المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب اليمين وما يتعلق بها - توضيح الأحكام شرح تحفة الحكام - جـ ١

[عثمان بن المكي التوزري]

الفصل: ‌باب اليمين وما يتعلق بها

لعين جميع الفرس الأدهم أو الأشهب إلخ صفاته المحتاج إلى بيانها ويشهدون مع ذلك بأنه ملك من أملاكه ومال من ماله تحت يده وفي حوزه يتصرف فيه تصرف المالك في ملكه منذ مدة كذا ينسبه لنفسه وينسبه الناس إليه ولا يعلمون له فيه منازعًا ولا مخاصمًا ولا يعلمون خروجه ولا خروج شيء منه عن ملك مالكه إلى الآن أو إلى أن ضاع له من بلد كذا أو فر من بلد كذا وألفاه الآن بيد فلان وعلى عين الفرس المذكور أدوا شهادتهم إلخ فإذا تم هذا العقد لصاحبه ولم يكن لخصمه فيه مدفع ولا معارض ثبت له ويحلف في غير الأصول على القول المعمول به بالله الذي لا إله إلا هو لا يعلم لخصمه المذكور فيه حقًا قائمًا مستقبلا في المسجد الجامع أن كان الحالف مسلمًا وإلا فحيث يعظم انتهى ببعض زيادة للبيان لما يقتضيه أسلوب أهل هذا الزمان. ولما ذكر الناظم مسئلة الدعوى وأن الشيء يقسم بين المتداعيين على حسب دعواهما بعد اليمين ناسب أن يأتي بباب اليمين عقب ذلك فقال.

‌باب اليمين وما يتعلق بها

قال الحطاب قال في الذخيرة اليمين في اللغة مأخوذة من اليمين الذي هو العضو لأنهم كانوا إذا حلفوا وضع أحدهم يمينه في يمين صاحبه فسمي الحلف يمينًا وقيل اليمين القوة ويسمى العضو يمينًا لوفور قوته على اليسار ومنه قوله تعالى {لأخذنا منه باليمين} أي بالقوة ولما كان الحلف يقوي الخبر من الوجود أو العدم سمي يمينًا بخلاف التفسير الأول انتهى وفي غيره اليمين الجارحة وسمي الحلف يمينًا لأنهم كانوا إذا تحالفوا ضرب كل واحد منهم على يمين صاحبه فسمي الحلف يمينًا مجازًا وفي التتائي اليمين في العضو والحلف مؤنثة واليمين والحلف والإيلا والقسم ألفاظ مترادفة انتهى وقيل القسم أخص منها لأنه لا يكون إلا بالله أو صفة من صفاته ولعل هذا التخصيص من جهة العرف لا من جهة اللغة (وأما) في الاصطلاح فقال ابن عبد السلام لا تحتاج إلى تعريف برسم ولا حد لاشتراك الخاصة والعامة في معرفتها.

ص: 136

وعرفها الزناتي في اللباب بقوله اليمين هو الحلف بمعظم تأكيدًا لدعواه أو لما عزم على فعله أو تركه انتهى فقوله بمعظم أي حقيقة أو اعتقادًا فالمعظم حقيقة كقوله والله لا دخلت الدار أو لأدخلن والمعظم اعتقادًا كقوله أن دخلت الدار فأنت طالق أو أنت حر والحرية معظمه عنده لاعتقاده عظيم ما يخرج عن يده في الحرية أو الطلاق ودليله قوله صلى الله عليه وسلم من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت فسمى الحالف بغير الله حالفًا قاله ابن العربي (وعرفها) الإمام ابن عرفة بقوله اليمين قسم أو التزام مندوب غير مقصود به القربة أو ما يجب بإنشاء لا يفتقر إلى قبول معلق بأمر مقصود عدمه اهـ فقوله قسم إلخ وهو في الشرع لا يكون إلا بالله أو صفته. وقوله أو التزام مندوب إلخ بالرفع عطف على قسم واو للتنويع نحو أن دخلت الدار فعبدي حر فهذا التزام مندوب وهو الحرية ولم يقصد به التقرب إلى الله تعالى بالعتق وإنما قصد الامتناع من دخول الدار تشديدًا على نفسه فلو قصد به القربة لكان نذرًا لا يمينا فغير بالرفع نعت التزام. وقوله أو ما يجب بإنشاء إلخ عطف على التزام أي أو التزام ما يجب بإنشاء لا يفتقر إلى قبول وذلك كالطلاق فإنه يجب بالإنشاء ولا يفتقر إلى قبول الزوجة احترز به من نحو الهبة فهي وإن وجبت بالإنشاء لكنها تفتقر إلى قبول وقوله معلق بأمر إلخ بالرفع صفة لما يجب لأنها نكرة موصوفة وذلك نحو أن دخلت الدار فأنت طالق في صيغة البر وإن لم أدخل الدار فإنت طالق في صيغة الحنث فالطلاق في الصيغة الأولى علق على أمر وهو الدخول والمقصود عدمه وفي الثانية علق على أمر وهو نفي الدخول والمقصود عدمه وهو الدخول (تنبيه) قال ابن الحاجب النذور والطلاق والعتق على صفة فيهن تسمى يمينا وهي في الحقيقة تعليق. وقال الحطاب إطلاق اليمين على الحلف بالطلاق والعتاق مجاز ألا ترى إلى حروف القسم لا تدخل عليهما. وفي آخر الجزء الرابع من نوازل الخلع وغيره من المعيار جواب الإمام عبد الرحمن السهيلي عن الحلف بالطلاق والإيمان اللازمة بعد كلام طويل ما نصه ومما يوضح لك أن الطلاق ليس بيمين أي حتى يدخل في الإيمان تلزمني وأن الحالف

