الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحاديث القسم بقول: {والذي نفسي بيده}
(أ) الأحاديث الواردة في الصحيحين أو أحدهما
ثبت ذكر اليد في قسمه صلى الله عليه وسلم {والذي نفسي بيده} في أحاديث كثيرة، فهو قسم كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يقسم به والمعنى: أن أمر نفوس العباد بيد الله أي بتقديره وتدبيره، وأنه سبحانه مالكها والمتصرف فيها، وفيه إثبات اليد لله سبحانه على الوجه الذي يليق به كالقول في سائر الصفات، وهو سبحانه منزه عن مشابهة المخلوقات في كل شيء وموصوف بصفات الكمال اللائق به (1).
وسأورد بإذن الله تعالى جميع الأحاديث التي وقفت عليها في الكتب الستة مما أقسم فيه صلى الله عليه وسلم بذلك:
714 -
(348) حديث أبي هريرة، وزيد بن خالد الجهني معاً رضي الله عنهما:
أن رجلاً زنى ابنه بامرأة رجل ـ وكان الشاب أجيراً عنده ـ فافتدى الأب من زوج المرأة بمائة شاة وخادم، ثم سأل رجالاً من أهل العلم، فأخبروه أن على ابنه جلد مائة وتغريب عام، وعلى المرأة الرجم. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:{والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله جل ذكره} وحكم برد المائة شاة والخادم، وبجلد الابن ويغرَّب عاماً، وأرسل أحد الصحابة إلى المرأة وقال:{إن اعترفت فارجمها} فاعترفت فرجمها. رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي. وجاء في بعض الروايات بدون القسم.
التخريج:
خ: كتاب الشروط: باب الشروط التي لاتحل في الحدود (3/ 250)(الفتح 5/ 323، 324)
كتاب الحدود: باب الاعتراف بالزنا (8/ 207، 208)(الفتح 12/ 137)
باب من أمر غير الإمام بإقامة الحد غائباً عنه
ثم باب إذا رمى امرأته أو امرأة غيره بالزنا عند الحاكم والناس هل على الحاكم أن يبعث إليها فيسألها عما رميت به؟ (8/ 214)(الفتح 12/ 172)
كتاب أخبار لآحاد: باب ماجاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام (9/ 110)(الفتح 13/ 233)
وانظر كتاب الصلح: باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود (3/ 241)(الفتح 5/ 301)
كتاب الأحكام: باب هل يجوز للحاكم أن يبعث رجلاً وحده للنظر في الأمور؟ (9/ 94)(الفتح 13/ 185).
م: كتاب الحدود: حد الزنا (11/ 205 - 207) وفي نسخة (شرح الأبي 4/ 458): كتاب الرجم: حديث الذي زنا بامرأة من استأجره.
د: كتاب الحدود: باب المرأة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمها من جهينة (4/ 151).
(1) (الفتح مع تعليق ابن باز 2/ 129.
ت: كتاب الحدود: باب ما جاء في الرجم على الثيب (4/ 39، 40) وقال: حسن صحيح.
س: كتاب آداب القضاة: صون النساء عن مجلس الحكم (8/ 240 - 242).
جه: كتاب الحدود: باب حد الزنا (2/ 852).
الفوائد:
(1)
أن كل شرط وقع في رفع حد من حدود الله فهو باطل، وكل صلح وقع فيه فهو مردود (الفتح 5/ 324) وأن الصلح المبني على غير الشرع يرد ويعاد المال المأخوذ فيه (الفتح 12/ 141) وقد ترجم له البخاري في كتاب الصلح: إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود (5/ 301).
(2)
جواز القسم على الأمر لتأكيده. وجواز الحلف بغير استحلاف (الفتح 12/ 140).
(3)
أن من أقر بالحد وجب على الإمام إقامته عليه ولو لم يعترف مشاركه بذلك.
(4)
أن المخدرة التي لاتعتاد البروز لاتكلف الحضور لمجلس الحكم بل يجوز أن يرسل إليها من يحكم لها وعليها.
(5)
الحث على إبعاد الأجنبي من الأجنبية مهما أمكن؛ لأن العشرة قد تفضي إلى الفساد ويتسور بها الشيطان إلى الإفساد؛ فإن ذلك الشاب إنما وقع له ذلك لطول الملازمة لا لكونه مشهوراً بالعهر.
(6)
جواز استئجار الحر، وجواز إجارة الأب ولده الصغير لمن يستخدمه إذا احتاج لذلك. (الفتح 12/ 141، 142).
(7)
توكيل الحاكم على إقامة الحدود (العارضة 6/ 208) وجواز الاستنابة في إقامة الحد (شرح الأبي 4/ 461).
(8)
استدل به على جواز استفتاء غير النبي صلى الله عليه وسلم في زمنه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر ذلك عليه وفيها خلاف. (شرح النووي 11/ 206، 207)
715 -
(349) حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
في خروجهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر وأن غلاماً يقال له مِدْعم كان يحط رحلاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سهم فقتله فقال الناس: هنيئاً له الجنة، وفي لفظ الشهادة، فقال صلى الله عليه وسلم:{كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه ناراً} رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
التخريج:
خ: كتاب المغازي: باب غزوة خيبر (5/ 175، 176)(الفتح 7/ 487، 488)
كتاب الأيمان والنذور: باب هل يدخل في الأيمان والنذور الأرض والغنم والزرع والأمتعة؟ (8/ 179)(الفتح 11/ 592).
م: كتاب الإيمان: باب غلظ تحريم الغلول، وأنه لايدخل الجنة إلا المؤمنون (2/ 127 - 129).
د: كتاب الجهاد: باب في تعظيم الغلول (3/ 68).
س: كتاب الأيمان والنذور: هل تدخل الأرضون في المال إذا نذر؟ (7/ 24).
شرح غريبه:
الشملة: كساء يُتغطى به ويلتفف فيه (النهاية/شمل/2/ 501)
الرحل: مركب الرجل على البعير (شرح النووي 2/ 129) فالرحل الذي تركب عليه الإبل (النهاية/رحل 2/ 209)
وقوله يحط رحلاً: أي يضعه عن ظهر مركوبه (العون 7/ 379).
الفوائد:
(1)
جواز الحلف بالله من غير استحلاف.
(2)
غلظ تحريم الغلول، وأنه يمنع من إطلاق اسم الشهادة على من غلَّ إذا قُتل (شرح النووي 2/ 130).
(3)
أن القليل والكثير من الغلول سواء وأنه لايحرق متاع الغال، إذ لم يُذكر ذلك (شرح الأبي 1/ 224)
716 -
(350) حديث عائشة رضي الله عنها:
في المرأة التي سرقت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ففزع قومها يستشفعون أسامة بن زيد، فكلم الرسول صلى الله عليه وسلم فيها، فتلون وجهه، وأنكر عليه، ثم خطب في الناس فأثنى على الله بما هو أهله وقال:{ثم أما بعد فإنما أهلك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها} ثم أمر بتلك المرأة فقطعت يدها فحسنت توبتها بعد ذلك، وتزوجت. رواه البخاري في موضع بهذا اللفظ وفي آخر بنحوه،
ورواه مسلم بنحوه والنسائي بلفظه، وابن ماجه بنحوه وهو عنده من رواية مسعود بن الأسود بسند ضعيف.
وجاء في رواية قوله صلى الله عليه وسلم: {وايم الله لو أن فاطمة
…
} رواه الجماعة.
التخريج:
خ: كتاب المغازي: باب رقم (53) بعد باب مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة زمن الفتح (5/ 192، 193)(الفتح 8/ 24، 25)
كتاب الحدود: باب إقامة الحد على الشريف والوضيع
ثم باب كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان وفيه: {وايم الله} (8/ 199)(الفتح 12/ 86، 87).
م: كتاب الحدود: باب قطع السارق الشريف وغيره، والنهي عن الشفاعة في الحدود (11/ 187).
س: كتاب قطع السارق: ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر الزهري في المخزومية التي سرقت (8/ 73 - 75).
جه: كتاب الحدود: باب الشفاعة في الحدود (2/ 851، 852). وحديث مسعود بن الأسود قال عنه في (الزوائد/ 347): إسناده ضعيف؛ لتدليس محمد بن إسحاق وله شاهد في الكتب الستة من حديث عائشة رضي الله عنها، وانظر:(مصباح الزجاجة 3/ 105).
وانظر: د: كتاب الحدود: باب الحد يشفع فيه (4/ 130).
ت: كتاب الحدود: باب ماجاء في كراهية أن يشفع في الحدود (4/ 38) وقال: حديث عائشة حسن صحيح.
الفوائد:
(1)
فيه النهي عن الشفاعة في الحدود وأن ذلك هو سبب هلاك بني إسرائيل.
(2)
فيه منقبة ظاهرة لأسامة بن زيد رضي الله عنه.
(3)
جواز الحلف من غير استحلاف إذا كان فيه تفخيم لأمر مطلوب (شرح النووي 11/ 186، 187).
(4)
أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ابنته فاطمة رضي الله عنها؛ لأنها أعز أهله عنده، ولأنه لم يبق حينئذ من بناته غيرها فأراد المبالغة في إثبات إقامة الحد على كل مكلف، وترك المحاباة في ذلك، ولأن اسم السارقة وافق اسمها رضي الله عنها فناسب أن يضرب المثل بها، وفيه جواز ضرب المثل بالكبير القدر للمبالغة في الزجر عن الفعل. كما أن فيه ترك المحاباة في إقامة الحد على من وجب عليه ولو كان ولداً أو قريباً أو كبير القدر، والتشديد في ذلك، والإنكار على من رخص فيه، أو تعرض للشفاعة فيمن وجب عليه.
(5)
الاعتبار بأحوال من مضى من الأمم ولا سيما لمن خالف أمر الشرع (الفتح 12/ 95، 96).
حديث أبي هريرة، وجابر بن سمرة رضي الله عنهما:
717 -
(351) حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده. والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله} رواه البخاري ومسلم والترمذي
718 -
(352) حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه:
بلفظ حديث أبي هريرة وقدم ذكر قيصر في روايته، رواه البخاري ومسلم.
التخريج:
خ: كتاب فرض الخمس: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: {أحلت لكم الغنائم} (4/ 104)(الفتح 6/ 219)
كتاب المناقب: باب علامات النبوة في الإسلام (4/ 246)(الفتح 6/ 625)
كتاب الأيمان والنذور: باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم (8/ 160)(الفتح 11/ 523).
م: كتاب الفتن وأشراط الساعة (18/ 41، 42).
ت: كتاب الفتن: باب ما جاء إذا ذهب كسرى فلا كسرى بعده (4/ 497) وقال: حسن صحيح.
شرح غريبه:
كسرى: لقب لكل من ولي مملكة الفرس.
قيصر: لقب لكل من ولي مملكة الروم (الفتح 6/ 625).
وذكر النووي قول الشافعي وسائر العلماء معناه: لايكون كسرى بالعراق، ولا قيصر بالشام كما كان في زمنه صلى الله عليه وسلم، فأعلمنا صلى الله عليه وسلم بانقطاع ملكهما في هذين الإقليمين فكان كما قال صلى الله عليه وسلم: فأما كسرى فانقطع ملكه وزال بالكلية من جميع الأرض، وتمزق ملكه كل ممزق، واضمحل بدعوة الاسلام، وأما قيصر فانهزم من الشام، ودخل أقاصي بلاده فافتتح المسلمون بلادهما واستقرت للمسلمين، وأنفق المسلمون كنوزهما في سبيل الله (شرح النووي 18/ 42)، (أعلام الحديث 2/ 1447، 1448).
وقال ابن العربي: المعنى الأتم إذا هلك كسرى وقيصر فلا يكون بعدهما مثلهما وكذلك كان وهذا أتم وأعم في معناه (العارضة 9/ 62).
الفوائد:
(1)
فيه معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم (شرح النووي 18/ 42) وقد وقع ذلك فكان عمر رضي الله عنه هو الذي أنفق كنوزهما في سبيل الله (مجموع الفتاوى 25/ 304).
(2)
أن هذا الحديث يدل على صحة خلافة عمر رضي الله عنه، وأنه كان ينفق هذين الكنزين في سبيل الله الذي هو طاعته، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يقرب إلى الله، ولم ينفقه في أهواء النفوس رضي الله عنه (منهاج السنة 6/ 371، 372).
719 -
(353) حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
قوله صلى الله عليه وسلم: {والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويضع الجزية ويفيض المال حتى لايقبله أحد} وفي رواية: {حكماً عدلاً} وفي آخره: {حتى تكون السجدة الواحدة خيرـ أو خيراًـ من الدنيا وما فيها} رواه البخاري في مواضع، ورواه مسلم والترمذي. ورواه أبو داود وابن ماجه بنحوه بدون ذكر الشاهد، وكذا جاء في إحدى روايات البخاري ولفظه {لاتقوم الساعة حتى ينزل فيكم ابن مريم
…
} وجاء في لفظ عند مسلم: {والله لينزلن ابن مريم
…
}
التخريج:
خ: كتاب البيوع: باب قتل الخنزير (3/ 107)(الفتح 4/ 414)
وانظر: كتاب المظالم: باب كسر الصليب وقتل الخنزير (3/ 178)(الفتح 5/ 121)
كتاب أحاديث الأنبياء: باب نزول ابن مريم عليهما السلام (4/ 204، 205).
م: كتاب الإيمان: باب بيان نزول عيسى بن مريم حاكماً بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم (2/ 189 ـ 192).
ت: كتاب الفتن: باب ماجاء في نزول عيسى بن مريم عليهما السلام (4/ 506، 507) وقال: حسن صحيح.
وانظر: د: كتاب الملاحم: باب خروج الدجال (4/ 115) حيث جاء في آخره {ويهلك المسيح
الدجال}.
جه: كتاب الفتن: باب فتنة الدجال وخروج عيسىبن مريم (2/ 1363).
الفوائد:
(1)
فيه الحلف في الخبر مبالغة في تأكيده (الفتح 6/ 491) وبالقسم تحقيق لنزوله عليه السلام (مكمل السنوسي 1/ 265).
(2)
فيه توبيخ عظيم للنصارى الذين يدّعون أنهم على طريقة عيسى عليه السلام، ثم يستحلون أكل الخنزير، ويبالغون في محبته (الفتح 4/ 414).
