المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الوكالة وما يتعلق بها - توضيح الأحكام شرح تحفة الحكام - جـ ١

[عثمان بن المكي التوزري]

الفصل: ‌باب الوكالة وما يتعلق بها

فإنه يجيبه إلى سؤال ويؤخره كاليوم ونحوه وله النظر في الزيادة بحسب الحال والمال كما تقدم أن جاء بضامن بالمال أو برهن فإن لم يأت بواحد منها سجن وإنما ذكر الناظم هاته المسئلة التي هي من باب المديان هنا لمناسبتها بمسائل الباب في مطلق الضمان وقوله وأخروا أي الحكام والله أعلم.

‌باب الوكالة وما يتعلق بها

أي هذا باب في بيان أركان الوكالة وحكمها وبيان ما يتعلق بها من اختلاف الوكيل والموكل وانعزاله وعدم انعزاله ونحو ذلك من لواحق الباب (والوكالة) لغة لها معان منها الشهادة كقول الله عز وجل {والله على ما نقول وكيل} أي شهيد لأن الشهيد وكيل بمعنى أنه موكول إليه قاله الرازي في سورة يوسف عليه السلام (ومنها) الحفظ والكفاية والكفالة وقد فسر بالثلاثة قول الله تعالى {ألا تتخذوا من دوني وكيلا} وفي المصباح وكلت الأمر إليه وكلا من باب وعد ووكولا فوضته إليه واكتفيت به والوكيل فعيل بمعنى مفعول لأنه موكول إليه ويكون بمعنى فاعل إذا كان بمعنى الحافظ ومنه حسبنا الله ونعم الوكيل والجمع وكلاء ووكلته توكيلا فتوكل قبل الوكالة وهي بفتح الواو والكسر لغة وتوكل على الله اعتمد عليه ووثق به واتكل عليه في أمره كذلك والاسم التكلان بضم التاء وتواكل القوم تواكلا اتكل بعضهم على بعض ووكلته إلى نفسه من باب وعد وكولا لم أقم بأمره ولم أعنه انتهى (وشرعًا) عرفها الإمام ابن عرفة بقوله الوكالة نيابة ذي حق غير ذي إمرة ولا عبادة لغيره فيه غير مشروطة بموته فتخرج نيابة إمام الطاعة أميرًا أو قاضيًا أو صاحب صلاة والوصية اهـ أي فكل واحد من الأمير والقاضي وإمام الصلاة والوصي لا يسمى وكيلًا في العرف وبعبارة أخرى فقول الشيخ نيابة ذي حق هو من إضافة المصدر إلى فاعله وقوله ذي حق أخرج به من لا حق له وقوله غير ذي إمرة بكسر الهمزة أخرج به نيابة إمام الطاعة أميرًا أو قاضيًا وقوله ولا عبادة أخرج به إمام الصلاة وقوله غير مشروطة

ص: 177

بموته أخرج به الوصية فالأربعة المذكورة لا يطلق عليها لفظ الوكيل عرفًا وقوله لغيره متعلق بنيابة وكذا فيه وضمير لغيره عائد على صاحب الحق وضمير فيه عائد على الحق قال البناني في حاشيته على الزرقاني والظاهر أن هذا التعريف غير جامع لخروج قسم من أقسام الوكالة وهو توكيل الإمام في حق له قبل شخص فلو أسقط ذي من قوله ذي إمرة وجعل غير نعت لحق لكان شاملا لها تأمل انتهى (والأصل) في مشروعيتها الكتاب قال الله تعالى {فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة} الآية وقال تعالى {والعاملين عليها} وقال عز وجل {اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأتي بصيرًا} . والسنة فقد وكل النبي صلى الله عليه وسلم أبا رافع على نكاح ميمونة وقد روى جابر بن عبد الله قال أردت الخروج إلى خيبر فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت له أني أريد الخروج إلى خيبر فقال ائت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقا فإن ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته وقد وكل عمرو بن أمية الضمري على عقد نكاح أم حبيبة بنت أبي سفيان عند النجاشي وأم حبيبة رضي الله عنها اسمها كما في تاريخ الطبري رملة بنت أبي سفيان بن حرب وأمها صفية بنت أبي العاص ابن أمية بن عبد شمس عمة عثمان بن عفان تزوجها عبيد الله بن جحش فولدت له حبيبة فكنيت بها وكان عبيد الله بن جحش هاجر بأم حبيبة معه إلى أرض الحبشة ثم مات بها مرتدًا وبقيت أم حبيبة على إسلامها قالت فلما انقضت عدتي جاءتني أبرهة جارية النجاشي وقالت أن الملك يقول لك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلي أن أزوجكه فقلت لها بشرك الله بخير فقالت أن الملك يقول لك وكلي من يزوجك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلت إلى خالد بن سعيد بن العاص فوكلته فلما كان العشي أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب ومن هناك من المسلمين فحضروا فخطب النجاشي فقال الحمد لله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأنه الذي بشر به عيسى ابن مريم عليه السلام أما بعد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلي أن أزوجه أم حبيبة