ص: 137

به ليس بمقسم إجماع أهل العربية في أبواب القسم على أن القسم لا يكون إلا بحروف القسم كالواو والباء والتاء ولو أن لقائل أن يقول والطلاق لأفعلن أو وحق الطلاق لكان هذا مقسمًا لغة وعربية لا شرعًا كالذي يقول والكعبة لأفعلن أو يقول والبيت ونحو ذلك فإذا كان كذلك فهو مقسم وحالف لكن لا يلزمه في حكم الشريعة شيء فإن قال علي الطلاق أن فعلت كذا وكذا لزمه لا من حيث أنه حالف ومقسم ولكن يسمى مطلقًا ربط طلاقه بشرط فإن وقع الشرط وقع الطلاق ومن تورع أن يحل ما حرم الله فلم لا يتورع أن يحرم ما أحل الله اهـ والذي درج عليه خليل أن اليمين لا تكون إلا بالله أو صفة من صفاته كما للسهيلي قاله الزرقاني عند قول المصنف وزيد في الإيمان تلزمني إلخ وسيأتي هذا بعبارة أخرى في الإيمان اللازمة فراجعه. والمراد باليمين هنا اليمين الذي تقدم ذكرها في أنواع الشهادات وهي التي تدور بين يدي القضاة والحكام وتقطع بها الحقوق الواجبة على أحد الخصمين أو عليهما معا كما تقدم وهي بالله الذي لا إله إلا هو بهذا اللفظ المخصوص على صفة مخصوصة في مكان مخصوص إذا غلظت على ما يأتي في قوله وقائمًا مستقبلًا يكون وبالله يكون الحلف لا اليمين المعقود عليها الباب عند الفقهاء مع النذر التي توجب الكفارة وهي ما كانت بالله أو صفة من صفاته ولا ما هو أعم وهي المتقدمة في التعريف كما علمت. وقوله وما يتعلق بها أي من مكانها وزمانها وبيان صفتها وكيفية أدائها وكونها على نية المستحلف وبيان أقسامها وأنها لا تعاد إذا مر عليها حين من زمن الحلف إلى وقت الخلاص وبيان الدعوى التي توجب اليمين بمجردها والتي لا توجبها ومن تتوجه عليه ومن لا تتوجه عليها بحكم الحاكم وقد شرع في بيانها فقال

(في ربع دينار فأعلى تقتضى

في مسجد الجمع اليمين بالقضا)

يعني أن اليمين إنما يوجهها الحاكم أو المحكم على من توجهت عليه من الخصوم في كل شيء جليل أو حقير معتبر شرعًا لكن لا تغلظ على الحالف إلا في الحق الذي له بال

ص: 138

وأقله ربع دينار أو ما يقوم مقامه من عرض أو ثلاثة دراهم فإن كان أقل من ذلك فلا تغلظ عليه فيه كما يأتي والتغليظ واجب فمن امتنع منه عد ناكلا وهو من حق الخصم ويكون التغليظ في الجامع في حق المسلم ويكون حيث يعظم منه ثم أن من توجهت عليه اليمين لا يخلو أما أن يكون رجلا أو امرأة فإن كان رجلا فحكم حلفه في المسجد نهارًا ظاهر وإن كان امرأة فأشار إلى حكمها في ذلك بقوله

(وما له بال ففيه تخرج

إليه ليلًا غير من تبرج)

يعني أن المرأة إذا كانت غير متبرجة بأن كانت مخدرة وهي المستترة في بيتها بحيث لا تخرج نهارًا تخرج لليمين ليلًا فيما ادعت به وهو المال الذي له بال وأقله ربع دينار كما مر كذلك إذا ادعى عليها وحلفت في أقرب المساجد إليها أن كان جامعًا وظاهره أنها تخرج للحلف ليلًا سواء كانت لا تخرج إلا ليلًا ولا تخرج أصلًا لا ليلًا ولا نهارًا أو هو كذلك على أحد قولين والذي عليه العمل أنها إذا كانت لا تخرج نهارًا وسواء كانت تخرج ليلًا أم لا حلفت في بيتها كالمريضة وكذا إذا كان الحق أقل من ربع دينار ولا فرق في هذا بين التي تخرج وبين التي لا تخرج فيرسل القاضي لها من يحلفها في بيتها بمحضر من له اليمين متباعدًا عنها أقصى ما يسمع منها لفظ اليمين إذا كان رجلًا وامتنعت هي أو زوجها من اطلاعه عليها حيث كانت مخدرة وبه القضاء وقيل لا يحضر معها وبعث القاضي يكفي فيكون على وجه النيابة عنه أما المرأة التي تخرج نهارًا وهي مفهوم قوله غير من تبرج فحكمها حكم الرجل تخرج فيما له بال من الحقوق فتحلف في المسجد وقوله غير بالرفع فاعل تخرج وتبرج بفتح التاء والراء المشددة وأصله تتبرج فحذفت إحدى التاءين وأصل التبرج في اللغة إظهار الزينة والمراد هنا من لا تخرج نهارًا أصلا (تنبيهات الأول) أن لم يكن للقوم جامع جلبوا إلى الجامع الذي على قدر مسافة الجمعة من منازلهم لأنهم ممن لهم جامع حكما وإلا حلفوا في مواضعهم حيث كان التغليظ بالمسجد من حق