(3)
نزول عيسى عليه السلام حاكماً بهذه الشريعة، وهي باقية لاتنسخ فيكون حاكماً من حكام هذه الأمة (العارضة 9/ 76)، (شرح النووي 2/ 190).
(4)
تحريم اقتناء الخنزير، وتحريم أكله وأنه نجس؛ لأن الشيء الطاهر المنتفع به لايشرع إتلافه (أعلام الحديث 3/ 1562).
(5)
كثرة المال؛ لنزول البركات، وتوالي الخيرات بسبب العدل وعدم الظلم وحينئذ تخرج الأرض كنوزها، وتقل الرغبات في المال، وتكثر الرغبة في الطاعات؛ لقصر آمالهم ولعلمهم بقرب الساعة (شرح النووي 2/ 191)(شرح الأبي 1/ 266).
(6)
أن نزول عيسى عليه السلام علم من أعلام الساعة (شرح النووي 2/ 191) وأن الدين في ذلك الوقت يصير واحداً وهو دين الإسلام فلا يبقى ذمي يؤدي الجزية (أعلام الحديث 3/ 1562، 1563).
720 -
(354) حديث أبي موسي رضي الله عنه:
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {تعاهدوا القرآن فو الذي نفسي بيده لهو أشد تفصياً من الإبل في عقلها} رواه البخاري وعند مسلم: {نفس محمد
…
تفلتاً}.
721 -
حديث ابن مسعود رضي الله عنه:
قوله صلى الله عليه وسلم: {بئس مالأحدهم أن يقول: نسيت آية كيت وكيت بل هو نسي فاستذكروا القرآن فو الذي نفسي بيده لهو أشد تفصياً من صدور الرجال من النعم من عَقْله} رواه الترمذي وهو عند البخاري ومسلم بدون القسم.
التخريج:
خ: كتاب فضائل القرآن: باب استذكار القرآن وتعاهده (6/ 238)(الفتح 9/ 79)
وانظر: باب نسيان القرآن، وهل يقول نسيت آية كذا وكذا؟ (6/ 238)(الفتح 9/ 85).
م: كتاب صلاة المسافرين وقصرها: باب فضائل القرآن والأمر بتعهده (6/ 76 - 78).
ت: كتاب القراءات: باب (10)(5/ 193) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
شرح غريبه:
تفصياً: خروجاً يقال تفصيت من الأمر تفصياً إذا خرجت منه وتخلصت. (النهاية /فصا/3/ 452). وكل شيء كان لازماً للشيء ففصل منه قيل: تفصى منه كما يتفصى الإنسان من البلية أي يتخلص منها (المعلم 1/ 306).
تفلتاً: التفلت، والإفلات، والانفلات: التخلص من الشيء فجأة من غير تمكث (النهاية/فلت/3/ 467).
عُقُلها: ـ بضم العين والقاف، ويجوز إسكان القاف ـ جمع عقال ككتاب وكتب (شرح النووي 6/ 77). والعقال: الحبل الذي يعقل به البعير (النهاية /عقل /3/ 280).
تعاهدوا: التعاهد والتعهد: الاحتفاظ بالشيء والملازمة له (المشارق/عهد /2/ 104).
الفوائد:
(1)
فيه الحث على تعاهد القرآن وتلاوته، والحذر من تعريضه للنسيان (النووي 6/ 77).
(2)
أن الذي يداوم على تلاوة القرآن يذل له لسانه، وتسهل عليه قراءته فإذا هجره ثقلت عليه القراءة، وشقت عليه. وقد شبه الرسول صلى الله عليه وسلم درس القرآن بربط البعير الذي يخشي منه الشراد فما زال التعاهد موجوداً فالحفظ موجود كما أن البعير ما دام مشدوداً بالعقال فهو محفوظ. وتخصيص الإبل بالذكر؛ لأنها أشد الحيوان الإنسي نفوراً وفي تحصيلها بعد استمكان نفورها صعوبة (الفتح 9/ 79).
(3)
ذم قول الرجل: نسيت آية كيت وكيت؛ لما فيه من الإشعار بعدم الاعتناء بالقرآن إذ لايقع النسيان إلا بترك التعاهد، وكثرة الغفلة فقوله شهادة على نفسه بالتفريط، وقيل غير ذلك ورجح ابن حجر القول الأول وأيده بعطفه على النهي الأمر باستذكار القرآن (الفتح 9/ 81).
(4)
ضرب الأمثال لإيضاح المقاصد، والقسم عند الخبر المقطوع بصدقة مبالغة في تثبيته في صدور سامعيه (الفتح 9/ 83).
(5)
أن الزجر ليس عن اللفظ؛ لثبوت قوله صلى الله عليه وسلم في آية: {كنت أنسيتها} بل الزجر عن تعاطي أسباب النسيان المقتضية لقول هذا اللفظ، فإذا نشأ النسيان عن اشتغاله بأمر ديني لم يمتنع قول ذلك وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم بخلاف من نشأ نسيانه عن اشتغاله بأمر دنيوي ـ ولاسيما إذا كان محظوراً ـ (الفتح 9/ 85)
وقيل: النهي عن اللفظ على كراهة التنزيه فيقول أنسيتها ولايقول نسيتها لما فيها من التساهل والتغافل عنها (شرح النووي 6/ 76).
وقيل: الذم للحال لا للقول، أي بئس الحال حال من حفظ القرآن وغفل عنه حتى نسيه وصار يقول: نسيت وهو لم ينسه من قبل نفسه، وإنما أنساه الله تعالى عقوبة له على غفلته عنه وهو اختيار القاضي عياض. (شرح الأبي 2/ 408، 409)
ثبت فيه حديث أبي سعيد الخدري، وورد حديث أبي هريرة رضي الله عنهما:
722 -
(255) حديث أبي سعيد رضي الله عنه:
عن النبي صلى الله عليه وسلم: {إن أهل الجنة يتراءيون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءيون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب؛ لتفاضل ما بينهم، قالوا: يارسول الله تلك منازل الأنبياء لايبلغها غيرهم؟ قال: بلى، والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله، وصدقوا المرسلين} رواه البخاري بلفظه ومسلم بنحوه.
723 -
حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
نحو حديث أبي سعيد رضي الله عنه، وفيه:{قالوا: يارسول الله أولئك النبيون؟ قال: بلى، والذي نفسي بيده وأقوام آمنوا بالله ورسوله، وصدقوا المرسلين} أخرجه الترمذي.
ورواه البخاري مختصراً من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه بدون الشاهد،
وكذا من حديث أبي سعيد رضي الله عنه وفيه: {الغارب في الأفق الشرقي والغربي}
التخريج:
خ: كتاب بدء الخلق: باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة (4/ 144، 145)(الفتح 6/ 320)
وانظر: كتاب الرقاق: باب صفة الجنة والنار (8/ 143)(الفتح 11/ 416) وفيه {الكوكب الغارب} .
م: كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها (17/ 169).
ت: كتاب صفة الجنة: باب ما جاء في ترائي أهل الجنة في الغرف (4/ 690) قال: هذا حديث حسن صحيح.
شرح غريبه:
يتراءيون: وفي لفظ {يتراءون} ، وفي لفظ {يرون} (الفتح 6/ 327)، أي ينظرون ويرون (النهاية/رأى/2/ 177) وفي قوله:{يتراءيون} معنى التكلف (العمدة 15/ 159).
الكوكب الدري: هو النجم الشديد الإضاءة، أو العظيم المقدار (الفتح 6/ 327). الدرئ ـ بالهمز ـ من درأ إذا دفع؛ لاندفاعه وخروجه عند طلوعه، وبدون الهمزة من الدر بنوره (المشارق 1/ 255).
الغابر: البعيد، ويقال الذاهب الماضي كما في رواية {الغارب} فإنه الداخل في الغروب، وجاء الغابر بالمهملة (المشارق 1/ 127).
الفوائد:
(1)
فيه تفاوت درجات أهل الجنة (الفتح 11/ 425).
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: حدث هنا في النسخة الورقية تكرار لكثير من الصفحات، فحذفناها، لهذا تجد فارقا في رقم هذه الصفحة عن التي قبلها
(2)
أن في الجنة غرفاً مبنية بناءً حقيقة لئلا تتوهم النفوس أن ذلك تمثيل بل تتصور النفوس غرفاً مبنية كالعلالي بعضها فوق بعض حتى كأنها تنظر إليها عياناً فهي منازل مرتفعة (حادي الأرواح /96).
(3)
أن أهل الجنة ينظرون إلى من فوقهم علىتفاوت منازلهم كما ينظر من في الأرض إلى دراري السماء فيقولون هذا فلان كما يقال هذا المشتري وهذا الزهرة (شرح الأبي 7/ 211).
(4)
أن تلك المنازل لرجال آمنوا بالله حق إيمانه، وصدقوا الرسل حق التصديق (شرح الأبي 7/ 211)
…
وقال الكرماني: المصدقون بجميع الرسل ليسوا إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيبقى مؤمنو سائر الأمم في الباقية (شرح الكرماني 13/ 190) ويحتمل: أنهم ناس مخصوصون موصوفون بالصفة المذكورة ولا يلزم أن يكون كل من وصف بها كذلك؛ لاحتمال أن يكون لمن بلغ تلك المنازل صفة أخرى (تحفة الأحوذي 7/ 273).
724 -
(356) فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
في قصة سليمان بن داود عليهما السلام حين أقسم أن يطوف على ستين ـ وفي رواية سبعين امرأة، وفي رواية تسعين، وفي أخرى مائة أو تسع وتسعين ـ فتأتي كل منهن بفارس يجاهد في سبيل الله تعالى، ولم يستثن عليه السلام، فقال رسو ل الله صلى الله عليه وسلم:{وايم الذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون} رواه البخاري ومسلم والنسائي.
وجاء في رواية عند البخاري {والذي نفس محمد بيده
…
} الحديث.
وخلت بعض الروايات من الشاهد وفي بعضها: أن الملَك قال له: قل إن شاء الله، فلم يقل ونسي.
التخريج:
خ: كتاب الجهاد: باب من طلب الولد للجهاد (4/ 27)(الفتح 6/ 34)
كتاب الأيمان والنذور: باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم (8/ 162، 163)(الفتح 11/ 524)
وانظر: كتاب الأنبياء: باب قوله تعالى: {ووهبنا لداود سليمان} (4/ 197)(الفتح 6/ 458)
كتاب النكاح: باب قول الرجل: لأطوفن الليلة على نسائه ـ وفي نسخة نسائي ـ (7/ 50)(الفتح 9/ 339)
كفارات الإيمان: باب الاستثناء في الأيمان (8/ 182)(الفتح 11/ 602)
كتاب التوحيد: باب في المشيئة والإرادة (9/ 169)(الفتح 13/ 446، 447).
م: كتاب الإيمان: باب الاستثناء في اليمين وغيرها (11/ 121).
س: كتاب الأيمان والنذور: إذا حلف فقال له الرجل إن شاء الله هل له استثناء؟ (7/ 25، 26).
الفوائد:
(1)
في الحديث تنبيه على آفة التمني والإعراض عن التفويض، وما حصل من سليمان عليه السلام أنه قال ذلك على سبيل التمني للخير وجزم به؛ لأنه غلب عليه الرجاء لكونه قصد به الخير وأمر الآخرة لا لغرض الدنيا ومن ثم نسي الاستثناء؛ ليمضي فيه القدر ولم يقل: إن شاء الله بلسانه لا أنه أبي التفويض إلى الله بل كان ذلك ثابتاً في قلبه عليه السلام (الفتح 6/ 461)(شرح النووي 11/ 120).
(2)
فيه فضيلة فعل الخير وتعاطي أسبابه، وأن كثيراً من المباح والملاذ يصير مستحباً بالنية والقصد.
(3)
استحباب الاستثناء لمن قال: سأفعل كذا لقوله تعالى: {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله} [الكهف: 23، 24] ولهذا الحديث، وأن إتباع المشيئة اليمين يرفع حكمها، وهو متفق عليه بشرط الاتصال. وأن الاستثناء لايكون إلا باللفظ ولاتكفي فيه النية وهو اتفاق إلا ما حكي عن بعض المالكيه (شرح النووي 11/ 118 - 120)، (الفتح 6/ 461، 462)، (شرح الأبي 4/ 378، 379).
(4)
جواز السهو على الأنبياء وأن ذلك لايقدح في علو منصبهم. واستدل على جواز إضافة ايم إلى غير لفظ الجلالة، وأجيب بأنه نادر (الفتح 6/ 462، 11/ 529)(شرح الأبي 4/ 380).
(5)
جواز قول لو ولولا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: {لو قال: إن شاء الله} وقد جاء في القرآن كثيراً وفي كلام الصحابة والسلف ويؤخذ منها: أنه يجوز استعمالهما فيما يكون للاستقبال مما امتنع من فعله لامتناع غيره فهو من باب الممتنع من فعله لوجود غيره، ولايجوز استعمالها في الماضي والمنقضي أو ما فيه اعتراض على الغيب والقدر السابق (شرح النووي 11/ 122، 123)(شرح الأبي 4/ 376).
(6)
فيه أنه ليس لأحد مهما ملك من الأسباب أن يخرج عن مشيئة الله تعالى سواء كان نبياً أو ملكاً أو غير ذلك فمشيئة الله النافذة في كل شيء، ومشيئة الخلق مقيدة بها لايعملون شيئاً، ولايتم لهم إلا أن يشاء الله تعالى.
(7)
قدرة الله تعالى على تغيير الواقع إلى ضده. وما علم تعالى أنه لايكون، وما يمتنع صدوره عنه فلعدم إرادته لالعدم قدرته عليه كما قال تعالى:{ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها} [السجدة: 13] ونحو ذلك مما يبين أنه تعالى لو شاء أن يفعل أموراً لم تكن بل كان خلافها لفعل فدل ذلك على أنه قادر على ما علم أنه لايكون وامتناعه لعدم مشيئة الرب تعالى له لالكونه ممتنعاً في نفسه ولالكونه سبحانه غير قادر عليه (شرح التوحيد 2/ 269، 270).
ويتعلق بهذا الحديث ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه رأى الجنة والنار:
725 -
(357) حديث أنس رضي الله عنه:
أنه صلى الله عليه وسلم خرج فصلى الظهر فلما سلم قام على المنبر فذكر الساعة
…
الحديث، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم:{والذي نفسي بيده لقد عُرضت عليّ الجنة والنار آنفاً في عرض هذا الحائط ـ وأنا أصلي ـ فلم أر كاليوم في الخير والشر} رواه البخاري تاماً ومختصراً، ورواه مسلم.