ص: 178

بنت أبي سفيان فأجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصدقتها أربعمائة دينار ثم سكب الدنانير بين يدي القوم فتكلم خالد بن سعيد فقال الحمد لله أحمده وأستعينه وأستنصره وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون أما بعد فقد أجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجته أم حبيبة ابنة أبي سفيان فبارك الله لرسوله ودفع الدنانير إلى خالد بن سعيد فقبضها ثم أرادوا أن يقوموا فقال اجلسوا فإن سنة الأنبياء إذا تزوجوا أن يؤكل طعام على التزويج فدعا بطعام فأكلوا ثم تفرقوا وإنما أطلت بذكر هاته القصة لما فيها من الفوائد المهمة تاركا لما لا حاجة لنا به منها (وحكم) الشرع فيها لذاتها الجواز ويطرأ لها سائر الأحكام بحسب متعلقها كقضاء دين تعين لا يوصل إليه إلا بها والصدقة والبيع المكروه والحرام ونحو ذلك كما في البناني نقلا عن ابن عرفة. وفي ابن فرحون ولا تجوز الوكالة من المتهم بدعوى الباطل ولا المجادلة عنه قال ابن العربي في أحكام القرآن في قوله تعالى {ولا تكن للخائنين خصيمًا} أن النيابة عن المبطل المتهم لا تجوز بدليل قوله تعالى لرسوله عليه السلام {واستغفر الله أن الله كان غفورًا رحيمًا} انتهى. وقال ابن العطار لا يصلح للرجل أن يوكل أباه ليطلب له حقه لأن ذلك استهانة للأب كما في الحطاب (وفيه) أيضا نقلا عن ابن سهل قال محمد بن لبابة كل من ظهر منه عند القاضي لدد وتشعيب في خصومة لا ينبغي أن يقبله في وكالة ولا يحل إدخاله اللدد على المسلمين (وحكمة) مشروعيتها التعاون والتعاضد ولا خفاء في ذلك من المصالح العامة إذ يعجز كل أحد عن تناول أموره إلا بمعونة من غيره أو يترفه فيستنيب من يريحه حتى جاز ذلك في بعض العبادات لطفا منه سبحانه ورفقا بضعفة الخليقة (وأركانها) ثلاثة العاقد والمعقود عليه والصيغة (فالصيغة) لفظ أو ما يقوم مقامه يدل على معنى التوكيل. والمعقود عليه أي الأمر الموكل فيه وهو ما تصح فيه النيابة كالبيع والنكاح والضمان لا ما كان كالصلاة والصيام والإيمان (قال) ابن العربي في أحكام القرآن والوكالة جائزة في كل حق تجوز النيابة فيه

