الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى الطعن فيه وهو أمر لا ينبغي لأنه محمول على العدالة التامة وأن شهود مجلس قضاة القرى والبوادي يمكن من الإعذار فيهم لجهلهم وقلة ديانتهم غالبًا كما في المعيار فبالريال الدور ويدورون وبأصحاب الشوكة يتقدمون أو يتأخرون فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أنا لله وإن إليه راجعون (والرابعة) شهادة اللفيف وهو عبارة عن جماعة اثني عشر رجلا فأكثر غير عدول شهدوا أن فلانا قتل فلانا فهاته الشهادة لوث على ما قيل تجب معها القسامة وأن الخصم لا يمكن من التجريح فيهم بكل قادح مما يجرح به العدل من مطل وحلف بحرام ونحو ذلك مما يأتي في محله لأنه مدخول فيهم على عدم العدالة لكن لابد فيهم من ستر الحال فلا يقبل تارك الصلاة ولا المجاهر بالكبائر من إظهار سكر وكثرة كذل ولا متهم بقرابة أو عداوة وفي باب الدماء المشهور في هذا الفرع أنه ليس بلوث وعليه فشهادتهم كالعدم (والخامسة) الجماعة الكثيرة المشتملة على عدول وغيرهم يشهدون على شخص فإنه لا يمكن من الإعذار فيهم إذا طلبه وقيل يمكن المشهود عليه من الإعذار في جميع ما تقدم وإليه أشار الناظم بقوله والخلف في جميعها منقول فما أصعب موقف القضاة والحكام وفقنا الله وإياهم لما فيه المصلحة للأنام. وقوله اعتمد الجملة من الفعل ونائل الفاعل المقدر حال من اللفيف أي حالة كونه اعتمد عليه في القسامة والله تعالى أعلم.
فصل في خطاب القضاة وما يتعلق به
الخطاب في اللغة هو الكلام بين متكلم وسامع ومنه اشتقاق الخطبة بضم الخاء وهو ما يقوله الواعظ للقوم فتكون من باب فعلة بمعنى مفعولة نحو نسخة بمعنى منسوخة فهو خطيب والاسم الخطبة بكسرها إذا خطب المرأة ليتزوجها فهو خاطب وفي الاصطلاح هو أن يكتب قاضي بلد إلى قاضي بلد آخر بما ثبت عنده من حق لإنسان في بلد الكاتب على آخر في بلد القاضي المكتوب إليه ليحكم عليه هناك عملا بقوله والحكم في المشهور حيث المدعى عليه وهذا التعريف يشمل الإنهاء بالكتابة ويشمل
الخطاب على الرسوم الذي هو المراد هنا. ولا يُقال هذا التعريف الذي ذكره الشارح غير جامع لأنه لا يشمل الإنهاء بالمشافهة مع أنه خطاب لأنا نقول حيث لم يتعرض له الناظم داخل الفصل اقتصر عليه الناظم. وقوله وما يتعلق به أي من بيان كيفية الخطاب وما يقع في الرسوم من المحو ونحوه وحكم التسجيل والتعجيز وأنه ذكرها على هذا الترتيب فقال
(ثم الخطاب للرسول أن طلب
…
حتم على القاضي وإلا لم يجب)
يعني أن الإنسان إذا كان له حق بشهادة عدول بلده على آخر في غير عمل قاضي بلده كما إذا كان أحدهما بتونس والآخر بالجزائر وأراد صاحب الحق السفر إلى بلد من له عليه الحق ليخاصمه هناك حيث أن المحاكمة لا تكون إلا في بلد المدعى عليه لا في بلد المدعي كما تقدم وخاف الطالب إذا قام على المطلوب لدى قاضي بلده ينكر دعواه فإذا استظهر برسمه يطلبه القاضي المترافع لديه بإثباته لما تقرر أن القاضي لا يحكم إلا على معروف لمعروف في معروف بشهادة معروف قال أبو الحسن علي الزقاق. شهادة معروف لمعروف أن جرت