وثبت أنه صلى الله عليه وسلم رآهما في صلاة الكسوف في حديث جابر أنه بعد أن صلى بهم خطب خطبة قال فيها: {يا أيها الناس إنما الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وإنهما لاينكسفان لموت أحد من الناس، فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فصلُّوا حتى تنجلي، ما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه لقد جيء بالنار، وذلكم حين رأيتموني تأخرت مخافة أن يصيبني من لفحها} وذكر أموراً، ثم قال:{ثم جيء بالجنة وذلكم حين رأيتموني تقدمت حتى قمت في مقامي، ولقد مددت يدي وأنا أريد أن أتناول من ثمرها؛ لتنظروا إليه ثم بدا لي ألا أفعل} رواه مسلم.
726 -
(358) حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها:
بنحو حديث أنس وفيه {قد دنت مني الجنة حتى لو اجترأتُ عليها لجئتكم بقطاف من قطافها، ودنت مني النار حتى قلت: أي رب وأنا معهم؟ } رواه البخاري وابن ماجه.
727 -
حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه:
وفيه: {والذي نفس محمد بيده لقد أُدنيت الجنة مني حتى لو بسطت يدي لتعاطيت من قطوفها، ولقد أدنيت مني النار حتى لقد جعلت أتقيها خشية أن تغشاكم
…
} رواه النسائي، ورواه أبو داود مختصراً اقتصر على ذكر صلاته دون الخطبة.
التخريج:
خ: كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة: باب ما يكره من كثرة السؤال ومن تكلف مالا يعنيه (9/ 118)
…
(الفتح 13/ 265) وفيه حديث أنس.
كتاب الأذان: باب رقم 745 بعد باب ما يقول بعد التكبير (1/ 189، 190)(الفتح 2/ 231)
كتاب المساقاة: باب فضل سقي الماء (3/ 147)(الفتح 5/ 41) وفيهما حديث أسماء رضي الله عنها.
م: كتاب الكسوف (6/ 206 - 209) وفيه حديث جابر رضي الله عنه.
كتاب الفضائل: باب توقيره صلى الله عليه وسلم، وترك إكثار سؤاله صلى الله عليه وسلم عما لاضرورة إليه أو لايتعلق به تكليف وما لايقع ونحو ذلك (15/ 111 - 115) وفيه حديث أنس.
س: كتاب الكسوف: نوع آخر منه ـ أي من باب كيف صلاة الكسوف ـ (3/ 137 - 139).
القول في السجود في صلاة الكسوف (3/ 149).
وانظر د: كتاب الصلاة: باب من قال يركع ركعتين (1/ 309).
جه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها: باب ما جاء في صلاة الكسوف (1/ 402).
الفوائد:
(1)
عرض الجنة والنار عليه صلى الله عليه وسلم حقيقة بإزالة الحجب بينه وبينها وهذا الأولى والأشبه بألفاظ الحديث؛ لما فيه من الأمور الدالة على رؤية العين: كتناوله العنقود، وتأخره خشية أن يصيبه لفح النار (شرح الأبي 3/ 55).
(2)
فيه أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان اليوم (شرح النووي 6/ 207).
728 -
(359) حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {الصيام جُنَّة فلا يَرْفُث، ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه، فليقل: إني صائم ـ مرتين ـ والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها} رواه البخاري.
وفي رواية قوله: {قال الله: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابَّه أحد
…
} وزاد: {للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه} .
ورواه مسلم بلفظ: {قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، هو لي وأنا أجزي به، فوالذي نفس محمد بيده لخُلْفة فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك} وزاد في رواية ذكر الفرحتين للصائم.
ورواه النسائي بنحو رواية البخاري وفيه: {
…
جُنَّة من النار، فمن أصبح صائماً فلا يجهل يومئذ، وإن امرؤ جهل عليه فلا يشتمه ولا يسبه وليقل إني صائم} إلى قوله:{المسك} .
ورواه البخاري مختصراً بدون القسم بلفظ: {كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك} .
وفي أخرى قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربكم قال: {لكل عمل كفارة، والصوم لي وأنا أجزي به ولخلوف فم الصائم
…
}.
729 -
حديث علي رضي الله عنه:
بنحو لفظ حديث أبي هريرة مطولاً رواه النسائي.
730 -
حديث أبي سعيد رضي الله عنه:
بنحو لفظ حديث أبي هريرة كذلك رواه النسائي.
التخريج:
خ: كتاب الصوم: باب فضل الصوم (3/ 31)(الفتح 4/ 103)
باب هل يقول إني صائم إذا شُتم (3/ 34)(الفتح 4/ 118)
وانظر: كتاب اللباس: باب ما يذكر في المسك (7/ 311)(الفتح 10/ 368، 369)
كتاب التوحيد: باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وروايته عن ربه (9/ 192)(الفتح 13/ 512).
م: كتاب الصيام: باب فضل الصيام (8/ 29 - 32).
س: كتاب الصيام: فضل الصيام، والاختلاف على أبي إسحاق في حديث علي بن أبي طالب في ذلك (4/ 159 - 161)
ثم ذكر الاختلاف على أبي صالح في هذا الحديث (4/ 162 - 164)،
ثم ذكر الاختلاف على محمد بن أبي يعقوب في حديث أبي أمامة في فضل الصائم (4/ 167، 168).
شرح غريبه:
جُنة: الجنة: الوقاية أي يقي صاحبه ما يؤذيه من الشهوات (النهاية/جنن/1/ 308).
خلوف فم الصائم: وفي لفظ: {خِلْفة} الخلفة ـ بالكسر ـ تغير ريح الفم وأصلها في النبات أن ينبت الشيء بعد الشيء؛ لأنها رائحة حدثت بعد الرائحة الأولى، يقال: خلف فمه يُخلف خلفة وخلوفاً (النهاية/خلف/2/ 67).
الفوائد:
(1)
عظم فضل الصوم والحث عليه وكثرة ثوابه؛ لأن الكريم إذا أخبر بأنه يتولى بنفسه الجزاء اقتضى عظم قدر الجزاء وسعة العطاء.
(2)
نهي الصائم عن الرفث وهو السخف وفاحش الكلام، وليس هذا خاصاً بالصائم، بل كل أحد مثله في أصل النهي عن ذلك لكن الصائم آكد.
(3)
أخذ من الحديث أنه لابأس بإظهار نوافل العبادة من الصوم والصلاة وغيرهما إذا دعت إليه حاجة، ويستحب إخفاؤها إذا لم تكن حاجة، وقيل: إن كان الشخص في رمضان فشاتمه أحد فليقل بلسانه، وإن كان في غيره فليقل في نفسه، وفي تكرير قوله:{إني صائم} فائدة وهي أن يتأكد الانزجار منه أو ممن يخاطبه بذلك.
(4)
إضافة الصيام إلى الله تعالى، مع كون جميع الطاعات له سبحانه؛ قيل: لأن الصيام لم يعبد به غير الله تعالى، فلم يعظِّم الكفار في عصر من الأعصار معبوداً لهم بالصيام وإن كانوا يعظمونه بصورة الصلاة والسجود والصدقة والذكر وغير ذلك، وقيل: لبعد الصيام من الرياء لخفائه بخلاف العبادات الظاهرة، وقيل: لأن الصائم ليس له ونفسه فيه حظ، وهو يتضمن كسر النفس، وتعريض البدن للنقصان، والصبر على مضض الجوع والعطش وترك الشهوات.
(5)
أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وهذا يجب حمله على ظاهره على الوجه الذي يليق به تعالى دون حاجة إلى تأويل.
(6)
أن الصائم له فرحتان فرحة عند فطره وسببها تمام عبادته وسلامتها من المفسدات وما يرجوه من ثوابها مع زوال جوعه وعطشه، وما في الإفطار من معونة على مستقبل صومه، وفرحته عند لقاء ربه لما يراه من جزائه سبحانه وتذكر نعمة الله عليه بتوفيقه لذلك. (شرح النووي 4/ 28 - 32)، (الفتح 4/ 105 - 110، 118، 10/ 369، 370).
731 -
(360) حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: {والذي نفس محمد بيده لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً، ولضحكتم قليلاً} رواه البخاري، وفي رواية عنده عن عائشة بلفظ: {يا أمة محمد والله لو تعلمون
…
}.
732 -
(361) حديث أنس رضي الله عنه:
وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: {والذي نفس محمد بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً قلنا: ما رأيت يارسول الله، قال: رأيت الجنة والنار} رواه مسلم والنسائي.
ورواه البخاري عن أبي هريرة، وعن أنس رضي الله عنهما بدون الشاهد وفي إحداها زيادة: فغطَّى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم لهم حنين وفي لفظ: خنين.
التخريج:
خ: كتاب الأيمان والنذور: باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم (8/ 160، 162)(الفتح 11/ 523، 524)
وانظر كتاب الرقاق: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: {لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً} (8/ 127)(الفتح 11/ 319)
كتاب التفسير تفسير سورة المائدة: باب {لاتسألوا عن أشياء إن تبد لكم لكم تسؤكم} (6/ 68)(الفتح 8/ 280).
م: كتاب الصلاة: باب تحريم سبق الإمام بركوع أو سجود ونحوهما (4/ 150).
س: كتاب السهو: باب النهي عن مبادرة الإمام بالانصراف من الصلاة (3/ 83).
شرح غريبه:
حنين: أصل الحنين ترجيع الناقة صوتها إثر ولدها (النهاية/حنن/1/ 452) والخنين: ضرب من البكاء دون الانتحاب. وأصله: خروج الصوت من الأنف كالحنين من الفم (النهاية/خنن/2/ 85). وقال الخطابي: الخنين دون الحنين. والخنين ـ بالخاء المعجمة ـ من الأنف والحنين من الحلق والصدر (غريب الحديث 2/ 380).
الفوائد:
(1)
اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بمعارف بصرية وقلبية، وقد جمع الله له بين علم اليقين، وعين اليقين مع الخشية القلبية، واستحضار العظمة الإلهية على وجه لم يجتمع لغيره (الفتح 11/ 527).
(2)
أن الجنة والنار مخلوقتان (شرح النووي 4/ 151).
(3)
كثرة البكاء مع رؤية الجنة يحتمل أنه رقة على من حرمها، أو لقلة العمل الموصل إليها (شرح الأبي 2/ 180).
733 -
(362) حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً من الأزد على الصدقة فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي إليّ، فقال صلى الله عليه وسلم: {مابال العامل نبعثه فيأتي يقول هذا لك وهذا لي فهلا جلس في بيت أبيه أوبيت أمه فلينظر أيهدى له أم لا؟ والذي نفسي بيده لايأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيراً له رُغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر، قال: ثم رفع يديه حتى رأينا عُفرتي إبطيه وقال: ألا هل بلغت؟
ـ ثلاثاً ـ} رواه البخاري في عدة مواضع واللفظ له في أحدها، ورواه مسلم بنحوه وفيه: أنه
صلى الله عليه وسلم قام فخطب فحمد الله، وأثنى عليه وفيه قوله:{والله والذي نفسي بيده} وعند أبي داود بدون الشاهد.
التخريج:
خ: كتاب الهبة: باب من لم يقبل الهدية لعلةٍ (3/ 209)(الفتح 5/ 220)
كتاب الأحكام: باب هدايا العمال (9/ 88)(الفتح 13/ 164)
وجاء الحديث في مواضع بدون الشاهد مطولاً ومختصراً منها:
كتاب الجمعة: باب من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد (2/ 14)(الفتح 2/ 403، 404)
كتاب الحيل: باب احتيال العامل ليهدى له (9/ 36)(الفتح 12/ 348)
كتاب الأحكام: باب محاسبة الإمام عماله (9/ 95)(الفتح 13/ 189) وفيهما أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم كان في الخطبة أمام الناس وفيه: {فوالله لايأخذ أحدكم
…
}
ورواه مختصراً جداً بدون الشاهد في:
كتاب الزكاة: باب قول الله تعالى: {والعاملين عليها}
ومحاسبة المصدقين مع الإمام (2/ 160)(3/ 365).
م: كتاب الإمارة: باب تحريم هدايا العمال (12/ 218 - 220).
وانظر: د: كتاب الخراج والأمارة والفئ: باب في هدايا العمال (3/ 135).
شرح غريبه:
عُفرتي إبطيه: العفرة بياض ليس بالناصع ولكن كلون عَفر الأرض وهو وجهها (النهاية/عفر/3/ 261).
رغاء: صوت الإبل (النهاية/رغا/2/ 140).
خوار: الخُوار صوت البقر (النهاية/خور/2/ 87).
تيعر: يقال يَعَرت العنز تَيْعَرُ يِعار ـ بالكسر ـ يُعار ـ بالضم ـ أي صاحت (النهاية/يعر/5/ 297).
الفوائد:
(1)
أن هدية العامل مردودة إلى بيت المال، وأن هدية الغريم لصاحب الدين تجري مجرى الربا إلا أن يقتص من الحق، وكذلك سكنى الدار المرهونة في يده إلا أن تكون يكرى مثلها.
(2)
إبطال كل ذريعة يتوصل بها إلى نفع لو انفرد بنفسه ولم يُضمن بغيره لم تطب نفس صاحبه به (أعلام الحديث 4/ 2281).
(3)
أن هدايا العمال سحت وأنه ليس سبيلها سبيل سائر الهدايا المباحة وإنما يُهدى له؛ للمحاباة، والتخفيف عن المهدي، وليسوغ له بعض الواجب عليه وهو خيانة منه وبخس للحق الواجب عليه استيفاؤه لأهله (شرح د 4/ 201، 202).
(4)
هذا الحديث أصل في محاسبة المؤتمن وأن المحاسبة لتصحيح أمانته.
(5)
أن الإمام يخطب في الأمور المهمة.
(6)
أن من رأى متأولاً أخطأ في تأويل يضر من أخذ به أن يشهر القول للناس ويبين خطأه ليحذر من الاغترار به، وجواز توبيخ المخطئ (الفتح 3/ 336، 13/ 167).
(7)
في قوله صلى الله عليه وسلم: {والله والذي نفسي بيده} توكيد اليمين بذكر اسمين أووصفين أو أكثر من أسماء الله تعالى وصفاته (شرح النووي 12/ 221).