ص: 179

وقد مهدنا ذلك في كتب المسائل تحريره في خمسة وعشرين (الأول) الطهارة وهي عبادة تجوز النيابة منها في صب الماء خاصة على أعضاء الوضوء ولا تجوز على عركها إلا أن يكون المتوضيء مريضًا لا يقدر عليه (الثاني) النجاسة (الثالث) الصلاة ولا تجوز النيابة فيها بحال بإجماع من الأمة وإنما يؤديها المكلف ولو بإشفار عينيه إلا في ركعتي الطواف (الرابع) الزكاة وتجوز النيابة في أخذها وإعطائها (الخامس) الصيام ولا تجوز النيابة فيه بحال إلا عند الشافعي وأحمد وجملة من السلف الأول وقد بيناه في مسائل الخلاف (السادس) الاعتكاف وهو مثله (السابع) الحج (الثامن) البيع وهي المعاوضة وأنواعها (التاسع) الرهن (العاشر) الحجر يصح أن يوكل الحاكم من يحجر وينفذ سائر الأحكام عنه. وكذلك الحوالة والضمان والشركة والإقرار والصلح والعارية فهذه ستة عشر مثالا. وأما الغصب فإن وكل فيه كان الغاصب الوكيل دون الموكل لأن كل محرم فعله لا تجوز النيابة فيه. ويتبع ذلك الشفعة والقرض. ولا يصح التوكيل في اللقطة. وأما قسم الفيء والغنيمة فتصح النيابة فيه. والنكاح وأحكامه تصح النيابة فيه كالطلاق والإيلاء يمين لا وكالة فيه. وأما اللعان فلا تصح الوكالة فيه بحال. وأما الظهار فلا تصح النيابة فيه لأنه منكر من القول وزور ولا يجوز فعله. والخيانات لا يصح التوكيل فيها لهذه العلة من أنها باطل وظلم. ويجوز التوكيل على طلب القصاص. واستيفائه. وكذلك في الدية. ولا وكالة في القسامة لأنها إيمان. ويصح التوكيل في الذكاة. وفي العتق وتوابعه إلا في الاستيلاد فهذه خمسة وعشرون مثالا تكون دستورا لغيرها وإن كان لم يبق بعدها إلا يسير فرع لها انتهى وقال القرافي الأفعال قسمان منها ما يشتمل فعله على مصلحة مع قطع النظر عن فاعله كرد الودائع وقضاء الديون ورد الغصوبات وتفريق الزكوات والكفارات ولحوم انتفاع أهلها بها وذلك حاصل ممن هي عليه لحصولها من نائبه ولذلك لم تشترط النيات في أكثرها (ومنها) ما لا يتضمن مصلحة في نفسه بل

ص: 180

بالنظر إلى فاعله كالصلاة فإن مصلحتها الخشوع والخضوع وإجلال الرب سبحانه وتعالى وتعظيمه وذلك إنما يحصل فيها من جهة فاعلها فإذا فعلها غير الإنسان فانت المصلحة التي طلبها صاحب الشرع ولا توصف حينئذ بكونها مشروعة في حقه فلا تجوز النيابة فيها إجماعًا. ومنها قسم متردد بين هذين القسمين فتختلف العلماء رحمهم الله في أي الشائبتين تغلب عليه كالحج فإن مصالحه تأديب النفس بمفارقة الأوطان وتهذيبها بالخروج عن المعتاد من المخيط وغيره لتذكر المعاد والاندراج في الأكفان وتعظيم شعائر الله في تلك البقاع وإظهار الانقياد من العبد لما لم يعلم حقيقته كرمي الجمار والسعي بين الصفا والمروة والوقوف على بقعة خاصة دون سائر البقاع وهذه مصالح لا تحصى ولا تصلح إلا للمباشر كالصلاة في حكمها ومصالحها فمن لاحظ هذا المعنى وهو مالك رضي الله عنه ومن وافقه قالوا لا تجوز النيابة في الحج ومن لاحظ الفرق بين الحج والصلاة ومشابهة النسك في المالية فإن الحج والشائبة الأولى أقوى وأظهر وهي التي تحصل في الحج بالذات والمالية إنما حصلت بطريق العرض كما تحصل فيمن احتاج للركوب إلى الجمعات فاكترى لذلك فإن المالية عارضة في الجمعات ولا تصح النيابة فيها إجماعًا فكذلك ينبغي في الحج وهو الأظهر وبه يظهر رجحان مذهب مالك رحمه الله على غيره والله سبحانه أعلم اهـ وتعقبه ابن الشاط بوجود الخلاف في الصلاة والصيام أيضا (والعاقد) ويتناول الموكل بكسر الكاف والوكيل وإليهما أشار الناظم مع بيان الحكم بقوله