…
على مثله والشيء معروف اقبلا. وإلا فلا قال القاضي أبو عبد الله الفشتالي في وثائقه لا يجوز للقاضي أن يحكم إلا على معروف لمعروف في معروف بشهادة معروف أما الحاجة إلى معرفة المحكوم عليه فقد يأتي من يتسمى باسم غائب وتجري عليه الأحكام وهو لم يحضر ولم يقع عليه حكم وكذلك الحكم في المحكوم له وأما الحاجة إلى معرفة المحكوم فيه فالوقوف على عينه يكفي في ذلك أما بالشهادة عند القاضي أو بالحيازة أن كان ربعًا وإما الحاجة إلى معرفة الشاهد فلأجل التعديل والتجريح لأن العدالة لا تكون إلا بمعرفة الشاهد أما أن يعرفه القاضي بالعدالة أو بالجرحة فيكفيه ذلك وإما أن يعرفه بالعين والاسم ولا يعرفه بعدالة ولا جرحة فيعدل عنده وإما من لا يعرفه البتة فيعرف باسمه وعدالته وحليته على عينه انتهى فقوله لا يحكم إلا على معروف إلخ ولو بواسطة الشاهدة وهو أكثر ما يكون عند
القضاة فإذا طلب صاحب الرسم من قاضي بلده الخطاب بأن يكتب إلى قاضي بلد خصمه بما ثبت عنده من صحة ما شهد به شهود بلده في ذلك الرسم لعدالتهم وجب عليه ذلك وإن لم يطلبه فلا يجب عليه. واللام في قوله للرسوم يجوز أن تكون بمعنى على أو بمعنى في ثم شرع في بيان كيفية الخطاب فقال
(والعمل اليوم على قبول ما
…
خاطبه قاض بمثل اعلما)
(وليس يغني كتب قاض كاكتفى
…
عن الخطاب والمزيد قد كفى)
(وإنما الخطاب مثل اعلما
…
إذ معلما به اقتضى ومعلما)
يعني أن العمل في زمن الناظم جرى على قبول خطاب القضاة بعضهم لبعض بقوله أعلم بصحة الرسم المقيد فوق هذا أو محوله على ما يجب الشيخ أبا فلان فلان بن فلان القاضي ببلد كذا أدام الله رعايته فقير ربه فلان بن فلان القاضي ببلد كذا والسلام عليكم ثم يؤرخ وإنما قدموا في التخاطب مفعول اعلم بصيغة الماضي الذي هو اسم المكتوب إليه على الفاعل الذي هو اسم الكاتب تعظيما وتأدبا وله أن لا يسمي قاضيًا بعينه فيكتب إثر الرسم الحمد لله اديا فقبلا وأعلم به فلان بن فلان القاضي بكذا أو أديا فثبت وأعلم به أو أعلم بصحته أو باستقلاله فلان بن فلان القاضي بكذا وذلك بعد أن حضر عنده شاهدا الوثيقة وأخبراه باللفظ بأن هذه شهادتهما وإلا فلا يجوز له ذلك في غيبتهما وضمير اديا يعود على شاهدي الوثيقة. وحيث لم يعين قاضيًا بعينه فيعمل به جميعهم بخلاف ما إذا عين قاضيا بعينه قال الإمام ابن عرفة الذي استقر عليه عمل القضاة بإفريقية عدم تسمية القاضي المكتوب إليه. وقال الشيخ أحمد بن سلامة في حاشيته على التاودي الذي عليه عملنا بتونس أن كل رسم يصدر من القضاة لا يتم إلا إذا كان مختومًا بالطابع وجد فيه خط القضاة أم لا ثم أنه إذا وصل الخطاب إلى القاضي المكتوب إليه أو من ولي بعده صرف نظره فيما ثبت عند القاضي الكاتب فإن كتب ثبوت شهادتهم فقط لم يأمر بإعادة شهادتهم ونظر في
