المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الرهن وما يتعلق به - توضيح الأحكام شرح تحفة الحكام - جـ ١

[عثمان بن المكي التوزري]

الفصل: ‌باب الرهن وما يتعلق به

‌باب الرهن وما يتعلق به

أي هذا باب في بيان حقيقة الرهن وبيان ما يتعلق به من حوز وضمان وبطلان واختلاف المتراهنين ويعبر عنها باللواحق (والأصل) في مشروعيته قول الله تعالى {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبًا فرهان مقبوضة} . وحكم الشرع فيه الجواز في الحضر والسفر وخصه مجاهد بالسفر لظاهر الآية وكافة العلماء على رد ذلك لأن هذا الكلام وإن كان خرج مخرج الشرط فالمراد به غالب الأحوال والدليل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم رهن درعه في طعام وهو بالمدينة ولم يكتب وذلك لأن الكاتب إنما يعدم في السفر غالبًا فأما في الحضر فلا يكون ذلك بحال قاله ابن العربي (وحكمة) مشروعية حفظ المال (والرهن) لغة اللزوم والحبس يقال هذا رهن لك أي محبوس دائم لك قال الله تعالى {كل نفس بما كسبت رهينة} أي محبوسة واصطلاحًا يطلق تارة على العقد يقال الرهن صحيح ويطلق تارة على المال المقبوض توثقًا كقول الفقهاء وإن جنى الرهن وغلة الرهن وغير ذلك ولهذا عرفه الإمام ابن عرفة بقوله الرهن مال قبض توثقا به في دين انتهى فيخرج بقوله توثقا به الوديعة والمصنوع بيد سانعه فإن كلا منهما لم يقبض للتوثق به ويخرج به أيضا قبض المجني عليه عبدًا جنى عليه لأنه لم يقبض للتوثق أصلا وإن كان كل من المصنوع والعبد الجاني يشاركان الرهن في الأحقية والاختصاص به عن الغرماء فلا يسميان رهنًا لجواز اشتراك المختلفات في أمر يخصها. وعرفه الوانوغي بقوله عقد لازم لا ينقل الملك قصد به التوثق في الحقوق انتهى وذلك بعد أن قال لإخفاء في إشكال تعريف شيخنا أي ابن عرفة الرهن بأنه مال قبض توثقا به في دين لأنه لا يشمل من الرهن إلا ما هو مقبوض ولا خلاف في المذهب أن القبض ليس من حقيقة الرهن انتهى وكما أنه ليس بركن ليس بشرط في صحتها أيضا إذ يصح الرهن بدونه وإنما القبض شرط في الاختصاص به كما سيأتي قريبًا. ولا يقال أن تعريف الوانوغي يشمل الضمان فيكون غير مانع

ص: 152

لأنا نقول بل هو خارج بقوله عقد أي على متمول بقرينة قوله لا ينقل الملك كما في حاشية الشيخ قنون على الزرقاني فالضمان ليسه فيه شيء مملوك ينقل أو لا ينقل حتى يكون داخلًا في تعريفه. وعرفه الناظم بقوله (الرهن توثيق بحق المرتهن) يعني أن الرهن هو المال الذي يضعه مالكه توثيقًا بحق المرتهن بكسر الهاء فله حبسه حتى يستوفي حقه فخرج به ما يعطى لا على سبيل التوثيق بل على سبيل الملك كالبيع أو الانتفاع كالمستأجر والمعار. وله أركان ولواحق المعبر عنها بالمتعلقات (فأما) أركانه فخمسة الراهن والمرتهن بكسر الهاء والمرتهن بفتحها وهو الشيء المرهون ويسمى رهنًا أيضا كما علمت والمرهون به والصيغة (فالراهن) من فيه أعلية المعاملة فيصح ويلزم من المأذون له في التجارة والمكاتب والمحجور يرهن عنه أبوه أو وصيه فيما يشتريه له من طعام ونحوه فإن رهن المحجور عليه المميز بدون إذن حاجره فإنه يصح ولا يلزم فإن أجازه الحاجر مضى وإلا فلا (والمرتهن) بكسر الهاء من له الحق على الراهن ويصح منه الحوز فالمحجور يقبض له وليه لأن قبضه كلا قبض (والمرتهن) بفتح الهاء ما يباع أو كان غررًا كما يأتي (والمرهون به) هو أن يكون دينا في الذمة يمكن استفاؤه من الرهن لازمًا أو صائرًا إلى اللزوم فلا يصح رهن في شيء معين كبيع دابة معينة على أن يأخذ المشتري من البائع رهنًا على أنها أن استحقت أتى له بعينها من ذلك الرهن لأنه مستحيل عقلا أو منفعة معين كمن اكترى دابة بعينها على رهن فإن تلفت أو استحقت أتى له بعينها من ذلك الرهن ليستوفي منها المنفعة لاستحالة ذلك أيضا وإما أن أخذ رهنًا على أن يستوفي قيمة المعين منه أو قيمة المنفعة فه جائز على أصل الباب. ولا يصح رهن في القراض ولا في كتابة المكاتب لأن كل واحد منهما غير لازم ويصح الرهن بالجعل لأنه يصير إلى اللزوم ولا يشترط في الدين أن يكون معلومًا من أول الأمر بل لو دفع رجل لآخر رهنًا بما يداين به زيدًا مثلا ليكون رهنًا بما يداينه به إلى مبلغ قيمته جاز قاله صاحب لب اللباب (والصيغة) هو ما دل على خاصته (خ) وفي افتقار الرهن للفظ مصرح به تأويلان (ابن) عرفة هل

