الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قرنه إلى قدمه فأصبح أعلم أهل الأرض وعرضت على داود فقبلها ولم يشترط شيئا فكان لقمان إذا دخل عليه قال له داود افلت يا لقمان ووقع داود انتهى. وقوله قضى به على جملة في محل جر صفة لرب بالتنوين وجملة وجنة الفردوس لي وراثة في موضع نصب على الحال من نائب فاعل أرى ومعنى كونها وراثة له أن يكون من أهلها
باب القضاء وما يتعلق به
أي من أركانه وشروطه ومستحباته وغير ذلك مما يأتي ذكره أن شاء الله تعالى والأصل في مشروعية القضاء الكتاب قال الله تعالى {يا داود أنا جعلناك خليفة في الأرض فأحكم بين الناس بالحق} وقال تعالى {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس} . وقال تعالى {وأن أحكم بينهم بما أنزل الله} . والسنة. روى عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضيا إلى اليمن. وفي الموطأ أنه عليه الصلاة والسلام قال إنما أنا بشر مثلكم وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون الحن بحاجته من بعض فأقضي له على نحو ما اسمع والحن بالنون معناه أفهم وفي تفسير القرطبي قال مالك رحمه الله تعالى كان الخلفاء يقضون بأنفسهم وأول من استقضى معاوية رضي الله عنه يعني بالمدينة وفي موضع الخلافة وأما سائر المدائن والكور فقدموا لها قضاة قالوا وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه استقضى عليا ومعاذا وغيرهما. قيل أول قاض استقضى في الإسلام عبد الله بن نوفل بن الحارث استقضاه معاوية وقيل غير ذلك كما في اختصار المتيطية. والقضاء من أشرف أنواع الولايات الشرعية وأعظمها قدرا وأجرا وإلى هذا يشير الشيخ الزقاق بقوله
لها خطط في قضاء مظالم
…
وسوق ورد شرطة مصر انجلا
وأعظمها قدرا وأكمل منظرا
…
قضاء نعم أن أم قاض علا علا
فإن الحكم بالعدل من أفضل أعمال البر وأعلا درجات الأجر. قال الله تعالى
{فأحكم بينهم بالقسط أن الله يحب المقسطين} أي العادلين. وقال صلى الله عليه وسلم المقسطون على منابر من نور يوم القيامة الحديث لكن خطره عظيم لأن الجور في الأحكام وإتباع الهوى فيها من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر. قال الله عز وجل {وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا أس الجائرون} . وقال صلى الله عليه وسلم أن اعتى الناس على الله وأبغض الناس إلى الله وأبعد الناس من الله رجل ولاه الله من أمر أمة محمد شيئا ثم لم يعدل فيهم الحديث. وفرض الله سبحانه وتعالى على الناس التسليم والانقياد لهم فقال تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما. وقال تعالى وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أطاعني فقد أطاع الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصا أميري فقد عصاني الحديث فمن عصا إماما أو قاضيا أو حاكما فيما أمر به من الحق فقد عصا الله ورسوله إلا أن يقضي بغير حق فإن طاعته لا تجوز لقوله عليه الصلاة والسلام لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق الحديث إلا أن يخشى المخالفة الهرج أو الفساد فتجب طاعته حينئذ. وحكمته رفع التشاجر ورد الثوابت وقمع الظالم ونصر المظلوم وقطع الخصومات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والواجب تعظيم هذا المنصب الشريف ومعرفة مكانته من الدين فيه بعثت الرسل عليهم الصلاة والسلام. قال الله تعالى {يا داود أنا جعلناك خليفة في الأرض الآية وبالقيام به قامت السموات والأرض} . قال الله تعالى {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض} وفي الديباج سمع أبو الفضل قرعوس بن العباس مالكا والثوري يقولان سلطان جائر سبعين سنة خير من أمة سائبة ساعة من النهار. وحكم الشرع فيه أنه فرض كفاية ولا يتعين على أحد إلا أن لا يوجد منه عوض فإنه يتعين عليه ويجبر على القبول أن امتنع منه. وقد يكون حراما بأن يكون جاهلا أو قاصدا به تحصيل الدنيا من الاخصام أو جائزا. ويكون مستحبا كتوليته لإشهار علمه. ويكون مباحا كقصد الارتزاق
به من بيت المال لفقره وكثرة عياله أو دفع ضرر به عن نفسه من غير ارتكاب ما يوجب التحريم أو الكراهية. ويكون مكروها كتوليته لقصد تحصيل جاه من غير انفه على غيره وإلا حرم. والقضاء بالمد أصله في اللغة الحكم قال أبو منصور الأزهري القضاء في اللغة على وجوه مرجعها إلى انقضاء الشيء وتمامه والقضاء الفصل في الحكم انتهى. وقال غيره يرد بمعنى الأمر ومنه قوله تعالى {وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه} أي أمر ويصح أن يكون بمعنى حكم أي حكم عليكم بذلك تعبدوا أي أوجب عليكم ذلك وألزمكم إياه وهو سبحانه قد يوجب الشيء ويريد خلافه كما أوجب الإيمان وألزمه للعباد وأراد من بعضهم خلافه ولا يصح أن يكون قضاء إمضاء وإرادة لأنه لو كان كذلك لما عبد أحد غيره كما أنه قضى بالموت فليس أحد ينجوا منه لأنه قضاء إمضاء. ويرد بمعنى الإعلام ومنه قضيت لك بكذا أي أعلمتك به. والوحي ومنه قوله تعالى {فاقض ما أنت قاض} وقول الشاعر.