734 -
(363) حديث عائشة رضي الله عنه:
أن هند بنت عتبة قالت: يارسول ما كان على ظهر الأرض من أهل خباء أحب إليّ أن يذلوا من أهل خبائك، ثم ما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خباء أحب إليّ أن يعزُّوا من أهل خبائك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{وأيضاً والذي نفس محمد بيده} . قالت
يارسول الله: إن أبا سفيان رجل مِسيِّك فهل عليّ حرج أن أطعم من الذي له؟ قال: {لا إلا بالمعروف} رواه البخاري ومسلم.
التخريج:
خ: كتاب مناقب الأنصار: باب ذكر هند بنت عتبة رضي الله عنها (5/ 49، 50)(الفتح 7/ 141)
كتاب الأيمان والنذور: باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم (8/ 163)(الفتح 11/ 525).
م: كتاب الأقضية: باب قضية هند (12/ 8، 9).
شرح غريبه:
الخباء: الخباء بيوت الأعراب ثم استعمل في غيرها من منازلهم ومساكنهم، وهو من خبأت لأنه يخبأ فيه ويستر (المشارق 1/ 228).
وقال القاضي عياض: أرادت بقولها أهل خباء نفسه صلى الله عليه وسلم؛ فكنّت عنه بأهل الخباء إجلالاً له، ويحتمل أن تريد بأهل الخباء أهل بيته (شرح الأبي 5/ 12).
وأيضاً: وستزيدين من ذلك، ويتمكن الإيمان من قلبك، ويزيد حبك لله ولرسوله
صلى الله عليه وسلم، ويقوى رجوعك عن بغضه (شرح الأبي 5/ 12).
وأصل هذه اللفظة: آض يئيض أيضاً إذا صار ورجع (النهاية/أيض/1/ 85)، (شرح النووي 12/ 9).
مِسيِّك: بالكسر والتشديد أي شديد الإمساك لماله وقيل: المسِّيك البخيل إلا أن المحفوظ: الأول (النهاية/مسك/4/ 332).
الفوائد:
(1)
وجوب نفقه الزوجه ونفقه الأولاد الفقراء والصغار، وأن النفقة مقدرة بالكفاية لابالأمداد.
(2)
جواز سماع كلام الأجنبية عند الإفتاء والحكم وكذا مافي معناه عند من يقول إن صوتها عورة فأجازوا هذا للضرورة، وجواز خروجها لحاجتها إذا أذن لها زوجها أوعلمت رضاه به.
(3)
جواز ذكر الإنسان بما يكرهه للاستفتاء والشكوى ونحوهما (الفتح 9/ 509)، (شرح الأبي 5/ 9).
(4)
وفور عقل هند وحسن تأتيها في المخاطبة، وأن صاحب الحاجة يستحب له أن يقدم بين يدي نجواه اعتذاراً إذا كان في نفس الذي يخاطبه عليه موجدة، وأن المعتذر يستحب له أن يقدم ما يتأكد به صدقه عند من يعتذر إليه؛ لأن هنداً قدمت الاعتراف بذكر ما كانت عليه من البغض ليعلم صدقها فيما ادّعته من المحبة. وقد كانت هند في منزلة أمهات نساء النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن أم حبيبه إحدى زوجاته بنت زوجها أبي سفيان رضي الله عنهم (الفتح 7/ 142).
735 -
(364) حديث أنس رضي الله عنه:
أن امرأة من الأنصار جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها صبي لها فكلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {والذي نفسي بيده إنكم أحب الناس إليّ ـ مرتين ـ} وفي رواية: أن معها أولاد لها، وأنه صلى الله عليه وسلم قال لها ذلك ثلاث مرار. رواه البخاري ومسلم.
التخريج:
خ: كتاب مناقب الأنصار: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار أنتم أحب الناس إليّ (5/ 40)(الفتح 7/ 114)
كتاب الأيمان والنذور: باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم (8/ 163)(الفتح 11/ 525).
م: كتاب فضائل الصحابة: باب من فضائل الأنصار رضي الله تعالى عنهم (16/ 68).
الفوائد:
(1)
فيه منقبة للأنصار (الفتح 9/ 333).
(2)
أن هذا الكلام عام مخصوص بالدلائل الخارجية المخرجة له منه؛ إذ يقتضي ظاهره أن الأنصار أفضل من المهاجرين عموماً وفيهم أبو بكر وعمر (العمدة 23/ 175) ومعلوم أنهم أفضل الأمة بعد النبي
صلى الله عليه وسلم، وأجيب بأن قوله صلى الله عليه وسلم:{إنكم أحب الناس إليّ} هو على طريق الإجمال أي: مجموعكم أحب إليّ من مجموع غيركم فلا يعارض قوله صلى الله عليه وسلم في أبي بكر: إنه أحب الناس إليّ (الفتح 7/ 114).
736 -
(365) حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:
في قوله صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: {والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك} رواه البخاري.
ورواه البخاري ومسلم في ختام قصة دخول عمر والرسول صلى الله عليه وسلم جالس وحوله نسوة قريش يكلمنه فاستأذن عمر فقمن فبادرن الحجاب، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: {إيهاً يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده
…
} وعند مسلم: {إيه
…
والذي نفسي بيده
…
}.
التخريج:
خ: كتاب بدء الخلق: باب صفة إبليس وجنوده (4/ 153)(الفتح 6/ 338)
كتاب فضائل الصحابة: باب مناقب عمر بن الخطاب أبي حفص القرشي العدوي رضي الله عنه (5/ 13، 14)(الفتح 7/ 41)
كتاب الأدب: باب التبسم والضحك (8/ 28)(الفتح 10/ 503).
م: كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم: باب من فضائل عمر رضي الله عنه (15/ 164، 165).
شرح غريبه:
الفج: الطريق الواسع (النهاية/فجج/3/ 412) ويقال لكل منخرق وما بين كل جبلين (المشارق 2/ 147).
الفوائد:
(1)
فيه فضيلة عظيمة لعمر رضي الله عنه؛ لأن الشيطان إنما يستطيل على الإنسان بهواه وعمر رضي الله عنه قمع هواه (منهاج السنة 6/ 55، 70). وهذا يقتضي أن الشيطان لا سبيل له عليه لا أن ذلك يقتضي وجود العصمة إذ ليس فيه إلا فرار الشيطان منه أن يشاركه في طريق يسلكها ولا يمنع ذلك من وسوسته له بحسب ما تصل إليه قدرته (الفتح 7/ 47) وتعقبه في (العمدة 16/ 196) بأنه يمكن أن يمنع من الوسوسة وهذه خاصة له فضلاً من الله وكرماً لا العصمة لأنها من خواص الأنبياء عليهم السلام.
(2)
استقامة آراء عمر رضي الله عنه، وحسن هديه، وبعده عن الباطل وزيغ الشيطان وصلابته في الدين واستمراره على الجد والحق المحض حتى كان بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم كالسيف الصارم إذا أمضاه مضى، وإذا كفه كفَّ فلذلك كان الشيطان ينحرف عن الفج الذي يسلكه (المشارق 2/ 147)(شرح الأبي 6/ 203).
737 -
(366) حديث عمر رضي الله عنه في صلح الحديبية
وهو حديث طويل وفيه قوله صلى الله عليه وسلم في ناقته حين امتنعت عن السير:
{حبسها حابس الفيل، والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها} .
وفيه أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم في قريش: {فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا وإلا فقد جمُّوا، وإن هم أبوا فو الذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتي تنفرد سالفتي ولينفذن الله أمره}
وفيه قوله صلى الله عليه وسلم لعمر حين قال: فلم نعطى الدنيّة في ديننا؟ قال:
{إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري} رواه البخاري.
وروى أبو داود الحديث عن المسور بن مخرمة وفيه العبارة الأولى فقط.
التخريج:
خ: كتاب الشروط: باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب، وكتابة الشروط (3/ 252 - 258)(الفتح 5/ 329).
د: كتاب الجهاد: باب في صلح العدو (3/ 85، 86).
شرح غريبه:
خطة: خصلة يعظمون فيها حرمات الله. يريد ـ والله أعلم ـ المصالحة بترك القتال في الحرم والجنوح إلى المسالمة والكف عن إراقة الدماء فيه (شرح د 4/ 74).
وقيل: الحرمات حرمة الحرم والشهر.
أعطيتهم: أجبتهم إليها (الفتح 5/ 336).
فقد جَمُّوا: أي استراحوا وكثروا (النهاية /جمم 1/ 301) فلا تنقضي مدة الصلح إلا وقد استراحوا.
وقيل: قووا (الفتح 5/ 338).
تنفرد سالفتي: السالفة: صفحة العنق، وهما سالفتان من جانبيه وكنى بانفرادها عن الموت؛ لأنها لا تنفرد عما يليها إلا بالموت، وقيل: أراد حتى تفرق بين رأسي وجسدي (النهاية/ سلف/3/ 390)
الفوائد:
(1)
إطلاق حابس الفيل على الله عز وجل لا على سبيل التسمية.
(2)
تأكيد القول باليمين فيكون أدعى للقبول، وقد حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم الحلف في أكثر من ثمانين موضعاً (الفتح 5/ 336).
(3)
ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من القوة والثبات في تنفيذ حكم الله وتبليغ أمره، والندب إلى صلة الرحم، والإبقاء على من كان من أهلها وبذل النصيحة للقرابة. (الفتح 5/ 339)
(4)
ما ترتب على الصلح وظهر من ثمرات باهرة منها: فتح مكة وإسلام أهلها، ودخول الناس في دين الله أفواجاً؛ لما تيسر خلال فترة الصلح من اختلاط بالمسلمين وقدوم المسلمين إلى أهلهم بمكة، وإسماعهم أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم مفصلة، فبادر خلق منهم إلى الإسلام قبل الفتح، وأسلم باقيهم بعده، فلما أسلمت قريش أسلمت العرب في البوادي (شرح النووي 12/ 140).
ولعل وجه تمثيله حبس القصواء بحبس الفيل أن الصحابة لو دخلوا مكة لوقع بينهم وبين قريش قتال في الحرم، وأريق فيه دماء، ولعل الله سبحانه قد سبق في علمه أنه سيسلم جماعة من أولئك الكفار وسيخرج من أصلابهم قوم يعبدون الله ويوحدونه فلو استبيحت مكة وأتى القتل عليهم لانقطع ذلك النسل، ولبطلت تلك العواقب.
(5)
أن مراجعة عمر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن اعتراضاً عليه، ولا اتهاماً له في شيء كان منه وإنما حرَّكه شدة حرصه على قوة أمر الدين، وغلبة محبته أن يكون الظهور والغلبة للمسلمين، وأراد الكشف عن الشبهة والاستبانة لوجه الحكمة فيما شاهده من ذلك الصنيع (شرح د 4/ 74، 77).
738 -
(367) حديث أنس رضي الله عنه:
أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {أتموا الركوع والسجود فو الذي نفسي بيده إني لأراكم من بعد ظهري إذا ما ركعتم، وإذا ما سجدتم} رواه البخاري، وعند النسائي بلفظ:{استووا استووا، فو الذي نفسي بيده إني لأراكم من خلفي كما أراكم من بين يدي} وجاء عند البخاري: {أقيموا الصفوف فإني أراكم خلف ظهري} بدون القسم.
وجاء في موضع من رواية أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {هل ترون قبلتي ها هنا فو الله ما يخفى علي خشوعكم ولا ركوعكم، وإني لأراكم من وراء ظهري} وعند مسلم {فإني أراكم أمامي ومن خلفي} بدون القسم.
التخريج:
خ: كتاب الأيمان والنذور: باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم (8/ 164)(الفتح 11/ 525)
وانظر: كتاب الأذان: باب تسوية الصفوف عند الإقامة وبعدها (1/ 184)(الفتح 2/ 207)
ثم باب إقبال الإمام على الناس عند تسوية الصفوف (1/ 184)(الفتح 2/ 208)
ثم باب إلزاق المنكب بالمنكب، والقدم بالقدم في الصف (1/ 185)(الفتح 2/ 211)
ثم باب الخشوع في الصلاة (1/ 189)(الفتح 2/ 225)
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه في:
كتاب الصلاة: باب عظة الإمام الناس في إتمام الصلاة وذكر القبلة (1/ 114)(الفتح 1/ 514)
وأعاده في كتاب الأذان: باب الخشوع في الصلاة (1/ 189)(الفتح 2/ 225).
وانظر: م: كتاب الصلاة: باب تحريم سبق الإمام بركوع أو سجود ونحوهما (4/ 150).
س: كتاب الإمامة: كم مرة يقول استووا؟ (2/ 91)
وانظر كتاب السهو: باب النهي عن مبادرة الإمام بالانصراف من الصلاة (3/ 83)
الفوائد:
(1)
أنه ينبغي للإمام أن ينبه الناس على ما يتعلق بأحوال الصلاة ولاسيما إذا رأى منهم ما يخالف الأولى (الفتح 1/ 515).
(2)
فيه جواز الكلام بين الإقامة والدخول في الصلاة؛ لما جاء في بعض ألفاظه قال أنس: أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال: {أقيموا صفوفكم، وتراصوا؛ فإني أراكم من وراء ظهري} رواه البخاري.
(3)
فيه مراعاة الإمام لرعيته والشفقة عليهم، وتحذيرهم من المخالفة (الفتح 2/ 208).
(4)
أن النبي صلى الله عليه وسلم قد خُرقت له العادة فيرى من خلفه (مجموع الفتاوى 16/ 87).
(5)
أن تقويم الصف وتعديله من تمام الصلاة وإقامتها بحيث لو خرجوا عن الاستواء والاعتدال بالكلية حتى يكون رأس هذا عند النصف الأسفل من هذا لم يكونوا مصطفين، ولكانوا يؤمرون بالإعادة وهم بذلك أولى من الذي صلى خلف الصف وحده، فأمره صلى الله عليه وسلم أن يعيد صلاته فكيف بتقويم أفعالها وتعديلها بحيث لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، وأن إقامة الركوع والسجود توجب إتمامها، والسكون فيهما (مجموع الفتاوى 22/ 546، 547).
739 -
(368) حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
قوله صلى الله عليه وسلم: {والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال، فأحرِّق عليهم بيوتهم. والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناً أو مِرماتين حسنتين لشهد العشاء} رواه البخاري والنسائي.