(يجوز توكيل لمن تصرفا

في ماله لمن بذاك اتصفا)

يعني أنه يجوز لمن تصرف في ماله وهو البالغ الرشيد أن يوكل مثله بالغا رشيدا على طلب حقوقه واستخلاص ديونه والبيع والابتياع ونحوها من كل ما تصح فيه النيابة شرعا وفهم منه أن المولى عليه لا يوكل ولا يكون وكيلا وهو كذلك لكن جرى العمل بجواز توكيله على طلب حقوقه المالية أما غيرها فهو كالرشيد فيها ولا يمكن

ص: 181

من قبض المال إلا إذا كان نفقة ولا يضمن في عقد توكيله الإقرار وكذا الوصي والمقدم إذا وكل كل واحد منهما في حق المحجور لأن إقراره في الأموال لا يلزم. وكان ابن الهندي عقد وثيقة توكيل وصي عن خجوره وضمن فيه الإقرار على اليتيم وفي أحكام ابن سهل قال ابن عتاب وهو خطأ من ابن الهندي ولا يوكل المحجور إلا في طلب نفقته وفي كسوته وفي ضرر البدن وفي الشروط المشترطة يشير بقوله وفي ضرر البدن وفي الشروط المشترطة إلى مسألة الزوجة المولى عليها فإن وليها لا يقبل الكلام منه مع زوجها إلا بتوكيل منها لأن لها إسقاط ذلك عن زوجها ولا كلام لوليها فيه (وفي) كفاية المبتدي للشيخ إسماعيل التميمي ما نصه وكل فلان السفيه البالغ فلانا على طلب نفقته وكسوته من وصية فلان وعن المحاكمة عنه في ذلك والمخاصمة والإدلاء بالحجة وإقامة البينات وتقييد المقالات وقبض ذلك والأبرأ منه شهد عليه بذلك من أشهده وهو صحيح في عقله وبدنه بحال طوع ورضى وعرفه بتاريخ كذا انتهى (تنبيه) الذي جرى به العمل عدم اشتراط قبول الوكيل الوكالة لأن قيامه بها يدل على رضاه ولو تأخر عن وقت التوكيل ثم قال

(ومنعو التوكيل للذمي

وليس أن وكل بالمرضي)

يعني أنه لا يجوز لمسلم أن يوكل كافرًا في بيع أو شراء وتقاض لأنه لا يتوقى ما هو حرام من ذلك أما توكيله على الخصام ونحوه فإنه مكروه كما يكره أن يكون مسلم وكيلا لكافر لما فيه من الإهانة بخدمته وهو معنى قوله وليس أن وكل بالمرضي فقوله أن بفتح الهمزة مصدرية وجملة وكل بفتح الواو من الفعل والفاعل صلة أن وهي وما دخلت عليه في تأويل مصدر اسم ليس وخبرها بالمرضي وقوله

(ومن على قبض صبيًا قدمًا

فقبضه براءة للغرما)

يعني أن البالغ الرشيد إذا وكل صبيا على قبض ماله فقبضه ممن هو عليه فقبضه يكون براءة لذلك الغريم وقوله صبيا مفعول مقدم لقدما وألفه للإطلاق وقوله

ص: 182

(وجاز للمطلوب أن يوكلا

ومنع سحنون له قد نقلا)

قل المتيطي فإذا أراد الرجل التوكيل جاز ذلك له طالبا كان أو مطلوبا هذا هو القول المشهور الذي جرى عليه العمل وكان سحنون لا يقبل من المطلوب وكيلا إلا من امرأة لا يخرج مثلها أو مريض أو مريد سفر أو من تبين عذره أو من كان في شغل الأمير أو على خطة لا يستطيع مفارقتها كالحجابة وكان يقبل التوكيل من كل طالب انتهى وقال ابن عرفة لا يوكل المطلوب أن ظهر منه اللدد (ولما) كانت الوكالة على نوعين مطلقة ومقيدة شرع في بيانها وبدا بالمطلقة وتسمى الوكالة المفوضة فقال