ص: 153

يفتقر الرهن للتصريح به أم لا الخلاف بين ابن القاسم وأشهب فلو دفع رجل إلى آخر سلعة ولم يزد على قوله أمسكها حتى أدفع لك حقك كانت رهنًا عند أشهب لا عند ابن القاسم انتهى مواق (وأما) لواحقه فهي ما عدى الأركان من المسائل التي تذكر منها قوله (وإن حوى قابل غيبة ضمن)

(ما لم تقم له عليه بينة

مما جرى في شأنه معينة)

(وإن يكن عند أمين وقفًا

فلا ضمان فيه مهما تلفا)

يعني أن المرتهن إذا ادعى ضياع الرهن أو تلفه فإنه يضمن بشروط ثلاثة (أحدها) أن يكون بيده (ثانيها) أن يكون مما يغاب عليه محلي وسلاح وثياب ونحوها من كل ما يمكن إخفاؤه وكتمه (ثالثها) لم تشهد بينة بحرقة أو سرقته أو تلفه ولو شرط المرتهن في عقد الرهن عدم الضمان فإنه يضمن ولا ينفعه شرط أو علم احتراق محله المعتاد وضعه فيه وادعى حرقه مع متاعه فيضمن لاحتمال كذبه إلا إذا بقى بعضه معطوبًا محرقًا أو مقطوعًا أو مكسورًا أو مبلولًا مع علم احتراق المحل فلا ضمان عليه حينئذ (فإن) لم يكن تحت يده بأن كان تحت يد أمين فلا ضمان عليه ولا على الأمين سواء كان مما يغاب عليه أو لا بل ضمانه من الراهن وإن لم يكن مما يغاب عليه بأن كان مما لا يغاب عليه كعبد أو دابة أو سفينة رأسية بالمرسى أو شهدت بينة بهلاكه بغير سببه مع علم احتراق محله مثلا فلا ضمان عليه ولو اشترط عليه الراهن الضمان إلا أن يتبين كذبه في دعواه موت الدابة مثلا ولم يعلم بموتها أحد في سفر أو حضر أو يكون عطبه بسببه فإنه يضمن. وحيث كان الضمان لازمًا للمرتهن فيما يغاب عليه فلا بد من حلفه أنه تلف بلا دلسة في دعوى التلف وأنه لا يعلم موضعه في دعوى الضياع سواء كان متهمًا أو لا لاتهامه على إخفائه رغبة فيه فإن حلف غرم القيمة في المقوم أو المثل في المثلي وإن نكل حبس فإن طال سجنه دين وغرم المثل أو القيمة وهل يحلف المرتهن فيما لا يغاب عليه أو لا يحلف في ذلك أقوال ثلاثة وهي يحلف