التخريج:
خ: كتاب الأذان: باب وجوب صلاة الجماعة (1/ 165)(الفتح 2/ 125).
كتاب الأحكام: باب إخراج الخصوم وأهل الريب من البيوت بعد المعرفة (9/ 101، 102) ، (الفتح 13/ 215).
س: كتاب الإمامة: التشديد في التخلف عن الجماعة (2/ 107).
شرح غريبه:
يحطب: يكسر ليسهل اشتعال النار به. (الفتح 2/ 129)
وقيل: يجمع ولم يقل أحد من أهل اللغة إن معناه يكسر (العمدة 5/ 160).
فأحرِّق: ـ بالتشديد ـ المراد به التكثير يقال: حرّقه إذا بالغ في تحريقه (الفتح 2/ 129).
مرماة: قال أبو عبيدة: يقال إن المرماة ما بين ظلفي الشاة. وهذا حرف لا أدري ما وجهه إلا أنه هكذا يفسر والله أعلم (غريب الحديث 3/ 202).
وقيل المرماة: سهم الهدف، وقيل: الدقاق من السهام المستوية (غريب الحديث لأبي عبيد 1/ 96) وقال البخاري: المرماة ما بين ظلف الشاة من اللحم (خ: كتاب الاحكام: الموضع المذكور في التخريج).
وقال ابن الأثير: المرماة ظلف الشاة وقيل ما بين ظلفيها. وتكسر ميمه وتفتح. وقيل المرماة: ـ بالكسرـ السهم الصغير الذي يتعلم به الرمي وهو أحقر السهام وأدناها. أي لودعي إلى أن يعطى سهمين من هذه السهام لأسرع الإجابة (النهاية /رمى 2/ 269).
وقيل: هو سهم يلعب به في كوم التراب فمن رمى به فثبت في الكوم غلب. وقيل سهمان يرمي بهما فيحرز سبقه (المشارق 1/ 292).
وقال الزمخشري في المعني الثاني ـ السهم الصغير ـ: ليس بوجيه ويدفعه قوله {أو عرق} (الفائق/رمى/2/ 84).
وتوقف فيه الخطابي قال: والله أعلم بمعناه (أعلام الحديث 1/ 471).
عَرْق: العرْق ـ بالسكون ـ العظم إذا أخذ عنه معظم اللحم وجمعه عراق (النهاية/عرق/3/ 220).
أخالف: آتيهم من خلفهم، أو أخالف ما أظهرت من إقامة الصلاة وأرجع إليهم فآخذهم على غفلة، أو يكون بمعنى: أتخلف عن الصلاة لمعاقبتهم (النهاية /خلف/2/ 68).
الفوائد:
(1)
جواز القسم على الأمر الذي لاشك فيه تنبيهاً على عظم شأنه.
وفيه: الرد على من كره أن يحلف بالله مطلقاً.
(2)
الإشارة إلى ذم المتخلفين عن الصلاة بوصفهم بالحرص على الحقير من مطعوم أو ملعوب به مع التفريط فيما يحصل رفيع الدرجات ومنازل الكرامة.
(3)
تقديم الوعيد والتهديد على العقوبة؛ وسره أن المفسدة إذا ارتفعت بالأهون من الزجر أكتفي به عن الأعلى من العقوبة.
(4)
جواز العقوبة بالمال.
(5)
جواز أخذ أهل الجرائم علي غرة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم همَّ بذلك في الوقت الذي عهد منه فيه الاشتغال بالصلاة بالجماعة فأراد أن يبغتهم في الوقت الذي يتحققون أنه لا يطرقهم فيه أحد، وفي السياق إشعار أنه تقدم منه زجرهم عن التخلف بالقول حتى استحقوا التهديد بالفعل (الفتح 2/ 129، 130).
(6)
ترك الجمعة والجماعة الواجبة لأجل عقوبة المتخلفين هو من باب الجهاد الذي قد يضيق وقته فيقدم على الجمعة والجماعة. وولي الأمر لو تخلف بعض الأيام عن الجمعة لينظر من لا يصليها فيعاقبه جاز ذلك وكان من الأعذار المبيحة لترك الجمعة؛ فإن عقوبة أولئك متعين لا يمكن إلا بهذا الطريق (مجموع الفتاوى 23/ 164).
(7)
الحديث دليل على أن الجماعة واجبة على الأعيان حيث بيَّن صلى الله عليه وسلم أنه إنما يمنعه من تحريق المتخلفين عن الجماعة ما في البيوت من النساء والأطفال؛ فإن تعذيبهم لا يجوز لأنه لا جماعة عليهم، ولولا أن التخلف عن الجماعة ذنب يستحق صاحبه العقاب لما عاقبهم (مجموع الفتاوى 23/ 240، 250 - 252).
وفي مسألة وجوب الجماعة خلاف. انظر أقوال العلماء في: (العمدة 5/ 161 - 164).
وقد حمل بعضهم الحديث على أنه همَّ بالتحريق على من ترك الجمعة أو على المنافقين الذين كانوا يتخلفون عن الجماعة مع النفاق، وأن تحريقهم لأجل النفاق لا لأجل ترك الجماعة مع الصلاة في البيوت وعليه لا تجب صلاة الجماعة.
ورده ابن تيمية في (مجموع الفتاوى 23/ 266 - 229، 240).
740 -
(369) حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلاً فيسأله أعطاه أو منعه} أخرجه البخاري والنسائي وعنده {رجلاً أعطاه الله عز وجل من فضله}
ورواه البخاري بنحوه من حديث أبي هريرة وحديث الزبير بن العوام بدون الشاهد.
التخريج:
خ: كتاب الزكاة: باب الاستعفاف عن المسألة (2/ 152)(الفتح 3/ 335)
وانظر: باب قول الله تعالى: {لا يسألون الناس إلحافاً} (2/ 153)(الفتح 3/ 341)
كتاب البيوع: باب كسب الرجل وعمله بيده (3/ 75)(الفتح 4/ 304)
كتاب المساقاة: باب بيع الحطب والكلأ (3/ 149)(الفتح 5/ 46).
س: كتاب الزكاة: الاستعفاف عن المسألة (5/ 96).
الفوائد:
(1)
التحريض على الأكل من عمل اليد والاكتساب من المباحات (العمدة 9/ 50).
(2)
الحض على التعفف عن المسألة والتنزه عنها ولو امتهن المرء نفسه في طلب الرزق، وارتكب المشقة في ذلك ولولا قبح المسألة في نظر الشرع لم يفضل ذلك عليها؛ وذلك لما يدخل على السائل من ذل السؤال، ومن ذل الرد إذا لم يعط ولما يدخل على المسؤول من الضيق في ماله إن أعطى كل سائل (الفتح 3/ 336).
(3)
فضيلة العمل باليد؛ لما فيه من الشغل بالأمر المباح عن البطالة واللهو، وكسر النفس بذلك، والتعفف عن ذلة السؤال والحاجة الي الغير (الفتح 4/ 304).
(4)
إباحة الاحتطاب في المباحات والترغيب في الاكتساب بالاحتطاب (الفتح 5/ 47).
741 -
(370) حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
قوله صلى الله عليه وسلم: {فو الذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتي أكون أحب إليه من والده وولده} أخرجه البخاري. وعند النسائي بلفظ: {والذي نفسي بيده} ورواه البخاري ومسلم بدون القسم.
742 -
(371) وفي هذا المعنى: حديث عمر رضي الله عنه:
حين قال للنبي صلى الله عليه وسلم: " لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي." فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك} فقال له عمر: " فإنه الآن والله لأنت أحب إليَّ من نفسي." فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {الآن يا عمر} رواه البخاري.
التخريج:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
خ: كتاب الإيمان: باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان (1/ 10)(الفتح 1/ 58).
س: كتاب الإيمان وشرائعه: علامة الإيمان (8/ 115).
وانظر: م: كتاب الإيمان: باب وجوب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من الأهل (2/ 15).
وحديث عمر رضي الله عنه:
خ: كتاب الأيمان والنذور: باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم؟ (8/ 161)(الفتح 11/ 523).
شرح غريبه:
الآن يا عمر: الآن عرفت فنطقت بما يجب وهذا ما صوبه ابن حجر (الفتح 11/ 528).
الفوائد:
(1)
فيه جواز الحلف على الأمر المهم توكيداً وإن لم يكن هناك مستحلف (الفتح 1/ 58).
(2)
أن للرسول صلى الله عليه وسلم حقاً لا يشركه فيه أحد من الأمة بأن يكون أحب إلى الإنسان من نفسه وأبيه وابنه وأهله وماله؛ لأنه لا نجاة لأحد من عذاب الله ولا وصول له إلى رحمته إلا بواسطته صلى الله عليه وسلم بالإيمان به ومحبته وموالاته. وأعظم النعم وأنفعها نعمة الإيمان فلا تحصل إلا به
صلى الله عليه وسلم وهو أنصح وأنفع لكل أحد من نفسه وماله؛ فإنه الذي يخرج الله به من الظلمات إلى النور لا طريق إلا هو وأما نفسه وأهله فلا يغنون عنه من الله شيئاً
(مجموع الفتاوى 27/ 425، 426).
(3)
أن من محبته صلى الله عليه وسلم نصر سنته والذب عن شريعته وتمني أن لو عاصره حتى يبذل النفس والمال دونه (شرح الأبي 1/ 146).
(4)
أن حديث عمر رضي الله عنه فيه تصريح بأن المحبة ليست اعتقاد التعظيم بل ميل القلب إليه فمن لم يجد ذلك الميل لم يكمل إيمانه، على أن كل مؤمن إيماناً صحيحاً لا يخلو من هذه المحبة الراجحة وإن تفاوتوا فيها الى الأعلى والأدنى
(المكمل للسنوسي 1/ 146).
(5)
أن حقيقة الإيمان لا تتم ولا تصح إلا بتحقيق إعلاء قدر النبي صلى الله عليه وسلم ومنزلته على كل والد وولد ومحسن ومتفضل ومن لم يعتقد هذا واعتقد سواه فليس بمؤمن (شرح النووي 2/ 16).
743 -
(372) حديث أنس رضي الله عنه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى له مشرك جبة سندس، وكان ينهى عن الحرير فعجب الناس منها فقال:{والذي نفس محمد بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا} رواه البخاري.
744 -
(373) حديث البراء بن عازب رضي الله عنه:
نحوه وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: {أتعجبون منها، قالوا: نعم يا رسول الله، قال: والذي نفسي بيده لمناديل سعد في الجنة خير منها} رواه البخاري وابن ماجه.
التخريج:
خ: كتاب الهبة: باب قبول الهدية من المشركين (3/ 214)(الفتح 5/ 230).
كتاب بدء الخلق: باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقه (4/ 144)(الفتح 6/ 319).
كتاب الأيمان والنذور: باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم؟ (8/ 163)(الفتح 11/ 525).
جه: المقدمة: باب في فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضل سعد بن معاذ (1/ 56).
شرح غريبه:
السندس: رقيق الديباج، وقيل خص المناديل بالذكر؛ لكونها تمتهن فيكون ما فوقها أعلى منها بطريق الأولى (الفتح 10/ 291).
الفوائد:
(1)
النهي عن لبس الحرير ليس لأجل نجاسه عينه بل من أجل أنه ليس لباس المتقين، وعينه مع ذلك طاهرة فيجوز مسه، وبيعه، والانتفاع بثمنه (الفتح 10/ 191).
(2)
منزلة سعد في الجنة، وأن أدنى ثيابه فيها خير من تلك الجبة؛ لأن المناديل في الثياب أدناها، فالمنديل معد للوسخ والامتهان فغيره أفضل منه.
(3)
فيه جواز قبول الهدية من الكفار (أعلام الحديث 2/ 1284، 1285)(العمدة 13/ 170).
745 -
(374) حديث أبي سعيد الخدري رضي الله:
عن الرسول صلى الله عليه وسلم: {إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار، فيتقاصُّون مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا نقوا وهذبوا، أذن لهم بدخول الجنة. فو الذي نفس محمد صلى الله عليه وسلم بيده لأحدهم بمسكنه في الجنة أدلُّ بمنزله كان في الدنيا} رواه البخاري.
التخريج:
خ: كتاب المظالم: باب قصاص المظالم (3/ 167)(الفتح 5/ 96)
كتاب الرقاق: باب القصاص يوم القيامة (8/ 138، 139)(الفتح 11/ 395).
شرح غريبه:
القنطرة: قال ابن حجر: الذي يظهر أنها طرف الصراط مما يلي الجنة ويحتمل أن تكون من غيره بين الصراط والجنة (الفتح 5/ 96).
وقال العيني: الصواب أنها قنطرة كائنة بين الجنة والنار، وهي غير متصلة بالصراط تسمى بالصراط الثاني. وإذا ثبت أن الجسر واحد فهذا من تتمته (العمدة 12/ 285، 23/ 113).
هُذِّبوا: خُلِّصوا من الآثام بمقاصصة بعضهم ببعض (الفتح 5/ 96) والتهذيب والتنقية بمعنى: التمييز والتخليص من التبعات (الفتح 11/ 399).
الفوائد:
(1)
الصراط منصوب على متن جهنم، وهو بين الجنة والنار فمن مر علي الصراط دخل الجنة فإذا عبروا عليه وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض، فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة (مجموع الفتاوى 3/ 147).
(2)
معرفتهم منازلهم في الجنة إما لأنها كانت تعرض عليهم بالغداة والعشي، أو أن الملائكة تدلهم على منازلهم فإذا وصلت بهم الملائكة كان كل أحد أعرف بمنزله {ويدخلهم الجنة عرفها لهم} [محمد: 6] وقال أكثر أهل التفسير: إذا دخل أهل الجنة الجنة يقال لهم: تفرقوا إلى منازلكم فهم أعرف بها من أهل الجمعة إذا انصرفوا (العمدة 12/ 286). وقال مجاهد: يهتدي أهلها إلى بيوتهم ومساكنهم، وحيث قسم الله لهم منها لا يخطئون كأنهم ساكنوها منذ خلقوا لا يستدلون عليها أحداً.
وقيل: إن الملك الموكل بحفظه يدله على منزله. (تفسير ابن كثير 7/ 292، 293)، (حادي الأرواح 99/ 100).
