الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: شهادة الزور
المبحث الأول: تعريف الزّور
الأصل في الزور، تحسين الشيء، ووصفه بخلاف صفته، حتى يُخَيَّل إلى من يسمعه أو يراه أنه خلاف ما هو به.
والشرك قد يدخل في ذلك؛ لأنه محسّن لأهله حتى قد ظنُّوا أنه حق وهو باطل. ويدخل فيه الغناء؛ لأنه أيضاً مما يحّسنه ترجيع الصوت حتى يستحلّ سَامِعُهُ سَمَاعَه.
والكذب أيضاً: قد يدخل فيه؛ لتحسين صاحبه إياه حتى يظن صاحبه أنه حق.
فكل ذلك مما يدخل في معنى الزور؛ فإن كان ذلك كذلك فأولى الأقوال بالصواب
…
أن يقال: إن الزور كل باطل سواء كان ذلك، شركاً، أو غناء، أو كذباً، أو غيره، وكل ما لزمه اسم الزور؛ لأن الله عمّ في وصفه عباد الرحمن أنهم لا يشهدون الزور، فلا ينبغي أن يُخصّ من ذلك شيئاً إلا بحجة (1).
المبحث الثاني: الترهيب من الوقوع في شهادة الزور
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لله وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَالله أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ الله كَانَ بِمَا
(1) جامع البيان، 19/ 31 بتصرف.
تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (1).
وقال سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ} (3).
وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} (4).
وقال سبحانه وتعالى: {وَلَا تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (5).
وقال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ الله وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (6).
وقال سبحانه وتعالى: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لله ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِالله
(1) سورة النساء، الآية:135.
(2)
سورة المائدة، الآية:8.
(3)
سورة المعارج، الآيات: 33 - 35.
(4)
سورة الفرقان، الآية:72.
(5)
سورة البقرة، الآية:283.
(6)
سورة البقرة، الآية:140.
وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} (1).
وقال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} (3).
وقال سبحانه وتعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِالله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لَا تَعْلَمُونَ} (4).
قال الإمام عبد الرحمن بن الجوزي - رحمه الله تعالى -: ((قوله تعالى:
{وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لَا تَعْلَمُونَ} عامٌّ في تحريم القول في الدين من غير يقين)) (5).
وعن أبي بكرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثاً))، قالوا: بلى يا رسول الله، قال:((الإشراك بالله، وعقوق الوالدين)) وجلس وكان متكئاً فقال: ((ألا وقَولُ الزور)) فمازال يكررها حتى قلنا ليته
(1) سورة الطلاق، الآية:2.
(2)
سورة الحج، الآية:30.
(3)
سورة الإسراء، الآية:36.
(4)
سورة الأعراف، الآية 33.
(5)
زاد المسير في علم التفسير، 3/ 192.
سكت (1).
وعن خريم بن فاتك الأسدي قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم الصبح فلما انصرف قام قائماً فقال: ((عدلت شهادة الزور بالإشراك بالله عز وجل ثم تلا هذه الآية:
وعن أنس رضي الله عنه قال: سُئلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكبائر قال: ((الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وشهادة الزور)) (3).
وقد ترجم البخاري رحمه الله في صحيحه فقال: ((باب ما قيل في شهادة الزور لقول الله عز وجل))، والذين لا يشهدون الزور، وكتمان الشهادة لقوله تعالى:{وَلَا تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (4).
وقد ترجم البخاري رحمه الله في صحيحه باباً قال فيه: ((باب لا يشهد على شهادة جور إذا أُشهِد)).
(1) أخرجه البخاري، كتاب الشهادات، باب ما قيل في شهادة الزور، برقم 2654، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها، برقم 87.
(2)
أخرجه أبو داود، كتاب الأقضية، باب في شهادة الزور، برقم 3599، والترمذي، كتاب الشهادات، باب ما جاء في شهادة الزور، برقم 2300، وقال:((هذا عندي أصح))، وابن ماجه، كتاب الأحكام، باب شهادة الزور، برقم 2372، وقال عنه الألباني في ضعيف أبي داود، وضعيف ابن ماجه:((ضعيف)).
(3)
أخرجه البخاري، كتاب الشهادات، باب ما قيل في شهادة الزور، برقم 2653، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها، برقم 88.
(4)
انظر: صحيح البخاري، كتاب الشهادات، باب ما قيل في شهادة الزور
…
، 3/ 151.
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سألت أمي أبي بعض الموهبة لي من ماله. ثم بدا له فوهبها لي. فقالت: لا أرضى حتى تشهد النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ بيدي وأنا غلام فأتى بي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمه بنت رواحة سألتني بعض الموهبة لهذا، قال:((ألك ولد سواه؟)) قال: نعم، قال فأراه قال:((لا تشهدني على جور))، وفي رواية:((لا أشهد على جور)) (1).
وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)) قال عمران: ((لا أدري أذكر النبي صلى الله عليه وسلم بَعد قرنين أو ثلاثة)).
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن بعدكم قوماً يخونون ولا يؤتمنون، ويشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن)) (2).
وعن عبيدة عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته)).
قال إبراهيم: ((وكانوا يضربوننا على الشهادة، والعهد)) (3).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما الكبائر؟ قال: ((الإشراك بالله))،قال: ثم ماذا؟
(1) أخرجه البخاري، كتاب الشهادات، باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد، برقم 2650.
(2)
أخرجه البخاري، كتاب الشهادات، باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد، برقم 2651، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب فضل الصحابة رضي الله عنهم، برقم 2535.
(3)
أخرجه البخاري، كتاب الشهادات، باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد، برقم 2652، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم،باب فضل الصحابة رضي الله عنهم،برقم 212 - (2533)،وليس فيه قول إبراهيم.