تعديلهم وإن كتب بتعديلهم أو بقبوله إياهم أعذر للمشهود عليه فيهم وإن كتب أنه أعذر إليهم فيهم فعجز عن المدفع أمضى الحكم عليه. وقوله وليس يغنى البيت يعني أن القاضي إذا كتب تحت الرسم اكتفى أو استقل أو صح أو ثبت ونحوها إشارة إلى حصول نصار الشهادة أو صحتها فيكتفى بالرسم عن زيادة الشهود مثلا ليكون تذكرة له بعد وإخبارا للمشهود له بأنه يكفيه عن الزيادة أو غيرها فليست تلك الألفاظ تغنيه عن الخطاب بأعلم وإنما تغنيه عن الزيادة في الرسم فقط إلا إذا زاد بعد اكتفى ونحوه أعلم به أو أعلم باستقلاله وإلا فلا يجوز لقاض آخر أن يمضيه اعتمادا على اكتفى ونحوه لأنه لم يخاطبه. وقوله وإنما الخطاب مثل اعلما البيت كرره مع البيت الأول ليفيد أن الخطاب في زمنه محصور في اعلم المقتضى معلما به بفتح اللام وهو الرسم وعليه يعود ضمير به ومعلما بفتح اللام أيضا وهو القاضي المكتوب إليه ويجوز الكسر فيكون هو القاضي الكاتب وعلى كل حال فاعلم يستلزم معلما بكسر اللام وهو الكاتب ومعلما بفتحها وهو المكتوب إليه ومعلما به وهو الرسم الذي وقع فيه الإعلام فإذا جرى عرف بين القضاة في الخطاب بلفظ آخر كأخبر أو بالعلامة كما تقدم وجب العمل به وإلى هذا أشار الناظم بقوله مثل اعلما وألفه للاطلاق لا بخصوص لفظ اعلم فإذا ثبت خطاب القاضي بما وقع عليه الاصطلاح أما بمعرفة خطه أو بمعرفة علامته وختمه أو التعريف به ولو بعدل واحد كتب عليه أعملته (فائدة) وفي حاشية الشيخ الشريف العمراني أن ما يكتبه القضاة أسفل الرسم من قولهم اعلم بصحته هل هو حكم أو يجري فيه ما جرى في الثبوت من الفرق بينه وبين الحكم وهو الظاهر خلاف انتهى قال القرافي اختلف في الحكم والثبوت هل هما بمعنى واحد أو الثبوت غير الحكم لأنه يوجد في العبادات والمواطن التي لا حكم فيها إجماعًا فيثبت الهلال وتثبت طهارة الماء ويثبت عند الحاكم التحريم بين الزوجين بالرضاع والتحليل بسبب العقد ومع ذلك لا يكون شيء من ذلك حكما وأنه يجب تقديمه على الحكم ومن قال الحكم هو الثبوت لم يتحقق له معنى ما هو الحكم (قال)
ابن الشاط ما قاله صحيح وقد يطلق على الثبوت حكم فالأمر في ذلك لفظي والله أعلم قوله
(وإن يمت مخاطب أو عزلا
…
رد خطابه سوى ما سجلا)
(واعتمد القبول بعض من مضى
…
ومعلم يخلفه والي القضا)
(والحكم العدل على قضائه
…
خطابه لا بد من إمضائه)
يعني إذا خاطب قاض قاضيًا آخر ومات أحدهما أو عزل فإن مات القاضي الكاتب أو عزل من خطة القضاء فإما أن يسجل خطابه بإشهاد عدلين على نفسه بصحة الرسم عنده وثبوته لديه وأن الخطاب الواقع فيه هو له فهذا الخطاب يعمل به اتفاقا مات أو عزل وإما أن لا يسجله بالإشهاد عليه فهذا الخطاب قد اختلف في رده وقبوله على قولين والذي عليه العمل منهما القول بالقبول فإن مات القاضي المكتوب إليه أو عزل عن خطة القضاء قبل أن يصل الكتاب إليه فإن من ولي القضاء بعده يخلفه إذا وصل الكتاب إليه وإن كان إنما كتب لغيره فإنه ينفذه فإن لم يمت القاضي الكاتب ولم يعزل بأن