746 -
(375) حديث أبي طلحة رضي الله عنه:
في غزوة بدر حيث أمر صلى الله عليه وسلم بأربعة وعشرين رجلاً من صناديد قريش، فقذفوا في طوي من أطواء بدر ثم وقوفه صلى الله عليه وسلم على شفة الرّكي ومناداته إياهم بأسمائهم وأسماء آبائهم:{يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله، فإنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ . قال عمر: يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم} رواه البخاري تاماً.
ورواه مختصراً من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
التخريج:
خ: كتاب المغازي: باب قتل أبي جهل (5/ 97، 98)(الفتح 7/ 301).
شرح غريبه:
طوي من أطواء بدر: بئر مطوية من آبارها، والطوي في الأصل: صفة على فعيل بمعنى مفعول؛ فلذلك جمعوه على أطواء وإن كان قد انتقل إلى الاسمية (النهاية /طوا / 3/ 146).
شفة الركي: طرف الركي (الفتح 7/ 302). الركي: البئر جمعها ركايا (النهاية / ركا / 2/ 261).
ما أنتم بأسمع لما أقول منهم: قال البخاري: قال قتادة: أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخاً وتصغيراً ونقمة وحسرة وندماً. ثم روى البخاري رحمه الله تعالى تفسير عائشة رضي الله عنها للحديث بأنه أراد: إنهم الآن ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق ثم قرأتْ:
{إنك لا تسمع الموتى} [النمل: 80]{وما أنت بمسمع من في القبور} [فاطر: 22].
يقول: حين تبوءوا مقاعدهم من النار (صحيح البخاري الموضع المذكور في التخريج).
الفوائد:
(1)
تخصيص أولئك الصناديد بالمخاطبة المذكورة؛ لما كان تقدم منهم من المعاندة
(الفتح 7/ 302).
(2)
جواز أن يكون أولئك أحياء في النار يعذبون، وجواز أنهم يسمعون ما يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم. ونفي سماع الموتي المراد بهم الجهال والصم عن الهدي (تأويل مختلف الحديث/140 - 144)
ويجوز خرق العادة للنبي صلى الله عليه وسلم ويكون الكلام على ظاهره أنهم يسمعون قوله صلى الله عليه وسلم، واعتراض عائشة رضي الله عنها مردود بأنها لم تحضر القصة، وأن العلم لا يتعارض مع السماع أي سمعوا وعلموا، أما الآية فهي في الكفار الذين لا يسمعون الحق فحملته رضي الله عنها على ظاهره، ونفت أن يسمع أولئك قوله صلى الله عليه وسلم والله أعلم (الفتح 7/ 304).
747 -
(376) حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم} رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه.
747 ب- ورواه الترمذي في أثناء حديث عن الزبير بن العوام رضي الله عنه.
التخريج:
م: كتاب الإيمان: باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون (2/ 35).
د: كتاب الأدب: باب في إفشاء السلام (4/ 351).
ت: كتاب الاستئذان: باب ما جاء في إفشاء السلام (5/ 52) وفيه حديث أبي هريرة وقال: حسن صحيح.
كتاب صفة القيامة: باب رقم (56)(4/ 664) وفيه حديث الزبير وقال: هذا حديث قد اختلفوا في روايته، وذكر أنه روي متصلاً، ومرسلاً. والحديث ذكره الألباني في (صحيح الجامع 1/ 634) وبيض لدرجته وعزاه إلى مسند أحمد والضياء. وفي (الإرواء 3/ 238) قال: رجاله ثقات غير مولى الزبير فلم أعرفه وأعله به أبو زرعة، هكذا قال لكن الذي في (العلل: لابن أبي حاتم 2/ 327) أنه سئل عن حديث رواه موسى بن خلف عن يحيى بن أبي كثير عن يعيش مولى ابن الزبير عن الزبير الحديث فقال أبو زرعة: رواه علي بن المبارك وشيبان وحرب بن شداد عن يحيى بن أبي كثير عن يعيش بن الوليد بن هشام أن مولى لآل الزبير حدثه أن الزبير حدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو زرعة: الصحيح هذا، وحديث موسى بن خلف وهم. والحديث عند الترمذي من طريق حرب بن شداد.
جه: المقدمة: باب في الإيمان (1/ 26).
شرح غريبه:
أفشوا السلام: الإفشاء الإظهار والمراد نشر السلام بين الناس؛ ليحيوا سنته (الفتح 11/ 18).
الفوائد:
(1)
من أسباب دخول الجنة إفشاء السلام.
أن من فوائد إفشاء السلام: حصول المحبة بين المتسالمين لما فيه من ائتلاف الكلمة؛ لتعم المصلحة بوقوع المعاونة على إقامة شرائع الدين وإخزاء الكافرين، ويعين على ذلك ويتضمنه قيام بعضهم على بعض بحقوقهم.
(2)
شرط دخول الجنة الإيمان، ومن شروط الإيمان محبة الخلق، والمراد بالإيمان في العبارة الأولى: أصل الإيمان، وفي الثانية كماله؛ لأن من عصى الرسول صلى الله عليه وسلم فهو مؤمن لا نقول إن إيمانه ذهب ولكن نقول نقص وقلص (العارضة 10/ 162).
(3)
فيه الحث العظيم على إفشاء السلام وبذله للمسلمين من عرفت ومن لم تعرف، والسلام أول أسباب التآلف، ومفتاح استجلاب المودة. وفي افشائه إظهار شعار المسلمين المميز لهم عن
غيرهم من أهل الملل مع ما فيه من رياضة النفس، ولزوم التواضع، وإعظام حرمات المسلمين. ويتضمن رفع التقاطع والتهاجر والشحناء وفساد ذات البين، وأن سلامه لله لا يتبع فيه هواه ولا يخص أصحابه وأحبابه به والله أعلم (شرح النووي 2/ 36).
(4)
أنه لا يخلد أحد من أهل التوحيد في النار لكن من ارتكب كبيرة استحق العذاب فنفي دخول الجنة هو نفي للدخول المطلق الذي لا يكون معه عذاب لكن قد يعذب في النار ما شاء الله ثم يخرج منها.
ومذهب أهل السنة والجماعة: أن فساق أهل الملة ليسوا مخلدين في النار، وليسوا كاملين في الدين والإيمان والطاعة (مجموع الفتاوى 7/ 678، 679).
(5)
أن في بذل السلام لمن عرفت ومن لم تعرف إصلاح العمل لله تعالى لا مصانعة. وفي السلام لغير المعرفة استفتاح باب الأنس ليكون المؤمنون كلهم أخوة، ولا يستوحش أحد من أحد. وترك السلام لغير المعرفة يشبه صدود المتصارمين المنهي عنه فينبغي أن يجتنب (مختصر د 8/ 68 من هامش المنذري).
748 -
(377) حديث حذيفة رضي الله عنه:
قوله صلى الله عليه وسلم: {إن حوضي لأبعد من أيْلة إلى عدن، والذي نفسي بيده إني لأذود عنه الرجال كما يذود الرجل الإبل الغريبة عن حوضه} رواه مسلم.
وجاء بلفظ {والذي نفسي بيده لآنيته أكثر من عدد النجوم، ولهو أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل والذي نفسي بيده إني لأذود
…
} رواه ابن ماجه.
ورواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بنحو لفظ حذيفة بدون القسم، وكذا رواه مسلم والبخاري من حديث أنس مختصراً.
749 -
(378) حديث أبي ذر رضي الله عنه:
قال قلت: يا رسول الله ما آنيه الحوض؟ قال: {والذي نفس محمد بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها ألا في الليلة المظلمة المصحية} رواه مسلم والترمذي.
التخريج:
م: كتاب الطهارة: استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء (3/ 137)
كتاب الفضائل: باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته (15/ 61 - 64).
ت: كتاب صفة القيامة: باب ما جاء في صفة أواني الحوض (4/ 630) وقال حسن صحيح غريب.
جه: كتاب الزهد: باب ذكر الحوض (2/ 1438).
وانظر: خ: كتاب الرقاق: باب في الحوض (8/ 149)(الفتح 11/ 463، 464).
شرح غريبه:
لأذود: أطردهم وأدفعهم (النهاية /ذود/2/ 172).
ألا في الليلة المظلمة المصحية: أي التي لا غيم فيها يقال أصحت السماء فهي مصحية
(المشارق 2/ 39) وخصّها؛ لأن النجوم ترى فيها أكثر، والمراد بالمظلمة التي لا قمر فيها مع أن النجوم طالعة؛ فإن القمر يستر كثيراً من النجوم (شرح النووي 15/ 60).
وذكر ابن العربي أنها الليلة الصافية النقية التي ليس بها غيم يحجب نجومها والنجوم أوضح ما تظهر وأكثره إذا عدم الغيم، واشتدت الظلمة (العارضة 9/ 273).
الفوائد:
(1)
الإيمان بالحوض فرض، والتصديق به من الإيمان وهو على ظاهره عند أهل السنة والجماعة لا يتأول ولا يختلف فيه (شرح النووي 15/ 53).
(2)
أن هذا العدد للآنية على ظاهره، وليس الأمر للمبالغة بل إ نها أكثر عدداً من نجوم السماء، ولا مانع عقلي ولاشرعي يمنع من ذلك بل ورد الشرع به مؤكداً بالقسم. (شرح الأبي 2/ 26، 6/ 108)(شرح النووي 15/ 56).
(3)
الذين يذادون عن الحوض اختلف فيهم على أقوال:
أولها: أنهم المنافقون والمرتدون.
ثانيها: أنهم من كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثم ارتدوا بعده.
ثالثها: أن المراد بهم أصحاب المعاصي والكبائر الذين ماتوا على التوحيد، وأصحاب البدع الذين لم يخرجوا ببدعتهم عن الإسلام، ويحتمل أنهم يذادون عقوبة لهم، ثم يرحمهم الله تعالى فيدخلهم الجنة بغير عذاب (شرح النووي 3/ 136، 137)
وقيل: إنه يطرد من ليسوا من أمته؛ ليرشد كل أحد إلى حوض نبيه على القول بأن لكل نبي حوضاً، وأنهم يتباهون بكثرة من يتبعهم لكنه بعيد لما جاء في رواية البخاري ومسلم {فأقول يارب مني، ومن أمتي} (الفتح 11/ 474، 476).
(4)
فيه التحذير من فعل ما يقتضي الإبعاد عن الحوض، والحديث علم من أعلام النبوة (الفتح 11/ 475).
750 -
(379) حديث بريدة رضي الله عنه:
في قصة المرأة التي زنت، فتابت واعترفت فأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمها فكان خالد بن الوليد ممن رجمها، فأصابه من دمها، فسبَّها، فقال صلى الله عليه وسلم:{مهلاً ياخالد فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مَكْس لغفر له} وأمر بها فصلِّي عليها ودُفنت. رواه مسلم وأبو داود.
751 -
(380) حديث عمران بن حصين رضي الله عنه:
نحوه وفيه أنه صلى الله عليه وسلم أمر بها فرُجمت، ثم صَلَّى عليها فقال له عمر: تصلي عليها يانبي الله وقد زنت؟ فقال: {لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى؟ } رواه مسلم وأبو داود وعنده: {والذي نفسي بيده لقد
…
}
التخريج:
م: كتاب الحدود حد الزنا (11/ 203 - 305).
د: كتاب الحدود: باب المرأة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمها من جهينة (4/ 149، 150) وتكلم المنذري على حديث بريدة لأن فيه بشير بن المهاجر عند مسلم وأبي داود وقد قال فيه أحمد: منكر الحديث، لكن الذي أخذ عليه ليس فيما يخص توبتها بل ترديدها فقد اختلف حديث عمران عن حديث بريدة في أن الأول فيه أنه أمر برجمها حين وضعت ولم يرددها بخلاف حديث بريدة، وقال المنذري:" ولاعيب على مسلم في إخراج هذا الحديث فإنه أتى به في الطبقة الثانية " ثم ذكر أنه يحتمل أن تكونا امرأتين ويحمل الحديث على حالتين، ويرتفع الخلاف (مختصر د 6/ 255، 256).
شرح غريبه:
صاحب مكس: المكس الضريبة التي يأخذها الماكس وهو العشار (النهاية/مكس/4/ 349) وهذ يفيد أن المكس من أقبح المعاصي والذنوب والموبقات؛ وذلك لكثرة مطالبات الناس له، وظلاماتهم عنده، وتكرر ذلك منه وانتهاكه للناس، وأخذ أموالهم بغير حقها، وصرفها في غير وجهها (شرح النووي 11/ 203)(شرح الأبي 4/ 457).
لوسعتهم: لكفتهم يعني تابت توبة تستوجب مغفرة ورحمة تستوعب سبعين من أهل المدينة (شرح
…
الطيبي 7/ 125)، (شرح الأبي 4/ 454).
الفوائد:
(1)
أن توبة الزاني لاتسقط عنه حد الزنا (شرح النووي 11/ 203) وذلك إذا بلغ الإمام.
(2)
شفقة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته، ونهيه عن سب من تاب منهم، وبيان أن الله قد غفر لهذه المرأة والله أعلم.
(3)
أن الحدود كفارات لأهلها.
(4)
صدق توبة تلك المرأة، وصلاته صلى الله عليه وسلم عليها (شرح الأبي 4/ 455، 458).
752 -
(381) حديث أنس رضي الله عنه:
في خروج المسلمين مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر، وأنهم أسروا غلاماً أسود، فأخذوا يسألونه عن أبي سفيان وأصحابه فيقول: ما لي علم بأبي سفيان، ولكن هذا أبو جهل، وعتبة، وشيبة، وأمية بن خلف فيضربونه فيقول: أنا أخبركم هذا أبو سفيان، فإذا تركوه فسألوه، قال: مالي بأبي سفيان علم كسابقه ـ والنبي صلى الله عليه وسلم قائم يصلي ـ فلما رأى ذلك انصرف وقال: {والذي نفسي بيده لتضربوه إذا صدقكم، وتتركوه إذا كذبكم، قال: فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا مصرع فلان} قال: ويضع يده على الأرض ههنا وههنا، قال: فما ماط أحدهم عن موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وراه مسلم بلفظه وأبو داود بنحوه وعنده: {لتضربونه، وتدعونه} .
التخريج:
م: كتاب الجهاد والسيّر: باب غزوة بدر (12/ 124 - 126).
د: كتاب الجهاد: باب في الأسير يُنال منه ويضرب ويقرّن (3/ 57، 58).