(وحيثما التوكيل بالإطلاق

فذلك التفويض باتفاق)

(وليس يمضي غير ما فيه نظر

إلا بنص في العموم معتبر)

(وذا له تقديم من يراه

بمثله أو بعض ما اقتضاه)

الأبيات الثلاثة يعني أن التوكيل المفوض هو الذي لم يقيد بشيء كان يقول إنسان لآخر وكلتك أو أنت وكيلي فهو توكيل مفوض في كل شيء فإن لم يطلق بل قيد كقوله وكلت فلانا على بيع كذا أو ابتياع كذا أو على الخصام ونحو ذلك اختص به كما يأتي في النوع الثاني وما درج عليه الناظم من الاكتفاء بوكلتك أو أنت وكيلي بدون ذكر التفويض طريقة ضعيفة فضلا عن كونها متفقا عليها والطريقة الراجحة أن الإطلاق وحده لا يفيد ولا يصح به توكيل بل حتى يذكر التفويض بأن يقول وكلته وكالة مفوضة أو فوضت إليك أموري. وحيث كان الوكيل معزولا عن المصلحة المرجوحة فلا يمضي من فعله إلا ما كان نظرا ومصلحةح وإلا فلا يمضي عليه ما فعله إلا إذا نص له في التوكيل على إمضاء فعله سواء كان نظرا أو غير نظر قال العلماء إلا في أربعة أشياء طلاق وزوجته وإنكاح بكره وبيع عبده أو داره فلا يمضي شيء منها إلا بالتنصيص عليه والمراد بالنظر وغير النظر فيما عند الناس أما السفه فلا يجوز بحال

ص: 183

إذ لا يأذن الشرع فيه ويضمن الوكيل أن وقع وكذلك يجوز له أن يوكل عن موكله غيره بمثل ذلك أو بما يقتضيه نظره من معاني التفويض المذكور وقيل ليس له أن بفعل ذلك إلا بالتنصيص عليه قال ابن ناجي وبه العمل وزادوا عليها فروعا أخر لا بد من التنصيص عليها أيضا وهي حصر الدعوى والإبراء العام والصلح كما في برنامج عظوم وفي الزقاقية

وهل مطلق التوكيل كاف فامضين

به نظرا كالذ بتفويض انجلا

سوى زوجة دار وبكر وعبده

أم الحكم بطلان وذا صح فاقبلا

أي ولا تعمل بمطلق التوكيل لأنه باطل وقد نظمت ما الحق بالأربعة المذكورة فقلت

كذلك توكيل وحصر لدعوة

والإبراء مع صلح فحصلها تفضلا

وقيد بعضهم الدار بالسكنى والذي به العمل العقار مطلقًا كما في ابن ناجي (تنبيه) يمنع معاوضة الوكيل لنفسه للتهمة وبقوله وذا الإشارة راجعة للوكيل المفوض إليه ثم أشار إلى النوع الثاني بقوله

(ومن على مخصص وكل لم

يقدم إلا أن به الجعل حكم)

يعني أن من وكل على شيء مخصوص كبيع أو خصام لم يجز له أن يوكل غيره على ذلك إلا إذا جعل له موكله توكيل الغير عليه وقوله من شرطية وعلى مخصص بفتح الصاد صفة لموصف محذوف أي شيء مخصص متعلق بوكل بضم أوله مبني للنايب فعل الشرط ولم يقدم بكسر الدال المشدد جواب الشرط وإلا استثنائية وإن شرطية. وبه يتعلق بحكم وضميره يعود على التقديم المفهوم من قوله لم يقدم والجعل بفتح الجيم بمعنى الجاعل أي الموكل فاعل بفعل محذوف يفسره حكم والله تعالى أعلم وقوله

(وما من التوكيل لاثنين فما

زاد من الممنوع عند العلماء)

يعني أن الفقهاء والقضاة لم يجوزوا للإنسان أن يوكل وكيلين على آخر في نازلة واحدة لما فيه من الضرر على الموكل عليه أما على غير الخصام من بيع ونحوه فله أن يوكل واحد أو أكثر والحكم للسابق في الفعل وقوله