كان حيًا مستمرًا على قضاءه فإما أن يكون من أهل العدل أو لا فإن كان من أهل العدل فالواجب على من وصله كتابه من القضاة أن ينفذ خطابه ويمضيه سجله أو لا وإن كان معروفًا بالجور والظلم فالواجب ترك خطابه لأنه ليس من أهل العدالة. وقوله مخاطب بكسر الطاء اسم فاعل ومعلم بفتح اللام اسم مفعول وسجلا يجوز بناؤه للنائب بضم أوله أو للفاعل بفتحه وألفه للإطلاق (وصفة) العمل في التسجيل هو ما قاله القاضي ابن عرضون في وثائقه إذا ثبت عند القاضي رسم من الرسوم وكتب تحته اكتفى أو ثبت أو استقل كتب الشاهد أسفل الرسم اشهد قاضي كذا وهو أعزه الله تعالى وحرسها باكتفاء الرسم أو ثبوته فوقه الثبوت التام أو باستقلال الرسم عنده الاستقلال التام وهو بحيث يجب له ذلك من حيث ذكر وشهد على إشهاده بذلك بتاريخ كذا انتهى (وصفته) عندنا بالقطر التونسي في رسوم
الاسترعاء بعد أن ينقل الشاهد الذي قدمه القاضي بالنيابة عنه لنقل الشهادة عن الشهود ويكتبها في رسم ويكتب أسماء الشهود أسفل التاريخ ويضع على كل اسم شاهد شهد به ليكون علامة على أنه أدى شهادته وقبل ثم يكتب أسفل أسماء الشهود رسمًا آخر فيه تعديل شهود الرسم أعلاه ويذكر أسماء شهوده عقب التاريخ كذلك ثم يدفعه للقاضي ليطلع عليه فإذا ظهر له ثبوته ختمه ويكتب أسفل الرسم الثاني يسراه بقلمه يكتب العمل فقوله يكتب العمل إذن منه في التسجيل بالإشهاد عليه بثبوت الرسمين رسم الأصل ورسم التزكية وكثير من القضاة اليوم فضلا عن الموثقين لا يعرفون معنى يكتب العمل ثم يكتب الشاهد التسجيل أسفل الرسمين يمناه لتكون كتابته ممزوجة فيكتب العمل بعبارات اصطلاحية تعرف بالوقوف عليها في الرسوم ما صورته الحمد لله بلغ شهيديه من الشيخ القاضي المشار إليه أعلاه دام عزه وعلاه الإذن في العمل بالرسمين المقيدين أعلاه لتوفر موجبهما لديه رعاه الله تعالى وأحسن إليه بواسطة عونه الأمين فلان وشهد بذلك هنا بتاريخ كذا ويضع الشاهدان عقديهما ثم ترك الآن هذا التسجيل بالإشهاد ولم يبق ما يدل على الثبوت إلا الطابع وجملة يكتب العمل بقلمه فقط أما الرسوم الأصلية كرسوم النكاح والبيع والحبس والوكالات فإن القاضي يضع طابعه أمام الحمدلة أن احتيج إلى ذلك ويكتب أسفل عقدي الرسم ثبتت عدالتهما وزيد على ذلك الآن وختم في تاريخ كذا وكل من له طابع من الولات الشرعيين إلا وله دفتر يضمن فيه الرسم الذي طبع عليه بأمر من الأمير وهو استنباط حسن جدًا سدًا لطريق الضرب على الخطوط والطوابع حيث كثر استعماله من طائفة مخذولة من المزورين لا يخافون الله تعالى وقد شاهدنا عذابهم بما يكون فيه موعضة وعبرة لمن اعتبر ولعذاب الآخرة أدهى وأمر قوله
(وفي الأداء عند قاض حل في
…
غير محل حكمه الخلف اقتفي)
(ومنعه فيه الخطاب المرتضى
…
وسوغ التعريف بعض من مضى)