شرح غريبه:
ماط: أبعد (النهاية/ميط/4/ 381) أو تباعد يقال: ماط الرجل إذا تباعد، وكذا يقال: أماط إذا باعد غيره أو تباعد (المعلم 3/ 24).
الفوائد:
(1)
الحديث من أعلام النبوة؛ لإخباره صلى الله عليه وسلم أن الغلام كانوا يضربونه إذا صدق، ويتركونه إذا كذب وكان كذلك في نفس الأمر، وأيضاً إخباره صلى الله عليه وسلم بمصرع جبابرتهم فلم يتعد أحد مصرعه.
(2)
استحباب تخفيف الصلاة إذا عرض أمر في أثنائها. (شرح النووي 12/ 126)
(3)
جواز ضرب الأسير الكافر إذا كان في ضربه طائل لأمر يوجب ذلك، ويستخرج ما عنده من أمر العدو، واحتج به لجواز تهديد الحاكم المتهم ليصدق وينكشف له أمر تهمته (شرح د 4/ 19)(شرح الأبي 5/ 112).
753 -
(382) حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
وهو حديث طويل، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج مرة فلقي أبا بكر وعمر فسألهما:{ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟ قالا: الجوع يارسول الله، قال: وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما} ثم إنهم قدموا على أنصاري فاستضافهم، فلما شبعوا ورووا قال صلى الله عليه وسلم لهما:{والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم} أخرجه مسلم، ونحوه عند الترمذي مطولاً دون العبارة الأولى وعنده:{هذا والذي نفسي بيده من النعيم الذي تُسألون عنه يوم القيامة ظِل بارد ورُطب طيب وماء بارد} .
التخريج:
م: كتاب الأشربة: باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه بذلك ويتحققه تحققاً تاماً، واستحباب الاجتماع على الطعام (13/ 210 - 215).
ت: كتاب الزهد: باب ماجاء في معيشة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (4/ 583 - 585) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
الفوائد:
(1)
فيه بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وكبار أصحابه رضي الله عنهم من التقلل من الدنيا، وما ابتلوا به من الجوع وضيق العيش في أوقات، وكان صلى الله عليه وسلم في وقت يوسر ثم بعد قليل ينفد ما عنده؛ لإخراجه في طاعة الله من وجوه البر، وإيثار المحتاجين، وضيافة الطارقين، وتجهيز السرايا وغير ذلك حتى مات صلى الله عليه وسلم، وهكذا كان أكثر أصحابه
رضي الله عنهم.
(2)
جواز ذكر الإنسان ما يناله من ألم ونحوه لاعلى سبيل التشكي وعدم الرضا بل للتسلية والتصبر كفعله صلى الله عليه وسلم هنا، أو لالتماس دعاء، أو مساعدة على التسبب في إزالة ذلك العارض فهذا كله ليس بمذموم، إنما يذم ما كان تسخطاً وتجزعاً.
(3)
جواز الإدلال على الصاحب الذي يوثق به واستتباع جماعة إلى بيته.
(4)
فيه منقبة لمن استضافهم وهو أبو الهيثم بن التيّهان الأنصاري رضي الله عنه.
(5)
أن أهل اليسار من المهاجرين والأنصار مع برهم له صلى الله عليه وسلم، وإكرامهم إياه ربما لم يعرفوا حاجته في بعض الأحيان؛ لكونهم لايعرفون فراغ ما كان عنده من القوت بإيثاره به، ومن علم ذلك منهم ربما كان ضيق الحال في ذلك الوقت ولايعلم أحد من الصحابة علم حاجة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو متمكن من إزالتها ـ إلا بادر إلى ذلك لكنه كان يكتم عنهم إيثاراً لتحمل المشاق وحملاً عنهم.
(6)
جواز الشبع وما جاء في كراهته محمول على المداومة عليه؛ لأنه يقسي القلب، وينسي أمر المحتاجين
(7)
السؤال عن النعيم سؤال تعداد النعم، وإعلام بالامتنان بها، وإظهار الكرامة بإسباغها لا سؤال توبيخ وتقريع ومحاسبة والله أعلم (شرح النووي 13/ 210 - 214)، (شرح الأبي 5/ 345).
754 -
(383) حديث أنس رضي الله عنه:
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {والذي نفسي بيده لايؤمن عبد حتى يحب لجاره ـ أو قال لأخيه ـ ما يحب لنفسه} رواه مسلم والنسائي ولفظه: {والذي نفس محمد بيده لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير} وهو عند البخاري ومسلم أيضاً بدون القسم.
التخريج:
م: كتاب الإيمان: باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير (2/ 16، 17).
س: كتاب الإيمان وشرائعه: علامة الإيمان (8/ 115).
وانظر: خ: كتاب الإيمان: باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه (1/ 10)(الفتح 1/ 56، 57).
شرح غريبه:
الخير: كلمة جامعة تعم الطاعات والمباحات الدنيويه والأخروية، وتخرج المنهيات؛ لأن اسم الخير لايتناولها (الفتح 1/ 57).
الفوائد:
(1)
الترغيب في محبة الخير للغير وأنه لايتم الإيمان إلا بذلك وقد ذكر ابن الصلاح أن ذلك قد يعد من الصعب الممتنع، وقال: وليس كذلك إذ يحصل بأن يحب لأخيه في الإسلام حصول مثل ذلك من جهة لايزاحمه فيها بحيث لاتنقص النعمة على أخيه شيئاً من النعمة عليه وذلك سهل على القلب السليم وإنما يعسر على القلب الدغل عافانا الله (شرح النووي 2/ 17).
(2)
فيه الحث على التواضع فلا يحب أن يكون أفضل من غيره، وذلك لايتم إلا بترك الحسد والغل والحقد والغش، كما يترتب عليه أن يبغض لأخيه ما يبغض لنفسه من الشر ولم يذكره؛ لأن حب الشيء مستلزم لبغض نقيضه (الفتح 1/ 58).
(3)
أن الأخ إن أريد به الإنسان دخل الكافر فيه وذلك بأن يحب له الإيمان، ويحب للمؤمن ما يستتبعه الإيمان من الطاعات وتكون محبته للمؤمن على سبيل التأكيد والترجيح.
والأولى: أن المراد الأخ المسلم وقد قيدته بذلك بعض الروايات ثم إن الأخ إذا أطلق في الشرع في
مثل هذا لايتبادر إلى الذهن منه إلا أخوة الإيمان وقد أثبت الله الأخوة بين المؤمنين {إنما المؤمنون إخوة} [الحجرات: 10]. وفي التعبير بالأخ تأكيد الشفقة والرحمة والتواضع والنصرة وكمال الموازرة على كل خير (المكمل مع شرح الأبي 1/ 147).
755 -
(384) حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لاتسبوا أصحابي، لاتسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مُدّ أحدهم ولا نصيفه} رواه مسلم وابن ماجه.
ورواه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه بنحوه بدون القسم.
التخريج:
م: كتاب فضائل الصحابة: باب تحريم سب الصحابة (16/ 92).
جه: المقدمة: باب فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (1/ 57).
وانظر خ: كتاب فضائل الصحابة: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: {لو كنت متخذا خليلاً} (5/ 10)(الفتح 7/ 21).
شرح غريبه:
نصيفه: النصيف هو النصف (النهاية/نصف/5/ 65) ومعناه: لو أنفق أحدكم مثل جبل أحد ذهباً مابلغ ثوابه في ذلك ثواب نفقة أحد أصحابي مداً ولا نصف مد (شرح النووي 16/ 93).
الفوائد:
(1)
تحريم سب الصحابة جميعهم.
(2)
تفضيل الصحابة كلهم على جميع من بعدهم وسبب تفضيل نفقتهم أنها كانت في وقت الضرورة وضيق الحال بخلاف غيرهم، ولأن إنفاقهم كان في نصرته صلى الله عليه وسلم وحمايته وذلك معدوم بعده، وكذا جهادهم وسائر طاعتهم.
(3)
أن فضيلة الصحبة ـ ولو لحظة ـ لايوازيها عمل ولاتنال درجتها بشيء وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء (شرح النووي 16/ 93)، (الفتح 7/ 34، 35).
756 -
(385) حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {والذي نفسي بيده لاتذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر فيتمرغ عليه، ويقول: ياليتني كنت مكان صاحب هذا القبر، وليس به الدين إلا البلاء} رواه مسلم وابن ماجه وجاء عند البخاري مختصراً بدون القسم.
التخريج:
م: كتاب الفتن وأشراط الساعة (18/ 34).
جه: كتاب الفتن: باب شدة الزمان (2/ 1340).
وانظر خ: كتاب الفتن: باب لاتقوم الساعة حتى يُغبطَ أهل القبور (9/ 73)(الفتح 13/ 74، 75)
ثم جاء في أثناء حديث طويل في باب رقم 7120 (9/ 73، 74)(الفتح 13/ 81، 82).
شرح غريبه:
يتمرغ: التمرغ التقلب في التراب (النهاية/مرغ/4/ 320).
المعنى:
قوله: {وليس به الدين إلا البلاء} : اختلف في المراد به:
فقيل: إنهم يتمنون الموت؛ لما يقع لأحدهم من المصيبة في نفسه أو أهله أو الدنيا، وإن لم يكن في ذلك شيء يتعلق بدينه. وهذا فيه بيان لشدة البلاء حتى يكون الموت الذي هو أعظم المصائب أهون على المرء فيتمنى أهون المصيبتين في اعتقاده.
ومنه أخذ القرطبي: أن في الحديث إشارة إلى أن الفتن والمشقة البالغة ستقع حتى يخف أمر الدين، ويقل الاعتناء بأمره، ولا يبقى لأحد اعتناء إلا بأمر دنياه ومعاشه وما يتعلق به والله أعلم (الفتح 13/ 75).
وقيل: لما يرى من تغيير الشريعة أو لما يرى من البلاء والمحنة والفتنة (شرح الأبي 7/ 251).
الفوائد:
(1)
في الحديث إخبار عن شدة ستحصل ينشأ عنها هذا التمني ولم يتعرض لحكمه.
(2)
فيه إيماء إلى أنه لوفعل ذلك بسبب الدين كان محموداً ويؤيده ثبوت تمني الموت عند فساد أمر الدين (الفتح 13/ 75).
757 -
(386) حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:
وهو حديث طويل فيه ذكر خروجه صلى الله عليه وسلم ومعه الصحابة حتى قدموا عسفان فقال بعضهم: إن عيالنا ليس عندهم من يحميهم وما نحن ههنا في شيء. فبلغه صلى الله عليه وسلم فقال: {والذي أحلف به، أو والذي نفسي بيده لقد هممت أو إن شئتم ـ لا أدري أيتهما قال ـ لآمرن بناقتي تُرْحل، ثم لا أحل لها عقدة حتى أقدم المدينة} ثم دعا للمدينة بالبركة، ثم قال:{والذي نفسي بيده ما من المدينة شعب ولانقب إلا عليه ملكان يحرسانها حتى تقدموا إليها} رواه مسلم تاماً، وجاء عنده مختصراً.
وروى البخاري آخره بدون القسم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
التخريج:
م: كتاب الحج: باب فضل المدينة، ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة (9/ 146 - 148).
وانظر خ: كتاب فضائل المدينة: باب لايدخل الدجال المدينة (3/ 28)(الفتح 4/ 95)
كتاب الفتن: باب لايدخل الدجال المدينة (9/ 76)(الفتح 13/ 101).
شرح غريبه:
تُرْحل: يشد عليها الرحل (المشارق/رحل/1/ 285).
لا أحل لها عقدة: أي لا أنزل عنها فأعقلها، فأحتاج إلى حلها (المشارق/عقد/2/ 99).
شِعب: ـ بالكسر ـ هو ما انفرج بين الجبلين (المشارق/شعب/2/ 254).
نَقْب: هو الطريق بين الجبلين (النهاية/نقب/5/ 102) أي كالشعب وقيل هو الطريق في الجبل، وقيل: أنقاب المدينة: طرقها وفجاجها (شرح النووي 9/ 148).
الفوائد:
(1)
فيه فضيلة المدينة وحراستها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
كثرة الحراس، واستيعابهم الشعاب زيادة في الكرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم (شرح النووي 9/ 148).
758 -
(387) حديث أبي هرير رضي الله عنه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {يأتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه: هلمّ إلى الرخاء، هلم إلى الرخاء. والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. والذي نفسي بيده لايخرج منهم أحد رغبة عنها إلا أخلف الله فيها خيراً منه ألا إن المدينة كالكير تخرج الخبث، لاتقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد} رواه مسلم.
وعند البخاري جزء منه بدون الشاهد من حديث سفيان بن أبي زهير رضي الله عنه.
وعنده آخره مختصراً من حديث جابر رضي الله عنه.
التخريج:
م: كتاب الحج: باب المدينة تنفي خبثها، وتسمى طابة وطيبة (9/ 153).
وانظر خ: كتاب فضائل المدينة: باب من رغب عن المدينة (3/ 27)(الفتح 4/ 90) وفيه ذكر توجه الناس إلى اليمن والشام والعراق، وأن المدينة خير لهم.
باب المدينة تنفي الخبث (3/ 29)(الفتح 4/ 96) وفيه حديث جابر رضي الله عنه.
شرح غريبه:
لو كانوا يعلمون: أي بفضلها من الصلاة في المسجد النبوي، وثواب الإقامة فيها وغير ذلك أو أن {لو} بمعنى ليت فلا يحتاج إلى تقدير، وعلى الوجهين: ففيه تجهيل لمن فارقها، وآثر غيرها، والمعنيون بذلك هم الخارجون عن المدينة رغبة عنها كارهين لها، أما من خرج لحاجة أو تجارة أو جهاد أو نحو ذلك فليس بداخل في معنى الحديث (الفتح 4/ 93).
الكير: ـ بالكسر ـ كير الحداد، وهو المبني من الطين، وقيل الزِّق الذي ينفخ به النار والمبني: الكور (النهاية/كير/4/ 217).
تنفي خبثها: تخرجه عنها، وهو من النفي: الإبعاد عن البلد، يقال: نفيته أنفيه نفياً إذا أخرجته من البلد وطردته (النهاية/نفا/5/ 101).
الخبث: هو ما تلقيه النار من وسخ الفضة والنحاس وغيرهما (النهاية/خبث /2/ 5).
