الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في شهادة السماع
قال الإمام ابن عرفة شهادة السماع لقب لما يصرح الشاهد فيه بإسناد شهادته لسماع من غير معين انتهى فتخرج شهادة البت والنقل أي تخرج شهادة البت بقوله بإسناد شهادته لسماع وتخرج شهادة النقل بقوله من غير معين وسميت بذلك لأن المنقول عنه يقول للناقل أشهد على شهادتي. وهل شهادة السماع ترجع إلى النوع الأول من أنواع الشهادات الخمس بناء على أنها توجب حقًا بلا يمين أو إلى النوع الثاني بناء على أنها توجب حقًا بيمين أو هي غير داخلة فيها ويكون على الناظم درك في إسقاطها من التقسيم تردد. وعن ابن رشد أن لشهادة السماع ثلاث مراتب (الأولى) تفيد العلم واليقين وهي المعبر عنها بالتواتر كالسماع بأن مكة موجودة فهي بمنزلة الشهادة بالرؤية وغيرها مما يفيد العلم (الثانية) شهادة الاستفاضة وهي تفيد ظنًا يقرب من القطع ويرتفع عن السماع مثل الشهادة بأن عبد الرحمن هو ابن القاسم والهلال إذا رآه الجم الغفير من أهل البلد فالشهادة المستندة إليه في هاتين المرتبتين تكون على البت لا بالسماع (الثالثة) شهادة السماع التي لم يبلغ الخبر فيها مبلغ العلم أو مبلغ الظن القوي وأنه لا يجوز فيها الجزم كالمرتبة الأولى والثانية بل يصرح فيها شهودها بالسماع وهي المصطلح عليها عند الفقهاء بحيث إذا أطلقت عندهم لا تنصرف إلا إليها ولا تجوز إلا في مواضع مخصوصة بصفة مخصوصة وشروط لا تصح إلا بها لأنها جاءت على خلاف قول الله تعالى {وما شهدنا إلا بما علمنا} وإنما قبلت للضرورة إليها لأن طول الزمان مظنة هلاك الشهود وقد ذكر الناظم من تلك المواضع المخصوصة عند الفقهاء تسعة عشر موضعًا وإليها أشار بقوله
(وأعلمت شهادة السماع
…
في الحمل والنكاح والرضاع)
(والحيض والميراث والميلاد
…
وحال إسلام أو ارتداد)
(والجرح والتعديل والولاء
…
والرشد والتسفيه والإيصاء)
(وفي تملك لملك بيد
…
يقام فيه بعد طول المدد)
(وحبس جاز من السنين
…
عليه ما يناهز العشرين)
(وعزل حاكم وفي تقديمه
…
وضرر الزوجين من تتميمه)
الأبيات الستة يعني أن شهادة السماع تجوز ويعمل بها في ثبوت الحمل وصفة الشهادة فيه كغيره مما عطف عليه أن يقول الشهود سمعنا سماعًا فاشيًا مستفيضًا على السنة أهل العدل وغيرهم أن الأمة فلانة حملت من سيدها فلان حملًا ظاهرًا لا خفاء فيه فتصير بذلك أم ولد أن ادعت سقوطه وتصدق في ذلك أن مات سيدها أو كان حيًا وأقر بوطئها فإن أنكر وطئها فلا ينفعها ذلك. وفي ثبوت أصل النكاح وقع التداعي فيه من رجل أو امرأة حيث كانت المرأة في دعوى الرجل تحت يده وفي حوزه أو ليست بيد أحد فإن كانت بيد أحد بالزوجية لم يعمل ببينة السماع لأنه لا ينزع بها من يد حائز قاله البرزلي. وفي ثبوت الرضاع لتقع به الحرمة حيث كانت الشهادة قبل العقد عليها وإلا فلا تؤثر شيئًا لأن شهادة السماع لا ينتزع بها من يد حائز كما يأتي قريبًا. وفي ثبوت الحيض ليثبت البلوغ والخروج من العدة فتنبني عليه أحكامها وفي ثبوت الميراث أن لم يكن له وارث ثابت النسب وإلا فلا يعمل بها كما لا يعمل بها في المناسخات (وصفة العمل في هذا) الحمد لله يعرف شهوده الآتي ذكرهم فلانًا معرفة صحيحة تامة ويشهدون أنهم سمعوا سماعًا فاشيًا مستفيضًا على السنة أهل العدل وغيرهم أنه ابن عم فلان المعروف عندهم المعرفة التامة يجتمع معه في جدة فلان ويعلمون أنه توفي منذ كذا فأحاط بميراثه زوجته فلانة وابن عمه فلان المذكور لا يعلمون له وارثًا ولا عاصبًا سوى من ذكر وقيدوا إلخ. وفي ثبوت الولادة لتخرج من العدة وتصير به الأمة أم ولد وتخرج من الاستبراء. وفي ثبوت إسلام الكافر وكفر المسلم لتنبني عليهما أحكامهما من إرث وعدمه. وفي ثبوت جرحة الشاهد