ص: 154

مطلقًا متهمًا أو لا وعدم حلفه مطلقًا ثالثها يحلف المتهم دون غيره واختير القول الأول لأنه إذا حلف فيما يضمنه فأولى فيما لا يضمنه وقول الناظم تلفا بكسر اللام على وزن فرح (فروع) الأول أن كان التلف بتعدي أجنبي فللراهن طلبه ثم أن أتى برهن ثقة مكان ذلك الرهن اخذ القيمة وإلا جعلت هذه القيمة رهنًا وطبع عليها (الثاني) أن اختلفا فدعا أحدهما إلى كونه عند المرتهن والآخر إلى أن يكون عند أمين فالقول لمن دعا لوضعه عند أمين فإن اختلفا في تعيينه نظر الحاكم هذا كله أن وقع الرهن على السكوت ولم يكن شرط ولا عادة وإلا عمل عليه (الثالث) إذا باع المرتهن الدين الذي على الراهن فسأله المشتري دفع الرهن إليه فليس له ذلك إلا بشرط لكن لا يدفعه له إلا بإذن الراهن فإن دفعه له بغير إذنه ضمنه قاله الحطاب (الرابع) قال في كتاب الفروق ما نصه فرق بين مسئلتين قال مالك رحمه الله إذا ادعى المرتهن تلف الرهن وهو مما يغاب عليه لم يقبل قوله ولزمه الغرم وإذا ادعا المودع تلف الوديعة كان القول قوله وفي كلا الموضعين الدعوى فيما يغاب عليه فالمودع مؤتمن يقبل قوله في التلف لأن الأصول مبنية على هذا لأن المؤتمن القول قوله فيما يدعيه إلا أن يوجد خلافه وأيضا فإن الرهن إذا كان مما يغاب عليه حصل في ذمة المرتهن لأنه قبضه بحق نفسه فلم يقبل قوله في تلفه لأنه مدع لبراءة ذمته إذ هي في الأصل مشغولة والوديعة لم تتعلق بذمة المودع لأنه قبضها لمنفعة رب المال دون منفعته فكان القول قوله في التلف لأن الأصل براءة الذمة فافترقا انتهى (ثم) شرع في بيان شروطه فقال

(والحوز من تمامه وإن حصل

ولو معارًا عند راهن بطل)

يعني أن حوز الرهن بالتحويز من الراهن شرط في تمام الرهن للمرتهن واختصاصه به فلو لم يحزه أو حازه ثم رجع للراهن ولو بإعارة وبقى تحت يده حتى حصل مانع من موت أو تفليس أو فوت بتحبيس أو بيع أو عتق بطل ولو جد في طلبه

ص: 155

وبقي الدين بدون رهن ولو وجد الرهن بيد المرتهن بعد موت راهنه أو فلسه فادعى الغرماء بأن حوزه كان بعد حصول المانع وقال المرتهن حزته قبل حصوله فإن ذلك لا ينفعه حتى يأتي ببينة تشهد بأنه حازه بتحويز من الراهن قبل الموت أو الفلس وقيل لا يشترط التحويز وإنما يشترط الحوز وهو ظاهر كلام الناظم وسواء كان بالتحويز من الراهن بأن يمكنه منه بمعاينة البينة أو حازه وحده بدون معاينة البينة لذلك وبالأول العمل. وفهم من قوله من تمامه أنه قبل الحوز صحيح وهو كذلك لأنه ليس بركن ولا بشرط كما مر وإنما هو شرط في صحة الاختصاص به يلزم من عدمه العدم ويجبر الراهن على التحويز ويقضي عليه به ما لم يطرأ مانع أو فوت كما تقدم (ومن) الحوز الصحيح قوله

(والعقد فيه لمساقاة وما

أشبهها حوز وإن تقدما)

يعني أن من ارتهن حائطًا من نخيل أو عنب ونحوهما أو ارتهن عقارًا ثم عقد فيه مع راهنه مساقاة أو كراء ونحوهما فإن ذلك يكون حوزًا له ولا يضره ذلك هذا إذا تأخر عقد المساقاة ونحوها عن الرهن بل وإن تقدم عقد المساقاة ونحوها عن الرهن كان يكون تحت يده حائط على وجه المساقاة ثم يرتهنه من ربه فهو حوز. ومن شرط صحة الرهن أيضا قوله

(والشرط أن يكون ما يرتهن

مما به استيفاء حق يمكن)

(فخارج كالخمر باتفاق

وداخل كالعبد ذي الآباق)

يعني أنه يشترط في صحة الرهن من أصله أن يكون مما يمكن خلاص الحق منه أما من عينه كالدراهم والدنانير أو من ثمنه كالثياب أو من ثمنه أو ثمن غلته كالعقعارات وبهذا يخرج ما كان كالخمر والخنزير اتفاقًا فإنه لا يصح رهنه لأنه لا يجوز بيعه حتى يستوفي منه الحق ولو كان ذلك من ذمي ويهراق على المسلم الراهن وليس عليه أن يأتي برهن آخر ولو كان من ذمي فرهنها من مسلم ثم فلس الذمي فالمرتهن أسوة