يعني أنه إذا نزل قاض ببلد لا ولاية له على أهلها هل له أن يسمع في ذلك المحل النازل فيه أداء الشهادة بحق لإنسان في ولايته على آخر غائب نازل في ولايته أيضا ثم يعمل على ما أخبره به قاضي البلد من عدالتهم فيكون خطابًا بالمشافهة أو ليس له أن يسمع شهادتهم لأنه لا ولاية له عليهم فكأنه ليس بقاض أصلا. وهل له إذا حل بغير محل ولايته كما ذكر أن يخاطب على الرسوم بما ثبت عنده بموضع ولايته حيث لم يخاطب عليها هناك وافتقر إلى الخطاب عليها في محل ولاية الغير أو ليس له ذلك وهو القول المرتضى وهل له أن يعرف قاضي موضع حلوله بما ثبت عنده من الرسوم بالمشافهة وبه عمل بعض المتقدمين أولا وهو المشهور وبه العمل خلاف في المسائل الثلاثة ومعنى المسألتين الأخيرتين اللتين تضمنهما البيت الثاني واحد وهو الخطابفي غير محل ولايته وهو أما بالكتابة أو بالمشافهة كما علمت. وقوله ومنعه مبتدأ والخطاب منصوب على نزع الخافض أي من الخطاب وفيه متعلق به والضمير المجرور عائد على غير محل حكمه والمرتضى خبر المبتدأ قوله
(ويثبت القاضي على المحو وما
…
أشبهه الرسم على ما سلما)
يعني أن القاضي إذا طلب منه أن يثبت رسمًا ويصححه وكان به محو أو بشر أو حرق نار ونحو ذلك أو طلب منه أن يخاطب عليه غيره من القضاة فإنه يجب عليه أن يصححه أو يخاطب على ما سلم منه أن كان السالم يستقل بنفسه بدون ارتياب فيه وإلا سقط كله (وكيفية) العمل في ذلك بعد إمعان النظر فيه أن يكتب الحمد لله أعلم بثبوت ما عدا المحو أو البشر أو الحرق الذي بين لفظة كذا وكذا في الرسم أعلاه فلان بن فلان قاضي كذا وكذلك الملصق الذي يراد جعله محول الرسم فإنه لا يكون إلا على نظر القاضي وإلا فهو ريبة لا يجوز العمل به (وقوله) الرسم بالنصب على أنه مفعول يثبت بضم الياء من أثبت والقاضي فاعل قوله
(وعندما ينفذ حكم وطلب
…
تسجيله فإنه أمر يجب)
(وما على القاضي جناح لا ولا
…
من حرج أن ابتداء فعلًا)
يعني أن القاضي إذا حكم على أحد الخصمين وطلب منه كتبه في سجل بإشهاد عدلين على حكمه وأخذ نسخة منه فإنه أمر واجب عليه فعله شرعًا أما وجوبه من جهة المحكوم له فليتمسك به خوفًا من تجديد الخصومة وإما من جهة المحكوم عليه فليسأل عن العلماء صحة وفسادًا وأنه ليس على القاضي حرج ولا إثم أن فعل ذلك ابتداء بدون سؤال. ولا الأولى في كلام الناظم توكيد لما النافية ولا الثانية نافية عاملة عمل ليس ومن زائدة للتوكيد وحرج اسمها أي ولا حرج عليه أن فعل ذلك ابتداء وجواب الشرط محذوف لدلالة ما تقدم عليه ثم قال
(وساغ مع سؤاله تسجيل ما
…
لم يقع النزاع فيه كلما)
يعني أن القاضي إذا سئل تسجيل رسم وأحياؤه بدون وقوع كلام فيه ولا نزاع فإنه يجوز له تسجيله والكتب عليه لمن طلبه منه وذلك مثل رسوم الأحباس والأملاك القديمة التي هلك شهودها فيقع التعريف بخطوطهم وعقودهم بإذن القاضي ممن يرضى من الشهود الثقات العارفين بالخطوط والعقود ولا يضع طابعه على ذلك إلا بعد المقابلة والتحري التام. وقوله وساغ الخ المراد بالجواز هنا ما قابل الممنوع لا ما استوى طرفاه فيشمل الواجب وهو المراد لأن القاضي إذا سئل ذلك لا