ص: 139

الخصم فله أن أن يحلفه بغير مسجد كل ذلك بحضرة خصمه فإذا حلفها بحضرة عدلين فقط فإنها لا تجزئه ويعيدها بحضرته إذا لم يتغيب عنها بعد الحكم له بها وإلا أقام له القاضي وكيلًا يقتضيها أن طلب من توجهت عليه تعجيلها لأن القول قول من طلب تعجيل اليمين من الخصمين لا من طلب تأخيرها إلا لغرض فإنه يؤجل ثلاثة أيام كما تقدم في الآجال عند قول الناظم

والمدعي أن له ما يدفع

به يمينًا أمرها مستبشع

وكذا لوقت تغلظ فيه على ما يأتي (الثاني) قال الحطاب قال القرافي في كتاب الدعاوي عن بعض القرويين إذا ادعى أحد المتفاوضين على شخص بثلاثة دراهم فليس عليه أن يحلفه في الجامع لأن كل واحد غنما يجب له درهم ونصف ولو ادعى عليهما بثلاثة دراهم حلفهما في الجامع لأن كل واحد عليهم درهم ونصفه وهو كفيل بالثاني فالثلاثة على كل واحد منهما (الثالث) قال لا يحلف العليل في بيته إلا أن تشهد بينة أن به علة لا يستطيع الخروج معها لا راجلًا ولا راكبًا فإنه يحلف في بيته على الحق حينئذ وسيأتي حكم التغليظ بالزمان ثم أخذ يتكلم على كيفية الحلف فقال

(وقائمًا مستقبلًا يكون

من استحقت عنده اليمين)

يعني أن من وجبت عليه اليمين في الجامع فإنها تغلظ عليه أيضا بأن يحلفها قائمًا مستقبلًا على ما جرى به العمل وقيل يحلف كيفما تيسر له وليس به عمل وقيل بالقيام لا بالاستقبال والله أعلم وقوله

(وهي وإن تعددت في الأعراف

على وفاق نية المستحلف)

يعني أن اليمين بجميع أقسامها التي هي يمين تهمة ويمين قضاء ويمين منكر ويمين مع شاهد واحد أو ما يقوم مقامه الآتي بيانها وقد تقدمت أيضا تكون على نية المستحلف لا على نية الحالف في القول الأعرف الذي عليه أكثر أهل العلم فمن ادعى عليه إنسان بعشرة من قرض مثلا فحلف بالله أو قال عليه الطلاق ما له عندي عشرة من

ص: 140

قرض ولا بعضها ونوى حاضرة مثلًا فإنه يأثم ويحنث ولا تنفعه نيته هذا إذا لم يكن قضاها أما إذا قضاها بدون بينة ثم قام صاحبها وطلب المقترض بها فأنكره وطلب أن يحلفه فإنه يحلف له ما تسلف منه عشرة وينوي في قلبه يجب عليه الآن ردها أو بعد التي قضاها ويبرأ من الإثم ومن الدين ولا يقال هذه النية لا تنفعه لأن اليمين على نية المحلف لأنا نقول هي هنا ليست على نية المحلف لأنها ليست في وثيقة حق باعتبار ما في نفس الأمر والواقع قاله الشيخ الخرشي (ثم) ذكر مفهوم قوله في ربع دينار فأعلى إلخ وصفة اليمين التي لا يجزئ غيرها من الإيمان في الحقوق ويمين الكفار وموضع حلفهم والتغليظ بالزمان والمكان معا في الأمور التي لها شأن فقال

(وما يقل حيث كان يحلف

فيه وبالله يكون الحلف)

(وبعضهم يزيد لليهود

منزل التوراة للتشديد)

(كما يزيد فيه للتثقيل

على النصارى منزل الإنجيل)

(وجملة الكفار يحلفون

إيمانهم حيث يعظمون)

(وما كمثل الدم واللعان

فيه تحري الوقت والمكان)

الأبيات الخمسة يعني أن الخصم إذا توجهت عليه اليمين في أقل من ربع دينار فإنه يحلف في الموضع الذي هو فيه سواء كان مسجدًا أو سوقًا أو غيرهما وسواء كان قائمًا أو جالسًا مستقبل القبلة أو غير مستقبل رجلا كان أو امرأة صحيحًا كان أو مريضًا. وإن الحلف لا يكون إلا بالله الذي لا إله إلا هو وهذا في غير اللعان والقسامة فإنه لا يحتاج فيهما لزيادة الذي لا إله إلا هو بل يقول في الله أشهد بالله لرأيتها تزني فقط وفي القسامة أقسم بالله لمن ضربه مات وقال بعضهم يحلف بالله الذي لا إله إلا هو لمن ضربه مات وهو ظاهر المتون وقد نقل عن مالك رضي الله عنه فهذه صفة اليمين التي تدور بين يدي الحكام القاطعة للنزاع والخصام وأنه