ص: 156

الغرماء قال سحنون إلا أن يتخلل فيكون أحق بها ويدخل في الرهن الجائز رهنٍ العبد الآبق والبعير الشارد لأن كل واحد منهما يمكن بيعه إذا ظفر به فيستوفى منه الحق وإنما جاز فيه هذا الغرر الكثير للقاعدة وهو أن كل ما يجوز بغير عوض جاز فيه الغرر كالدين سواء كان من بيع أو من سلف فإنه يجوز برهن وبدونه لأن غاية الأمر إذا رهنه عبدًا آبق أو بعيرًا شاردًا ولم يظفر به فكأنه باع أو أسلف بدون رهن وذلك جائز (تنبيه) وأما رهن الحبس فقال ابن ناجي في قول الرسالة وكذلك غلة الدور ما نصه واختلف في رهن الحبس فمعروف قول مالك أنه ممنوع وأجازه ابن ميسر كذا نقل الشيخ أبو محمد ولم يحك ابن الجلاب إلا الجواز وعزاه ابن حارث لابن الماجشون انتهى (قلت) وشاهدت العمل بهذا القول في بلاد الجريد (ثم) شرع في بيان ما يشترطه المرتهن على الراهن من الانتفاع بالرهن أو بيعه وحكم رهن العين والمشاع وملك الرهن إذا لم يخلص في الدين فقال

(وجاز في الرهن اشتراط المنفعة

إلا في الأشجار فكل منعه)

(إلا إذا النفع لعام عينا

والبدؤ للصلاح قد تبينا)

(وفي الذي الدين به من سلف

وفي التي وقت اقتضائها خفي)

الأبيات الثلاثة يعني أنه يجوز للمرتهن أن يشترط على الراهن الانتفاع بالرهن لمدة معينة للخروج من الجهالة في الإجارة ما لم يؤد إلى ما هو ممنوع في الشرع فإنه لا يجوز ذلك في ثلاث مسائل (الأولى) إذا كان الرهن أشجارًا فإنها لا يجوز اشتراط منفعتها التي هي غلتها لأنه يؤدي إلى بيع ما لم يخلق وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه وإليها أشار بقوله إلا في الأشجار فكل منعه إلا أن يكون اشتراط المنفعة لعام معين وقد ظهر صلاح الثمرة المشترطة فذلك جائز لخروجه عن بيه الثمرة قبل خلقها أو قبل بدو صلاحها المنهي عنه وإليه أشار بقوله إلا إذا النفع لعام عينا البيت (الثانية) إذا كان الدين من سلف فإنه لا يجوز اشتراط منفعة الرهن مطلقًا لأنه

ص: 157

سلف يجر منفعة وهو حرام ربى وإليها أشار بقوله وفي الذي الدين به من سلف (الثالثة) إذا كان الرهن ثيابًا أو حيوانًا ونحوهما مما يختلف الانتفاع به باختلاف الناس فمنهم من يحصل بانتفاعه به ضرر فينقص منه ومنهم من لا يحصل منه ضرر فلا ينقص منه شيء فإنه لا يجوز فيه اشتراط المنفعة لعدم العلم بما ينشأ عن ذلك وإليها أشار بقوله وفي التي وقت اقتضائها خفي فالمراد بالخفاء الاختلاف المذكور فإن لم يكن الدور السكنى وفي الأرضين الاعتمار وهما لا ينقصان شيئًا من ذلك بل قد يكون فيه مصلحة للرهن ولا كذلك الثياب والحيوان. وقوله وفي الذي الدين إلخ فالذي صفة لموصوف محذوف تقدير الرهن الذي وجملة الدين به من سلف من المبتدأ والخبر صلة الذي والرابط بين الصلة والموصول الهاء من به وقوله وفي التي إلخ أي المنفعة التي ووقت مرفوع على أنه مبتدأ وجملة خفي خبره والجملة من المبتدأ والخبر صلة التي والرابط بين الصلة والموصول ضمير اقتضائها وقوله

(وبجواز بيع محدود الأجل

من غير إذن راهن جرى العمل)

(مع جعله ذاك له ولم يحن

دين ولا بعقدة الأصل قرن)

يعني أن من تداين بدين إلى أجل على رهن يجوز له أن يجعل للمرتهن بعد عقد المعاملة وقبل حلول أجل الدين بيع الرهن أن حل الأجل ولم يخلص معه في حقه على ما جرى به العمل لأنها وكالة على طواعية وللمرتهن أن يبيع الرهن إذا حل الأجل ولم يقضه حقه من غير إذن من الراهن ثانيًا. ومفهوم قوله ولم يحن دين ولا بعقدة الأصل قرن أنه لو جعل له بيعه بعد حاول الدين أو كان مقرونًا بعقدة البيع وهو المراد بالأصل كان ذلك الجعل كالعدم لأنها وكالة ضغط واضطرار وعليه فلا يجوز له بيعه إلا بإذنه كما إذا لم يجعل له ذلك أصلا (ثم قال)

(وجازرهن العين حيث يطبع

عليه أو عند أمين يوضع)