ص: 184

(والنقص للإقرار والإنكار من

توكيل الاختصام بالرد فمن)

(وحيث الإقرار أتى بمعزل

عن الخصام فهو غير معمل)

يعني أن توكيل الخصام إذا تجرد عن الإقرار والإنكار فإنه لا يعمل به لنقصه وإن لخصمه أن يلزمه بالتوكيل على هذين الأمرين على المشهور وبه العمل إذا كان الموكل بالغا رشيدًا وقد اشتمل البيت الأول على أن نقص الإقرار والإنكار من وكالة الخصام يوجب رد الوكالة كما قررنا وفهم من قوله توكيل الاختصام أن التوكيل المفوض لا يرد بعدم النص عليهما وهو كذلك كما مر ومعنى البيت الثاني هو أن الوكيل إذا أقر على موكله بما هو خارج عن الخصومة فإن إقراره لا يلزمه موكله وله رده على الصحيح كما في التبصرة وقوله

(ومن على خصومة معينة

توكيله فالطول لن يوهنه)

يعني أن من وكل على خصومة مخصوصة كقبض إرث من فلان وعلى المخاصمة معه في ذلك وطال الزمن بأن مضى عليه نصف عام فأكثر فيما بين التوكيل والقيام به أو فيما بعد المناشبة وقبل التمام فإن ذلك الطول لا يوهن توكيله ولا يضعفه ولا يسأل من وكله هل هو باق على توكيله أم لا وفهم منه أن المعينة إذا انقضت فليس له أن يخاصم في غيرها وهو كذلك. وقوله ومن على خصومة إلخ من اسم موصول مبتدأ وجعله على خصومة معينة توكيله من المبتدأ والخبر صلة الموصول وجملة فالطول لن يوهنه من المبتدأ والخبر خبر المبتدأ الذي هو من والضمير المستتر في يوهنه يعود على الطول وضميره البارز يعود على التوكيل وأشار إلى مفهوم معينة وهو إذا كانت الوكالة على مخاصمة مبهمة بقوله

(وإن يكن قدم للمخاصمة

وتم ما أراد مع من خاصمه)

(ورام أن ينشيء أخرى فله

ذاك إذا أطلق من وكله)

ص: 185

(ولم يجز عليه نصف عام

من زمن التوكيل للخصام)

الأبيات الثلاثة يعني أن من وكل على خصومة مبهمة بأن قال إنسان لآخر وكلتك على المخاصمة عني من غير تقييد بخصومة معينة كما مر وتم خصامه في نازلة ثم أراد أن يشرع في خصومة أخرى مع الأول أو مع غيره فله ذلك بشرطين أحدهما الإطلاق في الوكالة الثاني أن لا يجوز عليه نصف عام من الفراغ من الأولى لإنشاء الثانية وإلا فليس له ذلك ويجدد توكيله لانعزاله بطول المدة إلا إذا كان توكيله مفوضًا أو فيه الدوام والاستمرار فلا ينعزل حينئذ إلا بالتصريح بالعزل قال التاودي في شرح الزقاقية إذا وكله على الخصومة عند قاض معين فليس له أن يخاصم عند غيره وهذا إذا لم يكن مفوضًا وإلا خاصم من شاء عند من شاء متى شاء ولا مفهوم للخصومة بل الحكم يعمها وغيرها لقول المتيطي في التوكيل على النكاح أن سقط من رسمه دائمة مستمرة وطال أمد التوكيل ستة أشهر سقط إلا بتوكيل ثان. وقول الناظم من زمن التوكيل للخصام الأولى من زمن السكوت ليشمل ما إذا لم يشرع في الخصام أو شرع وسكت وقوله

(وموت من وكل أو وكيل

يبطل ما كان من التوكيل)

يعني أن موت الموكل أو الوكيل يبطل التوكيل ولا يكون ميراثًا خلافا لبعض العلماء ومحل بطلان الوكالة بموت الموكل إذا لم يشرف الوكيل على تمام الخصومة وإلا أتمها كما في التبصرة فلو زاد الناظم

إلا وكيلا قارب التماما

للخصم أن يلزمه الخصاما

لوفي بالمسئلة وقوله

(وليس من وكله موكل

بموت من وكله ينعزل)