الفوائد:
(1)
نفي المدينة الخبث قيل: إنه مختص بزمن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لم يكن يصبر على الهجرة والمقام معه إلا من ثبت إيمانه، أما المنافقون فلا يصبرون على شدة المدينة ولايحتسبون الأجر في ذلك، وردَّ بأن الحديث فيه: {لاتقوم الساعة حتى
…
} وحمل ذلك على أنه في زمن الدجال فيحتمل أنه خاص بزمانه، ويحتمل أنه يحصل في أوقات متفرقة (شرح النووي 9/ 154).
(2)
أن المدينة خير للمرتحلين منها إلى غيرها فلو كانوا من أهل العلم لعلموا ذلك، ولم يفارقوا المدينة ففيه تجهيل لمن فعل ذلك لتفويته على نفسه أجراً عظيماً؛ لأن المدينة حرم الرسول صلى الله عليه وسلم، وجواره ومهبط الوحي ومنزل البركات، وفي الإقامة فيها فوائد دينية، وعوائد أخرويه يستحقر دونها ما يجدونه من الحظوظ الفانية العاجلة بسبب الإقامة في غيرها (الفتح 4/ 93).
(3)
احتج به على أن المدينة خير من مكة، وردّ بأن كونها:{خيراً لهم} يصدق بصورة ككونها خير من الشام مثلاً لا من كل الأرض ولا خلاف أن للمدينة فضلاً على غيرها، إنما الخلاف في تفضيلها على مكة (الفتح 4/ 92)، (العمدة 10/ 235).
(4)
أن من رحل عن المدينة كراهة لها ممن كان مستوطناً بها يبدل الله فيها خيراً منه (شرح الأبي 3/ 458، 459).
(5)
حراسة المدينة من الطاعون والدجال كما جاء في رواية البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول صلى الله عليه وسلم: {على أنقاب المدينة ملائكة لايدخلها الطاعون، ولا الدجال}
خ: كتاب فضائل المدينة: لايدخل الدجال المدينة (الفتح 4/ 95).
759 -
(388) حديث أبي ذر رضي الله عنه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {والذي نفسي بيده ما على الأرض رجل يموت فيدع إبلاً أو بقراً أو غنماً لم يؤد زكاتها} وأحال على حديث قبله فيه: {إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه تنطحه بقرونها، وتطؤه بأظلافها كلما نَفِدَت أخراها عادت عليه أولاها حتى يُقضى بين الناس} رواه مسلم.
وهو عند البخاري مطولاً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه لكن بدون القسم.
التخريج:
م: كتاب الزكاة: باب تغليظ عقوبة من لايؤدي الزكاة (7/ 74).
وانظر: خ: كتاب الزكاة: باب إثم مانع الزكاة (2/ 132)(الفتح 3/ 267).
شرح غريبه:
تطؤه بأظلافها: الظِّلف للبقر والغنم كالحافر للفرس والبغل، والخف للبعير وقد يطلق الظلف على ذات الظلف نفسها (النهاية/ظلف/3/ 159).
نفدت: أوضحتها الرواية الأخرى عند مسلم {كلما مر عليه أخراها رُد عليه أولاها} .
الفوائد:
(1)
جواز الحلف بغير تحليف بل هو مستحب إذا كان فيه مصلحة كتوكيد أمر وتحقيقه، ونفي المجاز عنه وهو كثير في الأحاديث الصحيحة (شرح النووي 7/ 74).
(2)
تعظيم إثم مانع الزكاة، والتنصيص على عظم عقوبته في الدار الآخرة. وقد نصت رواية أخرى على أن مانع زكاة الأنعام يلقى على وجهه في وطاء من الأرض وتأتي، فتطؤه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة.
(3)
مجيء الأنعام على أعظم ما كانت عليه؛ لأنها في الدنيا تكون عنده على حالات مختلفة فتأتي على أكملها سمناً وكثرة؛ ليكون أنكى له لشدة ثقلها (الفتح 3/ 268).
760 -
(389) حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {والذي نفس محمد بيده إنْ على الأرض من مؤمن إلا أنا أولى الناس به فأيكم ما ترك دَيْنا أو ضَياعاً فأنا مولاه، وأيكم ترك مالاً فإلى العَصَبة من كان} رواه مسلم، وهو عند البخاري مختصراً بدون القسم.
التخريج:
م: كتاب الفرائض (11/ 60، 61).
وانظر خ: كتاب الفرائض: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: {من ترك مالاً فلأهله} (8/ 187)(الفتح 12/ 9)
شرح غريبه:
أنا أولى الناس به: أي أنا قائم بمصالحكم في حياة أحدكم وموته وأنا وليه في الحالين. (شرح النووي 11/ 60)
ضياعاً: عيالاً وأصله: مصدر ضاع يضيع ضياعاً فسمي العيال بالمصدر كما تقول من مات وترك فقراً أي فقراء، وبكسر الضاد ضِياعاً جمع ضائع (النهاية/ضيع/3/ 107). وقيل: عيالاً محتاجين ضائعين وهذ وصف لورثة الميت أي ترك عيالاً ذوي ضياع أي لاشيء لهم (شرح النووي 11/ 60، 61).
العصبة: الأقارب من جهة الأب؛ لأنهم يُعصبونه ويعتصب بهم أي يحيطون به ويشتد بهم (النهاية/عصب/3/ 245).
من كان: يتناول أنواع المنتسبين إليه بالنفس أو بالغير ويحتمل أن مَنْ شرطية (الفتح 12/ 10).
الفوائد:
(1)
أن من ترك ديناً ولم يخلف وفاء قضاه عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، أما إن ترك مالاً فهو لورثته لا يأخذ منه صلى الله عليه وسلم شيئاً وإن ترك عيالاً محتاجين فعليه صلى الله عليه وسلم نفقتهم ومؤنتهم (شرح النووي 11/ 60، 61).
(2)
أن تسديد دين الميت كان بعد أن فتحت الفتوح، أما قبل ذلك فقد كان صلى الله عليه وسلم لايصلي على من كان عليه دين ليس له وفاء وقد روى هذا مسلم عن أبي هريرة في الموضع نفسه (الفتح 12/ 10)(شرح النووي 11/ 60).
(3)
فيه أنه لاميراث بالتبني ولا بالحلف وأن الشرع أبطلهما، وأن المال للورثة كما بُيّن في آية المواريث (شرح الأبي 4/ 323).
761 -
(390) حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم} رواه مسلم.
ورواه الترمذي بدون الشاهد من حديث أبي أيوب رضي الله عنه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: {لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقاً يذنبون يغفر لهم} .
التخريج:
م: كتاب الرقاق: باب سقوط الذنب بالاستغفار توبة (17/ 65).
وانظر: ت: كتاب الدعوات: باب في فضل التوبة والاستغفار، وما ذكر من رحمة الله لعباده (5/ 548) وقال: حسن غريب.
الفوائد:
(1)
رحمة الله بعباده ومغفرته لذنوبهم.
(2)
محبة الله للتوبة وقبولها من عباده، وأن الله تعالى كما أحب أن يعطي المحسنين أحب أن يتجاوز عن المسيئين.
(3)
أن البشر ليسوا كالملائكة المجبولين على التنزه عن الذنوب بل فيهم من يميل إلىلهوى، ويقع في الذنب فيهديه الله للتوبة ويقبلها منه (تحفة الأحوذي 9/ 523، 524).
762 -
(391) حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {والذي نفسي بيده ليهلنَّ ابن مريم بفجِّ الروحاء حاجاً أو معتمراً أو لَيثْنِينهما} رواه مسلم.
التخريج:
م: كتاب الحج: باب جواز التمتع في الحج والقران (8/ 234).
شرح غريبه:
ليهلن: الإهلال هو رفع الصوت بالتلبية يقال: أهل المحرم بالحج يهل إهلالاً إذا لبى ورفع صوته (النهاية/هلل/5/ 271).
ليثنينهما: يقرن بينهما (لسان العرب/ثنى/1/ 514).
فج الروحاء: بين مكة والمدينة وكان طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر، وإلى مكة عام الفتح وعام حجة الوداع (معجم البلدان 4/ 236).
الفوائد:
(1)
الحديث نصٌ في حياة عيسى عليه السلام.
(2)
هذا الحديث من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم؛ إذ فيه إخبار بالمغيبات. (شرح الأبي 3/ 378).
(3)
أن هذا يكون بعد نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان (شرح النووي 8/ 234).
763 -
(392) حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {والذي نفسي بيده لايسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولانصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلتُ به إلا كان من أصحاب النار} رواه مسلم.
التخريج:
م: كتاب الإيمان: باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس، ونسخ الملل بملته (شرح النووي 2/ 186).
الفوائد:
(1)
فيه نسخ الملل كلها برسالة نبينا صلى الله عليه وسلم، وأن من لم تبلغه دعوة الإسلام فهو معذور وهذا جار على الأصل القائل: أنه لاحكم قبل ورود الشرع (شرح النووي 2/ 188)(شرح الأبي 1/ 262).
(2)
أن كل من يوجد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبعده إلى يوم القيامة كلهم يجب عليهم الدخول في طاعته. وإنما ذكر اليهودي والنصراني؛ لأنهما من أهل الكتاب فإذا كان هذا شأنهم مع أن لهم
…
كتاباً فغيرهم ممن لا كتاب له أولى (شرح النووي 2/ 188).
764 -
(393) ثبت فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {والذي نفس محمد في يده ليأتين على أحدكم يوم ولايراني ثم لأن يراني أحبُّ إليه من أهله وماله معهم} رواه مسلم.
ورواه البخاري بدون القسم ولفظه: {وليأتين على أحدكم زمان لأن يراني أحبُّ إليه من أن يكون له مثل أهله وماله} .
التخريج:
م: كتاب الفضائل: باب فضل النظر إليه صلى الله عليه وسلم وتمنيِّه (شرح النووي 15/ 118).
وانظر: خ: كتاب المناقب: باب علامات النبوة في الإسلام (4/ 238)(الفتح 6/ 604).
المعنى:
المعنى والله أعلم: ليأتين على أحدكم يوم لأن يراني فيه لحظة ثم لايراني بعدها أحبُّ إليه من أهله وماله جميعاً. ومقصود الحديث حثهم على ملازمة مجلسه الكريم ومشاهدته حضراً وسفراً؛ للتأدب بآدابه وتعلم الشرائع وحفظها ليبلغوها، وإعلامهم أنهم سيندمون على ما فرطوا فيه من الزيادة من مشاهدته وملازمته والله أعلم. (شرح النووي 15/ 118 - 119).
وفيه معنى آخر هو: أنه صلى الله عليه وسلم إذا فُقد تغير الحال على أصحابه فيقع من الاختلاف والفتن والكذب ما يود أحدهم لويراه بكل ما معه من أهل ومال وهذا وقع ساعة موته صلى الله عليه وسلم حتى تداركهم الله بأبي بكر رضي الله عنه، وأهل الحل والعقد (شرح الأبي 6/ 155).
الفوائد:
الحديث من علامات النبوة لأنه صلى الله عليه وسلم أخبر فيه عما لم يقع فوقع كما قال، فإن كل أحد من الصحابة بعد موته صلى الله عليه وسلم كان يود لو كان رآه وفقد مثل أهله وماله (الفتح 6/ 607).
765 -
(394) ثبت فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {والذي نفسي بيده ليأتين على الناس زمان لايدري القاتل في أي شيء قَتل، ولايدري المقتول على أي شيء قُتل} رواه مسلم، وفي لفظ: {والذي نفسي بيده لاتذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لايدري القاتل
فيم قَتل ولا المقتول فيم قُتل؟ . قيل: كيف يكون ذلك قال الهرج القاتل والمقتول في النار}.
التخريج:
م: كتاب الفتن وأشراط الساعة (18/ 34، 35).
شرح غريبه:
الهرج: أصل الهرج الكثرة في الشيء والاتساع، والمراد قتال واختلاط (النهاية/هرج/5/ 257).
الفوائد:
(1)
الحديث علم من أعلام النبوة وقد وقع ماأخبربه صلى الله عليه وسلم (شرح الأبي 7/ 251).
(2)
أن القتال إذا كان على جهل من طلب الدنيا أو اتباع هوى فهو الذي أريد بقوله صلى الله عليه وسلم: {القاتل والمقتول في النار} .
(3)
أن القاتل والمقتول يستحقان النار لكن أمرهما إلى الله تعالى إن شاء عاقبهما، ثم أخرجهما من النار كسائر الموحدين، وإن شاء عفا عنهما فلم يعاقبهما أصلاً (الفتح 13/ 33، 34).
766 -
(395) ثبت فيه حديث حنظلة الأسدي:
قال: لقيني أبو بكر رضي الله عنه فقال: كيف أنت ياحنظلة؟ قال: قلت نافق حنظلة قال: سبحان الله ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكّرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيراً. قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا. فانطلقا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فذكرا له ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم:{والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن ياحنظلة ساعة وساعة} ثلاث مرات. رواه مسلم.
التخريج:
م: كتاب الرقاق: باب فضل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة والمراقبة وجواز ترك ذلك في بعض الأوقات والاشتغال بالدنيا (17/ 65 - 67). وهو في نسخة (شرح الأبي: كتاب التوبة 7/ 152)
شرح غريبه:
كأنَّا رأي عين: أي كأنا بحال من يراها بعينه (شرح الأبي 7/ 156).
عافسنا: المعافسة المعالجة والممارسة والملاعبة (النهاية /عفس/3/ 263).
الفوائد:
(1)
خوف الصحابة رضي الله عنهم من النفاق، وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا ليس بنفاق.
(2)
سنة الله تعالى في عالم الإنسان أن فعله متوسط بين عالم الملائكة وعالم الشياطين، وأنهم لايكلفون الدوام على الحال التي يكونون عليها في مجلسه صلى الله عليه وسلم بل ساعة كذا وساعة كذا (شرح النووي 17/ 67).
(3)
فيه رد على غلاة الصوفيه الذين يزعمون الدوام على الذكر؛ ووجهه: أن أبا بكر رضي الله عنه وهو أفضل الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لم يدّع خروجاً عن جبلة البشر ولاتعاطى دوام الذكر وعدم الفترة (شرح الأبي 7/ 156، 157).
(4)
تأكيد القول بإعادته ثلاث مرات حتى يزيل عن حنظلة ما اتهم به نفسه من النفاق (المكمل مع شرح الأبي 7/ 156، 157).