ص: 158

يعني أنه يجوز رهن العين ذهبًا أو فضة وما جرى مجراهما من المثليات على القول المشهور بشرط أن يوضع تحت يد أمين أو يطبع عليه طبعًا لا يقدر على فكه غالبًا حيث جعل تحت يد المرتهن لأنه إذا لم يجعل تحت يد أمين ولم يطبع عليه يتهم المرتهن على تسلفه ورد مثله وقد قارن ذلك عقد المعاملة من بيع أو سلف وهو مفسد لهما لأنه في الأول اجتماع بيع وسلف وفي الثاني سلف بسلف. وهل الطبع شرط في صحة الرهن فإن لم يحصل كان فاسدًا أو شرط في صحة اختصاص المرتهن به فإذا لم يطبع عليه حتى حصل مانع كان المرتهن أسوة الغرماء أو أنه شرط لجواز الرهن سد للذرائع لاحتمال أن يكون قصدا به السلف وسعياه رهنا والسلف مع المعاملة ممنوع كما تقدم وعلى هذا فإذا لم يطبع عليه لا يجوز رهنه ابتداء ولكنه يصح بعد الوقوع ويكون المرتهن أحق به قبل الطبع أن حصل مانع وهذا هو المعتمد أقوال

(والرهن للمشاع مع من رهنا

قبض جميعه له تعينا)

(ومع غير راهن يكفيه أن

يحل فيه كحلول من رهن)

يعني أن الرهن إذا كان مشاعًا كجزء من دار مثلًا فإن المرتهن إذا طلب حوز الجميع كان له ذلك ويقضى له به لأنه لا يتم له الرهن إلا بحوز جميع ما يملكه كلا أو بعضا قطعا لجولان يد الراهن فيه فإن لم يحز الجميع حتى حصل مانع كان الرهن باطلا هذا إذا كان الجزء الباقي للراهن فإن كان الباقي لأجنبي فيكفي في حوزه حوز البعض الذي يملكه الراهن ويحل بضم الحاء فيه محله وإليه أشار بقوله ومع غير راهن البيت قوله

(والرهن محبوس بباقي ما وقع

فيه ولا يرد قدر ما اندفع)

يعني أن الراهن إذا قضى بعض الدين أو سقط البعض عنه بهبة أو صدقة ونحوهما فجميع الرهن ولو تعدد يكون محبوسًا فيما بقي من الدين لأن جميع الرهن رهن في كل جزء من أجزاء الدين ولأنه قد تحول عليه الأسواق فيرخص الرهن ولا

ص: 159

يفي بما بقي من الدين إلا الرهن بتمامه وحينئذ فليس للراهن أخذ شيء منه إلا برضى المرتهن وكان مما ينقسم هذا أن كان كل من الراهن والمرتهن غير متعدد كما في النظم أما أن تعددا أو أحدهما فإنه يقضى لمن وفي حصته من الدين بأخذ حصته من الرهن فمثال تعدد كل منهما كرجلين رهنا دار يلمكانها من رجلين فإذا قضى أحدهما حصته من الدين كان له أخذ حصته من الدار وإذا تعدد المرتهن واتحد الراهن كما لو رهن زيد من عمرو وبكر وهنا ووفى أحدهما حقه كان له أخذ حصته من الرهن إذا كان الرهن ينقسم وإلا كانت حصته أمانة عند المرتهن الثاني أو يجعل الرهن كله تحت يد أمين ولا يمكن الراهن منه لئلا يبطل حوز الثاني كما تقدم عند قوله والرهن للمشاع مع من رهنا البيت وإذا اتحد المرتهن وتعدد الراهن كما لو رهن في هذه لأمين لقوله المتقدم. ومع غير راهن يكفيه أن. يحل فيه كحلول من رهن. البيت (تتمة) قال المواق ما نصه من المدونة من ارتهن دابة أو دارا أو ثوبا فاستحق نصف ذلك من يد الرمتهن فباقيه رهن بجميع الحق انتهى فهذه عكس ما قبلها لأن ما قبلها جميع الرهن رهن في بعض الدين وهذه بعض الرهن رهن في جميع الدين (وقول) الناظم بباقي ما وقع إلخ جار ومجرور متعلق بمحبوس وباقي مضاف وما اسم موصول مضاف إليه واقع على الدين وجملة وقع فيه صلته والرابط بينهما ضمير فيه ويرد بضم أوله وفتح ما قبل آخره مبني للنائب وقدر مرفوع على أنه نائب فاعل وهو مضاف وما واقع على المال مضاف إليه وجملة اندفع صلته والله أعلم (ثم) ذكر شرطا من الشروط المنافية للعقد فقال