(والعزل للوكيل والموكل

منه يحق بوفاة الأول)

مثال ما اشتمل عليه البيتان إذا وكل زيد عمرًا وجعل له توكيل الغير فوكل عمرو

ص: 186

خالدا لينوب عن موكله زيد فإذا مات عمرو الذي هو واسطة فإن التوكيل لا يبطل وعليه فيبقى خالد على وكالته وإذا مات زيد الذي هو الأول بطل توكيل عمرو وتوكيل خالد وقوله موكل والموكل بفتح الكاف فيهما وضمير منه يعود على الوكيل وقوله

(وما لمن حضر للجدال

ثلاث مرات من انعزال)

(إلا لعذر مرض أو لسفر

ومصله موكل ذاك حضر)

يعني أن الوكيل إذا جالس خصم من وكله ثلاث مرات فأكثر ولو في يوم واحد عند القاضي وانعقدت بينهما المقالات فأراد موكله عزله فليس له ذلك إلا برضى خصمه ولا له هو أيضا أن يعزل نفسه لأن خصمه يتضرر بذلك إلا لعذر مرض أو سفر وكذا صاحب الحق إذا حضر للخصام ثلاث مرات وانعقدت بينهما المقالات ثم أراد أن يوكل من يتم عنه الخصومة فليس له أيضا إلا لعذر مرض أو سفر كذلك وبهذا القول العمل وقال بعضهم المرتان كالثلاث وشهر لكن لم يصحبه عمل وقول الناظم ومثله موكل سماه موكلا بكسر الكاف نظرا لإرادته ذلك (قال) ابن فرحون للموكل عزل الوكيل ما لم يناشب الخصومة فإن كان الوكيل قد نازع خصمه وجالسه عند الحاكم ثلاث مرات فأكثر لم يكن له عزله إلا أن يظهر منه غش أو تدخيل في خصومته وميل مع المخاصم له فله عزله وكذلك لو وكله بأجر فظهر غشه كان عيبًا وله أن يفسخ الوكالة ولا يمنع الخصمان من السفر ولا من أراده منهما ويكون له أن يوكل عند ذلك قال ابن العطار ويلزمه في السفر اليمين أنه ما استعمل السفر ليوكل غيره فإن نكل عن اليمين لم يبح له التوكيل إلا أن يشاء خصمه وقال ابن الفخار لا يمين عليه ويكون له أيضا أن يوكل إذا كان خصمه قد أحرجه وشاتمه فحلف أن لا يخاصمه بنفسه قال ابن الفخار فإن حلف أن لا يخاصمه دون عذر يوجب اليمين لم يكن له أن يوكل اهـ قلت وقول ابن القطان بلزوم اليمين وكذا دعوى مرض خفي هو الراجح حيث صدر به ابن فرحون كما رأيت واقتصر عليه صاحب المختصر ومفهوم

ص: 187

قوله ثلاث مرات أن للموكل عزل وكيله قبل الثلاث وهو كذلك أن أشهد به وأشهره عند حاكم ولم يفرط في إعلامه الممكن فإن اختل شرط من هذه الشروط الثلاثة لم ينفعه عزله ويمضي فعله كذا في الزرقاتي وفي ابن فرحون نقلا عن أجوبة ابن رشد أن ما تقيد على الوكيل من الإقرار لازم لموكله إلا أن يكون عزله قبل مناشبة الخصام عزلا أعلن به وأشهد عليه ولم يكن منه تفريط في تأخير إعلامه وأما بعد مناشبة الخصام أو قبله سرا فلا يجوز عزله اهـ وإنما يكون له عزل وكيله قبل الثلاث إذا كان بدون أجر أما إذا كان بأجر فليس له ذلك إلا برضى الوكيل ما لم يظهر منه ميل أو غش كما مر ويثبت عند القاضي فله عزله ويجب على القاضي عدم قبوله وكيل خصام في المستقبل مثل الوكيل الذي يتلدد في الخصام الواجب تأخيره كما تقدم وأنه يجوز للإنسان إذا خاصم بنفسه وقاعد خصمه أقل من ثلاث مرات أن يوكل من يتم عنه الخصومة وقول الناظم ذك الإشارة راجعة إلى قوله ثلاث مرات وهو معمول لحضر مقدم أي حضر ثلاث مرات وقوله