ص: 141

لابد من الجمع بين الاسم والوصف وهو مراد الناظم ولا يكفي أحدهما وإن كان كافيًا في كونه يمينًا تكفي لأن الغرض هنا زيادة التجويف وهو يحصل بما ذكر. وأن بعض العلماء زاد في يمين اليهود منزل التوراة على موسى وفي يمين النصارى منزل الإنجيل على عيسى لفصد التشديد والتثقيل عليهم ليخافوا والمشهور عدم الزيادة (قال) ابن عرفة لفظ اليمين في حقوق غير اللعان والقسامة فيما يحلف المدعى عليه أو من يحلف مع شاهده بالله الذي لا إله إلا هو لا يزيد على هذا ابن رشد هذا هو المشهور وأن كل من توجهت عليه اليمين من الكفار يحلفها في الموضع الذي يعظمه أهل دينه من كنيسة ونحوها قال في المدونة يحلف اليهودي والنصراني في كنائسهم حيث يعظمون ويحلف المجوسي في بيت نارهم وحيث يعظمون اهـ. وإن اليمين إذا كانت في دم أو لعان أو مال عظيم له شأن على أحد قولين فيه تغلظ بالزمان والمكان معا فالتغليظ بالزمان يكون بعد عصر يوم الجمعة والتغليظ بالمكان المسجد الجامع ولا ينبغي أن تكون اليمين بغير الله تعالى وفي غير مسجد كالحلف على المصحف أ، كتب الحديث أي في المقابر والزوايا لأنه بدعة وضلالة.

وخير أمور الدين ما كان سنة

وشر الأمور المحدثات البدائع

لكن الذي عليه العمل الاكتفاء بذلك لأن المقصود إرهاب من توجهت عليه فلربما يخاف فيرجع إلى الحق (فائدة) إنما اختصت اليمين بالاسم الأعظم دون سائر أسمائه التسعة والتسعين لأن أسماء الله كلها صفات عدى هذا الاسم الشريف فإنه علم مخصوص به قاله بعض الشيوخ وقد قال سبويه الأعلام مختصرات الصفات ومعناه إذا ذكر العلم فكان صفاته مذكورة معه لاشتهاره وعدم خفائه ولو حلف يمينًا تشمل اليمين بالله كالأيمان اللازمة فإنها لا تكفيه ولابد من إعادتها قاله الوانوغي على المدونة كذا في آخر نوازل الدعاوي من المعيار (ثم) شرع في بيان أقسام اليمين التي أشار إليها بقوله وهي وإن تددت في الأعراف البيت فقال

(وهي يمين تهمة أو القضا

أو منكر أو مع شاهد رضى)

ص: 142

فهذه أربعة أقسام فيمين التهمة هي التي تترتب على دعوى غير محققة كما مر في شروط الدعوى ويمين القضاء هي الواجبة في حق الميت ونحوه مما يأتي ذكره ويمين المنكر وهي ما كانت في مقابة دعوى محققة واليمين مع الشاهد أو ما يقوم مقامه وهي ما كانت متممة لنصاب البينة وقد تقدم الكلام على هذين القسمين الأخيرين في الشهادات وذكرهما هنا أيضا (ثم) شرع يتكلم على القسم الأول منها فقال

(وتهمة أن قويت بها تجب

يمين مطلوب وليست تنقلب)

فلو أتى بالفاء لكان أحسن لأن هذا البيت مفرع على البيت قبله والمعنى أن التهمة إذا قويت توجهت بسببها اليمين على المطلوب المتهم ولا تنقلب اليمين على الطالب إذا أراد المطلوب قبلها عليه في القول المشهور وما درج عليه الناظم أحد أقوال أربعة في المسئلة ففي برنامج الشوارد للشيخ عظوم في فصل الصداق نقلًا عن ابن ناجي ما محصله يتحصل في يمين التهمة أربعة أقوال (الأول) توجهها مطلقًا (الثاني) عدمه مطلقًا (الثالث) يحلف المتهم دون غيره (الرابع) إذا قويت التهمة توجهت وإلا فلا أفتى به ابن رشد في أجوبته والذي جرى به العمل عندنا توجيهها مطلقًا والمشهور لا تنقلب وبه العمل انتهى. وفي نوازل الدعاوي من المعيار أن المشهور والذي به العمل هو توجيه يمين التهمة مطلقًا ولا يخرج عن ذلك إلا ما فيه معرة كدعوى الغصب والسرقة على صالح فإنه لا تتوجه فعلى هذا قول الناظم يشمل الصورتين ولا يعترض عليه بأنه ذهب على خلاف المشهور والمعمول به وعليه فيستثنى من كلام صاحب المعيار المبرز في الخير فلا يمين عليه بالتهمة في غير دعوى الغصب والسرقة أيضا كما حرره الشيخ المهدي في الحاشية هنا وقول ابن ناجي والذي جرى به العمل عندنا توجهها مطلقا من غير استثناء أحد غير ظاهر من جهة النظر والظاهر ما نقله صاحب المعيار عن العبدوسي وبه أخذ أبو البقاء الشيخ يعيش الشاوي وتبعه تلميذه التاودي وجماعة من المحققين لكن لما جرى العمل بالإطلاق فلا يعدل عنه إلى غيره والله أعلم (مسألة)