(وشرط ملك الرهن حيث لا يقع

أنصافه من حقه النهي وقع)

يعني أن الراهن إذا قال للمرتهن أن جئتك بحقك لشهر كذا مثلا وإلا فالرهن لك بما فيه فهذا لا يصح ولا يحل لأنه منهي عنه وعليه فإن جاء صاحب الدين بعد الأجل

ص: 160

فهو له وينتقض هذا الرهن ولا ينتظر به الأجل ويصير السلف حالا وله أن يحبس الرهن حتى يأخذ حقه وهو أحق به من الغرماء هذا غن كان الدين من سلف فإن كان من بيع رد البيع إلا لفوت فيكون رهنا في قيمة المبيع إذا كان ذلك في صلب العقد فإن كان الرهن والشرط بعده فسخ الرهن خاصة وبقي الدين بلا رهن (وأما) اشتراط بيعه ووفاء الدين من ثمنه بإذنه أو بإذن الحاكم إذا تغيب فهو جائز لأنه من باب اشتراط ما يقتضيه العقد أما اشتراط بيعه بدون إذنه فقد تقدم الكلام عليه قريبًا (ولما فرغ) من الكلام على الرهن وبعض متعلقاته شرع في بيان بقية ما ذكره منها فقال (فصل في اختلاف المتراهنين) في عين الرهن أو في حلول أجله أو في صفته. وبدأ بالأول فقال

(وفي اختلاف راهن ومرتهن

في عين رهن كان في حق رهن)

(فالقول قول رهن أن صدقا

مقاله شاهد حال مطلقا)

(كان يكون الحق قدره مائه

وقيمة الرهن لعشر مبديه)

يعني أن المتراهنين إذا اتفقا في الرهنية واختلفا في عين الرهن الموضوع تحت يد المرتهن في مائة مثلا فلما أتى الراهن ليقضيه المائة أخرج له المرتهن ساعة من نحاس مثلا تساوي عشرة فقال الراهن ليس هذا رهني بل رهني ساعة من ذهب تساوي مائة أو أكثر فالقول للراهن مع يمينه لأنه ادعى ما يشبه أن يكون رهنًا في المائه وهو معنى قوله أن صدقا مقاله شاهد حال لا قول المرتهن لأنه ادعى ما لا يشبه وسواء كان متهمًا أو لا وهو معنى قوله مطلقا وما درج عليه الناظم قول مبني على أن الدين يكون شاهدا للرهن كما أن الرهن يكون شاهدا للدين والقول المشهور خلافه وهو أن الدين لا يكون شاهدا للرهن وعليه فالقول للمرتهن مع يمينه وإن لم يشبه لأنه غارم ولأنه أمنه حيث جعله تحت يده بدون إشهاد على عينه (قلت) لولا هذا لمالت نفسي إلى القول الذي مشى عليه الناظم لأهل هذا الزمان وحيث

ص: 161

فرط الراهن في الإشهاد على عينه فالدرك عليه (وفي) شرح المواق على قول صاحب المختصر وهو كالشاهد في قدر الدين لا العكس ما نصه قال أصبغ من رهن رهنا بألف دينار فجاء ليقضيه فأخرج المرتهن رهنا يساوي مائة دينار فقال الراهن ليس هذ رهني وقيمة رهني ألف دينار وذكر صفة تساوي ألفا فالراهن مصدق مع يمينه لأنه ادعى ما يشبه وادعى المرتهن ما لا يشبه فإذا حلف سقط عنه من الدين مقدار قيمة رهنه وقال أشهب القول قول المرتهن وإن لم يساو إلا درهمًا واحد وقال عيسى عن ابن القاسم نحو قول أشهب ابن حبيب وبه أقول قاله ابن عبد الحكم ابن يونس كما لو قال لم ترهني شيئا انتهى وحيث كان الرهن شاهدا لقدر الدين وإنه يباع للقضاء من ثمنه نظمت فيه لغزا فقلت

قل للفقيه المرتضى في سيرته

ما شاهد يباع في شهادته

(ثم ثنى) بالثاني فقال

(والقول حيث يدعي من ارتهن

حلول وقت الرهن قول من رهن)

يعني أن المتراهنين إذا اتفقا على أصل الرهن واختلفا في حلوله وعدم حلوله لترجع منفعة الرهن للراهن مثلا أو تبقى بيد المرتهن فالقول للراهن مع يمينه أن أتى بما يشبه وسواء ادعى المرتهن ما يشبه أو لا لأن الأصل الاستصحاب وهو عدم انقضاء الأجل (وختم) بالثالث فقال