فترد شهادته والتعديل فتقبل حيث لم يدرك الشهود زمن الذي جرحوه أو عدلوه فإن أدركوا زمنها فلابد من شهادة القطع وإلا فلا يعمل بها قاله ابن سلمون وبه تعلم سقوط قول من قال من أهل العصر في فتواه بغير نص ولو خارج المذهب أن الشاهد إذا مات لا يجرح فيه فهو كلام بعيد لا يلتفت إليه ألم يعلم أن الروات يجرحون بعد الممات لينبذ ما قالوه من الروايات فكيف لا يكون ذلك في باب الشهادات. وفي ثبوت الولاء المشهور الشائع حيث شهدت البينة أنه مولاه لتجري عليه أحكام الولاء. وفي ثبوت الرشد فتمضي أفعاله. وفي ثبوت التسفيه فترد أفعاله. وفي ثبوت الإيصاء مطلقًا سواء كان بالنظر على الأولاد فتجري عليه أحكام التصرف في مالهم أو بالمال كالهبة. وفي استمرار تملك لملك بيد إنسان يقم عليه فيه بعد مدة طويلة كعشرين سنة أو قربها على ما به العمل وذلك فيما إذا قدم إنسان من المغيب أو بلغ الصبي مثلًا وأثبت بعد ذلك أن الملك له قد انجر له من أبيه أو جده وأثبت الموت والوراثة وتناسخ الوراثات أن كان ثم تناسخ فقال الذي بيده الملك أنه اشتراه من قوم قد انقرضوا وانقرضت البينة وأتى ببينة تشهد على السماع بأنه اشتراه من أبي القائم أو جده فإن هاته الشهادة تنفعه ويبقى الملك بيده. وفي ثبوت حبس بيد مدعيه أو لم يكن تحت يد أحد وقد مضى عليه زمن طويل يقارب عشرين سنة (وصفة العمل فيها) كما في ابن عرضون الحمد لله يعرف شهوده الآتي ذكر أسمائهم عقب التاريخ جميع الدار مثلًا التي بموضع كذا يحدها كذا ويشهدون مع ذلك بأنهم لم يزالوا يسمعون سماعًا فاشيًا مستفيضًا على السنة أهل العدل وغيرم أن جميع الدار المذكورة المحدودة حبس على كذا ويعلمون أنها تحاز بما تحاز به الأحباس وتحترم بحرمتها واتصل ذلك في علمهم حتى الآن ويحوزونها بالوقوف عليها متى دعوا إلى ذلك وقيدوا بذلك شهادتهم مسئولة منهم. وإن كان حبسًا خاصًا بالعقب وأن الزوجة لا تدخل فيه زدت وأنهم يعرفون أن من مات منهم لا تدخل في نصيبه زوجته وتهلك ابنة الميت فلا يدخل ولدها في ذلك ولا زوجها وإن ضمنت إقرار
الساكنين فيها بأن سكناهم فيها على وجه الحبس فهو أتم انتهى وقوله ويعلمون أنها تحاز بما تحاز به الأحباس إلخ هكذا تكون على القطع فإن أدخلت تحت السماع بطلت على القول المعمول به (فرع) قال في الكافي والشهادة على السماع عاملة في أن بني فلان لم يكن لهم دخل في حبس فلان انتهى (تنبيه) وفي الغرناطي الاسترعاء بمعرفة الحبس لابد أن تذكر فيه يحاز بما تحاز به الأحباس وأنه يحترم باحترامها ولا تذكر المحبس له لئلا يكلف القائم بالحبس إثبات موت المحبس وتتناسخ ورثاته وملكه له انتهى ومثله في نوازل البرزلي. وقولنا بيد مدعيه احتراز عما إذا كان بيد مدعي ملكيته وأنكر الحبيسة فإن بينة الحبس بالسماع