ص: 143

وفي مسائل ابن زرب كان ابن زرب رحمه الله يقول إذا قام رجل على آخر بدعوى يتهمه فيها فوجبت اليمين على المدعى عليه فليس له ردها ولا يحلف المدعى عليه إذا كان ممن تأخذه اليمين على التهمة حتى يحلف المدعي لقد ضاع له ما ادعاه على المقوم عليه وحينئذ يحلف المدعى عليه إذا قال للمدعي لم يضع لك شيء وإنما تريد أن تحرجني باليمين وبهذا كان يحكم ويقول أنها من دقيق المسائل انتهى من التبصرة الفرحونية (ثم) أخذ يتكلم على القسم الثاني وهو يمين القضاء وموضعين من مواضعها وأن اليمين إذا أديت لا تعاد وإن مر عليها حين فقال

(وللتي بها القضا وجوب

في حق من يعدم أو يغيب)

(ولا تعاد هذه اليمين

بعد وإن مر عليها حين)

يعني أن يمين القضاء في حق من يعدم بالبناء للنائب أي يموت أو يغيب غيبة بعيدة أو قريبة مع عدم الأمن أن كان من أهل ولايته واجبة على طالب هذين الصنفين بحيث لا يتم حكم الحاكم إلا بها فهي شرط صحة وذلك على وجه الاستحسان احتياطًا على أموالهما لكونهما لا يدفعان عن أنفسهما في الحال لامتناع ذلك أما مطلقًا في حق الميت أو مع إمكانه منه في المستقبل في حق الغائب ومن كان على شاكلته من صبي ومجنون فقدر الفقهاء على فرض حضورهما أنه لو ادعى كل واحد منهما أنه قضى غريمه ولا بينة له فإن اليمين تجب له على غريمه الطالب له فكذلك هنا وذلك بعد سماع بينته وتزكيتها فيحلف في المسجد الجامع حيث كان المال له بال قائمًا مستقبل القبلة بالله الذي لا إله إلا هو ما قبضت من فلان الميت أو الغائب شيئًا من الدين الذي ثبت لي عليه عند فلان قاضي كذا ولا قبضت عنه شيئًا ولا استحلت على أحد ولا أحل به أحدًا ولا وهبته له ولا شيئًا منه ولا قدمت أحدًا يقتضيه منه وأنه لساق عليه إلى يمينه هذه ولا بد من كتب القاضي في حكمه صورة اليمين وأسماء الشهود ليجد الغائب مدفعا عند قدومه لأنه باق على حجته إذا قدم فإذا أبدا مطعنًا في تلك البينة

ص: 144

بعد قدومه أو كان له ما يعارضها تقض الحكم على أحد قولين ومثله ورثة الميت إذا كانوا غير رشداء لأنهم لا يعجزون بخلاف الوارث الرشيد فإنه لما كان يعجز فليس له إلا يمين القضاء على طالب موروثه بعد الإعذار إليه في البينة إذا طلب ذلك ولولي اليتيم الصلح عن محجوره مع رب الدين بإسقاط شيء من الدين الذي ثبت له في مقابلة إسقاط اليمين عنه إذا رأى منه العزم على الحلف وإلا فلا وهذه اليمين كما تجب في حق الميت والغائب تجب في حق اليتيم والمجنون والمساكين والأحباس العامة واستحقاق غير العقار على ما به العمل وبيت المال ليأخذ حقه منه لأنه معدم أو أنه ابن فلان الذي مات ووضع ماله في بيت المال لظن أنه لا وارث له والمفلس قال في التوضيح إذا قام الغرماء على المفلس فعلى القاضي أن يكلفهم إثبات ديونهم ثم يعذر فيما ثبت عنده للمفلس ولكل واحد في دين صاحبه فإذا وقع التسليم أو عجز عن الدفع أمر كل واحد أن يحلف أنه لم يقبض من دينه شيئا ولا أسقطه وأنه لباق عليه إلى الآن على ما عرف في هذه اليمين انتهى وقد نظمت جميعها فقلت

والمدعي على كميت أو يتيم

أو حبس أو ذي جنون مستديم

أو مفلس أو غائب لا يقرب

وفي استحقاق غير ربع أقرب

أو بيت مال ثم الفقراء

تلزمه اليمين بالقضاء

وفي حاشية الشيخ أحمد بن الطاهر التونسي على ما كتبه الشيخ التاودي هنا نظم شيخنا أبو العباس أحمد بن القاضي النظائر التي تجب فيها يمين القضاء فقال