وعليها مسرودتان قضاهما
…
داود أو صنع السوابغ تبع
والإرادة ومنه فإذا قضى أمرا كان مفعولا. والموت ومنه ليقض علينا ربك. والكتابة ومنه وكان أمرا مقضيا. والفراغ من الشيء ومنه قالوا أنصتوا فلما قضى أي فرغ. قال ابن عرفه بقوله صفة حكمية توجب لوصفها نفوذ حكمه الشرعي ولو بتعديل أو تجريح لا في عموم مصالح المسلمين. فقوله رحمه الله تعالى صفة جنس يشمل جميع الصفات سواء كانت حسية كالبياض والسواد أو معنوية كالعلم والحياة أو حكمية كالطهارة والقضاء. والصفة الحكمية حال تعتبر ذهنا وتقدر موجودة في المحل وإن كانت لا وجود لها في الخارج كالأولين. وإنما تثبت صفة القضاء بتقديم
من أريد وصفه بتلك الصفة للحكم بين الناس فبقوله حكميه يخرج الأولان. وبقوله حكمه الشرعي أي نفوذ كل حكم شرعي فالعموم مستفاد من الإضافة يخرج التحكيم لأن المحكم ليس بهذه الحالة وإنما له صفة توجب نفوذ حكمه الشرعي الخاص في قضية شخصية التي حكمه الخصمان فيها وبمجرد الفراغ منها زالت عنه تلك الصفة كما تخرج به ولاية المظالم والسوق والرد والشرطة والمصر المتقدمة في كلام الزقاق وذلك لأنها خاصة ببعض الأحكام كما هي مبينة في شرحها. وقوله ولو بتعديل أو تجريح هو مبالغة في مقدر معطوف عليه أي نفوذ حكمه في كل شيء حكم به ولو كان الذي حكم به تعديلا أو تجريحا فيكون التعديل والتجريح من متعلقات الحكم. وقوله لا في عموم مصالح المسلمين يخرج به الإمامة العظمى إذ ليس للقاضي ترتيب الجيوش ولا قسمة الغنائم ولا تفرقة مال بيت المال ولا قتل البغاه ولا الإقطاعات بخلاف الإمام فإن نظره أعم. وقوله
(منفذ بالشرع للأحكام
…
له نيابة عن الإمام)
يعني أن المنفذ للأحكام الشرعية على الخصوم هو القاضي لنيابته عن صاحب الإمامة العظمى وهي عبارة عن نيابة شخص عن النبي صلى الله عليه وسلم في إقامة قوانين الشرع وقواعده وحفظ الملة والدين على وجه يجب إتباعه على كافة الأمة. وحيث كان نائبا عنه فله عزله لسبب أو لغير سبب غير أنه إذا كان مشهورا بالعدالة لا ينبغي للإمام عزله إلا لمصلحة كما إذا وجد من هو أكمل منه وإذا عزله فإنه يبريه من ذلك لأن العزل مظنه تطرق الكلام في المعزول وإن عزله لسخط فإنه يظهر عيبه للناس لئلا يتولى عليهم بعد. ولما كان القاضي نائبا عن الإمام وخليفته في الأحكام الشرعية بين الأنام وأن النيابة عنه في ذلك لا تصح إلا لمن توفرت فيه شروطها شرع الناظم رحمه الله تعالى في بيانها مع بعض الصفات المستحبة فقال
(واستحسنت في حقه الجزالة
…
وشرطه التكليف والعدالة)
(وأن يكون ذكرا حرا مسلم
…
من فقد رؤية وسمع وكلم)
(ويستحب فيه العلم والورع
…
مع كونه الحديث للفقه جمع)
وهذه الأبيات الثلاثة مشتملة على بعض شروط القاضي ويعبر عنها بالصفات لأنها قائمة به وهي قسمان شروط صحة يلزم من عدمها أو عدم واحد منها عدم صحة ولايته أو عدم دوامها وشروط الصحة التكليف والذكورة والحرية والعدالة وتتضمن الإسلام وكونه سميعا بصيرا متكلما. ومن شروط الكمال الجزالة وهي أصالة الرأي والاقتدار على التطبيق والعلم على أحد قولين وهي طريقة ابن رشد والمشهور أنه شرط صحة في استمرار ولايته والورع وجمعه بين الفقه والحديث أو الأصول كما يوجد في بعض النسخ وفي لب اللباب وشروط صحة توليه القاضي أن يكون حرا عاقلا بالغا عدلا عالما مجتهدا وشروط الكمال أن يكون غنيا ورعا ليس بمديان ولا محتاجا بلديا معروف النسب ليس بولد زنى ولا ولد لعان جزلا فطنا نافذا غير مخدوع ولا محدود ذا نزاهة عليا عن الخصوم مستخفا بالايمة أي غير هيوب لهم يدير الحق على من دار عليه مستشيرا لأهل العلم ذا رحمة ونصيحة كثير التحرز من الحيل عالما بما لابد منه من العربية واختلاف معاني العبارات عالما بالشروط بعيدا عن السهو غير زائد في الدهاء. وأما كونه سميعا بصيرا متكلما فغير شرط وولاية من ليس كذلك منعقدة لكن يجب عزله قال مالك ولا أعلم أن صفات القضاء تجتمع اليوم في أحد فإن أجتمع منها خصلتان العلم والورع كان واليا ابن حبيب فإن لم يكن علم فالعقل والورع فبالورع يقف وبالعقل يسأل ثم ذكر محل جلوسه فقال
(وحيث لاق للقضاء يقعد
…
وفي البلاد يستحب المسجد)
يعني أن القاضي يجلس للقضاء والفصل بين الخصوم في المكان الذي يليق به وبالخصوم كان في بادية أو حاضرة لكن أن كان في حاضرة استحب جلوسه في المسجد