(وفي كثوب خلق ويدعي

جدته الراهن عكس ذا وعي)

(إلا إذا خرج عما يشبه

في ذا وذا والعكس لا يشتبه)

يعني أن المتراهنين إذا اتفقا على عين الرهن كثوب واختلفا في حاله وصفته فادعى الراهن جدته وأن المرتهن استعمله حتى أبلاه فصار خلقا بكسر اللام وادعى المرتهن أنه رهنه كذلك باليا فالقول للمرتهن أن أتى بما يشبه أيضا فإن خرج الراهن عما يشبه في الاختلاف في الحلول وخرج المرتهن عما يشبه في الاختلاف في الصفة فيكون الحكم بالعكس وهو أن القول للمرتهن في الأولى وللراهن في الثانية هذا معنى قوله إلا

ص: 162

إذا خرج عما يشبه البيت وقوله في ذا وذا الإشارة الأولى ترجع لقبول قول الراهن في مسألة الاختلاف في حلول الأجل وعدم حلوله والثانية ترجع لقبول قول المرتهن في مسئلة الاختلاف في الصفة (فروع الأول) فإن اختلفا في الرهنية كان يقول أحدهما رهن والآخر عارية أو وديعة فالقول لمدعي نفي الرهنية (خ) والقول لمدعي نفي الرهنية ابن عرفة عن اللخمي إلا أن يشهد العرف بضده كخاتم عند بقال أو خباز انتهى (قلت) وهذا هو التحقيق من أنه ينظر إلى حالها خصوصًا هذا الزمان فإن الرهن فيه أكثر من الوديعة والعارية وحينئذ فالحكم للغالب في هاته المسئلة والله الموفق للصواب (الثاني) وفي نوازل البرزلي أفتى فقهاء قرطبة فيمن ادعى أنه رهن داره بكذا وادعى الآخر أنه اشتراها بكذا أكثر من الأول فالمشتري مدع فعليه البينة بدعواه فإن عجز حلف الآخر أنه ما باع ولا كتب به وثيقة وأنها رهن وبعد يمينه يغرم لمدعي الشراء الثمن المدعى به أن كان مثل قيمة الدار فأكثر وإن كان أقل حلف الراهن أنه ما رهنه إلا بكذا وغرم قيمة الدار وإن نكل غرم ما ادعاه المشترى ويحاسبه بما سكن انتهى من العلمي ويليه وفي المعيار من جواب لبعضهم عن رجلين تخاصما ادعى أحدهما الشراء والآخر الرهن ولا بينة لأحدهما إلا أن الذي ادعى الشراء لها في يده أزيد من عشرة أعوام ما نصه القول قول مدعي الرهن إلا أن يفوت بالبناء والهدم والغرس والقلع بما يفوت به البيع الفاسد في الرباع على مذهب ابن القاسم اهـ مختصرا من المعيار وكتب عليه أخي سيدي محمد بن عيسى الشريف يقول محمد بن عيسى ومن هذا المعنى ما للمازري فمن طلب رهنا زعم أنه كان في حق قبله منذ عشرة أعوام فأجاب أن كان مثل هذا لا يسكت عن طلب ما ذكر طول هذه المدة من غير عذر فإن اليمين تسقط انتهى (الثالث) وفي المعيار سئل ابن عرفة عن رجل رهن أصلا وحوز للمرتهن رسمه المكتوب فتلف عند المرتهن رسمه المكتوب فأجاب بأنه ينظر إلى قيمة الأصل برسمه وقيمته من غير رسم فما بينهما يضمنه أو يثبت ملك الأصل انتهى (قلت) وفي زماننا هذا ثم فرق بين الملك برسم الأصل وبين الملك