إذا كان دين على ميت

وذي غيبة وصبى وجنون

يمين القضاء على مدع

عليهم حقوقا قضا الحاكمون

كذاك على الحبس أو بيت مال

وما للمساكين فالعالمون

حكوه وفي مستحق العروض

وفي الحيوان له مثبتون انتهى

وقول الناظم ولا تعاد هذه اليمين البيت معناه أنه إذا حلف هذه اليمين من وجبت عليه فإنه لا تتوجه عليه مرة ثانية ولا يطالب بإعادتها وإن مر عليها حين وزمن طويل

ص: 145

(قال) الشارح ما لم يحدث ما يوجبها من اعتراض الشك في باقي الحق مثل ما عرض أولا فإنها تجب ثانيا ويتصور ذلك بعودة الغائب من مغيبه وإقامته مدة بعد حلف طالبه معه في موضع الحكم يعني ولم يقبض جميع دينه بعد الحلف ثم تعرض له غيبة ثانية فإن يمين القضاء تجب هنا لتجدد ما يوجبها من الشك في بقاء الدين فلو زاد الناظم بعد قوله ولا تعاد هذه اليمين البيت فقال مثلا

إلا إذا ما حدث الشك الذي

أوجبها من أول فلتحتذي

ويكون الاستثناء راجع لقوله ولا تعاد إلخ انتهى (تنبيه) راجع قوله المتقدم والحكم في المشهور حيث المدعى عليه وقوله ومع مخيلة بصدق الطالب الأبيات وخطاب القضاة وقوله الآتي

لطالب الحكم على الغياب

ينظر في بعد وفي اقتراب

الأبيات الستة عشر في فصل البيع على الغائب وشرح الشيخ التاودي على قول الزقاق

ومن غاب في قرب كمن هو حاضر

مسافته يومان مع أمن انجلا

وإلا فيقضي مع يمين كعشرة

بغير عقار يستحق إذا جلا

بعيد ثبوت الموجبات لمدع

لديه متاع أعد ول موصلا

يبيع كما يدري ويقضي وإن يكن

يجعل ففي معطيه قولان اعملا

وناء كمن بالقيروان لتحكمن

عليه على الإطلاق مع حلف خلا

وقول الشيخ خليل والقريب كالحاضر والبعيد جدا كإفريقية قضي عليه بيمين القضاء وسمى الشهود وإلا نقض والعشرة أو اليومان مع الخوف يقضى عليه معها في غير استحقاق العقار وقوله وبيعت داره بعد ثبوت ملكه وأنها لم تخرج عن ملكه في علمهم ثم بينة بالحيازة وقوله في الفلس وبيع ما له بحضرته بالخيار ثلاثًا قال في التوضيح ليس خاصًا بالفلس بل كل ما يتولى الحاكم بيعه على غائب أو يتيم أو نحوهما كذلك اهـ لتتم لك فائدة ما هنا بلغنا الله وإياك أحسن ما نتمنى (قوله) والتي بها القضا وجوب البيت الواو عاطفة على ما قبلها واللام حرف جر زائد والتي اسم موصول صفة لموصوف

ص: 146

محذوف مبتدأ تقديره اليمين التي وبها أي اليمين متعلق بالقضاء وهو مبتدأ ووجوب أي واجب خبره والجملة من المبتدأ والخبر صلة الموصول لا محل لها من الإعراب والعائد الضمير المجرور بالباء وقوله في حق من يعدم إلخ جار ومجرور متعلق بمحذوف تقديره كائنة خبر المبتدأ وحق مضاف ومن اسم موصول مضاف إليه ويعدم بضم أوله وفتح ما قبل آخره فعل مضارع فيه ضمير مستتر جوازًا تقديره هو يعود على من وجملة يعدم صلة الموصول وجملة أو يغيب معطوفة عليه لا محل لهما من الإعراب (ثم) قام يتكلم على القسم الثالث فقال

(ولليمين أيما أعمال

فيما يكون من دعاوي المال)

(إلا بما عد من التبرع

ما لم يكن في الحال عند المدعي)

(وفي الإقالة ابن عتاب يرى

وجوبها بشبهه معتبرا)

(وهذه اليمين حيث توجب

يسوغ قلبها وما أن تقلب)

الأبيات الأربعة يعني أن يمين المنكر لا يكون لها إعمال كامل إلا في دعاوي المال مما يقتضي عمارة ذمة برية أو براءة ذمة معمورة فتتوجه اليمين على المدعى علي في الصورة الأولى وعلى المدعي في الصورة الثاني ثم استثنى من دعاوي المال دعوى التبرع بجميع أنواعه وأنها لا توجب يمينا وذلك أن يدعى إنسان على آخر أنه وهبه شيئًا مثلا وأنكر مالك ذلك الشيء دعواه فلا يمين في ذلك على المشهور أشار إليها بقوله إلا بما عد من التبرع واحترز بالتبرع من دعوى المعاوضة ففيها اليمين (ثم) أخرج من دعوى التبرع التي لا توجب اليمين على المنكر صورة واحدة وهي ما إذا كان الشيء الذي ادعيت هبته تحت يد المدعي في وقت الدعوى فإن اليمين تجب على مالكه أنه ما وهبه له استحسانًا أشار إليها بقوله ما لم يكن في الحال عند المدعي واسم يكن ضمير عائد على المدعى فيه والحال الوقت وقيل يأخذه مالكه بلا يمين كما تقدم في النوع الأول من أنواع الشهادات (ولما) كان القرض والحوالة

