكاتب دون تعليم؛ لأن ذلك زمان خرق العادات في هذا وغيره (العارضة 9/ 82، 83).
(5)
وصف النبي صلى الله عليه وسلم الدجال بأنه أعور مع أن ظهور دلائل الحدوث والنقص عليه أبين من أن يستدل عليه بأنه أعور، وذلك لما وقعت فيه النصارى والحلولية ممن يجوز ظهور الرب في البشر أو يقول أنه هو البشر، والرسول صلى الله عليه وسلم بعث رحمة للعالمين فاستدل بالعور دليلاً على انتفاء الإلهية عنه (مجموع الفتاوى 2/ 476، 3/ 392).
(6)
إثبات رؤية الله تعالى في الآخرة (التوحيد لابن خزيمة 1/ 443) وأن كل من ادعى إنه يرى ربه بعينه قبل الموت فدعواه باطلة باتفاق أهل السنة والجماعة؛ لأن أحداً من المؤمنين لايرى ربه بعيني رأسه حتى يموت (مجموع الفتاوى 3/ 389).
(7)
إثبات العين لله جل وعلا (التوحيد 1/ 96) والحديث صريح بأنه ليس المراد إثبات عين واحدة {إن ربكم ليس بأعور} فإن ذلك عور ظاهر تعالى الله عنه (مختصر الصواعق 1/ 26) بل فيه إثبات العينين لله تعالى اللتين ينظر بهما إلى ما يريد ولا يحجب نظره حاجب سبحانه، ويزيد ذلك وضوحاً إشارته صلى الله عليه وسلم إلى عينيه لتحقيق الوصف يعني أن لله عينين سالمتين من كل عيب كاملتين بخلاف الدجال الفاقد لإحدى عينيه وذلك من أعظم الأدلة على كذبه (شرح التوحيد 1/ 283 ـ 285).