يجوز له الامتناع لما فيه من التسبب في ضياع الحقوق وهو ممنوع. وقوله سؤاله ضميره يعود على القاضي في محل نصف مضاف إليه من إضافة المصدر إلى مفعوله (ومعنى) التسجيل هنا الشهادة عند القاضي بصحة الرسم المعبر عنه بإحياء الرسوم للتحصين خوفًا من ضياع الحق الذي فيه بطول الزمان حتى لا يوجد من يعرف ذلك الخط والعقد وهذا التسجيل ليس فيه حكم بخلاف الأول فإنه إشهاد بالحكم كما مر. وقوله كلما بكسر اللام أي كلام قوله
(وسائل التعجيز ممن قد قضى
…
يمضي له في كل شيء بالقضا)
(إلا ادعاء حبس أو طلاق
…
أو نسب أو دم أو عتاق)
(ثم على ذا القول ليست يلتفت
…
لما يقال بعد تعجيز ثبت)
يعني أن المحكوم له طالبًا كان أو مطلوبًا إذا طلب من القاضي الذي قضى له بالحق أو بنفيه عنه أن يعجز له خصمه عند الحكم عليه فإنه يجيبه لمطلبه ويمضي له تعجيزه بالقضاء في كل شيء بحيث لا تسمع للمحكوم عليه بينة يأتي بها ولا دعوى يقوم بها في تلك النازلة ولو كان له عذر كالجهل والنسيان على القول الذي به العمل إلا في دعوى الحبس والطلاق والنسب ودم العمد والعتق فلا تعجيز فيها ويقع الحكم على من ادعى ذلك بعد الإعذار إليه ببقائه على حجته وحيث لا تعجيز في النسب لا تعجيز في الإرث لأنهما متلازمان كما في ابن مرزوق على المختصر. وللقاضي أن يفعل ذلك ابتداء بدون سؤال من المحكوم له قطعًا لمادة النزاع كما مر عند قوله وعندما ينفذ حكم وطلب البيتين ويصح أن يراد بطلب التعجيز طلب كتبه مع الحكم لئلا يدعي المحكوم عليه بعد ذلك عدمه فتتجدد الخصومة كما مر في التسجيل وعلى هذا فليس التعجيز والحكم شيئًا واحدًا بل هما شيئان وبه قال بعضهم حيث قرر أن الأمور التي تقع ثلاثة أولها الإعذار وهو سؤال الحاكم المحكوم عليه ابقيت لك حجة وفائدته استقصاء الحجج وثانيها الحكم وهو إلزام الحق أو إبطاله وفائدته قطع النزاع وثالثها التعجيز وفائدته عدم سماع ما يأتي به من البينات بعد الحكم وهو ظاهر كلام الناظم (قلت) لما كان المدار فيهما على قطع النزاع وعدم سماع الدعوى فهما شيء واحد ويعبر عنهما بالإسقاط وبه العمل (تنبيه) قال الشيخ الرهوني عند قول الشيخ خليل وقدمت بينة الملك ما نصه إذا ثبتت حجة الطالب في مسائل الاستحقاق مثلا فيقال للمطلوب إذ ذاك أثبت الملك لك أو لمن ادعيت أنه صار إليك منه فإن لم يثبت شيئًا قضى للطالب وإن أثبته نظر في الحجتين فإن رجحت بينة الطالب فذلك وإن رجحت بينة المطلوب قضي له وأن تعذر الترجيح سقطتا وبقي بيد حائزه مع يمينه ووقعت الغفلة
من ابن رشد ومن الناقلين لكلامه والكمال لله انتهى والمراد بالأمر الذي وقعت الغفلة عليه هو عدم تعرضهم لسؤال المطلوب عند الحكم عليه هل عنده معارض أو لا وعليه فمن الواجب على القاضي أن ينبه الذي يريد الحكم عليه والإعذار إليه بأبقيت لك حجة هل له ما يعارض به حجة خصمه أو لا وسواء كان عالمًا أو جاهلًا كما تقدم عند قوله
وخصم أن يعجز عن إلقاء الحجج
…
لموجب لقنها ولا حرج.