ص: 163

برسم الوثيقة فما كان من الأملاك برسم الوثيقة يعد معيبًا إلا إذا تعددت فيه البياعات وعليه فيغرم ما بينهما (الرابع) ومن المعيار سئل ابن أبي الدنيا عن رهان أهل الزمان وما شاع من فساد معاملتهم فيه فأجاب قال الله تعالى {وأحل الله البيع وحرم الربى} وقال {وذروا ما بقي من الربى أن كنتم مؤمنين} فتضمنت الآية وعيدين نفي الإيمان عن مفهوم الشرط ومحاربة الله ورسوله وفي مسلم عن جابر بن عبد الله قال لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربى وموكله وكاتبه وشاهده وقال هم سواء وهو يعضد الوعيد السابق والجاري في معاملة تونس على ما بلغني عام سبعة وسبعين وستمائة حين قلت الأحكام ثم عافا الله أن من يريد ارتهان دار أو حانوت بكذا أو كذا دينارا على استغلال الموضع أو أكرية ما يكرى منه فينفقون على شيء ويذكرون أن الشهود لا يشهدون على هذا فيذكرون من العروض ما يسوغون الإشهاد عليهم وربما أحضروه ثم ردوه إلى ربه ويعطون الدنانير أو الدراهم وهذا سلف جر نفعا بلا خلاف وهو ما كانت تفعله الجاهلية ودفع الدنانير بغير سلعة أقل وقوعا من الأول فلما كثر التداعي في ذلك بحثت عليه واستفهمت الشهود وغيرهم فذكروا أنه الغالب من معاملة الناس وجماعة منهم يتوقون الشهادة في الرهان لذلك فلما تحقق أن الغالب الفساد رأيت أن القول قول مدعيه من الخصوم لشهادة العرف له قيل والعادة في تونس في الأغلب في الرهان والعينة في آخر القرن الثامن وأول التاسع كذلك والصواب أنه ينظر إلى الآخذ والمعطي فإن كان مثلهما ممن لا يعمل بذلك أو أحدهما فالقول قول مدعي الصحة وإلا فالحكم بالفساد لاسيما أن كانت المعاملة مع اليهود لأنه لا يقصدهم إلا الفسقة أو ذو الحاجة الشديدة أو من يبين من معاملة المسلمين فالصواب أن المعاملة معهم تحمل كلها على الفساد وقد أشبههم عامة النساء في معاملتهم في هذا الزمان إلا القليل وبالله التوفيق انتهى (الخامس) قال الحطاب إذا ادعى المرتهن أنه رد الرهن إلى الراهن وقبض الدين وأنكر الراهن الرد فالقول قول الراهن أن كان مما يغاب عليه قبضه ببينة أو بغير بينة وإن كان مما لا يغاب عليه فالقول قول المرتهن إلا

ص: 164

أن يكون قبضة ببينة (السادس) من له دينان على إنسان كعشرين دينارا عشرة برهن وعشرة بغير رهن ثم قضاة عشرة وقال هي عن دين الرهن وخالفه المرتهن فقال بل هي عن العشرة بلا رهن فإنهما يحلفان وتوزع العشرة على الدينين فتصير العشرة الباقية نصفها برهن ونصفها بلا رهن كمسألة الحمالة وفي الحطاب عند قول صاحب المختصر وإن اختلفا في مقبوض فقال الراهن عن دين الرهن وزع بعد حلفهما كالحمالة ما نصه قال في كتاب الرهن من المدونة وإن كان لك على رجل مائتان فرهنك بمائة منها رهنا ثم قضاك مائة وقال هي التي فيها الرهن وقلت له أنت هي التي لا رهن فيها وقام الغرماء أو لم يقوموا فإن المائة يكون نصفها بمائة الرهن ونصفها للمائة الأخرى ابن يونس يريد بعد أن يتحالفا أن ادعيا البيان وقال أشهب القول قول المقتضي ونصها في الحمالة منها ومن له على رجل ألف درهم من قرض وألف درهم من كفالة فقضاه ألفا ثم ادعى انها القرض وقال المقتضى بل هي الكفالة قضي بنصفها عن القرض ونصفها عن الكفالة وقال غيره القول قول المقتضى مع يمينه لأنه مؤتمن مدعى عليه وورثة الدافع في قولهما كالدفع اهـ قال ابن رشد فإن حلفا جميعا أو نكلا جميعا قسم ما اقتضي بين المالين وإن حلف أحدهما ونكل الآخر كان القول قول الحالف انتهى ما به الحاجة (السابع) وفي ابن سلمون وإذا دفع المرتهن إلى الراهن رهنه ثم جاء بعد ذلك يدعي أنه دفع إليه الرهن ولم يوفه حقه فالقول قول الراهن أنه قضاه على ما رواه ابن القاسم عن مالك في العتبية خلاف ما في نوازل أصبغ من أن القول قول المرتهن إذا كان قيامه بالقرب قال ابن رشد ولا خلاف إذا طال الأمد أن القول قول الراهن ولكل من القولين حجة اهـ (الثامن) وفي المعيار سئل ابن كنانة عن الرجل يرهن مال امرأته أو يبيعه ثم تنكر امراته فأجاب عليها اليمين بالله ما امرت ببيع ولا برهن ولا أذنت له في ذلك ثم تأخذ الذي لها قيل له لم رأيت عليها اليمين ولم يكن بينها وبين المشتري ولا المرتهن مخالطة ولا ملابسة قال من أجل أن الرجل يلي بيع مال امراته والنظر لها فيه انتهى

ص: 165