ص: 147

والكفالة مع العقد والإقالة على الثمن الأول لا تدخل في كلام الناظم وإن كان الكل معروفًا لأن التبرع هو ما لا معاوضة فيه وهذه فيها معاوضة وحيث كانت لا تدخل في كلامه نبه على لحروق بعضها بالتبرع فقال وفي الإقالة البيت قال ابن عتاب لا تجب اليمين لمدعي الإقالة على المدعى عليه إلا أن يأتي بشبهة تقوى بها دعواه انتهى وقول الناظم وجوبها بالنصب مفعول أول ليرى ومعتبرا بفتح الباء الموحدة مفعول ثان وبشبهة متعلق به وفي الإقالة متعلق بيرى أو بمعتبرًا (ثم) هذه اليمين حيث تتوجه على المدعى عليه في دعوى المال يسوغ له قلبها على المدعي فإن حلف استحق الشيء أو برئت ذمته وإن نكل سقطت دعواه أو عمرت ذمته كما في الصورتين المتقدمتين وليس له قلبها بعد لأنه يؤدي إلى التسلسل وإلى هذا اشار بقوله وهذه اليمين حيث توجب البيت وتوجب بضم أوله وفتح ما قبل آخره وإن بفتح الهمزة بعد ما زائدة وفي قوله ولليمين أيما أعمال تعقيد على المبتدي (ثم) أن من توجهت عليه اليمين أما أن يثبت لنفسه حقًا أو ينفي عنها أو يثبت لغيره حقًا أو ينفي عنه فهذه أربع صور أشار إليها بقوله

(ومثبت لنفسه ومن نفى

عنها على البتات يبدي الحلفا)

(ومثبت لغيره ذاك اقتفا

وإن نفى فالنفي للعلم كفى)

يعني أن من وجبت عليه اليمين فإن كان قد أثبت لنفسه أمرًا أو نفي عنها أمرًا فإنه يخلف يمينًا كما يجب حيث يجب على البت في الصورتين ولا تفيد على نفي العلم لأن دعواه صدور شيء منه أو نفي صدوره عنه يعلم هو قطعًا صدقها أو كذبها فالمثبت لنفسه كمن أقام شاهدًا بحق على آخر أو ردت عليه اليمين فغنه يحلف أن له عليه كذا من وجه كذا طبق دعواه ويستحق ويحلف المطلوب في النفي ما له على كذا ولا شيء منه بعد قوله بالله إلخ كما مر ويحلف الطالب إذا صار مطلوبًا في دعوى القضاء بالله الذي لا إله إلا هو ما قبضت من فلان كذا ولا شيء منه ويزيد في الميت أو الغائب

ص: 148

ولا استحلت على أحد ولا أحلت به أحدا ولا وهبته له ولا شيء منه ولا قدمت أحدًا يقتضيه منه ولا أسقطته عنه وإنه لباق عليه إلى يمينه هذه كما مر قريبًا. وإن كان قد أثبتت لغيره أمرًا أو نفى عنه أمرًا فيحلف على البت في صورة وعلى نفي العلم في صورة فالمثبت لغيره كمن ادعى دينا لأبيه الميت وأقام به شاهدا واحدًا أو لم يكن له شاهد وردت عليه اليمين فيحلف على البت معتمدًا في بته على ظن قوي ولا يصرح به بالله إلخ أن ما شهد به الشاهد أو أن ما يدعيه لحق ويستحق. والنافي عن غيره يحلف على نفي العلم كوارث ادعى إنسان على مورثه دعوى مجردة فيحلف من يظن به العلم ممن تتوجه عليه اليمين يقول بعد الحلف أنه لا يعلم له كذا من وجه كذا ولا شيء منه على مورثه فإن حلفها على البت أجزأته وقيل لا ويعيدها وكذا إذا ادعى أنهان أن لأبيه الميت دينًا على ميت أو غائب وأقام به شاهدين فإنه يحلف يمين القضاء عن أبيه بأنه لا يعلم أن أباه اقتضى ذلك الدين ولا شيء منه على نحو ما مر فإن أقام به شاهدًا واحدًا حلف يمينين إحداهما على البت تتميمها للنصاب والأخرى يمين القضاء على نفي العلم (ثم) أخذ في الكلام على القسم الرابع وهو اليمين مع شاهد عدل لكمال النصاب وتحته أربع صور لأن من قام له شاهد واحد أما بالغ سفيه أو عبد أو رشيد أو صبي وقد تكلم الناظم على جميعها أما بالتنصيص وإما بطريق المساوات وإما بالأحرى وقد أشار إلى الأول والثاني والثالث منطوقًا ومفهومًا فقال

(والبالغ السفيه بأن حقه

يحلف مع عدل ويستحقه)