وترك ذلك أما غفلة أو جهل فاحش وكأن من لم ينبه على ذلك لا يعرف من مقدمات الحكم إلا أبقيت لك حجة أن قالها فلهذا يسرع المغرور في الحكم ولا يترك الخصم المسكين يتلكم بدون تثبت ولا تبصر لعاقبة أمره وهو أن يكون بسبب ذلك حطبًا لجهنم (وصفة العمل في ذلك) مع زيادة فائدة وبيان لكلام الناظم (قال ابن سلمون) فإذا أعذر القاضي إلى الخصم فادعى مدفعًا أجله والآجال موكولة لاجتهاد الحاكم وجرى العمل بأنها في الأصول خمسة عشر يومًا ثم ثمانية ثم أربعة ثم ثلاثة وهي أيام التلوم ويكتب في ذلك (عقد) أعذر إلى فلان فيما ثبت في رسم الاسترعاء بكذا فقال أن له في ذلك مقالًا ومدفعًا وتأجل عن إذن القاضي فلان في حله والتماس منافعه فيه أجلا من خمسة عشر يومًا أولها غد التاريخ وأشهد بذلك في كذا ثم تكتب الأجل الثاني والثالث فإذا انصرمت فتكتب التلوم (ونصه) وتأجل فلان فيما تأجل فيه قبل أجلا من ثلاثة أيام أولها غد التاريخ تلومًا بعد الأجال الثلاثة المتقدمة عليه وأشهد بذلك في كذا فإذا انقضى التلوم عجزه القاضي وحكم بقطع حجته أي التي تأجل لها أما حجة المعارضة فلا تنقطع إلا بعد السؤال عنها كما تقدم (ثم) قال ويعجز القاضي كل واحد من الخصمين ويشهد بذلك ويقطع حجته وسواء كان طالبًا أو مطلوبًا ثم لا ينظر له هو ولا سواه أن قام بشيء في قضيته تلك إلا في العتق والطلاق والنسب فلا عجز في ذلك وينظر لكل من قام في ذلك بشيء متى جاء به من طالب أو مطلوب قاله ابن القاسم وابن وهب وأشهب قال بعضهم وكان ابن الماجشون وسحنون لا يريان تعجيز أحد الخصمين في شيء من الأشياء. وقال أصبغ أما الطالب فلا ينبغي تعجيزه ومتى
ثبت حقه قضي له به لأنها دعوى متى ظهرت أنقذت قال ابن حبيب وهو أحسن وأما المطلوب فإنه يعجزه ولا يسمع منه بعد ذلك حجة والحبس وطريق العامة لا تعجيز في ذلك وقيل في الدماء كذلك وفي كتاب الجدار سئل عيسى عن الخصمين يشترط أحدهما للآخر أن لم يوافقه عند القاضي لأجل معلوم فدعواه باطلة أن كان مدعيًا أو دعوى صاحبه حق أن كان يدعي عليه فتخلف فقال لا يوجب هذا الشرط حقًا لم يجب ولا يسقط حقًا قد وجب انتهى. وفي ابن عرضون فإذا انقضت الآجال وعجز عما تأجل فيه عجزه الحاكم ورفع يده وحكم بالمدعى فيه للقائم (وتكتب) في ذلك لما انصرمت الآجال المذكورة على فلان المذكور فوقه ولم يأت في أثناء الأجل فيما تأجل فيه بشيء يوجب له حكمًا وثبت ذلك كله لدى منيجب بواجب الثبوت واعذر فيه للمقوم عليه المذكور فلم يكن عنده فيما أعذر إليه فيه مدفع ولا مقال وأنهى ذلك إلى القاضي بكذا وهو فلان أعزه الله تعالى وحرسها وسأل منه القائم المذكور والنظر له في ذلك بواجب الحق اقتضى نظره الموفق السديد أن عجز فلانًا المذكور لعجزه وحكم لفلان بجميع الشيء المستحق المذكور ورفع يد فلان عنه الرفع الكلي