الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمجانة عدم المبالاة بالقول والفعل)) (1).
المبحث الثاني عشر: السب والشتم، والسخرية بالمؤمنين
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مُدّ أحدهم ولا نصيفَه)) (3).
قال النووي رحمه الله تعالى: ((واعلم أن سبَّ الصحابة رضي الله عنهم حرام من فواحش المحرَّمات، سواء من لابس الفتن منهم، وغيره؛ لأنهم مجتهدون في تلك الحروب متأوّلون
…
)) (4).
وعن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يرمي رجل رجلاً بالفسق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدّت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك)) (5).
(1) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب ستر المؤمن على نفسه، برقم 6096، ومسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب النهي عن هتك الإنسان ستر نفسه، برقم 2990.
(2)
سورة الحجرات الآية 11.
(3)
أخرجه البخاري، كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب، برقم 3673، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم، برقم 2540.
(4)
شرح النووي، 16/ 93.
(5)
أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب ما ينهى عن السباب واللعن، برقم 6045.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)) (1).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أيما رجل قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما)) (2).
وفي رواية مسلم: ((أيما امرئ قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه)) (3).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((المستبّان ما قالا فعلى المبتدئ منهما ما لم يعتدِ المظلوم)) (4)، ومعنى الحديث أن المتشاتمين الَّلذَين يسب كل منهما الآخر يكون إثمهما على الذي ابتدأ بالشتم ما لم يعتدِ المظلوم الحدَّ بأن سبّه أكثر وأفحش منه، أما إذا اعتدى كان إثم ما اعتدى عليه والباقي على البادي.
والحاصل إذا سبَّ كل واحد الآخر، فإثم ما قالا على الذي بدأ بالسبّ، وهذا إذا لم يعتدِ ويتجاوز المظلوم الحد، والله أعلم (5).
وعن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أيما رجل ادَّعى لغير
(1) أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب خوف المؤمن، برقم 48، ومسلم، كتاب الإيمان، باب سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر، برقم 64.
(2)
أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب من كفّر أخاه بغير تأويل فهو كما قال، برقم 6104.
(3)
أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب من قال لأخيه المسلم: يا كافر، برقم 111 - (60).
(4)
أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب النهي عن السباب، برقم 2587، وأبو داود، كتاب الأدب، باب المستبان، برقم 4894.
(5)
انظر عون المعبود شرح سنن أبي داود، 13/ 237.
أبيه وهو يعلمه إلا كفر، ومن ادّعى ما ليس له فليس منَّا، وليتبوأ مقعده من النار، ومن دعا رجلاً بالكفر، أو قال: عدوّ الله، وليس كذلك إلا حار عليه)) (1).
قال الإمام النووي رحمه الله: هذا الحديث مما عدّه بعض العلماء من المشكلات من حيث إن ظاهره غير مراد، وذلك أن مذهب أهل الحق أنه لا يكفر المسلم بالمعاصي: كالقتل، والزنا، وكذا قوله لأخيه يا كافر، من غير اعتقاد بطلان دين الإسلام، وإذا عرف ما ذكرناه فقيل في تأويل الحديث أوجه:
أحدها: أنه محمول على المستحلّ لذلك، وهذا يكفر، وعلى هذا معنى باء بها- أي بكلمة الكفر- وكذا حار عليه، وهو معنى رجعت إليه- أي كلمة الكفر - فباء، وحار، ورجع بمعنى واحد.
والوجه الثاني: معناه رجعت عليه نقيصته لأخيه، ومعصية تكفيره.
الوجه الثالث: أنه محمول على الخوارج المكفِّرين للمؤمنين، وهذا نقله القاضي عياض رحمه الله عن الإمام مالك وهو ضعيف؛ لأن المذهب المختار الذي اختاره المحققون أن الخوارج لا يكفرون كسائر أهل البدع.
والوجه الرابع: معناه أن ذلك يؤول به إلى الكفر، وذلك أن المعاصي كما قالوا: بريد الكفر، ويخاف على المكثر منها أن يكون عاقبة شؤمها المصير إلى الكفر
…
(1) أخرجه البخاري، كتاب المناقب، باب، برقم 3508، ومسلم واللفظ له، كتاب الإيمان، باب حال إيمان من رغب عن أبيه، برقم 61.
والوجه الخامس: فقد رجع عليه تكفيره، فليس الراجع حقيقة الكفر بل التكفير لكونه جعل أخاه المسلم كافراً، فكأنه كفّر نفسه، إما لأنه كفّر من هو مثله، وإما لأنه كفر من لا يكفره إلا كافر يعتقد بطلان دين الإسلام، والله أعلم.
وأما قوله: فيمن ادّعى لغير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه كفر. فقيل فيه تأويلان:
التأويل الأول: أنه في حقّ المستحلّ.
التأويل الثاني: أنه كفر النعمة، والإحسان، وحق الله تعالى، وحق أبيه، وليس المراد الكفر الذي يُخرجه من ملّة الإسلام، وهذا كما قال صلى الله عليه وسلم:((تكفرن))، ثم فسّره بكفرانهن الإحسان، وكفران العشير (1).
ونصّ الحديث كما ورد في مسلم: ((يا معشر النساء تصدّقن وأكثرن الاستغفار، فإني رأيتكنّ أكثر أهل النار)) فقالت امرأة منهن جَزْلَةٌ: وما لنا يا رسول الله، أكثر أهل النار؟ قال:((تُكثرن اللعن، وتكفرن العشير، وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لبٍّ منكنّ)) قالت:
يا رسول الله، وما نقصان العقل والدين؟ قال:((أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل، فهذا نقصان العقل، وتمكث الليالي ما تصلي، وتفطر رمضان فهذا نقصان الدين)) (2).
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: ((ومن الألفاظ المذمومة المستعملة
(1) شرح النووي على صحيح مسلم، 1/ 49.
(2)
أخرجه البخاري، كتاب الحيض، باب ترك الحائض للصوم، برقم 304، ومسلم، كتاب الإيمان، باب نقصان الإيمان بنقص الطاعات، برقم 79.