يعني أن البالغ السفيه المولى عليه إذا ظهر حقه بشهادة عدل واحد أو ما يقوم مقامه مما تقدم فإنه يحلف مع شاهده ويستحق حقه ولا يستان باليمين لرشده كالصبي فإن نكل عن اليمين حلف المطلوب وبرئ موقنًا إلى رشد السفيه على القول بأن حقه لا يسقط بنكوله وهو الراجح فإذا رشد وحلف استحقه وإن نكل سقط حقه ولا يحلف المطلوب مرة ثانية ومثل السفيه العبد ومقهوم السفيه الرشيد وهو أحرى

ص: 149

وأولى باليمين مع الشاهد ومفهوم مع عدل أنه إذا كان الحق بشهادة عدلين فلا يمين وإن توجهت عليه يمين القضاء فهل يحلفها حالا وهو ظاهر كلامه أو ترجى له اليمين إلى رشده وهو الراجح وبه العمل قولان وقوله

(وترجؤ اليمين حقت للقضا

لغير بالغ وحقه اقتضى)

حقه أن يكون ملاصقًا لقوله وللتي بها القضا وجوب البيتين للسلامة من إدخال بعض أحكام يمين القضاء أثناء اليمين مع الشاهد والمعنى أن الصبي إذا ثبت له حق على ميت أو غائب ونحوهما ممن لا يقتضى منه الحق إلا بعد يمين القضاء فإنه يقتضى له حقه الواجب له الآن وتؤخر اليمين التي وجبت عليه إلى بلوغه رشيدًا فإن حلف بعد رشده بقي حقه بيده وإن نكل عنها رد الحق إلى من أخذه من يده. وأشار إلى حكم الرابع بقوله

(وحيث عدل للضبغر شاهدًا

بحقه وخصمه قد جحدا)

(يحلف منكر وحق وقفا

إلى مصير خصمه مكلفًا)

(وحيث يبدي المنكر النكولا

بلغ محجور به المأمولا)

الأبيات الثلاثة يعني أن الصغير إذا قام له شاهد واحد أو ما يقوم مقامه بحق وخصمه منكر لذلك فإن خصمه المشهود عليه يحلف يمينا كما يجب حيث يجب أن ما شهد به الشاهد ليس بحق فإذا حلف ترك الشيء المشهود به موقوفًا بيده على المشهور وقيل تحت يد أمين إلى أن يبلغ الصبي رشيدًا ويكتب القاضي له بذلك رسمًا بما صح عنده من شهادة الشاهد فإن بلغ رشيدًا وحلف أخذ حقه وإن نكل فلا شيء له ولا يحلف المطلوب مرة ثانية فإن نكل خصمه المنكر عن اليمين من أول الأمر حكمه للصغير بحقه في الحال وإلى هذا أشار بقوله وحيث يبدي البيت ولا يحلف إذا بلغ رشيدًا على المشهور وبه العمل. ومثل الصبي الغائب إذا أقام وكيله شاهدًا بحقه

ص: 150

على آخر فيحلف المطلوب ليترك الشيء بيده موقوفًا إلى قدوم الغائب ويكتب القاضي له بذلك رسما كذلك فإذا قدم وحلف أخذ حقه وإن نكل فلا شيء له ولا يحلف المطلوب ثانية فإن نكل المشهود عليه عن اليمين من أول الأمر حكم للغائب بحقه في الحال ولا يحف إذا قدم وقوله

(والبكر مع شاهدها تحلف

وفي ادعاء الوطء أيضا تحلف)

يعني أن البكر البالغ إذا قام لهاشاهد حسي بحق على آخر وأنكره فإنها تحلف معه حيث لم تجد سواه وتستحق حقها منه كما تقدم في السفيه البالغ أو قام لها شاهد عرفي فإن ادعت على زوجها الوطئ حيث كان خلا بها وأنكره فإنها تحلف معه أيضا وتستحق منه الصداق كاملًا وقد تقدم هذا الفرع عند قوله وهاهنا عن شاهد قد يغني إرخاء ستر البيت مستوفى فراجعه أن شئت وقوله

(وفي سوى المشهور يحلف الأب

عن ابنه وحلف الابن مذهب)

ما تقدم من أن الصبي لا يحلف مع شاهده هو المشهور وفي سوى المشهور يحلف الأب عنه لأنه يمونه وينفق عليه وروي أن الصبي يحلف مع شاهده كالبالغ السفيه وإليه أشار بقوله وحلف الابن مذهب وحلف بفتح الحاء وسكون اللام أي يمين الابن مع شاهده مذهب ضعيف قال ابن رشد هذا المذهب بعيد لا تحتمله القواعد أي وذلك لأن الصبي لما كان غير مكلف ويعلم أنه لا يأثم بالكذب ولا بغيره فقد يحلف على الباطل (ولما) كانت مسئلة الصبي المارة قريبًا وهي إذا شهد له شاهد بحقه وأنكر خصمه ما وقعت به الشهادة فإنه يحلف ويوقف المدعى فيه أما بيده أو تحت يد أمين كما مر لها شبه بالرهن لأن الرهن تارة يكون تحت يد رب الدين وتارة يكون تحت يد أمين ناسب ذكر باب الرهن عقب باب اليمين فقال

ص: 151