حكمًا أنقذه وأمضاه وأوجب العمل بمقتضاه شهد على إشهاد بذلك إلخ (نص حكم) على من ادعى حبسية في ربع أو عقار ولم يثبت ما ادعاه على ما جرى به العمل في هذا الزمان من إنشاء شاهد القاضي بالحاضرة التونسية شملنا الله وإياه بالطاقة الخفية (الحمد لله) بعد أن قام فلان بأنه يستحق بالحبسية من جده فلان المضمنة وفاته أعلاه جميع العقار المذكور أعلاه بحدوده المذكورة أعلاه وأن فلانًا استولى عليه تعديًا بلا وجه شرعي وقيد عليه بالدعوى المرقومة أعلاه وأجابه فلان المدعى عليه المذكور بالجواب أعلاه والذي حاصله أن العقار المحدود المذكور ملكه وفي حوزه وتصرفه ولا أصل لما يدعيه وترافعا بموجب ذلك لدى الهمام العلامة الشيخ القاضي المالكي بحاضرة كذا رعاه الله تعالى وحرسها فتأمل من الدعوى والجواب وطلب المدعي إثبات دعواه المذكورة وأجله على ذلك بالأجل المرقوم أعلاه ومضر الأجل المذكور بمدة
تلوماته ولم يأت المتأجل المذكور بما تأجل له وأعيد الترافع بين الخصمين المذكورين لدى الشيخ القاضي المشار إليه وطلب منه المجيب المذكور القضاء على المتأجل المذكور بما يراه النظر الشرعي حيث مضى الأجب المضروب له ولم يأت بشيء فتأمل رعاه الله من الأجل المذكور فألفاه انصرم بمدة تلوماته وسال المتأجل المذكور الحجة التي تأجل لها فلم يدل لديه بشيء من ذلك فأجرى النازلة على القواعد الشرعية والنصوص الفقهية فكان الذي ظهر له رعاه الله الإسقاط على المتأجل المذكور وسقوط دعواه الآن حيث مضر الأجل المضروب له على إثبات دعواه ولم يأت بما تأجل له ولما ظهر له ذلك وتبين له أمر ما هنالك أشهد العلامة النحرير الهمام العمدة المحقق القدوة الإمام الشيخ فلان القاضي بحاضرة كذا رعاه الله تعالى أنه حكم بالإسقاط على فلان المتأجل المذكور وسقوط دعواه الآن لما قرر حكمًا تأمص نفذه وأمضاه وألزم العمل بموجبه ومقتضاه فلا سبيل لحله بعد إبرامه ولا لنقضه بعد إحكامه صدر منه أعزه الله وهو بمجلس حكمه وفصل قضائه بالمحكمة الشرعية على عين الخصمين المذكورين بعد الإعذار للمحكوم عليه بابقيت لك حجة واعترافه لديه ثم لدى شهيديه بأن لا حجة له تدفع عنه الحكم المذكور بلغ الحكم المذكور عنه عونه الأمين فلان ويتضمنه ختمه أعلاه وحضر الخصمان المذكوران واشهدا أنهما دخلا تحت الحكم المذكور وأذعنا له وشهد على كل بما نسب إليه فالشيخ القاضي بأكمل حال ومن عداه بحال جواز ومعرفة بتاريخ كذا إلخ وحيث لا تعجيز فيه على الإطلاق كبقية المسائل المستثنيات فالمحكوم عليه القيام بعد إذا وجد بينة تشهد له بصدق دعواه وقس على هذا ما أشبهه. وقول الناظم ثم على ذا القول ليس يلتفت البيت فيه إشارة إلى الخلاف الذي ذكره ابن سلمون ولما فرغ من الكلام على صفات القاضي ومسائل القضاء شرع يتكلم على صفات الشاهد وأنواع الشهادات فقال