(ومن له موكل وعزلة

لخصمه أن شاء أن يوكله)

قال الحطاب قال ابن فرحون في تبصرته ومن عزل وكيله فأراد الوكيل أن يتوكل لخصمه فأبى الأول لما اطلع عليه من عوراته ووجوه خصوماته فلا يقبل منه قول ويتوكل له من كتاب الاستغناء اهـ زاد في شرحه على ابن الحاجب وينبغي أن لا يمكن من الوكالة لأنه صار كعدوه ولا يوكل عدو على عدوه اهـ وقوله موكل بفتح الكاف أي وكيل وقوله

(وكل من على مبيع وكلا

كان له القبض إذا ما أغفلا)

يعني أن من وكل على بيع شيء فباعه فإن له قبض الثمن من المبتاع ولو لم يقع التنصيص على ذكر القبض في الوكالة كما له ذلك إذا نص عليه ومثله من وكل على الشراء فله قبض المبيع فإن لم يفعل حتى تعذر القبض ضمن فيهما وفهم من قوله اغفلا أنه

ص: 188

إذا وقع التنصيص على عدم القبض أو كانت العادة جارية بذلك خصوصًا في المال العظيم لم يكن للوكيل أن يقبض فإن قبضه لم يبرأ الدافع بذلك كما في التبصرة وغيرها وقوله وكلا واغفرا بضم أولهما بالبناء للنائب والفهما للإطلاق وما بعد إذا زائدة وقوله

(وغائب ينوب في القيام

عنه أب وابن وفي الخصام)

(وجائز إثبات غير الأجنبي

لمن يغيب واختصامه أبي)

يعني أن الغائب إذا كان له حق عند أحد أو أحدث عليه ضرر في كداره وليس له وكيل يقوم بشأنه فإن لأبيه أو ابنه أن يقوم مقامه ويخاصم عنه في ذلك وأما غير الأب والابن من الأقارب كالأخوة والأعمام وأبنائهم فإنه يمكن من الإثبات لا من الخصومة قال ابن رشد والصواب أن الأب والابن يمكنان من الإثبات والخصومة عن الغائب ومن عداهما من القرابة لا يمكن إلا من الإثبات ولا يمكن من الخصومة وظاهر الروايات أن الأجنبي لا يمكن من شيء انتهى. وفي نوازل البيوع من المعيار نقلا عن اليزناسني ما نصه الذي مضى عليه عمل الموثقين أن القيام بالحسبة في عقار الغائب لا يباح إلا للوالد أو الولد أو الأخ من جميع الجهات فإنه يمكن من الخصومة فإن آل الأمر إلى تعجيز المطلوب أشهد القاضي بما ثبت عنده ويقيد مبلغ نظره ويشهد عليه على مذهب من لا يجيز أن يخرج العقار من يد المطلوب إلى أن يقدم الغائب ويعرف ما عنده إذ لعل الغائب يقر للمطلوب بالملك ونحو ذلك مما ينتفع به المطلوب فهذا هو المعتمد عليه في المسئلة وقد ذكر ابن رشد فيها خمسة أقوال فذكرها ثم قال وما ذكرناه أولا عن الموثقين هو الذي به العمل أن شاء الله تعالى انتهى وأما الجد فداخل في الأب إذ المراد به الجنس فلا يكون أقل درجة من الأخ بل هو أعلى منه في كل موضع وقيل يمكن من ذلك القريب والأجنبي قال التاودي ومحل الخلاف ما لم يتعلق بالقائم عن الغائب ضمان للشيء المدعي فيه كالمرتهن لما يغلب عليه والمستعير أو حق كاستيفاء المرتهن حقه من ذلك العبد أو الدابة واستيفاء الزوجة نفقتها من ثمنها فلها أن تقيم البينة بملكها للغائب وينزعان ممن هما بيده ويباعان في النفقة أو الدين والله أعلم

ص: 189