لا تفيده لأنه لا ينتزع بها من يد حائز على القول المشهور المعمول به كما مر. وأعملت في عزل حاكم فلا يمضي حكمه وفي ثبوت تقديمه فيمضي حكمه. وفي ثبوت ضرر الزوج بزوجه لينبني عليه الزجر والطلاق ورد الخلع كما هو مبين في موضعه (وصفة العمل في ذلك) الحمد لله يعرف شهوده الآتي ذكرهم فلانًا بن فلان وفلانة بنت فلان معرفة تامة ويعلمون بالسماع الفاشي المستفيض على السنة اللفيف من النساء والجيران وغيرهم أن فلانًا الزوج المذكور لم يزل يضر بزوجه المذكورة في نفسها ومالها ويسيء عشرتها ويتكرر ذلك لها منه المرة بعد المرة من غير ذنب تستوجب به ذلك ولا يعلمون أنه رجع عن ذلك بوجه إلى الآن إلخ قاله ابن سلمون (وزيد) على ما ذكره الناظم مواضع أخر تجوز فيها شهادة السماع وهي حل النكاح بطلاق أو غيره وإلا باق واللوث بأن يقولوا سمعنا سماعًا فاشيًا أن فلانًا قتل فلانًا والإعسار والعتق والأسر أي أن فلانًا أسره العدو والهبة والحرابة بأن يقولوا سمعنا سماعًا فاشيًا مستفيضًا من أهل العدل وغيرهم أن فلانًا محاربًا وكذا في الرهن قاله الحطاب وقد نظمتها فقلت
والحل للنكاح والآباق
…
واللوث والإعسار والعتاق
والأسر والهبة والحرابة
…
والرهن منها فاعلم الإصابة
وأنهاها بعضهم إلى نيف وستين لكن لما كان فيها تداخل كما في ابن مرزوق اقتصرت
على هذا القدر ومن أراد الزيادة على هذا فليراجع شرح الشيخ التاودي (ولما) فرغ من ذكر المواضع التي تجوز فيها شهادة السماع شرع في بيان شروط صحتها فقال
(وشرطها استفاضة بحيث لا
…
يحصر من عنه السماع نقلا)
(مع السلامة من ارتياب
…
يفضي إلى تغليظ أو إكذاب)
(ويكتفي فيها بعدلين على
…
ما تابع الناس عليه العملا)
الأبيت الثلاثة ذكر فيها لصحة شهادة السماع أربعة شروط (الأول) الاستفاضة والمراد بها هاهنا أن يكون المنقول عنه غير معين ولا محصور ولا الاستفاضة المتقدمة المنقولة عن ابن رشد (الثاني) عدم تسمية المنقول عنه كما نبه عليه بقوله بحيث لا يحصر بقية البيت (الثالث) انتفاء الريبة والتهمة كان يشهد اثنان بالسماع وفي القبيلة والبلد مائة أو أكثر من أسنانهما لا يعرفون شيئًا من ذلك لم تقبل لغلطهما أو كذبهما إلا أن يكونا شيخين كبيرين قد باد جيلهما فتقبل لسلامتها من ريبة الغلط أو الكذب (الرابع) تعدد الشهود اثنان فأكثر وأقل ما يجزيء فيها عدلان على القول المعمول به وقيل لا يجزيء فيها أقل من أربعة شهود أما العدل الواحد فلا يجزيء فيها اتفاقًا لضعف أصلها. وقد زيد عليها شروط أربعة طول المدة في جميع أفرادها ما عدى ضرر الزوجين كما في ابن رحال ولا يجب في الشهادة بيان مدة السماع على ما جرى به العمل عند غير واحد من الموثقين كما في المتيطية. وصفتها قال الإمام ابن عرفة الباجي وشرط شهادة السماع أن يقولوا سمعنا سماعًا فاشيًا من أهل العدل وغيرهم وإلا لم تصحح انتهى والاستفاضة هي الفشو كما في ابن عاشر وقيل الجمع فيها بين أهل العدل وغيرهم ليس شرطًا والعمل على الأول (قلت) لعل العمل على الأول في غير ضرر الزوجين. وأن تكون لمن الشيء تحت يده كما مر عند قوله وحبس جاز من السنين البيت وقد يستفاد هذا من قول الناظم وفي تملك لملك بيد إلخ (قال) الشيخ عظوم القيرواني في المباني اليقينية شهادة السماع على